فصل من رواية : حجاب السِّحْر

04:18 مساءً الإثنين 23 أكتوبر 2017
احمد الشهاوي

احمد الشهاوي

شاعر من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

2831A51C-E2D3-45F4-9BDE-B7210C2D352024DCE69F-06DF-46FC-AF62-1B80AA906B51يوم الخميس

الخامس عشر من محرم سنة 1439هجرية
الخامس من أكتوبر سنة 2017 ميلادية

( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )

اخترتُ أنا الشيخ محمد عبيد – المقطُوعُ من شجرةٍ ، والمحمُولُ على محفَّة القلق ، والمولُود والعائش في قريةٍ تقع على شمال السَّماء اسمُها كفر المياسرة – هذا اليوم لعمل حِجابِ السِّحر ، وفكّ العمل المعمُول لهذه السيِّدة التي لم أرها ، لكنَّني أعمله بسَعيٍ من مُحبِّها الذي كان يومًا ما من مُريدي السِّحر والعاملين به ، وقد أثبت فيه مكانة ، وكان يردِّد – وهو الصبيُّ – قولا لا يعرف من قائله وهو : ( كلُّ فراسةٍ لا تكونُ عن نورِ الإيمانِ لا يُعوَّل عليها ) ، إذ كان صاحب فراسةٍ ، وإيمان ، وسالك الطريق الصوفي للشاذلية ، حيث كان يردِّد أيضًا : ( أنا شاذليٌّ إن حييت / وإن أمُتْ فمشورتى فى الناس أن يتشذَّلوا ) ، لكنَّه لأسبابٍ يطولُ شرحُها هجرَ عملَ السِّحر ، وانشغل في أمورِ الكتابة والشِّعْر والتصوف ، وهي ليست بعيدةً عن السِّحر ؛ إذ هي سِحرٌ وحدها لا يُضاهى ولا يُنافَسُ .

اخترتُ الخميس لأنه اليوم الخامس عند العرب وكان اسمه مُؤْنِس في الجاهلية ، من الخُمس الغنائم والفوائد ، وهناك حديثٌ رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ) ، وقلَّما كان النبي محمد يخرُج إلى سفرإلا يوم الخميس ، والخميس هو سادسُ أيّام الأسبوع ، يأتي بعد الأربعاء ، ويليه الجمعة ، وصوم يوم الخميس سُنَّة ، ولأنَّ فيه الرقم خمسة ومُضاعفاتها ، لِمَا لهذا الرقم من دلالةٍ تشيرُ إلى القبضِ على الأشياء التي يطلبُها المرءُ ويحتاجُها ، ولأنَّها اليد بأصابعها الخمسة حيث السَّعي والقُوَّة ، ولأنَّ هناك خمسَ سُورٍ في القرآن ، تبدأ ب ” الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” ، ولأنَّ السيدة التي أصنعُ لها هذا الصنيع بمحض إرادتي دُون أن أحصل على شئٍ منها ، أو ممَّن جاء من طرفِها ، ولِدتْ في اليوم الأوَّل من العام قبل خمسين سنةً ، وخمسة تعني أربعة يزيد واحد عليها ، ذلك الواحد الذي شهد مولدها ، وإذا كان الرقم أربعة يشير إلى الخليقة، فإن الرقم واحد يشيرُ إلى الخالق ، و ماذا تعمل الخليقة بدون الخالق ؟ تمامًا كالأصابع الأربعة في اليد الواحدة ، لا قيمة لها من غيرِ إصبع الإبهام .

و الرقم خمسة ، هو نصف الرقم الكامل عشرة ، حيث يأتي موقعُه في منتصفِ المسافة بين الصِّفر والعَشْرة ، و يشترك مع النُّور والنمو، و الحركة والتغيُّر، ويرتبط بالقلب، كما أنه مصْدرٌ للعِشْرةِ والمُؤالفةِ ، ومُرتبطٌ بالعناصرِ الخمسةِ والألوان الخمسةِ الأساسيَّة ، وهو رقم الحيوية والإشعاع ، وهو عدد حواس الإنسان : النظر، والسَّمع، والشَّم، والذَّوق، والحِسّ ، وهو عدد الأصابع في كُلٍّ من أطرافه الأربعة ، ففي كلِّ يد هناك خمسةُ أصابع، ومثلها في القدم الواحدة .

وأول الكواكب العملاقة الغازية في النظام الشمسي هو ” المشتري ” الذي هو الكوكب الخامس حسب بُعده عن الشَّمس ، ولمجرَّة درب التبانة خمسةُ أذرعٍ أساسية : ذراعُ حامل رأس الغُول ، و ذراعُ الدجاجة المجري ، و ذراعُ قنطورس ، و ذراعُ رامي القوس ، و ذراع الجبَّار ، ومن خواص الرقم خمسة أنّه إذا ضُرِب في نفسه رجع إلى ذاته، وفي القرآن :{ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ }..و( يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) .

وقد وجدتُ أن الخميس يومًا يوافق ماءها ونارها معًا ، لأنه يوم يطلع فيه قمرُها حتى ولو كان مخفيًّا عن الناس ، وتظهر فيه شمسُها حتى لو حلَّ الليلُ ، إذْ يسودُ ظلامٌ تكونُ فيه هي النور السَّاطع الأسْنى ، وعليَّ وعليك أنت القادم من طرفها والممثل لها أن تتلو معي ” دُعاءُ يَوْمِ الخَمِيس ” ، فأنا لم أختر هذا اليوم مصادفةً أو بشكلٍ عابرٍ ، لكنَّني كنتُ أقصد اليوم وأعني معناه ، وما يحمل من خُصوصيةٍ وتاريخٍ ، اسْتدْعِهَا الآن في رُوحك ، وأوصِلها لي في القناة التي بيننا ، ولا تقُلْ لي إنَّك نسيت عملنا يا شيخ أحمد ، فعملنا لا يُنسى أبدًا مهما ابتعدتَ عنه ، لنبتهلَ الآنَ بالدعاء ، فهي في حالٍ تتأخرُ كل يومٍ ، ويصيبها المكرُوه ساعةً إثر أخرى :
( اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي أذْهَبَ اللَّيْلَ مُظْلِمًا بِقُدْرَتِهِ، وَجاءَ بِالنَّهارُ مُبْصِرًا بِرَحْمَتِهِ وَكَساني ضياءه وَاَنا فى نِعْمَتِهِ. اَللّـهُمَّ فَكَما اَبْقَيْتَني لَهُ فَاَبْقِني لِأمْثالِهِ، وَصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ مُحَمَّد وَآلِهِ، وَلا تَفْجَعْني فيهِ وَفي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيالى وَالْاَيّامِ، بِارْتِكابِ الْمَحارِمِ وَاكْتِسابِ الْمَآثِمِ، وَارْزُقْني خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما فيهِ وَخَيْرَ ما بَعْدَهُ ، وَاصْرِفْ عَنّي شَرَّهُ وَشَرَّ ما فيهِ وَشَرَّ ما بَعْدَهُ.

اَللّـهُمَّ اِنّي بِذِمَّةِ الْاِسْلامِ أتَوَسَّلُ اِلَيْكَ، وَبِحُرْمَةِ الْقُرْآنِ أعْتَمِدُ عَلَيْك، وَبِمُحَمَّد الْمُصْطَفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَسْتَشْفِعُ لَدَيْكَ، فَاعْرِفِ اَللّـهُمَّ ذِمَّتِيَ الَّتي رَجَوْتُ بِها قَضاءَ حاجَتي، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.

 

اَللّـهُمَّ اقْضِ لي فِي الْخَميسِ خَمْسًا لا يَتَّسِعُ لَها إلاّ كَرَمُكَ وَلا يُطيقُها إِلاّ نِعَمُكَ: سَلامَةً اَقْوى بِها عَلى طاعَتِكَ، وَعِبادَةً أسْتَحِقُّ بِها جَزيلَ مَثُوبَتِكَ، وَسَعَةً فِي الْحالِ مِنَ الرِّزْقِ الْحَلالِ، وَأنْ تُؤْمِنَني في مَواقِفِ الْخَوْفِ بِأمْنِكَ، وَتَجْعَلَن، مِنْ طَوارِقِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ فى حِصْنِكَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاجْعَلْ تَوَسُّلي بِهِ شافِعًا يَوْمَ الْقِامَةِ نافِعًا، اِنَّكَ أَنْتَ أرْحَمُ الرّحِمينَ ) .

ورأيتُ أن أحلَّ السِّحرَ المعمُولَ لها بالماء المقرُوء لأنَّني لا أفضِّل حرْقَ السِّحر , و لا أنصحُ به لأنَّ كثيرًا من أعمال السِّحر تتفاعلُ بالنَّار والدخان وتتجدَّد مع الحرقِ , ولا أحبِّذ التقطيعَ والتمزيقَ والتخزيق أو صب مواد حارقةٍ أو كاويةٍ ، وهي كثيرةٌ ومُتاحةٌ وسهلةٌ في عملنا لكنْ حرصًا منِّي على سلامة رُوح السيدة شمس حمدي , لن أستخدمَ إلا القرآن حيث إنَّ تأثيرَ السِّحر لا يُفكُّ إلا بالقرآن وبكلام الله ، وهذا مُجرَّبٌ ، وعملته كثيرًا ، ولم يفشل مرَّةً واحدةً ، لكن حال وحالة السيدة شمس حمدي ابنة عطرشان يُحيِّرني ، حيث تمكَّن السِّحرُ من رُوح رُوحِها ، حتى سرى في نسيج عظامها ، وهي عظامٌ رغم قوَّتها ستتكسَّرُ وتتهشَّمُ وتضعفُ وستصيرُ كالزجاج بفعل السِّحر الأسود الذي شربته نفسُها ، وهذا ما جعلها عُرضة للآلام والأوجاع بشكلٍ يوميٍّ مستمر.

الكوكبُ المؤثِّرُ في شمس – التي تنضوي تحت بُرج الجَدْي – هو زُحل البعيد في السَّماء ، لكن من حُسن الحظ أنه يُرى بالعين المجرَّدة وهذا يساعدني في عملي ، على الرغم من شدَّة وطأة عمل السِّحر المعمُول ضدها ، فزُحل هو إله الوقت وأبو الضياء ، وإله الزراعة والحصاد ، و كوكب التحديات والتعليم والدروس ، ابتلع أولاده خوفًا من أن يخلعوه وفق رؤية رآها في منامه ، باعتباره إله الزمان ، وفي ذلك رمز إلى أن الزمان يبتلع لحظاته ،
ومعنى اسمه الذي يتمُّ ، والذي تتكوَّن فوقه أطنانٌ من الماس سنويًّا ، وهو حجرٌ كريمٌ تحبه شمس كثيرًا ، لأنه حجر يشبهها مُحال التطويع و مستحيل الكسر ، الألماس ” يهدئ الأمراض التي تضرب العقل ، ويحمي من النوبات الشيطانية و يطرد الأرواح الشريرة ، ويبعد عن المرء الكوابيس ليلا أو حتى نهارا ” وتُنفخ الروح في الأحجار الكريمة ، ما يعنى أنها تتجسَّد ، وتتحد في الشجر والحيوانات والبشر والألماس خصوصًا ، وأي شيء آخر يمكن للآلهة أن تتجسَّد فيه ، ومن يلبس الماس يبطل عنه السحر ؛ لأنه حجر كريم لاتتحمل طهارته ونقاوته وشفافيته الشياطين ، ومن الممكن عمل سحر أسود أو أحمر عبر ماسة حرة نقية .

ولكن بعون الله هذا أمرٌ يسهِّل مهمتي في فكِّ السِّحر المعمُول للخلاص منها وإيذائها ، ومن حُسن حظها وحظي أن زُحل في معناه يشير إلى التنحِّي والتباعُد ، مما يؤكِّد لي أنه سيساعد في إبعاد الضَّرر عنها ، وتنحية البُغض والحقد والحسد والكُره لها وضدها .

4BFE08ED-0D05-4365-BD60-4765DD188145

ولكي يؤثِّر عملي في فكِّ السِّحر عنها ، عليَّ أن أوفِّق الكوكبَ السادسَ زُحل من حيث البُعد عن الشمس ، مع المشتري سيد أهل السماء ، الذي يزلزل الكون بهزَّة من رأسه ، وقد أطلقه أبناء إسماعيل على العقل ؛ لأنه أقدس ما في المرء ويحكم على جميع قواه الباطنية والخارجية ، وكانت عبادته أعظم العبادات مهابةً وجلالا ، وأكثرها انتشارًا ، وقد عبد العرب المشتري ، وقالوا ( عبد المشتري ) ، وهو كوكب الثقافات والحكمة والأديان ، والذي هو من الضياء ، كونه إله السماء والبرق ، وثالث الأجرام ألقًا في الليل بعد القمر والزُّهرة ، وخامس الكواكب بُعدًا عن الشَّمس وأكبر كواكب المجموعة الشمسية ، ويملك المشتري أربعة وستين قمرًا ، ويُرى بالعين المجرَّدة في ظلمة الليل، و يُرى في النهار إذا كانت الشمس منخفضة. وقد مثَّل عند البابليين الإله مردوخ .

( يسير ويتهادى في دربه دون أن يملّ أو يكل، وكذلك الحال بالنسبة لكوكب المشتري الذي يدور في مداره من بداية السديم الشمسي حتى يومنا هذا دون أن يتغير، وظنّ بعض العلماء بأنه ما زال في طور التشكيل؛ لأن التغيرات التي حدثت له منذ ذلك الوقت كانت طفيفة ).

وهو الكوكبُ الخامس وعليَّ أن أمازجهما حتى يصيرا رُوحيْن في بدنٍ واحدٍ ، وكوكب المشترى هو ابن زُحل، وشقيق نبتون ، فهو كوكبٌ غازيٌّ مُماثلٌ له ، وهو مع كواكب ثلاثة أخرى من أشباه المُشتري ، ورأيي أن سِحْر وجاذبية السيدة شمس حمدي وكونها آسرةً وبريةً كأنثى نادرة بين قومها وناسها يعود جزءٌ منه إلى زيادةِ قوةِ وجاذبية الحقل المغناطيسي الخاص بكوكبها زُحل ، حيث يؤثِّر فيها عندما يمرُّ في فلكها ؛ لأن الكهربائيةَ المشحُون بها جسدُها ورُوحها طوال الوقت وبلا انقطاع سواء مارست الحُبَّ أم لم تمارسه يرجع جزءٌ منه إلى التيار الكهربائي الموجود بطبقة الهيدروجين المعدنية لكوكبها الفريد مثلها وأظنُّ أنها من النساء ال wileds البريَّات حين يفعلن العشق بسحرٍ وجنُونٍ لا يُصَدَّقان ولا يتوقعان من امرأة تزن الدنيا في كفَّيْها ، فهي امرأة قمرية مثل كوكبها الذي يدور حوله واحدٌ وستون قمرًا مَعرُوفًا باستثناء الأقمار الصغيرة ، ومن الظواهر التي لاحت أمامي في صفحة السيدة شمس حمدي في كتاب فلكها ، أنه كلما كبرت عامًا زادت أنوثتها ، حتى أنها لا تدري عن ذلك شيئًا ، ولا تعرف السببَ ، فقد بدت رائحةٌ نادرةٌ لجسدها أشهى من أيِّ عطرٍ طبيعيٍّ أو مُخلَّقٍ ، وزاد نهداها وهجًا وبهجةً ؛ حتى صارت المقرَّبات منها يلمسن صدرها للتبرُّك أو للتمنِّي أن ينجبن بناتٍ مثلها ، وصارت شفتاها لافتتيْن للحسد أو البسملة والمشيئة ، للدرجة التي تعجزُ اللغات عن إدراكها وصفًا أو تشبيهًا ، وقد صارت أنثى تامَّة ، مكملة دورتها حتى درجة الكمال الذي لا نقصان فيه ، وهي هنا مثل زُحل – الذي يغلب على خطوطه اللون الأصفر والبني الشاحب – يأخذ ما يُقارب تسعًا وعشرين سنةً ونصف السنة ليُتمَّ دورةً كاملةً حول الشمس .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات