بيت الحكمة العربي في الصين … أحلام بلا حدود

08:54 صباحًا الأحد 23 أكتوبر 2016
محمد ماهر بسيوني

محمد ماهر بسيوني

باحث أكاديمي وناقد أدبي مصري

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

دفعته الرغبة في التميز وتحليه بروح المغامرة إلى الانضمام إلى قسم حديث النشأة، وهو قسم اللغة الصينية في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، وبذا ارتبط مصيره بالثقافة الصينية منذ ذلك الحين، وذلك دون التخلي عن ثقافته العربية، وإذا كانت الصين تمتلك بحارا مشهورا – هو “تشين خو” – غامر برحلة بحرية عبر طريق الحرير البحري بغرض التجارة مع الدول العربية مصطحبا معه في سفينته 2500 من الصينيين العارفين باللغة العربية، فإن أحمد السعيد يعد رائدا في الاتصال الثقافي المتبادل ما بين الوطن العربي الكبير والصين، ولذا سعيت إلى مقابلته في مقر شركته “بيت الحكمة”، التي تستلهم اسم مؤسسة الترجمة الأشهر في التاريخ العربي التي أسسها الخليفة العباسي “المأمون”، للتعرف على تجربة نجاحه في الشرق الأقصى من العالم، فكان هذا الحوار:

الدكتور أحمد السعيد متحدثا إلى الكاتب محمد ماهر بسيوني

الدكتور أحمد السعيد متحدثا إلى الكاتب محمد ماهر بسيوني

هل يمكن تقديم نفسك للقارئ؟
– أنا أحمد السعيد، شريك في مؤسسة بيت الحكمة بالنسبة الأكبر والمدير العام، خبير لغة ومستشار ثقافي في التعاون مع الدول العربية في حكومة نينغيشيا، ومستشار لأغلب دور النشر الصينية في التعاون مع الوطن العربي، ومعين من قبل حكومة الصين المركزية كخبير ومستشار لترويج الكتاب الصيني في العالم.
الخبرات التعليمية: ليسانس لغات وترجمة، شعبة دراسات إسلامية باللغة الصينية. دبلومة إرشاد سياحي باللغة الصينية. ماجستير في علم الأعراق البشرية، موضوعه: “دراسة إثنولوجية لتاريخ ترجمة القرآن الكريم للغة للصينية”، وهي دراسة رائدة تعنى بدراسة مترجمي القرآن الكريم للغة الصينية – وهم تسعة عشر مترجما – ودراسة خلفياتهم الثقافية وأعراقهم وأثر ذلك على ترجمتهم للقرآن الكريم. وأعد للدكتوراه في علم الأعراق البشرية، وموضوعها شخصي وهي بعنوان: “العلاقات الثقافية الصينية العربية – مسيرة التطور وآفاق المستقبل – أحمد السعيد نموذجا”. الرسالة عني بتوصية من المشرف رئيس جمعية الدراسات الإثنولوجية في الصين. إلى جانب العديد من الدراسات المنشورة.
المؤلفات: ألفت كتاب: “طريق الصين – سر المعجزة”. وهو كتاب قد تخطى كافة الخطوط الحمراء داخل الصين ويشرح كافة القضايا المتعلقة بالداخل الصيني، مثل: الديموقراطية وحقوق الإنسان واحتكار الحزب الشيوعي للسلطة، وأسباب التقدم، والمشاكل التي تواجهه. والحزب الشيوعي الصيني يقوم بتقديمه كهدية لكل زائر رسمي عربي للصين ليتعرف من خلاله على التجربة الصينية، وهو ما يعكس الثقة الكبيرة فيَّ التي تشكلت خلال فترة استقراري بالصين، التي تخطت الست سنوات حتى الآن. كما ألفت كتاب: “بما لا يضر مصالح الشعب”، وهو يتحدث عن تجربة فريدة من نوعها يقوم فيها فيلق عسكري صيني بدور مهم في التعمير المجتمعي لصالح المدنيين.

الدكتور أحمد السعيد القائم على مشروع بيت الحكمة للثقافة و الإعلام و الترجمة بالصين ، خلال تسلمه جائزة الصداقة من حكومة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم في الصين التي تمنح للأجانب أصحاب الإنجازات بالمنطقة ، كأول عربي يحصل على الجائزة والأصغر سنا في تاريخها.

الدكتور أحمد السعيد القائم على مشروع بيت الحكمة للثقافة و الإعلام و الترجمة بالصين ، خلال تسلمه جائزة الصداقة من حكومة منطقة نينغشيا ذاتية الحكم في الصين التي تمنح للأجانب أصحاب الإنجازات بالمنطقة ، كأول عربي يحصل على الجائزة والأصغر سنا في تاريخها.

الجوائز الحاصل عليها: 1. جائزة الصداقة من مقاطعة نينغيشيا وهي جائزة على مستوى المقاطعة وتمنح للأجانب فقط. 2. جائزة التميز من الدولة الصينية للإسهامات الخاصة في مجال الكتاب. 3. جائزة مستشار وخبير لمشروع ترويج الكتاب الصيني في العالم. 4. جائزة التميز الخاصة من مجموعة الناشرين الصينيين. 5. جائزة شخصية “ينتشوان” الثقافية. 6. جائزة شخصية العام الثقافية من مؤتمر “البوا” الأسيوي الصيني للشباب بهونج كونج. كما أنني أصغر مرشح لجائزة الصداقة الصينية في تاريخها ويقدمها الرئيس الصيني. وهذا هو حال أغلب الجوائز التي حصلت عليها، حيث كنت أصغر من حصل عليها، والوحيد الذي جمع بين معظمها.
– ما الأسباب التي دفعتك بداية لتعلم اللغة الصينية؟
– لم تكن هناك أسباب تخص اللغة الصينية في حد ذاتها، بل كانت الرغبة في التميز هي السبب الذي دفعني للانضمام لقسم اللغة الصينية، حيث كان مفتتحا حديثا في كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، فانضممت إليه، بينما كانت رغبتي الأصلية هي دراسة اللغة الألمانية نظرا لإعجابي الشديد بالعقلية الألمانية. وقد حسم الاختيار لصالح اللغة الصينية أن والدي قد رفض هذا الانضمام لقسم اللغة الصينية، متعللا بعدم قدرتي على الإضافة للشعب الصيني الذي لا يحتاج إلى مزيد من البشر، حيث يبلغ عدد سكانه 1400 مليوننسمة. هذا الرفض دفعني للمغامرة ودخول القسم على الرغم كل التحذيرات وتوقع الفشل. ومن الطريف أني بعد ذلك بسنوات قد ذكرت ذلك الخلاف بيني وبين أبي حول تعلم اللغة الصينية وجدواه بالنسبي لي وللصين، في قاعة الشعب الكبرى وأنا أتسلم درع التكريم من الصين لحصولي على جائزة الدولة الصينية في التميز.
– ما بين تخرجك من الجامعة واستقرارك في الصين، كيف سارت الأمور؟
– لقد سارت الأمور دون تخطيط مني. فحين تخرجت لم أكن أخطط للاستقرار في الصين، ولم أكن أعلم أن تجنيدي سيكون بسبب تعلمي للصينية. فقد قضيت فترة التجنيد لمدة ثلاث سنوات وكنت أدرس في معهد اللغات التابع للقوات المسلحة، وقد فادني ذلك في حياتي المدنية بعد انتهاء فترة التجنيد. كما عملت مترجما لفترة قصيرة في السفارة الألبانية كمترجم للغة الصينية، ثم عملت مرشدا سياحيا في مصر لفترة أطول ثم عملت في دبي.
– كيف وصلت الأمور بك للاستقرار في الصين؟
– لم يكن مخططا أن تكون رحلتي للصين بهدف الاستقرار بها. بل مجرد عمل لفترة محددة لا تزيد عن ثلاثة شهور بغرض إنتاج موقع إلكتروني للمنتدى الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية لصالح حكومة مقاطعة نينغيشيا بطلب من نائب رئيس حكومة المقاطعة حين زار دبي في وفد رسمي حينما كنت أعمل. فاكتشفت أن الثقافة الإسلامية ذات هيمنة على مقاطعة نينغيشيا، كما كانت منطقة بكرا بالنسبة للعرب، فقد ظللت العربي الوحيد في المقاطعة لمدة عامين كاملين. ثم تم تعييني مستشارا للمنتدى الاقتصادي التجاري بين الصين والدول العربية بمقاطعة نينغيشيا. وكانت هذه بداية عملي الثقافي بالصين.

 أعتبر نفسي: "هاوي ثقافة" يحاول التقريب بين أمتين عظيمتين

أعتبر نفسي: “هاوي ثقافة” يحاول التقريب بين أمتين عظيمتين

أظن أنك الآن راعي التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية؟
– لكي أكون صريحا معك، فأنا لا أحب المسميات الرسمية، بعض الناس يقولون عني: “مسؤول التبادل الثقافي الصيني العربي” أو “منسق العلاقات الثقافية الصينية”، ولكنني أعتبر نفسي: “هاوي ثقافة” يحاول التقريب بين أمتين عظيمتين، ولكني لم أكن أتخيل أن تتطور الهواية بحيث أكون مسؤولا عن تنفيد مشاريع دولية، فقد أدرجت “بيت الحكمة” – دار النشر التي أملكها وأديرها – هذا العام في الخطة الخمسية الثالثة عشر لجمهورية الصين الشعبية كمنفذ للخطة في الجانب الثقافي فيما يتعلق بالنشر والترجمة بين الصين والدول العربية، فقد تم إسناد أربعة مشاريع لنا بشكل رسمي. يمكن أن ألخص مهمتي في عمل تعاون ثقافي حقيقي وملموس بين جماهير الشعب الصيني والشعوب العربية، فهناك تعطش في الوطن العربي للتعرف على الصين بعد الفشل الذريع في محاولتنا لتقليد الغرب على مدار القرنين الماضيين، وفي نفس الوقت هناك رغبة صينية في الانفتاح على المنطقة العربية ومحاولة اكتسابنا مرة أخرى كشريك للمرحلة القادمة، حيث سبق لنا أن كنا شركاء فترة الحقبة الناصرية، خاصة بعد اعتراف مصر بها كأول دولة عربية، كما أن دولة الجزائر سبق لها أن صوتت لصالح الصين عدة مرات في مجلس الأمن، كما كانت ثاني دولة عربية تعترف بدولة الصين الشعبية. كما أن العلاقات الاقتصادية الصينية العربية مهمة جدا للعرب، فالصين أكبر شريك تجاري لتسع دول عربية، بينما لا تمثل صادرات الدول العربية مجتمعة للصين سوى خمسة بالمائة من اقتصاد الصين، والعنصر الرئيسي في هذه الصادرات هو البترول.
– من وجهة نظرك، ما هو أكبر إنجاز حققتموه في مجال التواصل الثقافي بين الصين والعرب؟
– سبق أن أوضحت أن كل ما نريده هو أن نكون جسرا حقيقيا للتواصل الثقافي. ولكن أكبر إنجاز حققناه من وجهة نظري هو أن كل متخرج من أحد أقسام اللغة الصينية بالوطن العربي أو بالجامعات المصرية أو صار يأمل أن يعمل مترجما ثقافيا، لقد كان ذلك أملا مفقودا، فقد كان المأمول هو العمل حصريا كمرشد سياحي أو مترجما في مصنع، فصار الآن الكثير منهم يخططون للعمل معنا في بيت الحكمة أو في العمل كمترجم ثقافي حر. ومن الإنجازات أيضا تخطينا لمرحلة ترجمة ونشر الكتب وبدأنا في إنتاج البرامج والمسلسلات وأفلام الكارتون للأطفال غربيا وصينيا، بحيث يكون التبادل الثقافي سيالا في الاتجاهين، فعندنا أيضا مشروع ترجمة روايات عربية للصينية، فمما أفخر به ترجمة فريق عمل “بيت الحكمة” للمعلقات السبع، وكتاب “الأدب والنقد الأدبي” لد: إبراهيم عوض، و”الزيني بركات” لجمال الغيطاني، كما ساعدنا في ترجمة مؤلفات الشاعرين الكبيرين: أدونيس ومحمود درويش. وآخر ترجماتنا الصادرة هي رواية “رد قلبي” ليوسف السباعي. كما توجد ترجمات عدة في طور الإنتاج، منها: “أيام الإنسان السبعة” لعبد الحكيم قاسم، و”قرية ظالمة” لد: محمد كامل حسين، و”فساد الأمكنة” لصبري موسى، و”الطوق والأسورة” ليحيى الطاهر عبد الله، و”نادي العباقرة الأخيار” للكاتب التونسي كمال العيادي، و”لهو الأبالسة” لد: سهير المصادفة، و”أنا عشقت”لمحمد المنسي قنديل، و”واحة الغروب” لبهاء طاهر،و”تغريدة البجعة” لمكاوي سعيد. وعلى الرغم من ترجمة معظم أعمال نجيب محفوظ للصينية من قبل، فإن هناك خطة لإعادة نشرها في “بيت الحكمة” مرة أخرى لما تمثله من أهمية في تاريخ السرد العربي.
– حدثنا عن طبيعة “بيت الحكمة“؟
– وأنا طفل يجد متعته في القراءة، لم أكن أتوقع أن يكون عملي هو إنتاج الكتب. إنتاج الكتب منذ لحظة اختيارها بنفسي، مرورا بلحظة توقيع عقدها، ثم مرحلة توزيعها على المترجمين، ثم مرحلة مراجعتها، خاصة لقيامي بأغلب المراجعات بنفسي، ثم تحريرها من خلال المتخصصين، وصولا إلى الخطوة الأخيرة وهي النشر، التي يتبعها مرحلة الترويج للكتب المنشورة. ولهذا فأنا أعتبر تلك العملية فنا أسميه: فن صناعة الكتب. ولهذا لا أعتبر “بيت الحكمة” مجرد دار نشر، فدور النشر عادة لا تقوم بالمرحلة الأولى وهي اختيار الكتب بشكل دقيق بناء على الفهم لطبيعة السوق الأجنبي. ولكننا في بيت الحكمة قادرين على عمل ذلك. والوصول لآلية العمل هذه هو نتيجة تراكم الخبرات الحياتية منذ الدراسة في الأزهر مرورا بفترة تجنيدي بالجيش المصري، والعمل بالإرشاد السياحي وصولا إلى فترة العمل بالصين. وهنا أود أن أسجل فخري بكوني دارسا بالأزهر وأصولي الريفية إلى جانب الفخر الأكبر بكوني مصريا. فقبول الآخر والقدرة على الانفتاح على الثقافات الخارجية وتقبلها كما هي عليه من موقع الند، هو جين مصري بامتياز. إلى جانب أن هويتنا الثقافية المصرية محط انبهار واحترام العالم، بالإضافة إلىأن صورة الأزهر الخارجية بين مسلمي العالم شديدة الاحترام وتنال التقدير العظيم. أذكر أن رئيس الوزراء الماليزي السابق “عبدالله بدوي” – اللاحق لمهاتير محمد في المنصب – كان في زيارة لمقاطعة نينغيشيا وكنت موجودا فتم التعارف بيننا وحين علم أني من خريجي الأزهر، قام باحتضاني تعبيرا عن الاحترام والتقدير. كما أن الانتماء للقرية المصرية، قد حملني ببنية من القيم تسمح لي بالتعامل المنفتح مع كافة البشر من مختلف الثقافات.

الدكتور أحمد السعيد : أحلام بلا حدود

الدكتور أحمد السعيد : أحلام بلا حدود

– ما الجديد الذي تسعى لإضافته عبر “بيت الحكمة” بعد النجاح المتحقق حتى الآن؟
– عندنا أحلام بلا حدود. الأرض مازالت بكرا وتنتظر الحُرَّاث. هناك رغبة في التعرف على المحتوى العربي من قبل الصينيين، ولهذا نسعى لتأسيس مكتبات رقمية تحتوى على كل ما تشمله الثقافة العربية. كما نأمل أن يستطيع دارس اللغة العربية من الصينيين أن يتعرف بشكل شامل على الثقافة العربية وهو في الصين. فدارس اللغة العربية في الصين يعاني من قلة المحتوى العربي المتاح له، لقلة الكتب والمراجع، ولقلة المدرسين الذين يستطيعون تدريس الثقافة العربية بشكل جيد، فتعليم اللغة ليس معناه فقط تعليم المفردات والقواعد النحوية، فدور المدرس الأجنبي في دولة أجنبية هو نقل الثقافة وليس اللغة المجردة. ولذا فنحن نتمنى أن نشارك في نقل الثقافة العربية عبر إنتاج محتوى رقمي احترافي على الإنترنت. ولكن كل هذا لم نكن لنحلم به لولا تمكننا من إثبات نفسنا في الخطوة الأولى، ألا وهي إنتاج الكتب المختلفة. كما نسعى لتأسيس مركز دولي في الترجمةبه فرعان في مصر والصين، يؤهل المترجم للعمل في مجال الترجمة عبر التعرف على خبرات المترجمين في الدول العربية والصين.
– قبل الحوار شهدت معك مراسم توقيع عقد شراكة ما بين بيت الحكمة وكلية شينخوا. ما تفاصيل هذا الموضوع؟
– كان عندنا حلم الجمع بين اللغة والتخصص، فلا يكفي أن يكون المترجم عارفا باللغة فقط، بل يجب أن يجمع معه تخصص ما يمكنه من العمل في الدول العربية إذا كان صينيا والعكس إذا كان عربيا. وقررنا البدء بتخصصات: التحرير الصحفي، والتغطية التلفزيونية والإعلامية، والنقل، والتجارة الإلكترونية. وسيكون عدد المتخرجين مبدئيا في كل دفعة حمسين طالبا، وتعاقدنا مع جامعة بدر الخاصة في مصر أن تكون جهة تدريب الطلبة الصينيين وكلية شينحوا بجامعة نينغيشيا الصينية أن تكون جهة تدريب الطلبة العرب. فالقصد ليس أن يكون مترجما بل أن يكون قادرا على العمل في تخصصه في الصين والدول العربية.
عودة إلى تخصصك كمترجم قبل أن تكون ناشرا، من خبرتك في الترجمة، ما النصائح التي تقدمها لمن يريد تعلم اللغة الصينية؟
– اللغة، بشكل عام، مكان تدريسها ليس المعاهد والكليات والجامعات. تعلم اللغة مثل شلال يجب أن يكون ممتدا بطول العمر. من يريد تعلم الصينية عليه أن يعلم أنها لغة مميزة وذات خصوصية ثقافية، إلى جانب أنها تصنف هي واللغة العربية كأصعب لغتين في العالم، فعلى المتعلم لها أن يدرس الثقافة الصينية أيضا بشكل معمق. ومن مميزاتها أنها لغة متعددة الطبقات والمستويات في تعبيراتها. فالجامعة بالنسبة للمتعلم هي مجرد شهادة وتأسيس تعلمه النطق السليم والقواعد الصحيحة. لكن هذا التأسيس لا يكفي ليعمل به في سوق العمل بعد التخرج، بل لابد من الصقل الذاتي. فتعلم اللغة يعتمد على مجهود الطالب بنسبة 60% و 40% على الكلية. فبانتهاء سنوات الدراسة الجامعية يبدأ المشوار الحقيقي لاستغلال ما تعلمه، فعليه أن يتعامل بها قبل العمل بها، وذلك لصقل الخبرات بما يؤهله للعمل الأفضل. بالإضافة إلى ذلك عليه ألا يكتفي بإجادة اللغة، بل عليه أن يتقن تخصصا آخر بالإضافة للغة كالإدارة، والأدب، والفنون، أو الطب والاقتصاد؛ فالصينيون عمليون جدا، فعندهم عدم اكتفاء من فكرة الاستفادة منك كمترجم فقط، فمثلا الذي يعمل بالإرشاد السياحي يعتمد على اللغة بنسبة 60% ولكنه يعتمد على المعارف التاريخية والمعمارية بنسبة 40 % وهكذا، فلذا في مصر لا يمكن لخريج قسم اللغة الصينية أن يعمل في مجال الإرشاد السياحي إلا بعد حصوله على دبلومة مؤهلة لمدة سنتين على الأقل ليكون مرشدا سياحيا.
– بعد ثورة يناير ظهرت فكرة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، فهل يمكننا الاستفادة من التجربة الصينية؟
– هناك فرق بين تقليد تجارب الآخرين وبين دراسة تجاربهم.ولكن يمكننا دراسة التجربة الصينية وتأمل مبدأ – ذكرته في كتابي: طريق الصين (سر المعجزة) – الانتقاء من تجارب الآخرين عبر تاريخ البشرية بما يتناسب مع ظروفهم مع العمل على “تصيينه”، ثم يتم تفعيله على سبيل التجربة المحدودة في إطار ضيق جدا، حتى “تقوم الوقائع بإثبات الحقائق”، ثم يتم التفعيل على مستوى الدولة الصينية ككل، فحسب كلمة الزعيم الصيني الراحل “دينج شياو بينج”: لا يهم أن تكون القطة بيضاء أو سوداء، المهم أن تصيد الفئران”.

………..

تشكر (آسيا إن) الدكتور زين عبد الهادي، رئيس تحرير مجلة عالم الكتاب | الإصدار الرابع، والكاتب محمد ماهر بسيوني على موافقتهما لإعادة نشر هذا الحوار الهام، بعد صدوره في عدد أكتوبر من المجلة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات