واحد هندي …!

01:14 مساءً الخميس 27 أغسطس 2015
ليلى البلوشي

ليلى البلوشي

كاتبة من سلطنة عُمان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي يستقبل نارندرا مودي رئيس الوزراء الهندي عقب إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة إهداء الهند قطعة أرض لبناء أول معبد هندوسي بالإمارات

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي يستقبل نارندرا مودي رئيس الوزراء الهندي عقب إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة إهداء الهند قطعة أرض لبناء أول معبد هندوسي بالإمارات

منذ فترة قريبة أعلنت دولة الإمارات عن بناء معبد هندوسي كبير في إمارة أبوظبي للجالية الهندية الموجودة على أراضيها، والذين يتجاوز عددهم مليوني هندي تقريباً، يعتنق معظهم المذهب الهندوسي، على إثر زيارة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وقد صاحب هذا الإعلان ضجة هائلة ما بين مؤيدين ومعارضين في مواقع التواصل الاجتماعية تويتر والفيسبوك أهم منبرين للنقاش عبر العالم.

وقبل أن أبيّن وجهة نظري في هذه المسألة أود أن أشير إلى دراسة حديثة كشفت فيها الأمم المتحدة عن احتمال زيادة عدد سكان الهند خلال سنوات قادمة، ليتجاوز عدد الصينيين خلال عام 2022م وهذا يسبق التوقعات السابقة التي أكدت أن الزيادة ستحدث قبل ست سنوات مضت.

هذه الزيادة تؤكد أن معظم سكان العالم هم من الهنود، الذين يتصفون عبر العالم ببشرة داكنة وحبهم الغريب للمأكولات الحريّفة وطقوسهم وعاداتهم الدينية العديدة، الشعب الهندي الذي يتحدث سكانه أكثر من مئة لغة ويعتنقون أكثر من مئة مذهب ديني، يعيشون في بقعة مزدحمة في العالم وهم منتشرون في جميع أنحاء العالم.

الهند كدولة عظمى شهدت صراعات مريرة عبر تاريخها الطويل، صراعات مع الاحتلال البريطاني وصراعات أهلية ما بين مسلميها والهندوس، ناهيك عن صراع الطبقات التي لم يسلم منها حتى الآن الإنسان الهندي، هذا الإنسان نفسه الذي عانى وما يزال يعاني من النظرة العنصرية التي تطارده من الإنسان الغربي والعربي على سواء، فدول الغرب كانوا ينظرون إلى الهند كشعب آسيوي هم أقل شأنا منهم، بينما الشعوب العربية ولاسيما الخليجية منها حيث يستقر ملايين من العمالة الهندية على أراضيها؛ فإن هذا الهندي يعدونه صفرا حتى لو كان حاملا شهادة دكتوراه بينما الذي يستهجنه ليس سوى مواطن حامل جنسية دولة نفطية لا مؤهلات له سوى كون هذا العالم جعله متفوقًا لأنه صدف القدر أنه يعيش في دولة نفطية ثرية!

لكن الإنسان الهندي الذي عانى وما يزال يعاني من النظرة العنصرية استطاع أن يتفوق على نفسه، استطاع أن يثبت للعالم أجمع أن قيمة الإنسان في عمله، وما يحمله من مبادئ، وليس بما في جيوبه ولا في أراضيه من آبار نفط تدر عليه العيش المرفّه، هذا الهندي الذي اضطرته ظروف الحياة القاسية إلى مغادرة وطنه الذي يرتبط به دينيا قبل أن يكون ارتباطه بأرضه اجتماعيا، فالإنسان الهندي معروف عنه أنّه كائن اجتماعي ويعيش ضمن عائلات ممتدة، لهم طقوس وواجبات دينية مقدسة، كما لهم أعياد يجسدون من خلالها معتقداتهم التي ورثوها عن أجدادهم منذ ملايين السنين وهم بلا كلل أو تذمر أو حتى شعور باللاجدوى متمسكون حتى وقتنا الحاضر بهذه الأمور، ربما إيمانا منهم ببركتها على حياتهم الشاقة.

هذا الإنسان الهندي الذي تفوق على نفسه من نواحٍ عدة، الهند التي أقامت أول معهد هندي للتكنولوجيا عام 1950م في وقت كانت كوريا تطحنها الحرب الأهلية والصين كانت تحت نير العهد الماوي، والعالم يشهد على إنجازاته في مجالات علمية وكونية مهمة، وقد أبهرت العالم في سبتمبر الماضي حين أطلقت مركبة فضائية حول كوكب المريخ وكان معظم الطاقم من النساء الهنديات المتوفقات علميا وفكريا.

الهند التي تنعم اليوم بنظام ديمقراطي متميز في العالم، فهي الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في دول العالم الثالث، ويعود تصلب هذه الديمقراطية إلى التعدد والتنوع في الأديان والقوميات والأجناس، الهند التي تزدهر فيها الطبقة الوسطى بعد أن سادت كل من الطبقتين المعدمة والثرية على تفاصيل حياتهم المتعثرة.

الإنسان الهندي نتيجة التنوع، والتعدد، والتزاوج المختلط، نتيجة التسامح السائد عند الطبقة المتعلمة أصبحوا يتمتعون بمزيج بديع من الجمال الجسدي والروحي كذلك.

ينسى أو يتناسى كثير من الشعوب العربية ولا سيما الخليجية أن الفضل يعود للعمالة الهندية في تطور بنيتهم الجغرافية وارتفاع العمران؛ هذه الأيدي العاملة التي بقيت وفية وتعمل بإخلاص ساعات طويلة وتحت ضغط ظروف صعبة وبأجر زهيد من أجل توفير لقمة العيش لهم ولأبنائهم الذين تركوهم رغماً عنهم في بلادهم الفقيرة، من أجل تعليم أبنائهم الذين بنوا بجدارة مستقبل الهند وحفروا تفوقها عبر العالم، لقد عانى جيل الآباء ليتمتع الأبناء اليوم بمعيشة رغيدة.

الهنود اليوم ما عادوا يطمحون للسفر إلى دول الخليج العربية لتحسين ظروف حياتهم بل إنّهم أصبحوا نتيجة تفوقهم علميا وفكريا كجيل عصري تجاه متغيرات الكون يتوقون للسفر إلى أرض الأحلام والمشاريع الهائلة والمستقبل المضمون في بلد كأمريكا وأوروبا؛ حيث يحظى الهندي بمعاملة تليق بمؤهله العلمي، حيث يسود التسامح، وحيث ينظر للإنسان بإيجابية بعيدًا عن نير العنصرية والتعصب إلا في حالات نادرة.

الإنسان الهندي ما عاد يطمح للعمل في دول خليجية؛ لأن معظم من هم في هذه الدول لا يقدرون مؤهلاته ولا يحترمونه كإنسان له حقوق وواجبات، ومع غلاء المعيشة والأجور الزهيدة، وجد أن سفره إلى أمريكا حيث تتوافر شروط احترام الإنسان وحقوقه وواجباته أفضل له ولمستقبل أبنائه ولوطنه أيضًا.

بعد أعوام قليلة سيكون العالم معظمه من الهنود، الأعلى كثافة سكانية، الهندي الذي تفوق على نفسه في كل مجالات الحياة، الهندي نفسه الذي نطارده نحن – أهل الخليج- ولا استثني أحدًا بالدونية ونردد مرارا بلا إنسانية وكثير من سخط: واحد هندي!

الهندي نفسه الذي ننكر ذكورته نحن – نساء الخليج- حين نرفع غشاوة الوجه ونحن نكلمه، وحين لا نبالي بالشعرات الطافحة من الحجاب ونردد: واحد هندي. يعني صفر من الأشخاص!.

على الإنسان العربي لا سيما الخليجي أن يقف قليلاً ويتأمل حقائق التاريخ، التاريخ الذي لا يرحم، حين كان الأجداد القدماء ما قبل ظهور الذهب الأسود يكابدون رزقهم في الهند في ظل إمبراطوريتها العظمى، والتاريخ نفسه بعد ظهور النفط قلب موازين العالم، التاريخ هو نفسه ولا ينصت سوى للمتفوقين، من يدري بعد زمن في ظل أزمات هذا العالم المتقشف، وفي ظل الحروب والعنف، ونقص في المواد الغذائية والمياه ونضوب النفط، سيجد ربما الخليجي نفسه أجيرًا في الهند التي عرفت جيدا كيف تتفوق على نفسها، عرفت جيدًا كيف تتعلم من دروس التاريخ وتصون تقلباته بالعلم والفكر!.

___________________________________________________

 ليلى البلوشي

ليلى البلوشي

رابط المقال المنشور في الروؤية، سلطنة عمان، الإثنين، 24 آب/أغسطس 2015  للكاتبة ليلى البلوشي

http://alroya.om/ar/writer-blogs/141706-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF-%D9%87%D9%86%D8%AF%D9%8A.html

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات