تابعت باهتمام كبير على مدى عدة حلقات البرنامج الإذاعي الجديد (معارك فكرية )على شبكة البرنامج العام فى الإذاعة المصرية للإعلامي والشاعر المصرى الكبير السيد حسن صاحب المشروع الثقافى المتميز فمن خلال حضوري لندوات صالونه الأدبى الأسبوعي الذى يعقده فى دار الأدباء بشارع القصر العينى وسط القاهرة العامرة أدركت ان السيد حسن مثقف مصرى مهموم بالشأن الثقافى المصرى ويحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة وثقيلة وهى تقديم الأصوات الجديدة من الشعراء والأدباء للساحة الثقافية المصرية سواء من خلال ندوات الصالون التى يغلب عليها طابع الود والدفء الإنسانى بعيداً عن جو الرسميات والقوالب الشكلية المعتادة فى مثل هذه التجمعات الثقافية , ففى دار الأدباء داخل صالونه الثقافى وجدت مناخاً ثقافياً مختلفاً وإبداعات متنوعة فى شتى فروع الأدب , كما وجدت حرصاً منه على مناقشة الأعمال بشكل أسبوعي منتظم فأدركت أن الرجل يخوض معركة فكرية اختيارية من نوع خاص لا يقدم عليها إلا مثقف محب للموهبة الصادقة مقدماً لها كل السبل كى تطل على القارىء فى سهولة ويسر بديعين .

السيد حسن

وبحكم مهنته وعمله كإعلامي مصرى شديد التميز  وصاحب واحد من أفضل البرامج الإذاعية وأطولها عمراً وهو برنامج – دعاء الكروان – الذى يقترب فى عمره الإذاعي من الثلاثين عاماً ويقوم بكتابة أشعاره وتقديمه بأداء يشبه  سوناتا النغم الجميل يعزفها على مسامع مستمعي البرنامج العام بأداء صوتي فائق الروعة ويشاركه فى أداء تلك المعزوفة الصباحية الإذاعية المتميزة صاحبة الحنجرة الساحرة جيهان الريدى  فأدركت أن السيد حسن الشاعر ذهب إلى الإذاعة بكل الحب كى يخوض معركة وجود يحاول فيها أن يستفيد من الأثير الإذاعي لينشر الأدب على طريقته الخاصة ..{وهى طريقة كيفية الوصول إلى الأدب الإذاعي }حسب التعبير الذى سمعته منه هو شخصياً فى إحدى الندوات وقد نجح فى تحقيق ذلك نجاحاً كبيراً ودعاء الكروان أكبر دليل على انتصار الشاعر فليس من السهل تقديم برنامج إذاعى يومي على مدى كل هذه السنوات منذ التسعينات إلى الآن إلا إذا كان معد البرنامج يكتب بقلب شاعر وفكر إذاعى متميز .

ولأن أصحاب الرسالات لا يملون  من تقديم الجيد والجديد يفسح السيد حسن المجال لكل الأوراق ذات القلوب النابضة بالحب والفكر والحياة من خلال برنامجه الشهير أوراق لها قلوب ليس هذا   فقط بل يقدم للمستمع المصرى أشياء لا تشترى ليفصح من جديد أن جيد الأشياء هو أهم  ملمح من ملامح النفس البشرية وأن القيم والمبادىء أشياء لا تباع ولا تشترى .

يتوج الرجل مشروعه الأدبى الثقافى بأحدث برامجه الثقافية الإذاعية ( معارك فكرية ) الذى ولد عملاقاً لطبيعة موضوعاته وطريقة الطرح وأتوقع له ان يكون واحداً من أفضل البرامج الثقافية على خريطة الإذاعة المصرية العريقة .. فمعارك فكرية مهتم بعرض أشهر المعارك الثقافية التى شغلت الحركة الثقافية المصرية ورموزها الكبار من الشعراء والأدباء والنقاد .

قدم السيد حسن حلقة معارك فكرية بتاريخ 30-1-2018 ( ما بين الجديد والقديم ) وتحدث فيها كل من الناقد د / عبد القادر القط ود/ شكرى عياد كل منهما يشرح مفهومه حول الأصالة والمعاصرة بلغة ومنطق ووضوح رؤية ولا أروع .

كما قدم معركة آخرى شديدة الثراء والحدة فى الأراء من أبطالها فى حلقة الثلاثاء   6مارس 2018 عن العقاد وطه حسين .. حينما أصدر العقاد كتابه عن أبى نواس وتحدث فيه عن مفهوم النرجسية كما بدت فى أشعار أبى نواس وفى حياته  , فى حين رأى د/ طه حسين أن العقاد أفرط فى حديثه عن النرجسية وكان ينبغى أن يتعامل مع أبى نواس بفهم خاص  .

ويعرض برنامج معارك فكرية أراء كل من الأديبين الكبيرين العقاد وطه حسين بصوتيهما , كما يشمل تعليق وإيضاح من مقدم البرنامج لموقف كل طرف بطريقة إذاعية سلسلة وبسيطة على طريقة السهل الممتنع ويفصل الفقرات فواصل غنائية متوافقة مع سياق الحوار .. كما ابهرني بحلقة ثالثة بتاريخ 3-4-2018 حول مفهوم { مصر هبة النيل أم هبة المصريين } وقد وجدت فى هذه الحلقة أنها ليست معركة فكرية بقدر ما هى معركة حب نيلية ,وكأن النيل الخالد أهدى السيد حسن فى هذه الحلقة جميل أسراره لما بها من روعة الإعداد وحسن اختيار الضيوف حيث تألقت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى حوارها عن النيل وعن عظمته وما منحه من خير للمصريين وجاء صوتها منساباً رقراقاً هادئاً معبراً بجميل الكلمات وغزارة المعلومات , كما تحدث فيها د/ عبد العزيز صالح عميد كلية الأثار الأسبق عن وصايا المصريون القدماء لأبنائهم وما أحوجنا فى الفترة الراهنة لمعرفة مبادئوأخلاق ووصايا المصرى القديم .

وكعادته فى الحلقات السابقة من معارك فكرية يظل صوت أم كلثوم وعبد الوهاب سر جميل من أسرار نجاح معارك فكرية بالإضافة للضلع الثالث من أضلع النجاح وهو صوت المذيع فى أبهى حالاته من هدوء التون وعمق النبرة وخاتمة ولا أروع شعراً بصوت د/ نعمات احمد فؤاد .. ففى هذه الحلقة تحديداً تفوق السيد حسن ونجح فى تقديم صورة مرئية عن طريق الأذن من خلال الأثير الإذاعي  وهذا إن حدث فى عمل  إذاعى فهو عمل فائق الجودة لذلك أقول أن السيد حسن الشاعر والإعلامي  استطاع أن يقدم برنامجاً شديد التميز بطريقة طرح إذاعية جاذبة للمستمع ويزيد من قيمة  الحلقات وثرائها الفكرى أصوات الضيوف من أعلام الفكر والأدب والنقد لما لهم من حضور فكرى ولغوى بالغ التميز .

ومن خلال حلقات معارك فكرية وبرامجه الإذاعية ونشاطه الثقافى والإبداعي تأكد لى أن طبيعة الشاعر والأديب المتأمل   تطغى  على شخصية الإعلامى وهذه ميزة كبرى جاءت فى صالحه وليست ضده فطبيعة المثقف الغالبة أكسبت أعماله صفة القوة والنضج والعمق معاً .

Tweet