الوطن . كيف لنا ؟ كيف لنا أن نصف ذاك الذي لا يوصف ؟ . وكيف لنا أن نتلمس تلك العلاقة ؟ . فمفهوم العلاقة يؤكد وجود طرفين : طرف يأخذ وطرف يعطي …. فعل ورد فعل . ولكن الرابطة مع الوطن لا تتمكن منها أي تسميات وأوصاف ، لعلها تتشابه قليلا مع الماء , الماء الذي يروي عطشا ، الماء المنهمر مطرا ، الماء الممتد بحارا محيطات انهار …..الماء المتجول في خلايانا . وللماء حديث مائي.
هو موجود . هو باق . نتلمسه في طفولتنا . فنحن عندما نغادر أرحام أمهاتنا نكون قد انتقلنا من وطن الى وطن .
نتلمس الوجوه . نبحث عن الأصوات . نخطئ كثيرا اذا ما اعتبرنا الوطن منفصلا عن منازلنا، عن أحاديثنا ، عن أسرتنا ، عن مقاعدنا عن شرب قهوتنا .
نحلم بالمستقبل . ندرس الدروس . نكتب الواجبات لكي يستمر الوطن فينا . نعيش ونحلم ثم نحلم لكي نعيش . نقرأ التاريخ لنسمع حديثا … نمسك بالحدود الجغرافية لنرى ماذا يحد أوطاننا شمالا غربا جنوبا وشرقا .
مع الوطن ما من ماضي ما من حاضر ما من مستقبل
هو في ثنايا الروح ، وللروح تجليات ، وللروح آلام ، وللروح كلام عن الوطن وبالوطن .
هو في الزرع الذي نزرعه ، بل هو ممزوجا في خلايا التراب . فعندما يشتد الحنين نركع شاكرين ونقبل تراب الوطن ، فيكون هذا اللقاء – لقاء عاشقين لا يعرف مفرداته.
الوطن . الوطن العربي ” الأرض بتتكلم عربي الأرض” . تكلمت أوطاننا ، فكان وما زال الربيع العربي الذي تحدى هذه المقولة التي تعاقبت من اللاوعي الجمعي أو في الوعي الواعي ” حاكم جائر خير من فتنة طائفية “. فكان أن استعادت سماء أوطاننا سحبا ملونة …. عندما غادر أوطاننا الذين ظلموا . سحبا ملونة . تعطي الكرامة قبل رغيف الخبز . سحبا ملونة فيها ألوان قوس قزح . كل لون هو في الحقيقة رسالة لنا بأن الوطن باق بربيع لا متناهي بأزهار الياسمين البيضاء ، بشقائق النعمان الحمراء ، بأزهار عباد الشمس الصفراء ، بالزنبق الأبيض بالبنفسج بالعشب الأخضر ، بأزهار الصحراء ، بورود الجبال بزهور أشجار البرتقال .
الياسمينة الأولى
دمشق
الياسمين الأبيض الذي يتعربش في ثنايا دمشق ، في شوارعها على اسطح منازلها ، على الأرصفة بتنكات الياسمين التي يجمل بضاعتهم بائعو الذرة الصبارة السكاكر .هو وطن بلونه الأبيض ، بأريجه . فعندما يهب حب سوريا تهب معه رائحة الياسمين .
غادرت أمي وخالتي دمشق للانتقال الى عمان ، ولكن دمشق زحفت معهما الى عمان ….. الجلوس الطويل أمام التلفاز لمراقبة ما يجري….يكون ا لبكاء عاصفا أحيانا وهادئا أحيانا أخرى . تم تكون المداراه كلا منا منفردا لكي يتمكن كلا منا مداراة آلامه وأحزانه .
حاولت المساعدة
بدأت ألملم أزهار الياسمين ، اتخذت ركنا مخفيا . أمسكت بالابرة والخيط .وبدأت بغزل أطواق الياسمين زهرة وراء زهرة . ترتجف يداي أحيانا . أشعر بوخز الابرة في أصبعي لأنتبه بأني قد سرحت مع ياسمينات بيتنا الدمشقي، أحاول الاستعجال ….. فثمة نداء ! : أين أنت يا ابنتي ؟ .
أمسكت بطوق الياسمين وطوقت به عنق أمي . أمسكت بطوق الياسمين وطوقت به عنق خالتي …
أشكرك . قالت أمي ، ولكن !
أحبك . قالت خالتي ، ولكن !
ولكن ماذا ؟
لمذاق الياسمين الدمشقي لعطر الياسمين شيء آخر، في الليل يتجول عطر الياسمين ….. يترك مكانه ……
أرجو أن تصدقيني ، انه يتجول ما بين مكان ومكان ……
نعم يا أصدقائي ! نعم ! ان الياسمين الدمشقي يترك المكان ويهرب من الزمان …. فعندما بدأنا بترديد :
سوريا يا حبيبتي أعيدي لي كرامتي
رددت معنا زهور الياسمين : سوريا يا حبيبتي ……. ففاض المكان بماء الياسمين … فسرى ما بيننا عبقا سحريا مائيا … لتهدأ أرواحنا ، ونترحم على شهدائنا ، ونمسك بأطواق الياسمين المرئية وغير المرئية لنهديها الى كل الأرواح الطاهرة …
سوريا يا حبيبتي سوريا يا حبيبتي
نجوى الزهار
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.