كعادتها و كما عرفها العالم منذ القدم تنهض من جديد مثل طائر الفينيق .. و كما تنبعث العنقاء تنفض عنها الرماد و الركام كما تروي الأسطورة لتحلق عاليا لتبلغ عنان السماء .. تقف الخضراء تونس شامخة من جديد لتستأنف مجد قرطاج و قبلها حضارة قفصه و بعدهما عهد الأمان .. تتجاوز غيمات الحزن العابر لتشرق شمس الفرح التي تسكن هناك في قلب قرطاج الخالدة التي لا تموت حتى و إن فرشوا أرضها ملحا و هدموها لمائتي سنة .. و كيف لا ؟! و عشق الحياة يسكن هناك حيث يتسربل المكان بحب الحق و الخير و الجمال .. خضراء هي الأرض المروية بدماء الشهداء الأبطال بأشجارها و طيورها و خصبها الذي يعانق زرقة البحر و صفاء السماء في مشهد قدسي موشى بأمجاد يوغرطة و عليسة و حنبعل و القديس أوغسطين و أبي سعيد الباجي و مغارة أبي الحسن الشاذلي التي لا تبوح بسرها إلا لسلطان المدينة سيدي محرز بن خلف …
اليوم زفاف جديد لقرطاج الخالدة حيث ترتدي ثوب الزفاف إلى المجد .. دورة جديدة للإصرار على الحياة و تحدي صروف الدهر ، تبدأ الدورة الرابعة و الخمسين لمهرجان قرطاج أعرق مهرجانات المتوسط في قلب المسرح الروماني العظيم الذي سيحتضن عشاق الحياة من كل حدب و صوب ..، ليحكي لنا قصة المجد و الفخار ” من قرطاج إلى أشبيلية ” رحلة في الفن و الزمن مع الحان المالوف ” المألوف ” ذلك الفن الذي يجسد ذروة سنام الحضارة العربية الإسلامية في مسقط رأسه بالأندلس.. ليطلع شمسا من الغرب مهاجرا من جديد إلى الشرق إذ سافر من جديد من الأندلس إلي المغرب و الجزائر و تونس و ليبيا ، ثم واصلت موشحاته الطريق إلى المشرق و كأن بضاعته التي هاجرت مع ” زرياب ” تلميذ ” الموصلي ” ترد إليه أجمل و أحلى و أكثر تطورا و رشاقة بعد أن تلاقحت مع موسيقى الغرب الدافئة في إسبانيا و البرتغال و عاشرت أنغام شبة الجزيرة ” الايبيرية ” و الإيقاعات ” القشتالية ” الوحشية بعد أن روضتها حضارة الأندلس العظيمة دون أن تفقدها حيويتها و تدفقها..
سيسعد جمهور مسرح قرطاج اليوم ” بالملالية ” التي أوهنتها مشقة السير في طريق العودة إلى المشرق من جديد حتى سارت الهوينا فغدت ” مويليا ” ، يصحبنا في الرحلة ” من قرطاج إلى أشبيلية ” شيخ المالوف في تونس ” زياد غرسة ” و الصوت التونسي الشجي ” درصاف الحمداني ” ، و من الجزائر ” عباس الريغي ” ، و من المغرب ” عبير العابد ” ، وصولا إلي إسبانيا مع ” ماريا مارينا” ..
ينتظر من العرض الغنائي الموسيقي ” من قرطاج إلى أشبيلية ” أن يكون رحلة مع الموسيقى عبر الزمن .. مع الفن الذي يتجاوز صدام الحضارات و صراعات البشر إلي مفاهيم الإنسانية السامية التي تحلق بالأرواح مع المعاني المجردة للحق و الخير و الجمال لتسعد القلوب وتفرح الأفئدة التي تهوي اليوم إلي قرطاج العظيمة التي تحترف الفرح و تهوى الشموخ .. مرحبا بنا جميعا في قلب الخضراء تونس التي يستحيل أن تأتي إليها إلا عاشقا …
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.