بيــن إعلامـــين (1): الحالة المصريّة

12:30 مساءً الإثنين 3 ديسمبر 2012
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

” أكذب أكذب حتّى يصدّقك النّاس ” شعار رفعه “جوبلز” وزير دعاية النّازي و يمكننا القول أيضا أنّه منسوب إليه , ” فالتّاريخ يكتبه المنتصرون وويل للمهزوم “.. هكذا قضت الأيّام ما بين أهلها .., غير أنّ إعلام الأنظمة الفاسدة دائما عاطل عن الإبداع و الإبتكار يفتقر إلى المهنيّة إن وجدت , و لا بدّ أن الذّي ساعد على ذلك هي منظومة الفساد التّي صنعتها تلك الأنظمة و منها بطبيعة الحال الأنظمة التّي كانت تحكم وربّما مازالت متغلغلة في دول ما أطلق عليه الرّبيع العربي التّي خرجت في جلّها مسخا قبيحا بدرجات متفاوتة إلاّ من رحم ربّي فانطلق إلى آفاق أرحب من خلال مؤسّسات خاصّة أو انفلت كليّا من خلال هجرة دائمة أو مؤقّتة إلى حيث توجد حريّة تعبير كاملة أو بالأحرى نسبيّة حيث أنّ مصطلح ” الخط التّحريري” لكلّ مؤسّسة هو في حدّ ذاته لجاما خفيّا لحريّة التّعبير و ” الضّمير المهني ” الذّي ربّما كان مصطلحا مخاتلا لترويض الضّمير الإنساني في معناه المطلق.

و الإعلام في دول ما أطلق عليه ” الرّبيع العربي ” طوّر مقولة أو الشّعار المنسوب إلى ” جوبلز” إلى ” أكذب أكذب حتّى تصدّق نفسك حتّى لو لم يصدّقك النّاس و حتّى تصدّق أنّك أحد عباقرة المهنة التّي لا تعرفها أصلا” وربّما كان الأنسب في هذا الصّدد أن نقول ” دهورة ” المصطلح” الجوبلزي ” لا تطويره .
ـ و مثلما حرص إعلام ” مبارك” في مصر على احتكار مؤسّسات تملك إمكانيّات جبّارة و جيش من العاملين معظمهم مدجّنين يقودهم منافقون يسيطرون عليهم مع قلّة مضطهدة ومقموعة من تلك القيادات و أجهزة الأمن التّي تتعاون تلك القيادات معها .., و هو ما كان يحدث في حقب سبقته و بطريقة أكثر قسوة .., إلاّ أنّ حقبة “مبارك” التّي استمرّت ما يناهز العقدين كانت تتويجا لنضالات صحافيين و إعلاميين و قيادات سياسيّة و مدنيّة كانت قد بدأت قبل اعتلائه سدّة الحكم بعقد و نيّف على أقلّ تقدير, ففي الحقبة النّاصريّة كان منفذ الأصوات المعارضة هو الميديا ” البيروتيّة ” رغم النّفوذ ” النّاصري” الطّاغي و قليل من وسائل الإعلام الغربيّة , ثمّ كانت حقبة السّادات التّي شهدت تأسيس المنابر ثمّ الأحزاب فكانت الصّحافة الحزبيّة إضافة إلى بيروت و لندن في الأساس و بعض دول الغرب مضافا إليها بعد ذلك في حقبة ” مبارك” تراخيص الصّحف التّي تصدر من قبرص لتوزّع في مصر , ثمّ أدرك النّظام أنّه لا جدوى من تلك الإجراءات بعد التّحوّلات التنّي شهدها العالم في نهاية الثّمانينات و التّسعينات فانتقلت تلك الصّحف إلى القاهرة و اتّسعت رقعة الصّحف الحزبيّة و المستقلّة و ازدادت القنوات الخاصّة و رغم أنّ الأمر لم يخلو من بعض المضايقات و تعدّيات النّظام إلاّ أنّ الصّوت المعارض ازداد ارتفاعا و جرأة إلى درجة مذهلة حيّرت الدّول المجاورة التّي شهدت أحداث ما يطلق عليه ” الرّبيع العربي”فيما بعد , و لا شكّ أنّ الحراك و الضغوط الداخليّة علاوة على الضّغوط الخارجيّة في ظلّ نظام عالمي جديد و سماوات مفتوحة أصبح فيها العالم ” قرية صغيرة ” قد أرغمت ذلك النّظام المستبد على الرّضوخ إلى حدّ بعيد متّخذا شعار خفي فحواه ” دعهم ينبحون وأنا أفعل ما أريد ” و هو شعار أثبت خطأه و فشله فيما بعد خاصّة بعد أن تحوّلت المظاهرات الإحتجاجيّة التّي كانت محدّدة حتّى قبل اندلاع “الثّورة التّونسيّة ” التّي ألهمتها و لا شك أن تتحوّل من مجرّد مظاهرات احتجاجيّة حاشدة ذات مطالب معظمها اجتماعيّة و أقلّها سياسيّة هدفها رفض التّوريث و بعض الإصلاحات الأخرى إلى انتفاضة عارمة تطالب بإسقاط النّظام و خلع الرّئيس الذّي تأخّر كعادته في الإستجابة و بالغ في العناد الذّي اشتهر به ..ليرتفع سقف المطالب إلى المطالبة بإعدامه و محاسبة أركان نظامه ورفض منحهم خروجا آمنا.
ـ تطهّر الإعلام المصري جزئيّا و بشكل طفيف على المستوى الرّسمي حيث مازال يعاني من تغلغل فلول النّظام السّابق .., و بشكل أكبر على مستوى الميديا المستقلّة و الحزبيّة حيث يعاني من آثار المشكلات القديمة علاوة على محاولات الضّغط و القمع و الإختطاف التّي صاحبت صعود القوى الدينيّة الراديكاليّة سياسيّا إلى سدّة الحكم و هو الأمر الذّي يهدّد بانتكاسات كبرى و ضياع المكاسب التّي حقّقتها نضالات السّاعين إلى الحريّة عبر ما يناهز خمس عقود وهو تحدّ جديد مازالت نتائجه في علم الغيب ولكنّ الحالة المصريّة تختلف شكلا و مضمونا عن بقيّة ما يعرف بدول الرّبيع العربي حيث أنّ الإعلام المصري كان أرسخ قدما و أسبق في الرّيادة و المهنيّة و الإعداد العلمي و أكثر خبرة و تجربة من نظرائه في تلك الدّول التّي شهدت مؤخّرا الحراك الثّوري و حتّى التّي لم تشهد رغم أنّه كان موجّها وفي خدمة النّظام في أغلب الأحيان.

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات