الفن التشكيلي والمجتمع المصري: أصوات وأصداء

10:04 صباحًا الجمعة 23 مارس 2018
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في إطار الندوات المصاحبة لصالون القاهرة 58، الذي أسسته وتنظمه جمعية محبي الفنون الجميلة، قدمت ورقةتجدونها هنا كاملة بعنوان  “الفن التشكيلي والمجتمع المصري: أصوات وأصداء”، استضافها قصر الفنون، أوبرا القاهرة، مساء  الخميس 22 مارس 2018 ، وأدارها الفنان الدكتور صلاح المليجي، الأمين العام لجمعية محبي الفنون الجميلة، كما تحدث في الندوة الفنان الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن مؤسس ملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب في محاضرته عن خصوصية ملتقى البرلس وشروط استنساخه وريادته وأسباب نجاحه، وقد دارت مناقشات مهمة لاحقة لحديث المنصة، تكمل وتفتح أبوابا أكثر اتساعا لنقاش لا ينتهي مثله كالفن والحياة وجدلهما. 

الدكتور صلاح المليجي الأمين العام لجمعية محبي الفنون الجميلة يدير الندوة

الدكتور صلاح المليجي الأمين العام لجمعية محبي الفنون الجميلة يدير الندوة

 

ليس هناك أصعبَ من الحديث عن أمر  ندركه معًا، ويعرفه كلُّنا؛ إذ يبدو البحث عن مظاهر اللا _ جمال المنتشرة حولنا أكثرَ من أن تُرصدَ، بدءا بتلك المكعبات الحمراء الفظة بأياديها الخرسانية التي ترفعها باتجاه السماء كأنها تستمطر علينا لعنة القبح، بعد أن هاجمنا اللون الأخضر واستبدلناهُ بها لتأكل مساحاتِه ما بين القاهرة وشمال الدلتا، مثلَ جرادٍ لا يقوى على إبادتِه أحدٌ.

سنطالع الأفقَ لنجد تلك الأبنية المقامة على الأراضي _ التي كانت زراعية _ نجدها مثل شواهد قبورٍ تضم رُفات الذوقِ ، وتستدعي التساؤل عن سر هذا الاستعداء ضد الأرض الزراعية لتجريفها، وسبب هدم بعضها تاركا جثثه الخرسانية ككائن خرج مهزوما من معركة ما، ولكنه انتصر حين بقيت بقاياه المادية دليلا على فوضى الهدم وعنفها.

وإذا كانت هذه مشاهد الطريق، فليس الأمر داخل القاهرة ـ أو مدننا الأخرى ـ بأسعد حظا، فلا نزال نرى بيوتا تبدو غير مكتملة، واجهات طوبها الأحمر هي السائدة وكأن مُلاَّكَها قد نفد منهم المال فجأة فقرروا نقلها لساكنيها بحالتها ، وهي الحال التي ألفها الجميع ولا يَرَوْن فيها ما يزعج البصر أو يخدش المنطق، فهم يعودون إليها كل يوم ككائنات مات فيها الإحساس بالجمال، وتوقف عندها شعور البحث عن الاكتمال.

لكننا لم نأتِ إلى هذه الجغرافيا من الفضاء ، فقد بنيناها بأيدينا، وصممناها بأفكارنا، ورضينا بها على حالها غير المكتمل فسكنّاها، وفِي حين تسري حولنا حملات إعلانية لبيوت المستقبل في التجمعات الجديدة، مدججة بكل آيات جمال التصميم؛ التي لا يستطيع الجمْعُ الأغلب سُكْناها، أصبح العامة يعتقدون أنهم ينتقمون من ذلك الزحف الباهظ الثمن بالنسبة إليهم، بأن يعمموا نموذجهم في مساكنهم، التي تفتقر إلى ما تمتلكه التجمعات من الحدائق المُسَيَّجة، والمساحات المريحة للبصر ووسائل الاستمتاع وسواها.

هكذا تآلف المجتمع المصري بطبقاته مع هذه القسمة الفجة، واعتاد هذا الانقسام، وبدأ طرفاه ـ بكل الأطياف ودرجاته ـ يوسِّعون الهوَّة َبين سكان التجمعات والمنتجعات، الذين يتجهون لعزلة أكثر، وهؤلاء الآخرين من ساكني الأحياء التقليدية، التي بدأت تئن من تهالك بنيتها التحتية، وأصبح همها معالجة قصور الأساسيات، وليس البحث عن جماليات الكماليات.

ولكن هل نعتقد أن البحث عن الجمال هو محض أمر كمالي، وأنه مجرد مسعى نخبوي؟

أثناء إلقاء الورقة

أثناء إلقاء الورقة

أعتقد أن الإجابة التي كرستها المؤسسات والفنانون _ بدون تعميم _ هي التأكيد على ذلك.

لأننا حين نبدأ استقصاء دور المؤسسات الرسمية السلبي في جعل المجال مفتوحا لاجتياح القبح، نجده يبدأ من مراحل التعليم الأولى، حيث تبقى ملايين النسخ من الكتب في التعليم الحكومي إشارة لإهمال الفن، وعلامة على نبذ الذوق، ودليلا على سيادة الإهمال، وهي مظاهر إن ارتبطت تشكيليا بالكتاب والفصل والواجهة والفناء والمؤسسة التعليمية برمتها، إلا أنها تؤسس لارتباط مجتمعي يتجاوز ذلك كله، فمن لا يربي أبجدية عشق الجمال لدى هذه الأفئدة، لن يطلب منهم العناية بالنظافة والأناقة والنظام، وما شابهها من مقومات صحية نفسية ومادية.

وما يجده التلميذ في مراحل التعليم الأولى سيمتد للسنوات التاليات، فيتم الاعتداء على حق التلميذ في ممارسة الفن، حين تكون حصص الرسم هي الضحية الأولى لاختزال جدول الحصص لصالح مواد الاستظهار والتلقين. صحيح أن الطلاب والطالبات لا يدخلون المدارس ليصبحوا فنانين تشكيليين، أو مهندسين معماريين، أو مصممي أزياء وديكورات،  ولكنهم بلا شك سينضمون إلى الجموع المواطِنة، وقد لا يساعدهم افتقادهم للروح الجمالية أن يكونوا مواطنين صالحين تشكيليا، يسعون لتجميل الحياة.

ولكني لا أريدأن أطيل بتعدد تحالف المؤسسات الرسمية ضد الذائقة التشكيلية، لأنه إذا كان النموذج السابق يُعنى بملايين من أجيال النشء والصبا والشباب،فإن مؤسسات أخرى تنتمي للثقافة، المنوطة بحماية الذوق وتنمية الوعي بالجمال، وصونه ورعايته، لا تراعي ذلك في منتجها المادي، فكم من ملصق لفعالية ثقافية يفتقر لأبجديات التصميم، وكم من كتاب غلافُه لا يتمتع بالجمال الحِرَفي والمهني.

هذا يعني أن المنتج الذي تقدمه المؤسسة الرسمية، سواء كان تعليميا أو ترفيهيا، وسواء كان موجها إلى الملايين أو المئات، لا تعنيه مسألة الجودة الجمالية هذه، بما يعني أن هناك عيبا عامًا وشاملا، وأن هناك كذلك سعيا لا يكل لتدجين التذوق كي يتقبل القبح.

وقد تجاوز هذا كله المؤسسة الرسمية إلى القطاع الخاص، وليس هناك  من علامة على تدني التذوق من سواد الإعلانات التي تخاطب كل شيء إلا حساسية المتلقي كإنسان، ومن برامج  انتقلت من مقاهي الشارع إلى شاشات البيوت، بألفاظها، وإيماءاتها، ولا يقولن لي أحد: وما علاقة ذلك بالفن التشكيلي، وسيادة القبح والضوضاء في السمع والبصر، فما ارتباط هذا بذاك  إلا أمر بدهي.

قبل 33 عامًا بدأ معلمي الراحل الفنان محيي الدين اللباد نشر سلسلة مقالات في مجلة “صباح الخير”. المجلة التي عرفت الصيغة السحرية في الصحافة لعبور الفن التشكيلي لجمهور أوسع، بدءا بأغلفتها، التي يعدها صناع الفن ومحبوه قاعة معارض مفتوحة، مرورا بصفحاتها ذوات الحبرين، ولم يكن يعني الاقتصاد بالألوان ألا تكون ثرية بالتعليم البصري المنمّي للتذوق الفني.

في مقالات اللباد، ابن مدرسة الجمال، يتحدث عن “شر الطريق”، مشيرا إلى السدود التي كونها حائط إعلانات القاهرة ليقف “ذلك السد القبيح حائلا بين نظر الإنسان والسماء، يقف كشيء فظ ومُلح وقاهر لا يمكن لأعيننا الإفلات منه … خليط بشع من الألوان والأشكال والوجوه والعبارات هي ترجمة بصرية بارعة للضوضاء الصوتية البشعة في القاهرة، ومعادل دقيق للزحام والفوضى والتنافر فيها، حتى أن تلك الإعلانات لم تراعِ في تصميمها وألوانها وجود إعلانات أخرى مجاورة، ولم تضبط ارتفاع نبراتها حتى يمكن لها أن تُميز وسط الزحام البصري القبيح …”

لا أعتقد أن أكثر من ثلاثة عقود مرت عالجت ما رصده اللباد، بل أنني أرى العكس، فقد ازداد القبح قبحا، وتراكمت نفايات الضوضاء البصرية والسمعية، حتى ألفها المزدحمون، فلم يستغربوها، وانضموا لقطيع الضوضاء تاركين حواسهم في بيوتهم قبل أن يلقوا بأنفسهم إلى تهلكة القبح.

كان مشروع اللباد الجمالي أول تلك الخطابات النقدية، للواقع الذي ينافي الجمال في كل شيء؛ في كيان اللافتات، وفي تصميم الملصقات، وتعصب الشعارات، وبذاءة الرسوم، وغلظة الحروف، وسرقات الملكية الفكرية، وضيق أفق البيروقراطية حين ترسم، ولكنه حاول وهو ينتقد ألا ينسى البحث عن الإيجابي والبديع، في التصميم وإخراج الكتب، وفي نبش الذاكرة المصورة، وتقديم ما رآه أبعد من توثيق الجمال إلى تبني إشاعته.

وقد ارتبط ذلك المشروع اللبادي بقطاع الصحافة الثقافية وثقافة الطفل وباتت إنجازاته – هنا وهناك – بوابتين لدخول فنانين ومصممين مرحلة جديدة يمكننا أن نتلمس إنتاج أبناء مدرستها في الأغلفة والتصميمات الثورية لكتب ومطبوعات تغرد خارج السرب.

وفي السياق الثقافي المسلح بأدواته الفنية لا يفوتنا أن نشير إلى مشروع رصين آخر، يتمثل في سلسلة من موسوعات الفن التشكيلي للعلم الأكبر الدكتور ثروت عكاشة، الذي آمن بأن “صفحات التاريخ حافلة تنطق بأن زمام الحياة في أيدي المفكرين والفنانين؛ إذا نهضوا نهضت بهم الحياة وإذا خملوا خملت بهم”، كما قال في محاضرة له في مثل هذا الشهر من العام 1996خلال موسم جامعة القاهرة الفني والثقافي.

لذلك  حين تحاول مشروعات بعينها، في فضاءات مجتمعية محددة، أن تغير ذلك المشهدالقاتم، فإن علينا توجيه التحية لها، خاصة تلك المشروعات التي تحاول أن تكسر قيد النخبوية والاصطفاء اللذين شوها رسالة الفن، بأن قصرها على متذوقي الجاليريات، وحسب.

وقد اخترتُ نموذجين، الأول أهلي ينبع من المجتمع المدني، ، والثاني تجسده  مؤسسة رسمية، تتبع وزارة الثقافة المصرية، حتى لا أتهم بالانحياز ضد ما هو رسمي.

استعرض الفنان الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن في محاضرته خصوصية ملتقى البرلس وشروط استنساخه وريادته وأسباب نجاحه

استعرض الفنان الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن في محاضرته خصوصية ملتقى البرلس وشروط استنساخه وريادته وأسباب نجاحه

ملتقى البرلس

لعلي أبدأ استعراض هذه المشروعات بملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب، الذي تابعته منذ انطلاقته قبل أربع سنوات  بفرح العاشق للفن، وتقدير المحب للوطن، وامتنان الحالم بالتنمية الثقافية في مصر؛ وهي ملامح اللوحة الإنسانية والفنية والمجتمعية التي جسدها الملتقى

وكنت كتبت عن برج البُرُلُّس؛ المدينة التي اعتبرتُها محطة على طريق الحرير التشكيلي الجديد، حيث استطاعت مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفنون والتنمية، عبر الملتقى الذي أسسه صاحبها، أن تمنح المدينة بعدا أضاف إلى ما تمتلك، فالبرلس لديها التاريخ، بعد معركة بحرية شهدها شاطئ بحيرة البرلس صباح الرابع من  نوفمبر 1956  وانتهت في دقائق دمرت فيها الزوارق المصرية مدمرة بريطانية وبارجة فرنسية، ليصبح ذلك اليوم عيدا سنويا لمحافظة كفر الشيخ، كما تمتلك المدينة وما يحيطها مصادر  رزق بحرية وزراعية، من ثمار البحر إلى ثمار النخيل والأشجار، ولتصبح ـ اليوم ـ تمتلك القوة الثقافية اللافتة التي جعلت ملتقى البرلس للرسم على الحوائط والمراكب فعالية ثقافية مصرية خالصة، تتواصل مع محيطها المجتمعي وحدثا دوليا يعبر حدود البلاد الجغرافية، وتعلي من قيمة الفن، بل تجاوز دور الفنان إطار اللوحة إلى مجتمع المدينة، فإذاكانت كل دورة تستضيف نحو 40 فنانا متمرسا من مصر، والدول العربية والغربية، فهذا يعني أن لدينا رصيدا لأكثر من 150 أيقونة تشكيلية جاءت هنا لتحرك أجنحة ألوانها تحت سماء البرلس، ناهيك عن أضعاف هذا الرقم من شباب الفن الذين صحبهم أساتذتهم لينهلوا من بوتقة البرلس الفنية، ويبكروا حوارهم مع مستقبل أفضل..

وإذا كانت الجداريات الحية قد نالت حظا كبيرا بشكل آني لكل من يتجول أمامها ويعيش في مجالها، فإن المراكب ـ إثر انتهاء الفعالية في برج البرلس ـ  ستحظى ببعث آخر  وحياة جديدة حين تنتقل من ورشتها إلى بيتها الجديد في قاعة عرضها بالقاهرة، وقد حضرتُ افتتاح معرض مراكب الدورة الماضية (الثالثة) لملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب، في قاعة العرض الرئيسة، هنا بدار أوبرا القاهرة.

هكذا جاء هذا الحدث السنوي المتجدد في موعده، بعد أن تعرضت مصر إلى آفة خلال نصف القرن الماضي، حين بدأ الناس يتركون جدران واجهات بيوتهم دون صبغ، فتواجهك قوالب الطوب وأسلاك الخرسانة تصرخ في الوجوه بقبح وعنف، كانت نتيجته عموم القبح والعنف في المجتمع الذي يواجه ذلك السرطان بلامبالاة.

لقد صدمتنا هذه البلادة، نحن الذين عشنا زمنا كانت مصر تفخر بواجهات بيوتها، بدءا من زخرفة حليات قصورها في حواضرها، وصولا إلى رسوم بيوتها الطينية في الجنوب والريف خصوصا، بالمناسبات الموسمية.

والنتيجة الآن كانت أن عم الخراب البصري في فوضى غير خلاقة، جعلتنا نعيش في مكب نفايات مفتوح. لذلك تأتي أهمية تلوين بيوت قرية مصرية كجزء من استعادة الهوية المعمارية للوطن. ومن هنا تأتي أهمية تجربة مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن لتتحاور مع التكوين الإنساني من داخله، ليعشق الفن، ويدرك أهميته، ويقلل من كم اليأس الذي يأتي برفقة القبح والعنف.

هذا الحراك الثقافي، كسر القيد التقليدي: لحضور التشكيل في العاصمة، وأسره في القاعات المغلقة، وإبعاده أو ابتعاده عن الجمهور العريض، بما يعدنا بتشكيل أجيال جديدة، تكبر في بوتقته على نار السنوات الهادئة، قد يكون لها دور في تكرار التجربة، وتناسلها.

الجهاز القومي للتنسيق الحضاري

النموذج المقابل في  وزارة الثقافة المصرية، هو الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي افتتح مقره بقلعة صلاح الدين بالقاهرة فى 10/8/2004 ،بعد أربع سنوات من صدور قرار إنشائه،  بهدف تحقيق القيم الجمالية في الفراغ العمراني المصري.

ويُقصد بالتنسيق الحضاري تنفيذ ما من شأنه تحسين الصور البصرية للمدن والقرى والمجتمعات العمرانية الجديدة، وكذلك إزالة كافة التشوهات والتلوث البصري والحفاظ على الطابع المعماري والعمراني للمناطق المختلفة، وتحقيق القيم الجمالية للعمران المصري بشكل عام بما يشمله ذلك من طرق وميادين وشوارع وحدائق وفراغات عامة ومباني عامة وذات قيمة متميزة، ارتكازاً على كافة الوسائل العلمية والفنية والإدارية والتشريعية .

يستند عمل الجهاز على إعداد قاعدة بيانات شاملة لجميع المباني ذات الطابع المعماري المميز بجميع محافظات الجمهورية ووضع القواعد اللازمة للحفاظ عليها، و إزالة التشوهات الحالية، ووضع الضوابط التي تكفل عدم التغيير في الشكل المعمارى القائم بمنع الإضافات التي تتم على المباني القائمة والتي تشوه المنظر العام، ووضع أسس التعامل مع الفراغات المعمارية كالحدائق والشوارع والأرصفة والإنارة والألوان المستخدمة بمراعاة طبيعة كل منطقة  والمعايير الدولية المتعارف عليها، وذلك بما يحقق احترام حركة المشاة والمعاقين مع استخدام الخامات والألوان التى تتناسب مع الطابع المعمارى ، ووضع الشروط والضوابط اللازمة لشكل الإعلانات واللافتات بالشوارع والميادين وعلى واجهات المباني من حيث المساحة والارتفاع والألوان والمكان الذى يوضع فيه الإعلان أو اللافتة، وإعادة صياغة الميادين العامة وفقاَ لرؤية معمارية وبصرية تتفق والطابع المميز لكل منطقة مع الاحتفاظ بالشكل القديم الأصلى للميادين التى تمثل طابعاً معمارياً متميزا..

لقد أسهبتُ في تفصيل أُمنيات الجهاز، كي أرصد ما تحقق له على أرض الواقع، وهو ما يجعلني أقرأ سريعا منجزه خلال العام الماضي، 2017، بجانب ما هو بروتوكولي واحتفالي، مثل الاحتفال باليوم العالمي لحماية التراث الإنساني، والتشغيل التجريبي لبانوراما التراث بمقر الجهاز بقلعة صلاح الدين الأيوبي، و تبني مبادرة “معًا لإعلاء قيم الجمال في مصر” بالتعاون مع مكتب اليونسكو، وتوقيع  مذكرة تفاهم مع جامعة بنسلفانيا   ومبادرات وأنشطة لرفع الوعي، مثل حلقة نقاش حول الإعلانات واللافتات فى حى المعادي، لطرح حلول لمعالجة التلوث البصري الناتج عن فوضى الإشغالات والإعلانات في الشارع المصري، ومحاضرة عن الثقافة والجمال في الفراغ العام، بكلية الألسن جامعة عين شمس، وإطلاق الجهاز حملة توعية بأهمية التراث المعماري “تراثنا هويتنا فلنحميه معًا”، المشاركة في فعاليات المؤتمر الدولي عن هوية المدن من خلال العمارة والفنون، دعا فيها رئيس الجهاز إلى تدريس تاريخ الفن المصري فى كليات الهندسة، والمشاركة في مؤتمر “متابعة تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030 في مجال الثقافة” والذي تنظمه الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، في إطار التعاون وتبادل الخبرات مع المركز الثقافى الصيني بالقاهرة، أقيمت ندوة عن الحفاظ على المبانى التراثية وإعادة استخدامها بجمهورية الصين.

وفي المسابقات، أطلق الجهاز مسابقة “تراثي 2” للتصوير الفوتوغرافي.

لكن الأهم هو فضاء المشروعات، حيث أعلن الجهاز انتهاءه من وضع التصميمات وإعادة تخطيط 21 ميدانا، وإعداد قاعدة بيانات للأرشيف القومي للمبانى التراثية في محافظات الجمهورية، ووضع بيانات استمارات الحصر على قاعدة بيانات نظم المعلومات الجغرافية، ومشروع تطوير حديقة الأزبكية، ومشروع “عاش هنا”، ومشروع تطوير كورنيش طره، وكورنيش بنها، وميدان أحمد عرابى بالقليوبية.

وفي السياق نفسه أصدر محافظ الإسكندرية قرارا بإنشاء ادارة للحفاظ على التراث المعماري للإسكندرية، وحول الجهاز القومي للتنسيق الحضاري شارع الشريفين والبورصة إلى شارع الفن، وشارك فى أعمال اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية، ولا يزال مستمرا في مشروع إعادة الوجه الحضارى للقاهرة الخديوية.

وقد وضع الجهاز حدود وأسس الحفاظ على المناطق ذات القيمة المتميزة – بمحافظة الإسكندرية، ومدينة بورفؤاد بمحافظة بورسعيد، مثلما وضع أيضا حدوداً للجبانات والأضرحة ذات القيمة المتميزة.

لكننا، مع كل هذا الجمال على الورق، لا نزال نفتقر إلى حضوره الطاغي على أرض الواقع، لأن الطريق لا يزال طويلا، ويبدو أن مؤسسة أهلية واحدة وجهازا رسميا واحدا، على تعدد فروعه، لا يكفيان.

لذلك أرى أن تجربتي ملتقى البرلس، والجهاز القومي للتنسيق الحضاري، يجب استنساخهما، وأن يصبحا جزءا من سياق استعادة الهوية المصرية التي شيدت تاريخها على آثارها العملاقة الحجم والتأثير.

وفي حين أدعو إلى دعم طموحات المؤسستين ماديا وإعلاميا، أرى أن ندعم بالمثل مبادرات أخرى، ستشكل معا الأصوات والأصداء التي تكفل ما نحلم به لمجتمعنا المصري.

إن علاج القصور في علاج ما نواجهه من قبح، يبدأ من اعتماد بنك للأفكار الثورية الهادفة إلى استعادة الروح الإيجابية، فلن نجد رساما أو متذوقا للفن يتحول إلى إرهابي، ولن نصادف عاشقا للجمال يؤسس للفوضى والعنف.

الطريق طويل، وليس حريريا، لكن لنغرسه معا، فنحن المجتمع، والمجتمع هو نحن، سنكف عن الانتقاد إلا أن يكون البناء هدفنا، فالمستقبل لنا، ولا يزال أمامنا الأمل، والعمل بلا كلل.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات