لماذا لا يفهموننا؟

09:41 صباحًا الخميس 19 فبراير 2015
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بعد أحداث 11 سبتمبر التى استهدفت برجى التجارة العالمى فى نيويورك خرج علينا رئيس تحرير النيوزويك حينذاك فريد زكريا بسؤال: “لماذا يكرهوننا؟” متجاهلا رصيد وتراكم للسياسات الأمريكية البغيضة بحق دول منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى ودعمها لجماعات التكفير المسلحة فى أفغانستان التى حاربت الاتحاد السوفيتى بدعم مالى ومخابراتى ولوجيستى أمريكى وهو الدعم الذى انتقل بعد ذلك لدعم ما أطلق عليه تيارات الإسلام السياسى المتمثل فى الأخوان المسلمين بكل رصيدها الفكرى التكفيرى الذى يستند إلى الأب الروحى لكل تلك الجماعات الإرهابية: الأخوانى سيد قطب؛ الذى يكفر الدول و الشعوب و الحاكم و المؤسسات التى لا تحكم “بشرع الله” من وجهة نظره.

وبدورنا نحن ملايين الشعب المصرى التى خرجت فى 30 يونيو 2013م كى تتخلص من حكم جماعة الأخوان التكفيرية نكرر على مسامع الذى لم يسمعنا فى الغرب سؤال: “لماذا لا تفهموننا؟”؛ لماذا لم تفهموا أن الشعب المصرى الذى خرج للشوارع ولم يعد بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس المخلوع محمد مرسى فى نوفمبر 2012 والذى أعتبر إنقلاب شامل على الديموقراطية و إخلال بالعقد بينه وبين الشعب الذى أنتخبه بأغلبيه بسيطة حين منح نفسه صلاحيات تفوق صلاحيات الآلهة؛ خرج الشعب ولم يعود حتى أكتمل أكبر حشد بشرى شهده التاريخ فى 30 يونيو وتكرر فى 3 يوليو و26 يوليو 2013م و تدخل الجيش لمنع حرب أهلية بين أنصار مرسى وتلك الملايين؛ ورغم ذلك وقف الغرب فى معظم العواصم مساندا لمطلب جماعة الأخوان ونظامها السياسى فى العودة رغم أنف المصريين؛ ورغم كل أحداث العنف والإرهاب التى أرتكبها أتباع الجماعة لم يصدر بيان إدانة ضد الأخوان وأصرت واشنطن دائما على عدم إدانة جماعة الأخوان بأنها جماعة إرهابية تستخدم العنف ضد مؤسسات الدولة وجيشها وضد المدنيين.
أغلبية المواطنين فى بلادى “مصر” يكرهون إدارة باراك أوباما و معظم نظم الحكم الغربية ويرون انها تدعم الإرهاب وأنها هى التى خلقت داعش كما خلقت القاعدة من قبل وتدعمها ماليا وتسليحيا ولوجيستيا من خلال حلفاءها فى المنطقة: قطر وتركيا وإسرائيل؛ هذا واقع لا ينكره أحد؛ بل داخل كل مواطن مصرى حقيقة راسخة بأن الدعم الأمريكى المباشر للأخوان أنتقل بعد سقوطهم فى مصر وعدد من بلدان الربيع العربى إلى جماعات أنصار بيت المقدس وداعش وأجناد مصر وغيرها من الجماعات التى تعمل لصالح الأخوان انتقاما من نظام الحكم فى مصر برئاسة الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى الذى تسبب من -وجهة نظر الغرب- فى تعطيل مسيرة و سيطرة جماعات الأخوان وبقية تيارات الإسلام السياسى على مشهد الحكم فى كل بلدان المنطقة والعمل على جذب كل المتشددين فى الغرب وخاصة فى أوروبا إلى مناطق تسيطر عليها الأخوان وتحت رعايتها حيث كان الأخوان برعاية تركيا يقدمون أنفسهم على أنهم قادرون على ضبط إيقاع المشهد فى مصر وتونس والأردن وليبيا وسوريا واليمن والسودان والمغرب والجزائر والعراق وأنها قادرة على ضبط إيقاع وحركة جماعات التكفير والسلفيين وكان أتفاق حماس وإسرائيل وتوقيع حماس على أتفاق وتعهدها بوقف عمليات المقاومة تحت مسمى وقف “الأعمال العدائية” مقدمة لقدرة الأخوان على إخضاع حماس “الجناح العسكرى للأخون المسلمين” وأحد فروع التنظيم الدولى للجماعة والسيطرة عليها بما يخدم المصالح الأمريكية ومصالح إسرائيل.
لماذا لا تفهمون أن عودة مرسى والأخوان بعد كل هذا الدم الذى سال والعنف والإرهاب أصبحت مستحيلة وأن عدم إدانتكم لإرهاب الأخوان أفقدكم المصداقية وفضح أنكم تكيلون بمكياليين وبأن دم المواطن المصرى أو العربى “مسلم أو مسيحى” رخيص مقارنة برد فعلكم على الدماء التى سالت على أيدى الإرهاب فى حادثة شارل إبدو…
مصر فى حالة حرب على الإرهاب والمواطن يدرك أنه يجب أن يقف خلف جيشه الوطنى فى مواجهة تلك الموجة التى يرى أنه يقف خلفها الأخوان وجماعات التكفير الدينى والسياسى بدعم واضح من واشنطن والغرب؛ المواطن يؤيد الجيش فى حربه ويخاف عليه من مخطط استراتيجية “شد الأطراف” التى تسعى إلى جر القوات المسلحة المصرية إلى جبهات متعددة فى ليبيا وسيناء وغزة واليمن وربما أثيوبيا إذا ما تهدد شريان الحياة “مياه النيل” وغيرها من الجبهات التى تستهدف الجيش وتريد تمزيقه على أعتبار أنه أخر جيش عربى متماسك بعد إنهيار جيوش ليبيا واليمن والعراق وسوريا؛ ولكن أحساس الغضب والمطالبة بالثأر ستجعل الجيش والشعب يتعاملان بقدرة واحترافية تحافظ على الجيش وفى نفس الوقت تهدىء من روع وأثر فيديو مقتل 21 مصرى على أيدى داعش “ليبيا”.
لن يجد الأمريكان إجابة على سؤال فريد زكريا “لماذا يكرهوننا؟” قبل أن يجيبوا على سؤال المصريين “لماذا لا يفهموننا؟” لأن الفجوة التى خلفتها السياسات الأمريكية والتناقض الذى دفعها للتعامل ودعم كل حركات التطرف الدينى خلق لدى المواطن المعتدل الذى يسعى للعيش فى سلام واستقرار ضغينة وكراهية تجاه كل ما هو أمريكى

……………………

الأهرام ويكلي ، الخميس 19 فبراير 2015

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات