ابتسامة خجلى/ ينقصُ ما يزيد

09:02 صباحًا الخميس 28 مايو 2015
دلع المفتي

دلع المفتي

كاتبة صحفية، دولة الكويت

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كنت مدعوة إلى وليمة غداء في أحد المطاعم الشامية. وكما العادة، ووفقاً لثيمة «يزيد ما ينقص» لا بد أن يظهر الكرم الحاتمي لمضيفنا، فطلب كل قائمة الطعام. قُدمت صحون المازة بداية، وبين الحمص، المتبل، الفتوش، التبولة، الكبة النية والمحمرة، امتلأت بطوننا. دقائق ونزلت صحون المشاوي: الكباب، الكفتة، الشقف، العرايس، الريش وغيرها. وكما العادة أيضا، لم يستطع أحد منا لمس صحون اللحمة، فاعتذرنا من مضيفنا.. وشكرناه وحمدنا ربنا على النعمة.
جاء النادل ليرفع أطباق الأكل «الممتلئة» عن الطاولة، فاقترب مني يهمس في أذني: «مدام، كرمال الله خذوا الأكل معكم». تعجبت من قول النادل، فقلت: «لا.. وزع الأكل على عمال المطعم، أو تبرع به للمحتاجين». فرد ممتعضاً: «ممنوع. لا يمكننا. كل ما يرفع من على الطاولة ينزل في أكياس القمامة، هذا القانون».
تذكرت تلك العزيمة عندما قرأت خبرا في القبس عن قانون أقره المجلس الأدنى في البرلمان الفرنسي يجبر متاجر الأغذية الفرنسية على التبرّع بأي غذاء لم يتم بيعه أو تحويله إلى سماد أو تقديمه علفاً للحيوانات بدلاً من التخلص منه. ويضيف الخبر أن ما يصل إلى 30 كلغ من الأغذية لكل شخص تهدر في فرنسا سنوياً، أي ما تصل قيمته إلى 20 مليار يورو. فتساءلت: تُرى، كم طنا من الأغذية تهدر في بلادنا؟! طبعا ليس هناك حساب، لأنه ليس هناك من يحسب.
أستطيع أن أفهم سبب القانون الآنف الذكر في المطاعم والفنادق لأسباب مختلفة، لكنني لا أستطيع تصور أن كل الأطباق تنتهي في برميل النفايات. فكميات الطعام المُهدَرة في مجتمعاتنا يمكنها ان تطعم كل جياع العالم، «ويزيد»، ولا بد من طريقة لتمرير هذه الأطعمة لمستحقيها، بدلاً من الاكياس السوداء.
ها نحن على أبواب الشهر الفضيل، وقد شنّت حملات التبضع، بعد أن امتلأت رفوف الجمعيات بما لذ وطاب من المأكولات تجهيزاً لرمضان. وها قد بدأ الاندفاع والتسابق نحو المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية، استعداداً لموائد البذخ والتبذير والإسراف، التي يذهب نصفها إلى سلة القمامة أو إلى الجامع في أحسن تقدير. لكن ليكن في علمكم حتى الجامع ورواده أصابتهم التخمة، وما عاد باستطاعتهم استهلاك هذا الكم من «البقايا» التي ترسلونها لهم «لتبرئوا بها ذمتكم وتريحوا ضمائركم».
المحزن في الموضوع ان ملايين البشر يموتون سنوياً بسبب الجوع، بينما هناك ملايين يموتون بسبب التخمة، فلا تفخر بنفسك إن كنت تستدعي جمعيات جمع الفائض من الطعام بعد وليمتك أو عزيمتك. الأفضل والاجدى والأحسن عند ربك أن تجمع المال قبل أن تهدره على ولائم كل همها التفاخر، وتوزعه على المحتاجين، «وما أكثرهم في بلداننا!»، بدلا من توزيع فضلات مائدتك وبقايا أطباقك. كفانا أكلاً.. ودعوه «ينقص ما يزيد»، فقد كان أجدادنا يربطون على بطونهم حجراً من شدة الجوع، فأصبحنا نربط المعدة من شدة التخمة.
d.moufti@gmail.com
dalaaalmoufti@

…………………………..

منشور في جريدة القبس 28/6/2015

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات