سيمفونية علاء حجازي التشكيلية

12:43 مساءً السبت 4 مارس 2017
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

سعادة غامرة طوقتني، وأنا أشهد افتتاح المعرض الفردي الأول في مصر للفنان التشكيلي المغترب علاء حجازي. في هذا المقال أبحث عن سر هذه السعادة.

علاء حجازي ... بريشته

علاء حجازي … بريشته

قد تبدو مهمة الفن التشكيلي معقدة للغاية، لأن دوائرَه ـ المتشابكة والمتماسة والمتباعدة ـ يصعب أن ينشأ بينها حوار في عالم مضطرب يموج بكل ما يأخذك تيارُه بعيدا عن عالم الفن، الذي وضع لأمد طويل في زاوية ضيقة ترتبط بالنخبة، ويدور بينها كما تدور كؤوس مشروبات محرمة، لا يتذوقها غير أصحاب البرج العاجي في إطاراتهم الفكرية المذهبة.

من أعمال المعرض

من أعمال المعرض

77

من أعمال المعرض

في عالم تدمره الحروب، وتشعله الصراعات، ويؤرقه النزوح، ويخيفه الإرهاب، ويحبطه الشك، وينتظره  السقوط، سيبدو البحث عن معرض تشكيلي وهمًا، لكن الأمر، حين تتأمله، هو اليقين، فالحروب ربما ستنتهي، والصراع قد يزول، والنازحون قد يجدون مستقرهم، والإرهاب قد يتوقف بالسكتة الدماغية حين يتوقف تمويله، والشك سيتحول إلى إيمان، حين نستيقظ على حقيقة واحدة؛ أن كل شيء خلا الفن باطل وزائل.

بقي الفن ليدلنا على عباقرته، وبؤسائه، ونهضته، وحركة حياة مجتمعاته. بقي الفن ليسجل ويوثق ويمتع ويشبع البصيرة بعد البصر. لذلك أنا هنا في حضرة الذي يدوم، داخل غرفتي المعرض اللتين ضمت أعمال الفنان التشكيلي علاء حجازي.

لن أحدثكم عن قوة التلخيص المُعجزة في الخطوط القليلة التي تأخذ جوهر الشخصية، الحية،  لتقدمها إليك أكثر حيوية. لكن، كي لا يستغرقني الحديث التفصيلي، دعوني أصحبكم إلى الثيمات التي عزف عليها الفنان ليخرج سيمفونيته.

الفنان محمد أبو طالب

الفنان محمد أبو طالب

الحركة الأولى هي استخدام اللون الأسود والأبيض، في جرأة تحسب للفنان، ولجاليري قرطبة، الذي تبنى الفكرة الجريئة في أن تكون جُل الأعمال ثنائية التلوين، وكأنه يأخذنا إلى عصر غير العصر، تبدو فيه الفطرة والبراءة ـ المرتبطتان بخطوط القلم الرصاص ـ هما الأساس، بكل تلقائية لم تفتقد القوة أبدا.

الحركة الثانية هي حفنة الموديلات التي اشتغل عليه، لعدد قليل من الأشخاص في العائلة وخارجها، لكنه استطاع أن يُخرج منها ما يوحي بقدرته على أن يكون المعرض من موديل واحد دون ملل، خاصة حين يكون قادرا على استخدام الموديل الواحد معبرا عن نقيضين، طرف يمثل السكين بحدته ودلالاته القاتلة، وآخر يمثل التفاحة بنعومة بشرتها وإحالاتها المغوية.

المليجي والعلايلي والأرض وعلاء حجازي

المليجي والعلايلي والأرض وعلاء حجازي

الحركة الثالثة تكمن في استدعائه لشرائط السينما، ومقدرته اللامحدودة، والتي تمثل خاصية منفردة له، في إخراج هذه الشخصيات من الفيلم إلى الحياة. حين تشعر أن الممثلين والممثلات، في كل كادر، قد تركوا شريط الفيلم، ووقفوا معك في المعرض، يحكون لك عن الفنان وذكرياته، خاصة وهو يؤلف أصواتا لها الإيقاع الخاص الذي يختار الفيلم بوعي بمؤلفه، وإيمان بقصته، وحبا لمخرجه، وتقديرا لممثليه.

الحركة الرابعة لسيمفونية معرض علاء حجازي تقدم إيمانه العميق بالكتلة في الفن، وقدرتها على أن تقدم نفسها دون جوقة عازفة، تخيلوا ـ مثلا ـ أم كلثوم وهي تغني وليس هناك على المسرح سوىصوتها، ونحننعلم أنها كانت تستطيع، لذلك امتازت الأعمال التي شاهدناها بعدم الثرثرة غير المطلوبة في الخلفيات التي لا تظهر تفاصيلها أو إكسسواراتها أبدا خلف بورتريهاته وأشخاصه، حتى في كادرات السينما المبتكرة، والتي يقدمها لأول مرة فنان في معرض.

من أجواء المعرض

من أجواء المعرض

33استجابة الجمهور الكبير للمعرض (الممتد حتى العاشر من هذا الشهر في جاليري قرطبة،  شارع دجلة، المتفرع من شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين، القاهرة)، عكست نجاح المعرض، وشكلت علامة فارقة في تاريخ المعارض التشكيلية، حين يستطيع الفنانون الكبار وحدهم تقديم بعض اسكتشاتهم ضمن تفاصيل معارضهم، هذا لأن الاسكتش ارتقى ليكون عملا أستاذيا.

هدى وفدوى ولوحتان

هدى وفدوى ولوحتان

لقد اصطحبتُ ابنتي الصغيرتين، هدى وفدوى، اللتين ترسمان كلما عثرت يداهما على الورق والألوان، ليكون المعرض درسا لهما في القيمة الفنية وقدرة الفنان على استثمار محيطه البشري ليلهمه هذه الأفكار.

الفنان أحمد إسماعيل يعزف ويغني في افتاج معرض الفنانعلاء حجازي

الفنان أحمد إسماعيل يعزف ويغني في افتاج معرض الفنانعلاء حجازي

ومن جميل المصادفات أن يقدم الفنان أحمد إسماعيل غناءه وعزفه في افتتاح هذا المعرض، الذي تقدم حضوره الفنانون الأستاذ محمد أبو طالب والدكتور محمد الناصر والشاعر صفوت قاسم، ذلك أن إسماعيل، قبل 15 سنة في 13 مارس 2002، قدم أمسية ناقشت ديواني “فوق صراط الموت”، لذلك لم يختزل معرض علاء حجازي الحياة في لوحاته، بالنسبة لي، بل اختزل الزمن، واختزل معجم الأصدقاء، وكان الاختزال ناجحًا وفريدا وممتعا، ومتقنا، تماما كأعماله، خاصة وأنني أعرفها منذ زمن، وقدم لنا تجربة مثيرة بأغلفة مجلتنا ماجازين إن، كما سنرى في الأعمال المرافقة لهذه السطور.

One Response to سيمفونية علاء حجازي التشكيلية

  1. محمد ابوطالب رد

    5 مارس, 2017 at 9:30 ص

    اوجزت واحسنت ، لك التحية وكل التقدير

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات