أن تقرأ رواية لشاعر قرأت دواوينه الأولى، فأنت ستتوقع عملا تطغى عليه اللغة الشعرية، بحد أدنى من الأحداث والكثير من التهويمات والمنولوجات الداخلية، ذلك ما يحدث غالبا ممن بدأ طريق الشعر ثم طرق باب الرواية.
أشرف أبو اليزيد وروايته (31) المغايرة شكلا وموضوعا لا تفشي أن من كتبها شاعر!
طرق أبو اليزيد موضوعا غير متداول، نابعا من عالم الوظيفة، تجرى أحداثه في مؤسسة خليجية، حيث تقرر الإدارة إنهاء خدمات أحد موظفيها من القسم الفني، وتمنحه حسب القوانين الوظيفية فترة واحد وثلاثين يوما لإلغاء اقامته ومغادرة البلاد.
“يؤسفنا إبلاغكم بإنهاء عقدكم معنا، نظرا لسعي المؤسسة لتقليص الإنفاق جراء الأزمة المالية العالمية”*
تتوالى الأحداث غير المتوقعة، وتغوص قدم البطل في رمال الحظ السيىء، يتعرض للخطف والتهديد، يعرض عليه أن يكون طرفا في لعبة تبادل الأدوار، يمر الشهر سريعا تتخلله الفضائح والسرقات والحريق وغدر الأصدقاء وعودة الأمل.
“كانت هناك نذر تنبئ أن هذا اليوم قادم لا محالة. أخذت اطمئن نفسي بأنني استعددت لهذا اليوم، دون أن أخبرها كيف كان استعدادي. مضى اليوم سريعا، ولكن الدقائق التي أعقبت تسلمي التنويه الإداري كانت أطول من السنين التي عشتها في هذه البلاد*”
الكاتب اعتمد ترقيم الشخصيات بدلا من أسمائها، فالبطل (666) كرقمه الوظيفي، وسائق المؤسسة (25) كرقم سيارته، ورئيس القسم الكئيب (366)، حتى من هم خارج المؤسسة اختار لهم أرقام تواريخ ميلادهم أو أشياء يرتبطون بها، صديقه الكاتب (1961) المغترب الذي يتلصص على شقق جيرانه، ويؤلف كتابا عن أشهر الرسائل، والمصور البريطاني الذي يسكن الصحراء (001) لأنه عميل سري، يمارس الجاسوسية تحت قناع مراقب الحياة البرية والعقبان الذهبية.
“ماذا يحدث لمصر؟ لم أعد غريبا عما يحدث الآن. لم يعد يفصلني عن ذلك كله سوى 31 يوما. سأكون جسدا بين هذا الزحام الخانق. سأشم عوادم السيارات المعطوبة. سأتنفس الهواء الفاسد. سآكل الدجاج المصاب بالانفلونزا. سأشرب اللبن الملوث. سيكون لي نصيب كامل تحتفظ لي به البلد من كل مرض ألم بها* ”
البطل (666) لا يود السفر دون الانتقام ممن كان السبب في قطع رزقه، ملف ضخم من المراسلات الشخصية عبر فاكس المؤسسة، والتي حرص على الاحتفاظ بها لسنوات، يلوح به مهددا فتنقلب الدنيا على رأسه.
ايقاع العمل جاء سريعا ومفعما بالأحداث عدا الربع الأخير، الذي طالته الرتابة حيث استعراض الرسائل الخارجية التي لا علاقة لها بموضوع الرواية. اللغة بسيطة وسلسة، تطويع حكايات التنصت وربطها بالقلق الوظيفي والفراغ الاجتماعي كان ذكيا. كما جاء استعراض حال الوافد العربي في البلدان الخليجية في سياق العمل ليضيف محورا ثالثا، الأول عن عالم الوظيفة والثاني عن مراقبة الآخرين.
“هناك عين في كل مكان. عين تراقبك وأنت تمشي وتأكل وتدخل البنك وتخرج من بوابة العمل. عين تعرف متى تفتح جهاز الكمبيوتر وأي المواقع ستزورها وكم ستمكث في تصفحها. أنت عين على نفسك، تدق على مفتاح هنا، فتخبر الآخرين بحضورك المادي، وتشعل زرا هناك فتفضح حضورك البدني”*
الرواية مشوقة، العنوان كان موفقا، الغلاف لم يكن جذابا بلونه الرمادي الفاتح، وواضح أن دار النشر لم توزع الرواية بشكل جيد، القطع الطولي للكتاب في البداية كمتلقية لم أعتد عليه، لكن مع نهاية العمل وجدته الشكل الأنسب لكتاب في حقيبة.
…………………………………………………
*المقاطع من رواية (31) للكاتب أشرف أبو اليزيد، مكتبة المشارق، 2011
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.