جريمة في رام الله: رسالة يحيى عبٰاد للأدباء العرب

09:31 مساءً الأحد 19 مارس 2017
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الروائي الفلسطيني يحيى عباد يوجه رسالة مفتوحة إلى الأدباء والمثقفين العرب المدعوين إلى أسبوع الأدب العربي في متحف محمود درويش في رام الله

يحيى عباد بعدسة شروق شلبي

يحيى عباد بعدسة شروق شلبي

تذكروا وأنتم تزورون فلسطين أنني محروم من عودة طبيعية إلى بيتي ووطني بسبب قرار النيابة العامة بمصادرة روايتي وإصدار مذكرة إحضار بحقي

السيدات والسادة، الأدباء والمثقفون العرب المدعوون إلى أسبوع الأدب العربي في فلسطين،
تحية طيبة،

قد تكونون عرفتم بالقرار غير المسبوق بالمصادرة والمنع والاحتجاز والتحقيق الذي تعرضتُ له بعد إصدار روايتي “جريمة في رام الله”، ولإجلاء الأمر على شاكلة تامة، فقد أصدر النائب العام الفلسطيني بتاريخ السادس من شباط – فبراير المنصرم، قرارًا بمصادرة جميع نسخ روايتي الصادرة عن دار المتوسط – ميلانو، وأصدر مذكرة إحضار بحق المؤلف والناشر والموزع، وصادرت قوات من الشرطة كل نسخ الرواية من المكتبات ومن المخازن، واعتقلت الموزع، وصدف أنني كنت في رحلة عمل لأيام خارج فلسطين فلم اعتقل كما جرى مع الموزع حين اعتقل كمجرم من الشارع العام.

أعطى قرار النائب العام غطاء شرعيا لكل الهجمات التي طالتني على مدار أسبوعين ثقيلين أنا وعائلتي، وأصبحت هدفا للتهجم والتهديد بالاعتداء البدني وحتى القتل من فئات وقطاعات متشددة ومتطرفة ورجعية ومخرّبة ومعرّفة لدي بالدليل والمعلومات الكاملة.

ورغم تداعي عديد المثقفين الفلسطينيين والعرب لإدانة قرار النيابة العامة والمطالبة بسحبه، وتوالي بيانات من منظمات حقوقية ومن منظمة القلم الدولية، لم تستجب النيابة ولا السلطة ولا تزال القضية مفتوحة والرواية مصادرة. وجاء بعد ذلك بيان من وزارة الثقافة في غزة يطالب بمحاكمتي وملاحقة العمل، ثم بعد ذلك كله جاء بيان وزارة الثقافة الفلسطينية ليخفف من فداحة قرار النيابة وخطره على حرية التعبير والكلمة والإبداع، عبر القول إن النيابة تحفظت على الرواية فقط، وإن الوزارة تقترح للحل تشكيل لجنة قراءة للنظر في الرواية! وهو أمر استنكره مثقفون كثر.

الرواية لا تزال مصادرة، ولم يردني شيء من النيابة يثبت أن القرارات التي اتخذت ضدي وضد الناشر والموزع تم سحبها والتراجع عنها، وهذا ما طالبت به طوال الفترة الماضية لحفظ حقي في عودة سليمة وطبيعية إلى فلسطين قانونيا دون تحقيق ولا احتجاز ولا محاكمة، ثم لردع كل من هددني بالقتل والاعتداء والإساءة.

جريمة في رام الله: الرواية التي منعها النائب العام الفلسطيني

جريمة في رام الله: الرواية التي منعها النائب العام الفلسطيني

العزيزات والأعزاء جميعا،
بعد هجمة التحريض والتهديد التي طالتني بغطاء من قرار السلطة وفي ظل وجود القرار، لم أتمكن من العودة إلى رام الله، ولا أزال عالقا حتى هذه اللحظة، وإثر تصاعد التهديدات والتشهير جنحت إلى عدم النشر عما يتفاعل من أحداث، وهذا ما أشار عليّ به حقوقيون ومنظمات دولية تعنى بالدفاع عن حرية التعبير، وذلك حتى لا أغري المزيد من المهدِّدين بمضاعفة هجومهم أو تمرير أي اعتداء عليّ تحت حالة التهجم العامة.

وبتوقفي عن النشر عما يجري كنت أخسر طريقتي الوحيدة في لفت الانتباه إلى قضيتي، ولكن السلامة على رأس الأولويات في حالات كهذه، مع الرغبة في محاصرة ما يجري والحد منه. والمهم هنا أيضا أنني لا أرغب إطلاقا في تكريس صورة الروائي أو المثقف الذي تهاجمه قطاعات من مجتمعه غير القادر على التعاطي الواعي مع النص الأدبي، وهي صورة يريد كثيرون تثبيتها عن مجتمعاتنا، وهو ما أرفضه من موقعي ككاتب وباحث، وأعلم تمام العلم أن مشكلتي هي مع الجهة التي أصدرت قرار المصادرة والإحضار، وهي سابقة لم تشهدها فلسطين منذ تأسيس السلطة الفلسطينية. هذه الجهة وغيرها من جهات في السلطة تغازل قطاعات متشددة ورجعية، بدلا من حماية الإبداع والثقافة من موجات التطرف التي تتلاحق على منطقتنا، والضحية دوما هي الثقافة، التي نعول عليها كسلاح أنجع وأجدى في حفظ قيم الحرية والتحرر ومواجهة مد التشدد والتطرف القاتم، ومواجهة استبداد أي سلطة إزاء حقنا في التعبير والكتابة.

ثم جاءت الجريمة الكبرى، حين اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي المثقف الشهيد باسل الأعرج قبل أيام، بكل ما أحدثه من خضة بالغة في الوسط الثقافي والشعبي الفلسطيني ولا يزال، ومع هذا الاغتيال في مدينة البيرة على مبعدة مئات الأمتار من مقرات السلطة، بدا كل شيء ثانويا بالنسبة لي، وواصلتُ البحث عن حلول شخصية بمساعدة أصدقاء، تتعلق بإقامتي المؤقتة في أي مكان متوفر، وارتأيت رغم كل الخسائر عدم الخوض في القضية، إلا أن فعالية أسبوع الأدب العربي وحضوركم في فلسطين كان مناسبة لقول كلام أراه في غاية الأهمية، وقبل ذلك مناسبة لاتخاذ موقف يناصر الأدب الحر.

أيها الأعزاء جميعا،
إن لكل منكم دورا بالغ القيمة في تعزيز قيم حرية الإبداع والتعبير في بلدانكم وبين مجتمعاتكم وعلى مستوى الوطن العربي وعلى مستوى المجتمع الثقافي الإنساني ككل، وهو ما يجعلكم دوما أمام مسؤولية تعونها، وهي الدفاع المستميت عن حرية الأدب والكتابة والتعبير، وما أخشاه اليوم أن هذا التصميم الواعي لمشهدية احتفائية بالثقافة والأدب تتولاه السلطة الفلسطينية، هو تغطية على الانتهاك الذي أتعرض له ولا أزال، وكلي أمل وثقة بإدراككم لحقيقة الموقف اليوم، وخطورة أن يصل الحال بالسلطة لمحاصرة الإبداع واعتقاله، كيف لا وأنتم ستقدمون مداخلاتكم وتقرؤون نصوصكم في حضرة الشاعر محمود درويش، وهو نفسه من حكم متطرفون وضيقو أفق وأعداء ثقافة عليه بالكفر ولاحقوا نصوصه، ولو كان حيا اليوم في ظل نظام مهووس بالأمن وتكميم المنتقدين لكان ملاحقا محاصرا. إن حضوركم النوعي في احتفالية كهذه وفي ظل المنع والمصادرة سيظهر غير متسق مع الاحتفاء بالأدب بتاتا.

وأنتم تزورون فلسطين وفق مسعى عريض للتواصل مع الجمهور الفلسطيني والثقافة الفلسطينية، اعلموا أنني الفلسطيني الذي أعيش في رام الله، محروم من عودة طبيعية لها بقرار من السلطة، وبسبب رواية كتبتها وحرمت السلطة الفلسطينيين من قراءتها عبر المصادرة والمنع.

إن زيارة المثقفين العرب لفلسطين وتحديدا مناطق السلطة عبر موافقة أمنية من الاحتلال الإسرائيلي تتوسط السلطة الفلسطينية لاستصدارها، لا تزال إشكالية لدى قطاعات واسعة من الفلسطينيين والنخب، ولا يفوتني تنبيهكم إلى هذا الأمر، فنحن لا نرضى لكم إلا كل موطئ عزيز كريم غير خاضع للموافقات الأمنية الاحتلالية، وما يزيد من فداحة الأمر اليوم، هو أن السلطة الفلسطينية المحكومة بكل قرارات وإجراءات الاحتلال وموافقاته، لا يمنعها هذا الواقع البائس من ملاحقة الثقافة واستسهال المنع والملاحقة، بدلا من أن تكون تمثيلا مستمرا لتوق الفلسطينيين إلى الحرية وإلى وطن حر مستقل كريم، تزوروننا فيه بقرار فلسطيني خالص، لا بقرار ضباط أمن إسرائيليين.

العزيزات والأعزاء جميعا،
ليس لدي ما أتوجه بطلبه منكم، إلا نصرة حقنا في الإبداع والكتابة والخيال والتعبير، حقنا في الحرية التي لا تتجزأ، والمحافظة على دوركم الكريم في الدفاع عن هذه الحقوق ورفض تمرير مشهدية من الاحتفاء الثقافي لتجمّل واقعا قبيحا يحرم فيه روائي من العودة إلى بيته ووطنه بسبب ما كتب، ويحرم الناس من حقهم في قراءة روايته والحكم عليها، ويمنح فيه المتطرفون والمتعصبون غطاء من السلطة للتهجم والتهديد واستباحة حقوقي كمواطن وإنسان.

دمتم أحرارًا أعزاء
عبّاد يحيى

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات