الألغام في صحراء مصرالشرقية والغربية: رؤية تاريخية ومستقبلية

08:01 مساءً الجمعة 7 ديسمبر 2012
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

%22 من الألغام الموجودة في العالم متمركزة على أرض مصر !!!

إنها الحقيقة الصادمة التي لابد وأن نبدأ بها حديثنا لندرك كيف تقف هذه القنابل الموقوتة عقبة في طريق التنمية والنهضة الإقتصادية في مصر .

يرجع تاريخ المخلفات القابلة للإنفجار في صحراء مصر الغربية إلى فترة الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939- 1945 إذ قامت قوات الحلفاء والمحور بزرع أنواع عديدة من الألغام المضادة للأفراد والدبابات لاسيما في منطقة العلمين جنوب الساحل الشمالي وحتى خط الحدود المصرية الغربية مع ليبيا بلغ تعدادها مايقرب من 17.5 مليون لغم تحتل مساحة تربو على ربع مليون فدان من الآراضي الصالحة للزراعة , هذا ويخلو القانون الدولي من أي نص يجرم ماأرتكبته الدول المتقاتلة في الحرب العالمية الثانية وتسبب في نشوء هذه المأساة .

ومن جهة أخرى فإن جريمة متصلة  بذات الموضوع فامت بها دولة الإحتلال الإسرائيلي في حروبها المتصلة منذ عام 1948 وحتى أنتصار أكتوبر 1973 فيما عرف إستراتيجيا بحرب العبور,  إذ قامت بزرع 5.5 مليون لغم في شبه جزيرة سيناء وعلى إمتداد صحراء مصر الشرقية .

السؤال البديهي في حال كهذه هو : لماذا لم تقم الحكومة المصرية بإزالة تلك الألغام ؟ لماذا لم توضع خطة في جدول زمني للتخلص من هذه القنابل الموقوتة على ترابنا ؟

اللجنة العلمية بنقابة المهندسين بالاسكندرية شمال مصر في ندوة حول استخدام موجات الطائرات لإزالة الألغام

لعل المشكلة الكبرى التي تواجه الحكومات المصرية المتعاقبة هي عدم تسليم الدول المعتدية لخرائط هذه الألغام  سواء في الصحراء الشرقية أو الغربية حتى يسهل إزالتها وكانت مصر قد طالبت من خلال مندوبها بالأمم المتحدة الدول التي زرعت الألغام بتحمل مسئوليتها وتقديم الخرائط وسجلات حقول الألغام ومواقعها عام 1993 هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى فإن تغيرات مناخية هائلة حدثت طوال هذه الفترة تسببت في تحريك الألغام من أماكنها وكذلك بسبب الكثبان الرملية .

ناهيك عن التكلفة المالية الضخمة التي تتطلبها عملية بهذا الإتساع خصوصا إذا عرفنا أن مصر ليست مدرجة على خريطة العمل الدولي لمكافحة الألغام ولايتوفر لدينا في مصر عدد كاف من الخبراء اللازمين للقيام بهذه المهام الخطيرة, هذه ليست مبررات للتخاذل ولكنها بعض الإجابات المعدة مسبقا للرد وإتباع طريقة الهجوم حير وسيلة للدفاع !!!

كانت جمهورية مصر العربية قد طالبت الدول التي الألغام في أراضيها بتحمل مسئولية إزالتها وذلك  خلال المؤتمر الدولي لنزع السلاح بجنيف 1996.

عام 1997 تأسس أول مركز لمكافحة الألغام في مصر ومنطقة الشرق الأوسط وهو منظمة غير حكومية تهدف إلى التعاون مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والجهات الرسمية التي تعمل في مجال مكافحة الألغام في العالم وهو يضم نخبة من الصحفيين والمحاميين وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والكيمائيين ويهدف هذا المركز إلى الرصد الجغرافي الدقيق لواقع الألغام وتحديدها بحواجز أو إرشادات تحذيرية , وكذلك رصد الأعداد الحقيقية لضحايا الألغام من قتلى أو مصابين وبحث سبل مساعدتهم طبيا ونفسيا وتأهيلهم للإندماج في مجتمعاتهم .

صحراء مصر الشرقية غنية بالموارد الطبيعية كالبترول والغاز الطبيعي وتمنع الألغام عمليات التنقيب وتجعلها مستحيلة كما تعوق مشروعات التنمية السياحية بشواطئ البحر الأحمر ناهيك عن استحالة التنمية الزراعية في مناطق تعد تربتها صالحة للزراعة وتتوافر لها المياة الجوفية ومياة الأمطار اللازمة للري مثل سهل الطينية ومنطقة بالوظة شمال سيناء .

افتتاح مركز للتدريب على إزالة الألغام في مطروح، شمال الصحراء الغربية، مصر

أما صحراؤنا الغربية فيكفي أن نعرف بالأرقام والإحصاءات مدى أهمية تلك الرقعة الملوثة في تحقيق دخل قومي مضاعف لبلادنا إذا ماتمت تنقيتها وإخلائها من الألغام الأرضية المضادة للدبابات والأفراد فهي بالفعل ظهير صحراوي للوادي إذ قدر الخبراء في مجالات التنمية والثروات الطبيعية أن المساحة المشتبه فيها بأنها تحتوي على مخلفات قابلة للإنفجار من بقايا الحرب العالمية الثانية ب 2400 كم مربع هذه المنطقة تحتوي على 4.8 مليار برميل بترول , 13.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي , باللإضافة إلى 3 مليون فدان منها 780 ألف فدان صالحة للزراعة ولديها الموارد المائية اللازمة لزراعتها سواء أكانت مياة جوفية أو مياة الأمطار إذ ان منطقة الساحل الشمالي الغربي في مصر هي ثاني منطقة لههطول الأمطار في مصر بعد شمال سيناء .

كما أن مشروعا ضخما كمشروع < منخفض القطارة >  لتوليد الكهرباء في الصحراء الغربية عن طريق شق مجرى مائي يصل البحر المتوسط بالمنخفض لم تتمكن الدولة من تنفيذه بسبب الألغام النتشرة والتي تعرقل أي مخطط للتنمية العمرانية أو السياحية أو الزراعية في تلك المنطقة .

عندما تعرف أن دولة في حجم ألمانيا وثقلها الإقتصادي والسياسي كدولة محورية في منطقة اليورو < كانت إحدى دول المحور أثناء الحرب العالمية الثانية>ترفض تقديم المساعدة الفنية أو المالية للحكومة المصرية على جريمة إشتركت فيها بالدليل والبرهان وتكتفي ببعض المساعدات البسيطة دون أدنى إعتراف بما إرتكبته في حق بلادنا وشعبنا من كوارث لازالت آثارها ممتدة وستظل هكذا إلى أن تتم إزالتها وتنقية تراب مصر من ويلاتها , تجدها في ذات الوقت تعقد إتفاقيات جديدة مع إسرائيل تمنحها بموجبها تعويضات على ماأصطلح تسميته بالمحرقة اليهودية في أوروبا الشرقية والإتحاد السوفيتي على يد <أودلف هتلر > وآخرها كان في شهر نوفمبر <تشرين ثاني > الماضي إذ صدقت الحكومة الألمانية على إتفاقية جديدة تمنح بموجبها تعويضات تناهز النصف مليار يورو لحوالي 80 ألف لمن يعرفون بضحايا الهولوكوست  تدفعها الحكومة الألمانية منذعام 1952 .

وهنا يجب أن نواجه ذواتنا بالتقصير تجاه قضايانا الحاسمة فلماذا لم نقم بتدويل قضية الألغام المزروعة منذ أكثر من ستين عاما تحصد يوميا خيرة شبابنا وأطفالنا وتعوقنا عن تنمية بلادنا ؟

لماذا حصل اليهود من دولة هي نفسها طرف مشترك في مأساتنا على مليارات اليوروهات ولم نحصل نحن على سنت  واحد ا كتعويض ؟؟؟؟ فقط ما نحصل عليه في سياق المعونات !!

إننا لابد وأن نتخذ خطوات فعالة في طريق تنقية تراب بلادنا من التلوث والألغام المضادة للأفراد والدبابات وأن نحصل على تعويضات لائقة بحجم المأساة وتراكماتها  من كل دولة شاركت في صنع تلك الكارثة على ترابنا بمن فيها دولة الإحتلال الإسرائيلي.

 

 

 

One Response to الألغام في صحراء مصرالشرقية والغربية: رؤية تاريخية ومستقبلية

  1. أحمد محمد حسن

    احمد محمد محمد رد

    9 ديسمبر, 2012 at 11:35 ص

    فعلا مصر تعاني من مشاكل وعقبات كثيرة تعوق التنمية ولعل مشكلة الألغام من أشد وأكثر المعوقات تعقيدا وتأثيرا .
    مقال في غاية الأهمية

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات