خالد سليمان: المسرح التّونسي يعاني محنة حقيقية

11:02 صباحًا الثلاثاء 4 ديسمبر 2012
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الكاتب والناقد المسرحي المصري المقيم في تونس خالد سليمان

عُرف الناقد المصري خالد سليمان بحسه المسرحي من خلال مقالات كثيرة تناولت هذا الفن الرابع. يعيش الآن في تونس، التي عشقها، وداوم على زيارتها منذ عشرين عامًا. يمثل خالد سليمان جمعية الصحفيين الآسيويين في تونس، ويعمل مراسلا للنسخة العربية من (آسيا إن)، ومعه كان هذا الحوار:

أستاذ خالد سليمان منذ متى تعيش في تونس بشكل مستمر ؟ 

منذ أربع سنوات , لكنّني أعرفها منذ سنة 1992 وأترددّ عليها بشكل دائم .

ما الذّي تغيّر في علاقتك بتونس بين الزّيارة و الإقامة ؟ 

ـ أعدت اكتشاف تونس التّي كنت أظنّ أنّي أعرفها حق المعرفة , أن تعيش وتحيا في الواقع اليومي المعيش تتعامل مع أسعار الخضر واللّحم والأسماك وربّات البيوت والباعة وفلاّحي أطراف المدينة الذين يحاولون تسويق سلعتهم , أن تدخل سوق سيدي عبد السلام وباب الفلّة و ليس الأسواق الفاخرة التّي كان يسوّق لها نظام بن علي يجعلك تدرك المعاناة الحقيقيّة للمواطن الحقيقي أعني بذلك السّواد الأعظم من الشّعب , كان نظام بن علي قد وضع غلافا سميكا مخاتلا و مخادعا ساعده فيه بقوّة الإعلام الغربي خاصّة الإعلام الفرنسي .

ماذا تغيّر في علاقتك بالوسط الثّقافي في تونس ؟

ـ عرفته على حقيقته أكثر و بالتّالي أصبحت أتعامل مع ما هو حقيقي وتحاشيت ما هو زائف , و مازال أقرب الأصدقاء من مثقّفي تونس هو الأخ الكبير والصّديق عز الدين المدني الذّي هوّن عليّ كثيرا من مرارة الإكتشاف .

أنت من المهتمّين الكبار بالمسرح التّونسي وكتبت حوله كثيرا , هل مازلت ترى أنّه من أكثر المسارح العربيّة تطوّرا ؟ 

ـ المسرح التّونسي يعاني محنة حقيقية ربّما كانت لثماني أو عشر سنوات تالية, فمنذ تقدّم السنّ بالجيل الذّي اكتشفه علي بن عيّاد من خلال مشروع المسرح المدرسي و الذّي كوّن من بعد جماعة المسرح الحر و المثلث الخ بعد رجوعه من البعثات في سترازبورغ و باريس و لندن لم تعد هناك أجيال جديدة واعدة بمفهوم المشروع , هناك مشاريع فرديّة قليلة أمّا الباقي ففي حالة تراجع كبيرة , المسرح المنتشر الآن في تونس نوع من العروض الهزليّة يطلقون عليها الوان مان شو حتّى إن قامت بها امرأة ! في خلط واضح بينها و بين المونودراما, و حقيقة الأمر أنّها لا مونودراما و لا وان مان شو , عروض المونولوجست الرّائعة لمحمود شكوكو و إسماعيل ياسين و أحمد غانم و سيّد الملاّح في مصر و صالح الخميسي و الهادي السّملالي في تونس تفوقها في القيمة شكلا و مضمونا ,أمّا المسرح الحقيقي الذّي يستوفي على الأقلّ متطلّبات الشّكل في تونس ففي الغالب الأعمّ لن تجده إلاّ في الأقاليم على مسافات بعيدة وربّما إن وجدت وسيلة الإنتقال لن تجد مكانا تبيت فيه و إن وجدت الإثنين لن تجد الدّعاية اللازمة , فرق هامّة مثل القصرين و قفصة و دوز و الكاف لا تأتيك أخبارها إلاّ بالصّدفة أو بالعلاقات الشّخصيّة و ليس سرّا أنّ تونس الآن ليس لديها مشروع ثقافي . في السّابق كان لديها مشروع تختلف معه أو تتّفق لكن هناك مشروع أمّا الآن فهناك مسؤولين كبار لديهم مشكلة شخصيّة مع إليسا ونانسي عجرم إلى حدّ أنّ المسؤول يقول على جثّتي إن شاركتا في مهرجان قرطاج و بالمناسبة هؤلاء لهم جمهور حتّى لو لم يتذوّق جيلنا كلّ ما يقدّمون وعلى فكرة نانسي لديها مشروع خاص بالأطفال جدير بالإهتمام ربّما لم يستأنفه أحد منذ صفاء أبو السّعود وعفاف راضي ومحمّد ثروت ناهيك عن العملاق محمّد فوزي . بعد عشرين سنة سنتذكّر أسماء الفنّانين الذّين قدّموا أعمالا جديرة بالإهتمام و لن نتذكّر اسم واحد فقط من مسئولي الثّقافة الكبار .

بعد الثورة أصبح هناك نوع من الإنفلات في التّعبير بكلّ أشكاله , هل ترى أنّ المسرح يمكن أن يتأثّر بذلك و نشهد ولادة أشكال مسرحيّة جديدة أو إحياء أخرى ؟

تأثّر المسرح فعلا بذلك لكنّنا لن نشهد أيّ ولادة جديدة إلاّ بعد أن يلفظ الجمهور هذا الهراء و الفوضى الحادثة , الخروج عن الأخلاق العامّة و الإنحطاط باللّغة و الحركة المسرحيّة إلى مستوى مجرمي الشّوارع و حثالة الحانات الرّخيصة ليس مسرحا و إن صفّق له بعض المسرحيين نكاية في الخصوم ,الفن الرابع فنّ مقدّس قيمة و قامة و لا ينبغي أن يدنّس بألفاظ و حركات السّوقة و الرعاع .

هل هناك وجه للشّبه بين السّاحة الثّقافيّة المصريّة و التونسيّة خصوصا و أنّ توابع الثّورات واحدة إلى حدّ الآن و بشكل لافت ؟ 

ـ هناك أوجه شبه بطبيعة الحال و هناك أوجه إختلاف إلاّ أنّ السّاحة الثّقافيّة في مصر عملاقة و مؤسّساتها أرسخ و أعرق بمعنى أنّها أكثر قدما و قوّة وكانت دائما بشكل أو بآخر عصيّة على سيطرة النّظام من خلال وزارة الثّقافة التّي تستطيع في تونس أن تهيمن على السّاحة بالكامل بينما لا تستطيع ذلك في مصر . إضافة إلى أنّ النّخبة المثقّفة في مصر كانت ومازالت مواكبة للثّورة وفي مقدّمة الصّفوف تقدّم النّصح والإرشاد دون تسلّط ودون الرّكوب على الثّورة الأمر في تونس في الغالب الأعمّ كان على العكس من ذلك و قد كتبت ذلك بوضوح في مجلّة العربي الكويتيّة الغرّاء نقلا عن صديقتي الكاتبة و الممثّلة ليلى طوبال مديرة مسرح الحمراء التّي أقرّت في فيديو شهير أنّ النّخبة في تونس كانت في الصّفوف الخلفيّة و لم تواكب الثّورة على عكس ما يزعم البعض الآن إلى حدّ الإدّعاء أنّهم شاركوا في صنع الثّورة و صياغة شعاراتها ,بعيني رأسي رأيت أحد هؤلاء المدّعين في ليلة رأس العام 2010ـ2011 يلقي بالنّكات و يغنّي و يرقص على إحدى الفضائيّات التّونسيّة فيما كانت دماء الثوّار التّونسيين تسيل في الشّوارع على أيدي زبانية الأجهزة القمعيّة و كنت قد مررت لتوي بالقرب من اتحاد الشّغل بمدينة بنزرت و رأيت آثار المعركة في تلك الليلة الشتائيّة الباردة , يدّعي الآن أمثال هؤلاء الذّين أكملوا عطلة رأس العام في باريس أنّهم قادوا الثّورة فيما كان أقصى ما فعلوه هو بثّ فيديو على الإنترنيت ضدّ الرّئيس المخلوع بعد أن اتّضحت الرّؤية و سقط عمليّا , ربّما معتمدين على قصر ذاكرة النّاس الذّين لن يتذكّروا إلاّ المشهد الأخير .. ما أروع شكسبير الذّي وضع جملة على لسان إحدى شخصيّاته في رائعته الخالدة الملك لير حينما قالت تلك الشخصيّة ” أيّتها الآلهة انظري أبناء الحرام ” . أتراه قد سافر بعقله وجوارحه في المستقبل و شاهد هؤلاء الذّين يحاولون تصدّر المشهد كي تنظرهم آلهة الثّورة ؟؟!!.

ماذا عن واقع الإعلام اليوم , هل تتشابه الأمور بين تونس ومصر قبل الثّورة و بعدها ؟

ـ المشهد الإعلامي في مصر كان واضحا من قبل الثورة هناك فصيل معارض و فصيل مؤيّد بحكم عمله في الإعلام الرسمي في معظمه و فصيل متأرجح يمثّل القطاع الأكبر انحاز إلى الثّورة بعد أن لاح انتصارها , المسألة في تونس مختلفة تماما إذ أنّ المهنيّة في الإعلام تكاد تكون منعدمة منذ أكثر من 23 عاما لأسباب لا يتسع المجال لذكرها و ذكرتها في مقالات و دراسات عدّة ,و المشهد الإعلامي التونسي في الداخل لا يوجد به إلاّ فصيلين :أغلبيّة موالية إلى حدّ الإنحياز الفاجر للأسرة الحاكمة و غارقة في الفساد حتّى أذنيها إلى حدّ أنّ بعضهم طوّر آليّاته و أصبح لديهم أجندات خارجيّة قد ترقى لمستوى المساس بالأمن القومي و نسبة أقلّ من التّكنوقراط الذّين كانوا ينفّذون الأوامر دون التّورّط في الفساد هذا بغضّ النّظر عن مدى كفاءتهم المهنية و للأسف الفصيل المتورّط هو الذّي تصدّر الساحة وركب على الثّورة و هم الآن يوزّعون أنفسهم بين الولاء للتيّار الحاكم الحالي و المعارضة و للأسف يحضون بحماية الطّرفين بغضّ النّظر عن تاريخهم السّابق الحافل بالفساد و التورّط مع النظام بل على العكس قام من لاذوا بهم بتبييض صفحاتهم السّوداء جاعلين منهم أبطالا و الأغرب أنّ نسبة ليست بقليلة من الشّعب ابتلعت الطّعم و الأغرب من ذلك أنّ هناك ندرة من الفاسدين توارت خجلا و هو موقف يستحقّ التّقدير حتّى لو كانوا فاسدين .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات