على مدى أربع سنوات ابتهجنا واحتفينا بملتقى البرلس الدولي للرسم على الحوائط والمراكب، كنموذج مصري خالص للتنمية الثقافية المرتجاة في مصر، وعددت في أكثر من موقع هنا، وفي ماجازين إن، وفي مجلة العربي ملامح اللوحة الإنسانية والفنية والمجتمعية التي جسدها الملتقى، الذي يستقبل حجاجه من الفنانين والفنانات مطلع أكتوبر من كل عام ولمدة أسبوعين … وكتبت كذلك عن الجغرافيا الي احتضنت هذه الفعالية الرائدة في مصر؛ برج البُرُلُّس؛ المدينة التي اعتبرتُها محطة على طريق الحرير التشكيلي الجديد، حيث استطاعت مؤسسة الفنان عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة والفنون والتنمية، عبر الملتقى الذي أسسه صاحبها، أن تمنح المدينة بعدا أضاف إلى ما تمتلك، فالبرلس لديها التاريخ، بعد معركة بحرية شهدها شاطئ بحيرة البرلس صباح الرابع من نوفمبر 1956 وانتهت في دقائق دمرت فيها الزوارق المصرية مدمرة بريطانية وبارجة فرنسية، ليصبح ذلك اليوم عيدا سنويا لمحافظة كفر الشيخ، كما تمتلك المدينة وما يحيطها مصادر رزق بحرية وزراعية، من ثمار البحر إلى ثمار النخيل والأشجار، ولتصبح ـ اليوم ـ تمتلك القوة الثقافية اللافتة التي جعلت ملتقى البرلس للرسم على الحوائط والمراكب فعالية ثقافية مصرية خالصة، تتواصل مع محيطها المجتمعي وحدثا دوليا يعبر حدود البلاد الجغرافية، وتعلى من قيمة الفن، بل تجاوز دور الفنان إطار اللوحة إلى مجتمع المدينة، فإذاكانت كل دورة تستضيف نحو 40 فنانا متمرسا من مصر، والدول العربية والغربية، فهذا يعني أن لدينا رصيدا لأكثر من 150 أيقونة تشكيلية جاءت هنا لتحرك أجنحة ألوانها تحت سماء البرلس، ناهيك عن أضعاف هذا الرقم من شباب الفن الذين صحبهم أساتذتهم لينهلوا من بوتقة البرلس الفنية، ويبكروا حوارهم مع مستقبل أفضل..
ونحن على أعتاب الملتقى في دورته الخامسة يسعدني في هذا الحوار الشامل أن أصغي لمؤسس الملتقى الفنان الكبير والصديق العزيز الدكتور عبد الوهاب عبد المحسن ليتحدث عن المعلن والخفي في رحلة من سنوات وعناء ومتعة كذلك…
كانت الفكرة في البداية ملتقى لفنون قرى الصيادين المطلة على البحر الابيض المتوسط يشمل فنون الرسم على الحوائط والمراكب ويحتوي كذلك فنونا شعبية وحرفا يدوية وأزياء وأكلات ,آدابا وفنونا من موسيقي وغناء بمعنى عمل مهرجان شامل وسنوي، ترعاه المحافظة والمؤسسات ذات الصلة، ولكن قلنا نبدأ بنشاط واحد وله علاقة بخبراتنا في مجال الفن التشكيلي والذي نتخصص فيه ـ بالرغم من انني مارست العمل في إقامة العديد من المهرجانات الفنية بحكم شغلي في وزارة الثقافة في هذا المجال ـ وبدأنا بالدورة الأولى للملتقى في مجال الرسم والتلوين على أمل أن ينمو كل دوره عن سابقتها ،،
أما عن آلية اختيار المشاركين والمشاركات فملتقى البرلس له طبيعة خاصة لها علاقة بالمكان وبالناس ولهذا يحتاج لفنانين لهم قدرة على الرسم في الشوارع وأمام الناس وفي حضور الاطفال الشغوفين بالاحتكاك بالفنانين من كل الجنسيات ،
تشرف على الملتقى لجنة الأمناء نتشاور معها في كل الخطوات ، ونتواصل مع الفنانين في كل دول العالم من خلال صفحاتهم على فيسبوك، والذي يتيح لنا الاطلاع على كل التجارب من كل دول العالم وبخبرتنا ندعو البعض الذي نرى انه يناسب فعاليتنا والبعض الآخر يطلب المشاركة بعد السماع عن الملتقى في وسائل الاتصال وكذلك نختار المناسب للفعالية.
يقوم على تنفيذ الملتقى الفنانة ايمان عزت قومسيرعام الملتقى ونحن نساعدها في هذا الشق هي المسؤوله عن التواصل مع الفنانين ودعوتهم والتشاور معي للاستقرار على الاختيار النهائي .
ويساعدها في ترتيب مسائل الاقامة والاعاشة والانتقالات رامي شهاب كقومسير مساعد، كذلك يوجد أربعة شباب من كلية الفنون الجميلة بالأقصر كمساعدين للقومسير المساعد في ترتيب وتوزيع الألوان والخامات واستقبال الضيوف من المطار والعودة.. ودوري كرئيس الملتقى ترتيب التمويل والبحث عن الرعاة والتواصل مع المؤسسات الحكومية والاشراف العام على الملتقى ووضع الخطط بالتعاون مع القومسير العام وباقي لجنة الامناء ،
كل دورة نفكر في تطوير الفعالية وتقييم الاستفاده منها؛ وجدنا ان الرسم على الحوائط له مردود مباشر على سلوك الأهالي والأطفال للأفضل فزادت كمية الترحيب بالفنانين وقبولهم والاطفال وارتفع مدى الاستجابة للتعاون والايجابية، ثم فكرنا كيف تستفيد البلد من صناعة تشتهر بها؛ وهي صناعة المراكب وخاصة أن البرلس بعد الملتقى يمكن أن تصبح قبلة ومزارا سياحيا ولا يجد الزائر أاي هدايا تذكارية كما هو موجود في كل المدن السياحية في العالم، فقلنا هي المركب؛ أيقونة الرزق الأولى وذات الشخصية المميزة والمرتبطة بالمكان من آلاف السنين وكل مرة ندرس النسب ونحاول أن نصل لأصغر نموذج ممكن كي ينتشر كحلية أو قطعة ديكور، أو يوظف في التجميل ويصبح صناعة وحرفة والاطفال وستات البيوت يلونونها وتباع ، وكان التفكير في تنمية المجتمع هو السبب في البحث عن أنسب أحجام المركب.
لا يوجد للمؤسسة موارد مالية، وفي كل دورة نبدأ في رحلة البحث عن داعمين ورعاة ونعتمد بشكل كبير على مؤسسات الدولة ، فنلجأ للمحافظة للدعم وكذلك وزارة الشباب التي نعتمد علىها بدرجة كبير في دعمنا وخاصة أن لنا شراكة في برنامج مدن ملونة وترسل لنا في كل دورة ٦٠ شابا من الجامعات والمراكز الفنية لمساعدة الفنانين والاحتكاك بهم والاستفادة من خبراتهم ، لكن نواجة كل دورة مشكلة في التمويل نحاول حلها بعناء. وبدءا من الدورة الرابعة وقعنا شراكة مع منظمة اليونسف لرعاية الطفولة، وأضفنا للملتقى مجموعة من الورش الخاصة بالاطفال وهم يتعهدون بتوفير الراعي الرسمي … وفي الدورة الرابعة كان الراعي الرسمي شركة تطوير مصر ، ونطمح أن تستمر شركة تطوير مصر في رعاية ودعم الملتقى في الدورة الخامسة والدورات القادمة لضمان الاستمرارية والنجاح الذي لمسوه في الدوره السابقة.
بالنسبة للتغطية الاعلامية بالنسبة للاحداث الثقافية تعتبر جيدة الاعلام تواق لفعل جاد وله علاقة بالجماهير ونحن نقدم عملا جادا له علاقة بأهالينا ويحقق لهم مردود ايجابيا ونفسيا وكثيرا من البهجة ،، كل أقاليم مصر تنتظر إلقاء الضوء عليها والاهتمام بها ويوجد في الاعلام شرفاء كثر يجذبهم اي فعل ايجابي وصادق ونتمني ان تفرد له مساحة اكثر من كل القنوات ووسائل الاعلام المختلفة ،، ونحن لا ندخر الجهد في نشر الفعالية والترويج لها في وسائل التواصل الاجتماعي ، كذلك الفنانون الذين يشاركوننا حين يتباهون بالمشارك، وذلك لقيمة الفعالية وهم ينشرونها من تلقاء انفسهم ويصلون بها لأكبر عدد، وهو ما يضيف لنا نافذه اعلاميه مهمة … عكس فعاليات كثير يشارك فيها فنانون ويخجلون من نشرها !
يشاركنا في الدورة الخامسة فنانون من الصين والهند وتتارستان وبنجلاديش وايطاليا ومقدونيا والمغرب وتونس ونيجيريا والسودان وسلطنة عمان والسعودية والعراق والأردن وروسيا وألمانيا وطبعا مصر
النجاح أن الاهالي لم يلمسوا أيا من الرسوم بأي تشويه ،، الرسوم باقيه كما رسمها الفنانون مع أن فلسفة الملتقى قائمة على تأثير الحدث وما يتركه من اثر جمالي وايجابي في النفوس نحن نعمل حدثا يترك رسائل كالمسرح تعرض المسرحية وفي آخر الليل ينفض العرس ويترك رسائل خير ومحبة وجمال وبهجة في النفوس ، والايجابية الأخرى أننا وجدنا ثلاث جداريات رسمها الاهالي من تلقاء أنفسهم ، كذلك تهافت الاهالي لرسم بيوتهم بالرغم من ترددهم في البداية ،، وظهر أثر الملتقى واضح في سلوك الناس.
برج البرلس تمنح الفنانين الصفاء والتجلي والإلهام وعلى كل فنان يحج إليها من أجل إنماء روحة وتطهير نفسه؛ برج البرلس تمنح الفنانين انتماء وأمانا وتميزا ، برج البرلس تملأ الفنانين بالايجابية والتفاؤل وترده لمساحات من الجمال افتقدها في أماكن اقامته برج البرلس تستفز كل طاقة الفنان للتواصل والتجريب والتسامي والتجلي ،، من أجل كل هذا البرلس مختلفة.
كل فنان يبحث عن كيمياء التواصل مع بيئته … كل ارض تمنح من يحبها مايريد… كل أرض لها مفاتيح، وعلى كل فنان أن يبحث في بيئتة عن أبواب العطاء ويحاول فتحها؛ فكل طبيعة تحتاج لمن يداعبها لتمنح.
في الدورة الرابعة اشترينا قطعة أرض في البرلس من ريع بيع بعض المراكب ونتمنى أن نتمكن من بنائها ليكون لنا مقر نتحرك من خلاله … على الاقل يكون للمؤسسة والملتقى عنوان ومكان للالتقاء لفعاليات ثقافية على مدار السنة.
أتمنى أن يتحمس أحد الرعاة لعمل كتاب نوثق التجربة وهذا يحتاج لتمويل ضخم ليس في مقدورنا الآن.
الملتقى يكرم ثلاثة ممن أثروا الحركة الثقافية في مجالات الفنون والآداب من الأحياء والراحلين
هذه الدورة اعددنا برنامجا ثقافيا وخططنا لعرض يقام كل مساء لكل فنان يعرض فيه تجربته على الجميع ويقام حوار حولها…
كذلك سيقام برنامج فني في الافتتاح والختام ويضاف برنامج سياحي للتعريف بالمكان للسادة الضيوف ، نحن نسعي للتطوير ونتقبل كل المقترحات المحبة والمخلصة وفي النهاية يكون الملتقى نتيجة فكر جماعي نتولى تنفيذه بحب ونفس راضية.
في المستقبل نتمني ان يختفي قلقنا من امكانية استمرار ملتقى ناجح ومفيد للناس في بلدي وأن يتم توفير الدعم اللازم بشكل ثابت وتتولى رعايته جهة معلومة تكفينا مشقة طرق الابواب المذلة ـ في بعض الأحيانـ فنحن نقوم بعمل تطوعي خدمة لأهالينا ونرد الدين لبلدنا ولا ننتظر أية مكاسب ولا شكر ، فهذا واجبنا وبصدق بلدنا بحاجة إلى مبادرات من كل قادر على العطاء والحب، هذه بلدنا : كل الحب وآخره ،، ومنتهاه.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.