نهْرٌ على سَفَر … قُرَى لمْ تمسّها نار العولمة

09:20 صباحًا الأربعاء 2 ديسمبر 2015
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

Al Arabi Book Cover 2015جريدة المقال: بقلم الكاتب : عاطف محمد عبد المجيد

هناك نوع من الكتب، يقدم لنا ما لا يقدّمه سواه، إنه يطير بنا، ثم يحط في أماكن لم ولن تطأها أقدامنا، ولا حتى في الأحلام.إنها كتب تأخذنا، ونحن في تمام رضانا، إلى أماكن شتى، دون أن نجهد أنفسنا لا في سفر ولا في انتقال، موفرة لنا الكثير من الأموال والأوقات، ومن هذه الكتب كتاب ”نهر على سفر“ الصادر ضمن سلسلة كتاب العربي، الذي يطير فيه أشرف أبو اليزيد بقارئه إلى دول وشعوب مختلفة، جاعلًا إياه يتعرف إلى عادات وتقاليد وثقافات هذه الشعوب دون أن يبرح مكانه. ولهذا يمكن اعتبار الكتاب ضمن خدمة توصيل كثير من دول العالم، بكل ما يتعلق بها أرضًا وشعبًا، إلى القاريء وهو في منزله.الكتاب يضم عددًا من الاستطلاعات التي نُشرت من قبل في مجلة العربي الكويتية، وعنه يقول أبو اليزيد إن هذه الصفحات سيرة نهر على سفر، قد يكون مصدره شلال هادر، أو غيم ماطر، فلا يجمع موجاته سوى شغف بالرحلة، وعشق للحياة، وأمل في مستقبل تذوب فيه الحدود الجغرافية المصطنعة التي شيدتها السياسة دون أن تفلح في إقامة حدود قسرية بين الأفئدة التي استقبلت صاحب هذه السطور في الشرق والغرب.أبو اليزيد يقول إن المرء حين يسافر لا يكتشف البشر، ولا يستكشف الأمكنة، بل يعيد اكتشاف ذاته، ويكمل قائلًا إن مفردات من معجم الابتسامات كانت تفتح له الأبواب المغلقة هنا وهناك، وتيسر مهمته في التنقل بين النهر والبحر، بين الوادي والجبل، بين الواحة والصحراء، بين المدن الكوزموبوليتانية والقرى التي لم تمسها نار العولمة. في استطلاعاته هذه حاول أبو اليزيد أن تجتاز الكلمات عتبات المكرور، سعيًا إلى توثيق العمارة التي يُعدّها شاهدًا على الحياة، لأنها تكشف ما يحاول الإنسان أن يخفيه، في بيوت العبادة، ومنازل السكن، ومراتع اللهو، ومرابع العمل، وقلاع الدفاع عن الأوطان.وفي نهاية مقدمته يقول أبو اليزيد إنه ليس سوى عابر، وما هذه الصفحات سوى سيرة مسافر، وما المكان الخالد إلا صنيعة الإنسان المغادر، داعيًا القاريء لقراءة هذه الصفحات المتفرقات، مثلما يدعوه إلى كتابة الصفحات الخاصة به، فلن يبقى سواها.في كتابه هذا، وبقلمه وبعدسته، يطير بنا أبو اليزيد إلى قرطبة القلعة الحرة، إلى إلى برلين الوردة البيضاء والعاصمة الموحدة، إلى مدينة بيشيليه المدينة العريقة التي ترقد في الجنوب الإيطالي، إلى جمهورية تتارستان، إلى قرية بلغار الواقعة على نهر الفولجا، إلى جوانج جو عاصمة الثقافة الآسيوية، أوزبكستان، إلى شينج يانغ الصينية، إلى كوستاريكا قصيدة الفردوس والبركان، ثم يختتم رحلته المكوكية هذه بالحديث عن فن المنمنمات..الأدب والتاريخ والأسطورة. في رحلته إلى المدن الهندية رأى أبو اليزيد صورة لجمال عبد الناصر مع صور لشخصيات عاليمة أمام بوابة بومباي، وفي رحلاته الأخرى يصف لنا طبيعة البشر والجحر، ناقلًا لنا الكثير من عاداتهم وتقاليدهم التي ربما لم نسمع عنها من قبل، في أسلوب سردي شائق وجميل، سواء استخدم عدسة الكاميرا أو عبّر بالقلم، جاعلًا القاريء يشعر وكأنه كان يعرف هذه البلاد وهذه الشعوب حق المعرفة من عشرات السنين.في طريقه إلى قرطبة أدرك أبو اليزيد أنه دخل كتاب التاريخ العربي في أوروبا، وكان يحلو له وهو يتابع اللافتات على الطريق أن يخمن نطق أسماء المناطق والمدن والقرى الصغيرة التي يمر بها، وأن يرد هذه الأسماء إلى أصولها العربية، قبل أن تحرفها السنون، وتحرق أطرافها الأحداث، وتغيّر مكامن الحميمية فيها حروف الأبجدية الجديدة.

 

VTS_01_1.VOB_snapshot_06.38_[2015.11.25_10.10.59]أشرف أبو اليزيد شاعر وروائي وصحفي مصر ولد في مارس عام  1963، يعمل  محررا بمجلة العربي الكويتية ويرأس تحرير آسيا إن العربية ورئيس جمعية الصحفيين الآسيويين.حصل على العديد من الجوائز والتكريمات منها جائزة مانهي للأدب عام 2014 في كوريا الجنوبية.من مؤلفاته: شماوس – حديقة خلفية – ذاكرة الصمت.

 

بومباي مدينة هندية وهي عاصمة ولاية ماهاراشترا.تعتبر من أكبر المدن في العالم وتبلغ مساحتها 344 كم مربع، ويتجاوز عدد سكانها حدود الاثنيْ عشر مليونا.

نشر في جريدة المقال، القاهرة، 1 ديسمبر 2015

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات