آفاق الاستثمار في تونس بين الواقع والتمني

01:09 صباحًا الجمعة 17 يونيو 2016
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في المثل المصري يقال ” ودنك منين يا جحا ” … وفي المثل التونسي يقولون ” ولدها فوق ظهرها وهي تلوج ” … و فحوى المثلين الشعبيين أن الحل يبدو أمامك لكنك تبحث عنه بعيدا … و هي سمة بشرية معروفة لكن من نجح في الانعتاق منها وجد طريقه نحو التقدم و التنمية و الإزدهار.

وديان المياه تشق طريقها وسط جبال الشمال الغربي التونسي

وديان المياه تشق طريقها وسط جبال الشمال الغربي التونسي

لاحظنا قبل الثورة التونسية وبعدها أيضا تعاظم الأماني والرغبات للتنمية في تونس بوجه عام … ومنطقة الشمال الغربي بوجه خاص والتي تتكون من أربعة ولايات هي ” الكاف .. جندوبة .. سليانة .. باجة ” حيث عانت تلك المنطقة طويلا من التجاهل و التهميش الذي أدى إلى تفشي الفقر الشديد و تردي الخدمات؛ و ربما وجدت في ولايتي ” الكاف و جندوبة ” المتاخمتين للحدود الجزائرية بعض السكان يعتمدون على الجزائر في قضاء حاجاتهم اليومية في كافة مناحي الحياة حيث يتم ذلك بصورة مشروعة وغير مشروعة أيضا.
فهناك يعتمد السكان على الدخول والخروج من الجزائر بصورة شرعية لقضاء حوائجهم، بينما يقوم البعض الأخر بممارسة التهريب بدءا من بالمحروقات و البضائع ووصولا إلى تهريب الممنوعات؛ و ربما كان أغرب أنواع تجارة التهريب هي تجارة الأغنام والماشية التي تبدأ في منطقة داخل الأراضي الجزائرية متاخمة للحدود التونسية تسمى “سوق الظلام” حيث تبدأ تلك الصفقات بعد منتصف الليل وتنتهي قبل بزوغ الفجر حيث يصطحب كل من التجار والرعاة بضاعته من الماشية و الأغنام متجها بها إلى البلد التي يسكن.
منذ أقل من 24 ساعة تابعت مؤتمرا للتنمية والاستثمار ومهرجانا للمشي عبر الغابات الجبلية من أجل تنشيط السياحة؛ و لكن بالرغم من رغبة القائمين على تلك التظاهرة والإخلاص الظاهر لبعض القائمين عليها … إلا أنك تلحظ على الفور أن الرؤى ليست مكتملة أو محيطة تماما بالمشهد الحضاري والإقتصادي للمنطقة ؛ و قد تجد أن الحدث المخصص لهدف ما قد انحرف لمأرب آخر حتى لو كان نبيلا … كتكريم أحد أبناء المنطقة وما إلى ذلك.
الشمال الغربي التونسي من أغنى مناطق تونس بالمياه لكنك تجد سكان قمم جبال ” خمير ” مثلا يعانون العطش و يكلفهم وصول صهريج صغير من مياه الشرب من سفح الجبل إلى حيث يسكنون حوالي 30 دينار أي 15 دولار تقريبا ؛ و رغم وفرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة على مدار العام إلا إن معظم المناطق لا تزرع سوى مرة واحدة في العام فضلا عن عدم توافر اليد العاملة اللازمة إذ أن معظمها تفضل العمل مقابل راتب شهري أو دخل أكبر في العاصمة؛ و يلاحظ كذلك أن العديد من المشروعات المقترحة ليست ملائمة بالشكل المطلوب لطبيعة المنطقة التي قد تحتاج أكثر للصناعات الزراعية المكملة ؛ وتقطيرالأعشاب و تجفيفها؛ وتعليب الأسماك في “طبرقة “؛ و صناعات الألبان في “باجة ” ؛ وصناعات الأخشاب في منطقة تتمتع بغابات شاسعة تمتد من ” بني مطير” في ولاية ” جندوبة ” إلى ” عنابة ” الجزائرية.
كما أن المنطقة تحتاج إلى جهود أكبر في البنية التحتية و حماية الطرق من الإنهيارات من جراء أمطار الشتاء القاسي؛ أما أهم عوامل تنمية المنطقة فهي تكمن في توعية و تدريب والإعداد السليم للموارد البشرية ..
هذه المنطقة الغنية بالثروات المائية و المعدنية و الأراضي الخصبة .. بالإضافة إلى الآثار البربرية و الفينيقية والرومانية و العربية يمكنها ببعض الإرادة الحقيقية تأسيس صناعة تقوم على السياحة التاريخية وسياحة الشواطئ ؛ والغابات بما في ذلك الصيد ومراقبة الطيور ؛ والاستمتاع بالوديان والشلالات الصغيرة و مساقط المياه … تلك المناظر الطبيعية الساحرة ..
لكنك في النهاية لن تجد مثلي إجابة على السؤال لماذا تعطل مشروع “التليفريك ” بين الجبال و الوديان الرائعة بين ” بني مطير ” و ” عين دراهم ” 13 كم هي السحر بعينه خاصة لو كنت تراقب من ” التليفريك ” المتزلجون ” زرافات و وحدانا عندما تكسو الثلوج الجبال هناك في الشتاء .. لكن الأماني شئ و الواقع شئ آخر إذ لايوجد متزلجون في الشتاء ولا أدوات تزلج وليس هناك من يعمل أو يحاول العمل في هذا المجال أو يفكر في التأسيس لهذا الإستثمار!

_______________________________
ماجازن إن | يونيو 2016

One Response to آفاق الاستثمار في تونس بين الواقع والتمني

  1. mohamednaceur nefzaoui رد

    9 يوليو, 2016 at 12:20 م

    ” ولدها فوق ظهرها وهي تلوّج “مثل عظيم الدلالة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات