كيم الشمالي ومون الجنوبي: مكرونة باردة وسلام دافيء

11:22 صباحًا الجمعة 27 أبريل 2018
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

جاء من الشمال، إنه كوري شمالي، وهو لم يأتِ هاربًا أوطالبا للجوء السياسي، إنه أهم كوري شمالي … الزعيم كيم جونغ-أون، الذي ظهر على التلفزيون الكوري الجنوبي في زيارة تاريخية بكل ما تمثله الكلمة، يعلن مجرد ظهوره أن التاريخ يمكن أن ينحني، تاريخ العداوة والانقسام والحرب واليأس، أمام تاريخ جديد من السلام والوحدة والصداقة والأمل.

kimoonحين خرج كيم من مقر بانمون في الجانب الشمالي من الحدود بين الكوريتين، أحاط نفسه بطريقة سينمائية بحراسه الشخصيين العشرة، ربما ليضفي على الموكب المترجّل وقارا،  ليست هناك كاميرا خفية لن يظهر أحدهم فوق جسر ما ليعطل المصافحة، كما تصنع هوليوود، بين الزعيمين.

نهة1اقترب الزعيم كيم من الرئيس الكوري الجنوبي مون، الذي كان واقفا بانتظاره فوق الخط الاسمنتي البارز الذي يمثل الحاجز بين الكوريتين، بابتسامته العريضة التي عرفها العالم وهو يفوز في الانتخابات الرئاسية، صافح مون قرينه وسأله : متى يمكنني العبور إلى كوريا الشمالية؟ هنا أخذه الشمالي، ليعبرا الخط معًا ويقفا لالتقاط الصور معا هناك، في خطوة لم تكن مقررة بروتوكوليا، رغم أن كل شيء متفق عليه، حتى قائمة الطعام في العشاء!

عتبة التاريخ

عتبة التاريخ

وفقا لوكالة أنباء كوريا الجنوبية، قال كيم في كلمة افتتاحية في الجلسة الصباحية “حضرتُ من بيونغ يانغ البعيدة، إلى هنا، وأحضرت معي مكرونة باردة للرئيس مون، أرجو أن يتناولها بشهية، ثم استدرك قائلا : “ما كان لي أن أقول إن بيونغ يانغ بعيدة ! فهي ليست كذلك” مما جعل من حوله يضحكون استحسانا لهذا الاستدراك. الكلمة الافتتاحية للمحادثات كانت معدّة مسبقا، لذا كانت طريقة تقديم كيم الطعام في مأدبة العشاء تعكس ارتياحه في استخدام العبارات التلقائية، وجاءت تعبيرا مثاليا لعبارة مون قبل أيام: “الربيع الدافئ وصل إلى شبه الجزيرة الكورية”.

وكما يقول نشرته “يونهاب” الرئيس مون حدد شعار لقاء القمة هذه ” السلام ، بداية جديدة” لإحلال السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية…

وهناك نقاط مختلفة لهذه القمة عن سابقتيها في عامي 2000 و2007، وهي أن اللقاء ليس فقط لتحسين العلاقات بين الكوريتين، بل أنه لقاء في الرحلة الجريئة الهادفة إلى النزع النووي الذي يشكل عمودا فقريا لأجندة شبه الجزيرة الكورية.

كما أن لقاء القمة بين الرئيس مون والزعيم كيم مهم للغاية لكونه يمثل الجولة الأولى التي يمكن أن تؤثر على لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي والكوري الشمالي الذي سيركز على المفاوضات حول النزع النووي في شبه الجزيرة الكورية وتعكس نتيجتها على العلاقات بين الكوريتين. وهذا هو السبب في اعتبار أن الرئيس مون يلعب دور ” مرشد الطريق ” في قمة الكوريتين.

وقال الرئيس مون في الجولة الخامسة للجنة تحضير قمة الكوريتين يوم 11 من أبريل ” علينا الإعداد للقمة جيدا لأننا نلعب دور مرشد بحسبان أن القمة بين الكوريتين من شأنها أن تؤدى إلى نجاح لقاء القمة الكوري الشمالي والأمريكي من أجل تحقيق النزع النووي وإحلال السلام الدائم ” .

في هذا السياق، فإن الاهتمام يتركز في القمة بين الرئيس مون والزعيم كيم على مدى اتفاقهما في قضية النزع النووي وتحويل اتفاقية الهدنة إلى اتفاقية السلام .

يشار إلى أن قضية النزع النووي وبناء نظام للسلام لا يمكن حسمهما باتفاق بين الكوريتين فقط، حيث يتطلب ذلك وجود طرف أعلى ، أي الولايات المتحدة الأمريكية، ولا بد كذلك من إشراك الصين والدول المعنية الأخرى بقضية شبه الجزيرة الكورية.

غير أن الرئيس مون الذي اعتبر نفسه ” سائق ” لقيادة قضية شبه الجزيرة الكورية قاد ” عملية كبيرة ” بعد أن حرك كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية، فليس من المبالغة أن نقول إن نتيجة قمة الكوريتين تمثل قوة كامنة ضخمة تحدد مصير لقاء القمة الكوري الشمالي والأمريكي ومصير شبه الجزيرة الكورية.

في نهاية المطاف، تتركز الأنظار على ما سيخرج به رئيسا الكوريتين حول قضيتي الإعلان عن إنهاء الحرب الكورية وقضية النزع النووي.

وتفيد تقارير بأن الكوريتين بعد أن فتحتا قنوات التواصل المتعددة بمناسبة مشاركة كوريا الشمالية في أولمبياد بيونغ تشانغ الشتوية المقامة في كوريا الجنوبية، أعدتا مسودة الاتفاقية على المرحلة الأولى، غير أن قضيتي النزع النووي والإعلان عن إنهاء الحرب الكورية تعتمدان على ما يتفق عليه الرئيسان في قمتهما.

1524783221168660TQMznd2xcH-700x485وفي الواقع قدمت كوريا الشمالية أملا في إمكانية تحقيق النزع النووي بعد أن أعلنت عن تجميد التجربة النووية ووقف إطلاق الصواريخ البالستية العابرة للقارات يوم 21 من الشهر.

وبدوره، رحب الرئيس مون بهذا القرار واصفا إياه بأنه قرار مهم نحو تحقيق النزع النووي بصورة كاملة وهو علامة خضراء ترفع من إمكانية نجاح القمتين بين الكوريتين وبين كوريا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية.

ونظرا لهذه الخلفية، فهناك إمكانية لتضمين الاتفاقية القادمة عبارة بدء النقاش حول الإعلان عن إنهاء الحرب بين الأطراف المعنية.

غير أن هناك من يعبرون عن قلقهم من أن الإعلان القادم بين الكوريتين يمكن أن يكون مجرد إعلان بدون فعل مثلما حدث في الماضي. إلا أن الكثيرين يرون أن لقاء القمة المرتقب يختلف عن سابقيه لارتباطه بلقاء القمة بين ترامب وكيم جونغ-أون .

AAR2018042700430وهناك إمكانية نشوء مشكلة في لقاء القمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، حيث أن ادارة ترامب تؤكد على إجراءات النزع النووي أولا والتي تسمى ” حل على نمط ليبيا “، مقابل التعويض لاحقا بينما تدعو كوريا الشمالية النزع النووي بصورة تدريجية وبصورة آنية مع الجنوب.

وفي هذه النقطة، يبرز دور الرئيس مون كسائق أو وسيط . فعليه دفع كيم إلى الاقتراب من حل النزاع النووي الامريكي بصورة أقصى عبر التنسيق مع الجانب الأمريكي، ومن ثم إقناع الرئيس الأمريكي بنتيجة لقاء القمة مع الشمال.

وهذا هو السبب في سعيه للقاء القمة مع الرئيس ترامب في منتصف شهر مايو، في الفترة بين قمة الكوريتين والقمة الأمريكية والكورية الشمالية.

وفي نفس الوقت، يتوقع أن تتطرق القمة المرتقبة إلى مراجعة سبل مختلفة لتحسين العلاقات بين الكوريتين منها تفكيك السلاح في المنطقة المنزوعة السلاح في الامر الواقع وتبادل الزيارات على مختلف المستويات منهم النواب البرلمانيين واستئناف برنامج لم شمل الأسر المشتتة في الحرب الكورية وغيرها من القضايا الإنسانية.

كما تركز الاهتمام بإمكانية إدراج التعاون الاقتصادي بين الكوريتين، مثل تصور الاقتصاد الجديد في شبه الجزيرة الكورية مشروطا بتحقيق النزع النووي. وعلى الرغم من نفي القصر الرئاسي بأن التعاون الاقتصادي ليس من ضمن أجندة القمة، غير أنه هناك إمكانية كافية لأن يشرح مون لـ كيم مشاريع ممكنة في حال تنفيذ النزع النووي بوتيرة سريعة ورفع العقوبات الدولية المفروضة على الشمال.

وسيستقبل الرئيس مون الزعيم كيم في الخط الفاصل العسكري أو أمام دار السلام الذي يقام فيه حفل الاستقبال الرسمي .

وتتركز أنظار العالم على شبه الجزيرة الكورية، حول ما إذا كان الرئيس مون الذي أشرف على التحضيرات لقمة الكوريتين بصفته رئيس سكرتارية الرئاسة تحت إدارة الرئيس الأسبق الراحل روه مو-هيون قبل 11 عاما، يمكن أن يجلب ربيع السلام في شبه الجزيرة الكورية ،وذلك بعد أن أصبح فيه إعلان 4 أكتوبر الموقع بين قائدي الكوريتين في وقتها مجرد حبر على ورق .

 

 

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات