مبادرة الرئيس المصري ودلالات الرد الخبيث

01:03 مساءً الجمعة 27 مايو 2016
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

القضية الفلسطينية منذ ما يقرب من 70 عاما هي قضية العرب المركزية .. ؛ و الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو بالأحرى العربي الإسرائيلي هو أساس مصائب تلك المنطقة .. سواء فيما سبق إندلاع الصراع تمهيدا لإنشاء الكيان الصهيوني ” وعد بلفور ” ثم ” إتفاقية سايكس بيكو ” ؛ أو ما بعد إندلاع الصراع الذي ترتبت عليه متغيرات و ثوابت إستفاد منها البعض و أضير منها البعض الأخر و يعرفها الجميع خاصة تلك التي تمس مجال الطاقة ؛ و قد عاشت المنطقة فترات من التوتر وعدم الإستقرار .. لكنها لم تشهد أسوأ من تلك المرحلة التي تعيشها اليوم ؛ و أغلب الظن أن حسم ذلك الصراع سوف يترتب عليه عودة الإستقرار إلى المنطقة و القضاء على الجماعات المتطرفة فيها و التي كانت تتغذى على إستمرار ذلك الصراع قائما من خلال المزايدة عليه .. خاصة و أن تلك الجماعات قد إستغلت من بعض دول المنطقة لتوظيفها في صراعات إيديولوجية .. أو لإستغلالها لخدمة إقتصاد مواز تستفيد منه بعض الدول خاصة في مجالي الطاقة و المخدرات و هو ما مارسته جماعات إجرامية مثل القاعدة و داعش مع دول معادية أو صديقة لمصر على حد سواء .. ؛ و هو ما جعل إستمرارية الصراع حتمية بالنسبة للبعض إذ أن توقفه يمس مصالحها ..
– و قديما كنا نسمع تعبير الرئيس الأسبق ” محمد أنور السادات ” ” أن 99% من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية ” ؛ لكننا نود التأكيد أن حقيقة الأوضاع الحالية يؤكد أن تلك الأوراق قد إنتقلت إلى يدي مصر إن لم تكن عندها منذ بادئ الأمر .. ؛ مصر مفتاح العالم نحو الشرق و الغرب .. و القنبلة الديموغرافية التي لا قبل لأحد في المنطقة بها بما في ذلك الجيران النوويين .. مصر الثقل النوعي على كافة الصعد منذ فجر التاريخ.. و من ثم كانت خطورة و أهمية مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في صورة تصريحات .. و التي نظن أنها كانت مصدر قلق للعدو و الصديق على حد سواء ؛ و إن كنا سنتناول ردود الفعل الخبيثة لأعداء الدولة المصرية كبداية في هذا المقال و عيننا غير غافلة عن الصديق الذي يتصرف بحماقة أحيانا .. لكنه يبقى صديقا و شقيق حتى إشعار آخر..

عندما أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي .. تصريحاته أو بالأحرى مبادرته حول حل القضية الفلسطينية من خلال سلام نهائي ودائم يجمع بين الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي مباشرة على مائدة مفاوضات الحل النهائي بوساطة و ضمانة مصرية و دولية .. تضمنت التفاصيل و الألفاظ الدقيقة التي إستخدمها تعبيرات بالغة الذكاء من حيث المبني و المعنى .. كانت تحمل في طياتها ثقل مصر الحقيقي و وزنها كقوة إقليمية عظمى فضلا عن كونها أعرق و أهم قوة حضارية على وجه الكوكب ؛ و لطالما كانت مصر على مر التاريخ قوة كبرى تحترم تعهداتها .. و ربما أكبر دلالة قريبة على ذلك في العصر الحديث هي إتفاقية حكم السودان المشترك بين مصر و بريطانيا .. و لابد للمرء هنا أن يطرح على نفسه السؤال : و هل كانت بريطانيا العظمى الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس آنذاك في حاجة إلى مشاركة مصر في حكم السودان الذي تفوق مساحته آنئذ أكثر من ثلثي مساحة أوروبا .. ؛ لكن من يدرك وزن مصر الحضاري و الجيوستراتيجي علاوة على وزنها الديموغرافي النوعي لابد و أن يرى أنه لا يمكن لأي قوة عظمى أن تجد موضع قدم في المنطقة دون الإتفاق مع مصر التي يمكن أن تنغص على أية قوة في المنطقة وجودها مهما عظمت ..
– و من هنا كانت تصريحات الرئيس السيسي لها تأثيرها القوي .. و التي كانت من الذكاء بحيث لم يستطع أي من الفرقاء رفضها سواء من الجانب الفلسطيني أو الإسرائيلي حيث أبدى الجميع ترحيبهم بما في ذلك ” حركة حماس ” رغم بعدها الإخواني التي بدأت في إنكاره و التنصل منه ؛ فيما ردت إسرائيل في الوقت ذاته ردا منكرا على مبادرة السلام التي طرحها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ..
– لكن المتابع المدقق للموقف يجد أنه كانت هناك نذر تؤكد أن وراء الأكمة ما ورائها فيما يخص مصر .. فرغم الحرب الإقتصادية المتعمدة التي تشن على مصر و تذبذب سعر الدولار .. و هجمات الإرهاب التي لا تتوقف .. و الحرب الدعائية الضروس التي أنفقت عليها أحدى الأذرع الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية 750 مليون دولار وحدها .. إلا أن مصر كانت تواصل نجاحها الأمني ؛ و تشيد المشاريع الكبرى و تجذب الإستثمارات ؛ و تنجز قفزات هائلة في مجال التسليح و رفع كفاءة الجيش ؛ الأمر الذي يكذب إدعاءات الولايات المتحدة و حلفائها الذين حاولوا تكريس نموذج مصري فاشل .. في مقابل نموذج تونسي ناجح فيما أطلقوا عليه الربيع العربي .. و الهدف من ذلك هو الضغط على مصر من أجل تشريك جماعات الإسلام السياسي في الحكم و بالتحديد جماعة الإخوان و مشتقاتها التي يحاول الغرب الترويج لها كنموذج للإسلام المعتدل في مقابل نموذج القاعدة و داعش المتطرفين متجاوزا حقيقة أن جماعة الإخوان هي الجماعية الإجرامية الأم التي خرجت من عباءتها كل التنظيمات الإجرامية التي تعمل الآن على الساحة .. ؛ لكن الشعب المصري و مؤسساته لم تنطل عليهم خدعة ما يسمى بالربيع العربي و تمكنوا من تصحيح مسار ثورتهم بعد إستيلاء قوى التطرف عليها لفترة .. و من ثم كانت خطة الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة مع حلفائها مزيدا من الضغط على مصر و إستئناف الحرب الدعائية طبقا لحروب الجيل الرابع و الخامس .. و صاحب الدعاية المضادة تجاهلا تاما لأي إنجازات إيجابية في مصر و محاولة تشويهها ؛ و مع إستئناف هذه الحرب الدعائية إستحدثت القوى المناهضة لمصر ” منصات إطلاق ” دعائية جديدة تعمل ضد مصر إلى جانب منصات الإطلاق التقليدية التي ساءت سمعة بعضها مثل قناة الجزيرة القطرية .. و كان من أهم ” منصات الإطلاق الإعلامي المستحدثة ” منصات شمال إفريقية.. تكاملت مع منظمات حقوقية مصرية فرت إلى هناك خشية ملاحقتها بسبب التمويل الأجنبي .. ومنظمات كانت تتولى توزيع التمويل الأجنبي لم يعد لها مكان في مصر بسبب مراقبة نشاطها بشكل صارم و إخضاعها لضوابط بعد عهد طويل من الفوضى ؛ و كان نشاط هؤلاء ضد الإدارة المصرية يراوح ما بين الهجوم و التزييف و التشويه و تضخيم السلبيات .. ؛ أو التجاهل التام لما لا يمكن تشويهه أو تزييفه كمبادرة الرئيس المصري الأخيرة بشأن السلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين .. خاصة مع الترحيب الكبير من كافة أطراف الصراع ؛ و لا يمكن تفسير التجاهل التام لهذه التصريحات في شمال إفريقيا أنه من قبيل الصدفة .. بقدر ما هو إنتظار للتعليمات من الجهات التي توجه ” منصات الإطلاق الإعلامي ” الشمال إفريقية .. و لا يحتاج المرء إلى جهد كبير لإدراك من أين تأتي التعليمات خاصة إذا لاحظ تطابق هذا الموقف إقليميا ” عربيا و متوسطيا ” مع قطر و تركيا .. و دوليا مع الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت شديدة التحفظ .. ؛ فيما لم يملك حلفاء أمريكا الأوروبيين وقاحة مماثلة لممارسة مثل هذا التجاهل المغرض ..
– تزامنت مبادرة الرئيس مع إفتتاح عدة مشروعات كبرى أبرزها في مجال الطاقة ؛ و فرحة قرب إنتهاء ثاني أكبر محطة توليد كهرباء في العالم في محافظة بني سويف .. و تركيب التوربينات العملاقة التي نفذتها شركة ” سيمنز ” الألمانية فيما وصفته بأكبر مشروع في تاريخ تلك الشركة العريقة …
– و لم تمر ساعات على مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي .. و تلك الإنجازات العملاقة .. إلا وجاء الرد المتوقع و ربما كان أسرع من المعتاد بالإسقاط المتعمد للطائرة المصرية القادمة من باريس .. ؛ و التي ربما كان مقدرا لها الإنفجار في مطار القاهرة لولا ستر الله و تأخيرها ..
– تحركت الماكينة الإعلامية المضادة للإدارة المصرية و خاصة القيادة السياسية .. على كافة الصعد الدولية و الإقليمية و المحلية .. و بلغت شأوا بعيدا في الحقارة الإعلامية كان واضحا بشدة في الأداء الإعلامي لمحطة ” CNN ” الأمريكية .. و وكالة الأناضول .. و كذا ” محطات الإطلاق ” الشمال إفريقية ؛ لكن في هذه المرة كان التحامل واضحا و مخجلا و أقرب إلى العار المطلق لمن قام به .. فسارعت ” CNN ” بالإعتذار ؛ أما وكالة الأناضول .. فربما تخوفت من إغضاب ” أردوغان ” أو أنها تتمتع بقدر من وقاحته .. خاصة و أنها ليست من العراقة بحيث تخشى على سمعتها .. و بالنسبة ” لمحطات الإطلاق ” فالأمر برمته ليس إلا مجرد إرتزاق إذ أنهم يدركون محدودية تأثيرهم و صدقيتهم ..
– كل ما ذكرناه آنفا لا يعفي الأطراف المعادية للإدارة المصرية و الحلقة الأقوى فيها و هي القيادة السياسية .. من كونها تتفنن في تنفيذ ما تؤمر به من ردود خبيثة تحمل في طياتها ما تحمل من دلالات خطيرة تؤكد محاولتهم الدءوبة لإسقاط الدولة المصرية و من ثم تقسيم المنطقة و شرذمتها كما يشاءون ..
– و يبدو أن إسقاط الطائرة المتعمد لم يؤت أكله كما أراد من دبروه .. فكان إندلاع حوادث عنف مركز ” أبو قرقاص ” بالمنيا يوم 24 أو 25 مايو 2016 و التي بدأت بإشاعة أو حادث شرف .. فرصة للمتربصين بمصر فسارعوا لإستغلاله و إبراز أبشع سلبياته و تحويله لفتنة طائفية .. و تحركت الماكينة المضادة للدولة المصرية من جديد .. ؛ لكن البعد الحضاري للشعب المصري هو الذي الهم المواطنين للتصدي لمحاولات تأجيج فتنة طائفية .. فكان التحرك الفوري من رأس النظام المصري و رأس الكنيسة و شيخ الأزهر لمحاصرة أية محاولة لإحداث فتنة تؤثر على لحمة الشعب .. و كانت كلمات قداسة البابا تواضروس رأس الكنيسة المصرية مثالا في الصبر و الترفع بما أجج مشاعر المسلمين قبل المسيحيين لوأد الفتنة إذ شعروا بالمسئولية مضاعفة أمام الأخلاق الرفيعة لرأس كنيسة طالما عبرت عمليا عن قدرتها على التضحية و الفداء .. أصل العقيدة المسيحية .. خاصة و أن تقويم الشهداء الذي تتفرد به الكنيسة المصرية على كنائس العالم .. قام على التضحية و الفداء من أجل العقيدة ثم الوطن ..
– و كانت إستجابة القيادة السياسية التي تمثلت في الحزم و الحسم تجاه كل ما يهدد أمن مصر في المستوى المرجو و المأمول من الرجل الذي حمل و يحمل رأسه على كفه من أجل الوطن ..
– كان لمبادرات الرئيس المتعددة و آخرها المبادرة الخاصة بالقضية الفلسطينية أصداء واسعة .. ؛ و ردود أفعال بعضها ردود خبيثة و ذات دلالات .. و لابد من التوقف أمام الردود و دلالاتها .. و آخرها أحداث مركز ” أبو قرقاص ” التي تفرض علينا تساؤلات هامة :
– هل كانت تلك الأحداث مدبرة ؟ .. أم أنها صدفة سيئة و تم إستغلالها و الركوب عليها ؟ .. و ما هي الطرق المثلى لمواجهة هذا التربص بالدولة المصرية ؟ .. و إلى أي مدى نستطيع الإستفادة من دلالات ما يحدث حولنا من ردود بعضها خبيث على خطط و مبادرات الدولة المصرية ؟ .. خاصة و أن العدو الخفي أخطر من الأعداء الظاهرين .. و المخطط الذي أحبطته مصر مازال يصرون على إستمراره ؛ لكن المصريين يجب أن يتمسكوا بالأمل و أن لا يحبطوا رغم صعوبة المرحلة و حرجها .. لأن الطريق مازال طويلا على البعض .. قصيرا جدا على من نجحوا في عبور سبعة آلاف عام من الحضارة و ريادة العالم ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات