جاسوس لكل مواطن

11:43 صباحًا الأحد 12 أبريل 2015
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ذُهلت مقدمة البرامج التليفزيونية البريطانية، التي كانت تزور مكتب الوليد بن طلال في “مملكته” بقلب العاصمة السعودية، لأنها جاءت محتشمة، وفق ما لقنوها لكي يكون الزِّي غير عار، حتى أنها غطت رأسها، ولكنها حين دخلت المكتب الذي يعانق السحاب، وجدت طاقم العمل النسائي في معقل الأمير ، لا يقل فتنة وكشفا عما تجده في منتجعات السياحة بالشرق الأقصى أو أوربا.
هذا ليس زيفا، وهذا ليس كذبا، وإنما هو مرآة صادقة لإسلام اليوم ومسلميه؛ الحفاظ على الشكل، أمام العامة، من أجل اعتبارات قد تكون أخلاقية أو دينية أو تقاليدية ، ثم التصرف بطبيعية وأريحية في الخفاء.
هذه الازدواجية الدائمة هي التي تؤسس دعوة جمعية لاحترام القانون علنا، ومخالفته خفية، نموذجا للتناقض بين المكشوف والمستور، وباستعارة أقنعة حماية الدين والعادات والأخلاق وما شابه.
لقد كثرت الافشاءات التي نراها: صورة لشاب وفتاة يتبادلان القبل، صورة لأم تُمارس العمل حاملة ابنها، صورة لمن يسرق ويغتصب وفيديو يكشف ويعري، والجميع يشارك في الجريمة بمقدار، بين من يفعل ومن يروِّج، وهو مجتمع مكبوت ينفجر في كشف الآخرين وحسب، بينما عوراته قنبلة موقوتة.
في روايتي (31) عن عوالم التنصت والتجسس التي يمارسها الأفراد، حيث الكل يراقب الكل، لا فرق بين عدو وصديق، بين عابر ومقيم، بين عربي أو أعجمي إلا بحدة ذلك النزوع لتعرية الآخر، فيما هو، كما أظنه ، صنو لتعرية الذات، وبين أرجوحة الكشف exposure والانكشاف exhibitionism مرض المجتمع المنغلق، الذي يقبل بتعرية الآخر، وإيذائه، نفسيا وجسديا، حتى حد القتل، ليدرأ ذلك عن ذاته، وربما ليعذب تلك الذات المختبئة في صورة الآخر.
لقد تفوق الفرد الجاسوس الفاضح على المؤسسة، وأصبح كل شخص مؤسسة قائمة بذاتها، تفتش في خبايا الآخرين، تبحث في صورهم الخاصة، وهو أمر أتيح بعد ثورة الوسائط الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر، وتفتش في حياتهم المصورة على يوتيوب وانستجرام، وتعيد الإفشاء بعد عمل المونتاچ الملائم، وهو أمر كانت تقوم به أجهزة الأمن والاستخبارات ، في الحياة والسينما، فأصبحت الجاسوسية متاحة للجميع، وغدت الاستخبارات أسهل من دخول الحمام، وبات تلفيق المنتوج رهنا لمهارة متوسطة، للشخص الأمني الذي جاء بديلا للمؤسسة الأمنية، وبدأ الجميع يمارس دوره المكارثي، والكارثي، ليفتت قيمة بعد أخرى، ويضرب طمأنينة تلو أخرى.
على منحدر شديد الميل، تكبر كرة الكراهية التي صنعت من بذور ذلك كله، وتدوس في طريقها الجميع، الكاشف والمكشوف، وعند أسفل المنحدر ، بعد قليل أو كثير، ستنفجر، ولن يبقى من ركام الانفجار ما يصلح للغد.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات