الأهرام ويكلي : حديث الأمكنة

01:35 مساءً الخميس 17 ديسمبر 2015
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

g nفي تقديمه للعدد السنوي التذكاري للأهرام ويكلي، كتب جلال نصار رئيس تحرير الجريدة الأسبوعية الصادرة بالإنجليزية عن مؤسسة الأهرام، مقالا نشرته الصحيفة اليومية الأم “الأهرام” تحت عنوان: “أماكن… و مشهد 2015″، هذا نصه:

يقول العالم والمفكر الكبير جمال حمدان صاحب كتاب «عبقرية المكان»: «مصر اليوم: إما القوة أو الانقراض، إما القوة وإما الموت! إن لم تحقق مصر محاولة قوة عظمى تسود المنطقة بأسرها، فسوف يتداعى عليها الجميع يوماً ما (كالقصعة!) أعداء وأشقاء وأصدقاء، أقربون وبعيدون وأبعدون!..»

هكذا وصف حمدان مصر المكان والعبقرية والقوة والنفوذ فى محيطها العربى والأفريقى والشرق أوسطى والمطلوب منها كى تتبوأ مكانة تليق بها وتحافظ عليها وتنطلق لمستقبل مغاير وواقع أفضل؛ ونحن بدورنا فى جريدة الأهرام ويكلى أخترنا المكان والأماكن كى تكون زاوية نطل من خلالها على أحداث عام 2015م؛ حيث تعود قارئ الويكلى كل عام على موضوع وزوايا مختلفه ومتميزه لاستعراض الأحداث والفاعلين والتداعيات؛ فكانت مسيرة الربيع العربى والعنف والخريطة نماذج لعناوين استطعنا من خلالها استعراض أحداث 2012 و2013 و2014 أنفردنا فيها بتغطية مختلفة عن كل الإصدارات الصحفية والتليفزيونية والإلكترونية.

وإنطلاقا من مكان مصر الجغرافى نجد أن موقعها المتميز فرض عليها وعلى الآخرين لعب دور مهم فى صياغة السياسات الإقليمية والدولية فى فترات الحرب والسلام، ومنحها مكانة متفردة فى العالم بملتقاه الآسيوى والإفريقى، وجعلها من اللاعبين الكبار بمنطقة الشرق الأوسط منذ عقود طويلة فهى نقطة تلاقى قارات العالم القديم: أفريقيا وأسيا وأوروبا، كما تطل على بحرين هما: البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وتشرف على خليجين هما: خليج السويس وخليج العقبة، وعلى أرضها تجرى قناة السويس أحد الممرات المائية الدولية، كما يتدفق عبرها نهر النيل الذى يمثل شريان الحياة لمصر، ويحظى بمكانة كبيرة فى وجدان الشعب المصرى.. وزادت الأهمية الآن بعد أن تحولت المنطقة إلى حالة الحرب تجوبها الأساطيل وتحلق فى سمائها كل جيوش العالم كل وفق مصالحه بينما تخوض مصر حربها على الإرهاب وحيدة على الأرض بفضل بقاء جيشها بعيدا عن التفكك والانهيار كما حدث لمعظم جيوش المنطقة العربية.

ولقد كانت توسعة قناة السويس وحفر شريان جديد لها على الخريطة من أهم ملامح 2015 المعنوية والاقتصادية والسياسية لما جسده من قدرة لدى المواطن المصرى على الإنجاز حين تتاح له الفرصة والمناخ والامكانيات؛ حين تم جمع التمويل من مدخرات المصريين فى أسبوع وتم حفر 35 كيلو مترا ليحقق ازدوج القناة ويزيد من عمق غاطسها فى أقل من عام ليزيد أهمية لقناة السويس التى قال عنها حمدان يوما ما: «لاشك أن القناة التى اختزلت كل موقع مصر الجغرافى والاستراتيجى فى شريط مائى حتى اصبح مرادفا للقناة أو أوشك، لاشك أنها جددت شباب موقعنا، لقد اصبحت بوابة ذهبية تجاريا، فلم يعد موقع مصر أخطر موقع إستراتيجى فى العالم العربى وحده وإنما فى العالم كله».

وبالتوازى مع انجاز قناة السويس جرت مياه كثير تحت الجسر فى مصر وخارجها وعلى حدودها فى اماكن لها تاريخ واضافت احداث 2015 أهمية ورمزية جعلت منها بطلا وعنوانا لموضوعاتنا؛ فنجد أن مبنى مجلس النواب تحددت ملامح وخريطة شاغليه والقوى والمصالح التى تتصارع تحت قبته بعد عملية انتخابية ماراثونية لتكتمل الخطوة الثالثة والأخيرة فى خريطة؛ وعلى بعد خطوات قصر الأميرة شويكار الذى يمارس رئيس وزراء مصر مهامه بداخله تاريخ المكان وأهم شاغليه وصولا إلى تغيير حكومة إبراهيم محلب وتكليف حكومة شريف إسماعيل؛ وتتنقل جولاتنا فى محيط المكان إلى مبنى مجمع التحرير رمز البيروقراطية والهيكل الإدارى المتهالك والمعيق لتقدم الدولة والجدل حول خطط الهيكلة وقانون الخدمة المدنية؛ وكذلك مبنى البورصة ومبنى البنك المركزى كنافذتين نطل من خلالهما على السياسات الإقتصادية والمصرفية ومعركة الجنيه والدولار وحركة رؤوس الأموال فى الداخل والخارج؛ مرورا بميدان التحرير الذى شهد حشدا تاريخيا للمصريين فى ثورتين: 25 يناير و30 يونيو رافعين مطالب وأحلاما وآمالا نرصد ماذا تحقق منها؟

ثم تستمر الجولة إلى دار القضاء العالى رمز العدل لنكتب عن تاريخ المكان وشاغليه: مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض ومكتب النائب العام لنكتب عن القضاء والقضاة والعدالة فى عام الهجوم على منصة القضاء من قبل قوى تستهدف تلك المؤسسة ورجالها؛ وهكذا مع قصر الاتحادية الذى يشغله رمز السلطة التنفيذية الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى دخل إلى القصر بعد اتمام الخطوة الأولى لخريطة الطريق بأغلبية غير مسبوقة لنرصد الأحداث التاريخية التى شهدها القصر ورموزه والأحداث التى جرت على أسواره مع تقييم لسياسات شاغل القصر الحالى..

ثم ننطلق إلى العديد من الأماكن والمدن مثل: مدينة شرم الشيخ التى شهدت المؤتمر الاقتصادى وكذلك شهدت ازمة سياحية بعد حادث سقوط الطائرة الروسية وعلى متنها 224 راكبا ومنطقة الضبعة التى ستشهد بناء مجموعة من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء لتدخل مصر رسميا العصر النووى؛ ثم شمال سيناء فى المنطقة من رفح إلى العريش مرورا بالشيخ زويد كى نرصد الحرب التى يشنها الجيش والشرطة على الإرهاب وحصاد تلك الحرب فى عام 2015.

الصفحة الأولى من العدد السنوي للأهرام ويكلي

الصفحة الأولى من العدد السنوي للأهرام ويكلي

قضايا كثيرة ترمز لها الأماكن وشاغلوها مثل قضية تجديد الخطاب الدينى التى يجسدها مبنى مشيخة الأزهر والجامع؛ ماراثون المحاكمات ورمزية مبنى أكاديمية الشرطة؛ ميدان هشام بركات «رابعة العدوية سابقا» وما يمثله من رمز لعنف الأخوان وذيولهم من جماعات ومتعاطفين تستهدف رموز الدولة ومؤسساتها وشعبها؛ قضية الفوضى الإعلامية وما يجسده مبنى ماسبيرو من رمزية لغياب الإيقاع عن المشهد؛ قضايا الحريات المهنية والعامة وما يرمز له مبنى نقابة الصحفيين وسلالمها؛ كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس كرمز للاقباط الذين يحلقون حولها حاملين همومهم وأمالهم وطموحاتهم؛ العنف المجتمعى والعشوائيات وغياب الرؤية فى التعامل معها فى تحقيق عن مثلث ماسبيرو وغيره من الأماكن العشوائية التى أحتلت مكانة كبيرة من الجدل فى عام 2015م.

ولم تقتصر جولاتنا فى عدد من الأماكن فقط لاستعراض تاريخها بل أن البعض من تلك الأمكان يضعك فى مقارنة لما كانت عليه الأحوال وكيف أصبحت فزيارة للمدرسة السعيدية التى انشئت عام 1908 بجوار جامعة القاهرة يضع أيدينا على مسيرة وصيرورة ملف التعليم كيف كان وكيف أصبح؛ وكذلك الأمر بالنسبة لمستشفى قصر العينى الذى نطل من خلال الحال الذى وصل إليه على ملف الصحة؛ وبالمثل كانت زيارة عدد من قرى الصعيد والدلتا والنوبة للوقوف على حال وأحوال ومعيشة الفلاح.

وإن كانت الأماكن ورمزيتها بالنسبة لمصر تساعدنا على فهم ما جرى ويجرى فإن الإقليم والعالم به من الأماكن التى كانت شاهدة على أحداث غيرت واقع المنطقة وغيرت خريطتها فكانت الزيارة لليمن بين قصرين قصر الحكم وقصر على عبدالله صالح والصراع الذى يشكل المشهد اليمنى بعد إنقلاب الحوثيين؛ وفى سوريا زيارة إلى مخيمات اللاجئين على الحدود وزيارة إلى مدينة تدمر كى تكون شاهدة على جرائم داعش وكذلك القاعدة الروسية فى ميناء طرطوس؛ وساحة ميدان التحرير فى بغداد ومدينة درنة فى ليبيا وشاطئ مدينة سوسة فى تونس وميدان رياض الصلح فى لبنان وساحة ميدان تقسيم فى تركيا ومكة فى السعودية ونختتمها بزيارة إلى مبنى جامعة الدول العربية ومبنى الأمم المتحدة كى تكتمل ملامح المشهد ميدانيا وعسكريا وسياسيا ودبلوماسيا.

لقد أصاب الأديب الكبير الراحل عباس محمود العقاد يتعلق بأهمية مكان مصر ومكانتها، حيث كتب مقالا بمجلة الهلال حمل عنوان «نحن المصريين» قال فيه “نحن فى بقعة من الأرض لا يستقر العالم إذا اضطربت، ولا يضطرب العالم إذا استقرت، ولم يحدث فى الزمن الأخير حدث عالمى قط إلا كان رده وصداه على هذه البقعة من الكرة الأرضية فإذا ملكنا إرادتنا فى هذه البقعة فهى حاجز الأمان بين المشرق والمغرب، وبين المتنازعين فى كل وجهة، وعندنا مصفاة الثقافات والدعوات فإذا استخلصنا شيئا من الغرب وشيئا من الشرق، فليس أقدر منا على تصفية الخلاصة لبنى الإنسان جميعا فى ثمرة لا شرقية ولا غربية تضىء ولم تمسسها نار”.

 

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات