نوري الجراح يبحر مجددا في “قارب إلى لِسْبُوسْ”

11:43 صباحًا الأحد 1 يوليو 2018
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر السوري “نوري الجراح” بعنوان: “قَارب إلى لِسْبُوسْ، مَرثِيَّةُ بَناتِ نَعشٍ وقصائد أخرى“.

5E5DFFEA-C2CC-4D66-970C-16AF889A8965تضمُّ هذه الطبعة من “قارب إلى لِسْبُوسْ” قصيدة “مرثية بنات نعش” التي صدرت عام 2016، وقد ألحقَ بها الشاعر قصائد أخرى كتبها على إثر تطوافه في الجزر اليونانية تينوس وماكونيس وغيرها من الجزر وصولاً إلى جزيرة لِسبوس في بحر إيجه، وقوفاً على الفصل البحري المروّع من التراجيديا السورية، والذي أسطر مأساة السوريين وجعلهم، في خروجهم الجماعي نحو أوروبا، طرواديي العصر.

عبر ألواحه والأصوات التي يمنحها نوري الجراح للسوريين، وعنهم، يكتب قصيدته الملحمية المعاصرة، في بُعدها المأساوي الملموس، وأوجاعها الواقعية، حتى وإنْ خرجت، أي القصيدة، من جبّة الخيال الذي يتسع لكلِّ هذا الأسى والخسارات. نفَسٌ ملحميٌّ يمتدُّ إلى قصائد أخرى، استناداً على بُعدٍ ميثولوجي، يتلاشى أمام هول ما يحدثُ في عرضِ البحر وهذا الموت الجماعي للسوريين غرقاً، بعد أن تركوا اليابسة هرباً من موتٍ آخر محتوم وبأبشع الطرق. وبين البشاعتين، ينهض السوريون الغرقى في كتابٍ شاهدٍ على قسوة الحرب، كُتِب احتجاجاً لما حدثَ ويحدثُ لهم في تغريبة القرن الحادي والعشرين. “لِسْبوسْ” الألفية الثالثة هي الجزيرة التي شهدت تراجيديا الأوديسة السورية والموت السوري، في الجغرافيا نفسها حيث وقعت حرب طروادة الأسطورية.

 في اللَّوح الأخير من الكتاب، ينادي نوري الجراح أشقّاءه، كما لو أنَّه يناجيهم من أجل الخلاص:

أَيُّهَا السُّورِيُّونَ الْهَلَاكِيُّونَ، السُّورِيُّونَ الْمُرْتَجِفُونَ عَلَى السَّوَاحِلِ، السُّورِيُّونَ الْهَائِمُونَ فِي كُلِّ أَرْضٍ، لَا تَمْلَأُوا جُيُوبَكُم بِتُرَابٍ مَيتٍ، اهْجُرُوا الْأرضَ تِلْكَ وَلَا تَمُوتُوا. مُوتُوا فِي الْمَجَازِ، وَلَا تَمُوتُوا فِي الْحَقِيقَةِ. اترُكُوا اللُّغةَ تَدْفِنُكُمْ فِي أَوْصَافِهَا، ولَا تَمُوتُوا وتُدْفَنُوا فِي تُرَابٍ. لَيسَ لِلتُّرَابِ ذَاكِرَةٌ سِوى الصَّمْتِ. ابحِرُوا فِي كُلِّ جِهَةٍ، وَفُوزُوا بِضَجَّةِ أَرْوَاحِكُمْ. وَوَرَاءَ الْعَاصِفَةِ وِالْهَشِيمِ انْهَضُوا فِي كُلِّ لُغَةٍ وَكُلِّ كِتَابِ وَكُلِّ أَجَلٍ وَكُلِّ خَيَالٍ، واضطَرِبُوا فِي كُلِّ تُرَابٍ، وانهَضُوا كَمَا يَنْهَضُ الْبَرْقُ فِي الْأَشْجَارْ.

 عن الكتاب:

 قصيدة ملحمية لاهثة ذات نشيج، يستعيد فيها الشاعر، عبر خيال شعري جنّحه ثراء إرث ميثولوجي متوسطي، ومن خلال تجربة قوارب الموت الخلاصية العمياء المبحرة إلى جزيرة لِسبوس، مفهوم ابن عربي في التشريق والتغريب، الذي يعزز فيه علاقة الذات مع الآخر، نازعاً سلطة المكان على حركة الإنسان، ومقوضاً ارتباط الفكر بالجغرافيا. ولكن هذه الاستعادة ليست مرآوية، ليست استعادة إعادة انتاج، لأن خيار السوري الهارب من عسف الطاغوت، خيار خلاصي لا يحركه حب المعرفة، بل تدفعه الضرورة المعصوبة العينين والمنفلتة من كل عقال.

خلدون الشمعة

خلدون الشمعة

إنها مرثية التغريبة السورية الكبرى بامتياز.

وهي قصيدة تطرح إشكالية تعريف ما سبق أن دعوته في مكان آخر في قراءتي لشعر نوري الجرّاح بـ «الحداثة الثالثة»، أي الحداثة المتحررة ليس من أنظمة الكلام أو العروض أو الإيقاع أو التفعيلة فحسب، بل المتحررة، قبل ذلك كلّه، من أيديولوجيا قصيدة النثر التي مازال النقد العربي الحديث، أو بعضه، على الاقل، يلوك بشأنها قواعد زئبقية مستمدة من كتاب هنا وآخر من هناك، فيصنع بذلك أصولية نقدية جامعة مانعة وموازية للأصوليات الدينية، بسرابها ويقينها، وبمغالاتها وغلوائها.

لسوف يحتفي ذواقة الشعر بهذه القصيدة الكبيرة المعبرة بصدق، وبأداءٍ شعري بارعٍ ومبتكرٍ عن السوريين في مصائرهم التراجيدية، وهي، من دون شك، ستشكل إضافة ذات شأن إلى المنجز الشعري العربي الحديث.

خلدون الشمعة

99E0B7B5-E667-43AA-B4A0-B26FDC1D4D22إن إحالة العنوان المركّب للديوان على ما يجري في سورية الآن، هي إحالة الميثولوجي على الواقعي، ما يجعل القصيدة حية ومعاصرة، وهي بالضرورة تحمل أنفاساً إنشادية وملحمية. ومثلما كانت الملاحم الإغريقية القديمة تسمي أبطالها وآلهتها بأسمائهم، فإن نوري الجراح لا يتبع خط الأسطورة بلا رابط أو بينة، فهو يسمي السوريين الآن وفي هذه الملحمة بأسمائهم وبمدنهم وتشردهم في كل بحر وأرض… ديوان “قارب إلى لسبوس- مرثية بنات نعش” هو قصيدة دمشقية بامتياز، قصيدة دامية إنشادية ملحمية وحزينة… وهي قصيدة راهنة، وإن اتكأت على إشارات ميثولوجية.

محمد علي شمس الدين

هيثم حسين

هيثم حسين

مناداة ومناجاة، صراخ في دائرة النار والماء، احتفاء شعري بالوجع الدموي، توصيف مشاهد الإبحار والهجرة والغرق، اقتحام الأمواج وركوبها في مسعى إلى خلاص منشود على الضفة الأخرى.

تتحرك القصيدة لدى الجراح تحت وقع السياسة، ترثي تاريخاً معيناً، وتهجو واقعاً بائساً مشوهاً. تراه يناجي السوريين الراكبين أمواج البحر بين المشهد والآخر، ثم ينتقل إلى مخاطبتهم عن قرب حين ينتقل بكيانه إلى لسبوس ليستقبل قوافل المبحرين، ويمزج بين البسمة والدمعة حين استقبالهم.

هيثم حسين

على غرار أسلافه الذين اخترعوا الأبجدية، وتركوها للعالم على ألواح، ينشر الشاعر أشرعة قاربه السرابي المأمول إلى لسبوس، على ألواح يفتتحها بلوح إغريقي يرتدي فيه قناع شاعرة الإغريق سافو، التي تنوح متألمة ومتحسرة من منفاها في صقلية، على أشقائها السوريين «الخارجين من لوح الأبجدية المكسور».

“قارب إلى لسبوس” مجموعة شعرية متميزة، ليس على صعيد الأعمال الأدبية التي تناولت المأساة السورية… فحسب، بل مميزة أيضاً على صعيد أعمال الشاعر نفسها، لمن يتابعون تجربة نوري الجراح الذي فرض شعره باحترام على حداثة قصيدة النثر.

المثنى الشيخ عطية

من الكتاب:

لَمْ أكنْ في دمشق

لَمْ أكنْ في شارع

ولا في متجرٍ

لَمْ أكنْ في محطةٍ

ولا في شرفةٍ تطلُّ على قطارٍ

لَمْ أكنْ مسرعاً

ولا مبطئاً

أَبْعَدَ من يَدي، كُنْتُ، ومِنْ عيني الغريقةِ في الزمن

راقداً على قلقٍ في ترابِ الموعد،

ويدي تنزفُ.

***

لمْ أَكُنْ في دمشق

لَمْ أَكُنْ في دمشق.

***

والآن،

من آخرِ الأَرض

أَسْمَعُ الساقيةَ تنتحبُ في البستان

والهواءَ يَصِفُ للجبل.

نوري الجراح

نوري الجراح

نوري الجراح شاعر من سوريا، ولد في دمشق 1956 ويعيش في لندن منذ 1986. صدرت مجموعاته الشعرية بدءا من 1982: «الصبي»، «مجاراة الصوت»، «كأس سوداء»، «القصيدة، والقصيدة في المرآة»، «طفولة موت»، «صعود إبريل»، «حدائق هاملت»، «طريق دمشق»، «الحديقة الفارسية»، «يوم قابيل»، «يأس نوح»، «مرثيات أربع».

صدرت أعماله الشعرية في مجلدين، بيروت 2008.

صدرت مختارات من شعره بعناية نقاد وأدباء عرب: «أمير نائم وحملة تنتظر-علي بدر، بيروت 2005، «رسائل أوديسيوس»، القاهرة خلدون الشمعة، 2008، «ابتسامة النائم»، محسن خالد، الجزائر 2010.

ترجمت مختارات من أشعاره إلى لغات أجنبية منها: الفرنسية، الإسبانية، الإنكليزية، الألمانية، الهولندية، التركية، الرومانية، الفارسية.

حرّر مجلات شعرية وأدبية: «فكر»، «الكاتبة»، «القصيدة»، «الرحلة»، «دمشق» ويرأس، حاليا، تحرير مجلة «الجديد» الشهرية الثقافة اللندنية.

يشرف على «المركز العربي للأدب الجغرافي» في لندن/أبوظبي المتخصص بتحقيق ونشر أدب الرحلات العربية إلى العالم، وله في هذا الحقل أبحاث وتحقيقات منشورة في كتب.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات