في اختتام مهرجان الحمامات … من النوعية إلى العبث

06:45 مساءً الأحد 26 أغسطس 2018
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الصور بعدسة : صابرين غزواني

الصور بعدسة : صابرين غزواني

مهرجان الحمامات الدولي تخطى عمره نصف قرن و كان الهدف منه عند التأسيس أن يكون مهرجانا نوعيا منفتحا على المتوسط لموقعه الفريد دون تجاهل بقية الروافد الثقافية التي تمثل الثقافة التونسية .. و أن يكون مغايرا في محتواه  لمهرجان قرطاج الصيفي الشهير إذ يتزامن المهرجانان في موعدهما ، و مهرجان الحمامات الذي تحتضنه جنبات المركز الثقافي المتوسطي الدولي و مسرحه الكائن في حديقة ” دار سبستيان ” عرف منذ تأسيسه أسماء ثقافية فاعلة من الوزن الثقيل تولت إدارته مثل ” شريف خزندار ” و ” الطاهر قيقة ” و ” عز الدين المدني ” و ” محمد رجاء فرحات ” إلخ .. على سبيل المثال لا الحصر .. ، المهم أن تلك الأسماء حافظت على نوعية المهرجان و تعدد ما يقدمه حيث إعتلى مسرحه أسماء عظيمة من نوعية الموسيقي اليوناني العالمي ” ثيودراكيس ” و ساحر الكمان الأعظم في عصره ” يهودي منوحين ” و غيرهم من الأسماء التي تزاحم النجوم في عالم الفن و الثقافة إن لم تكن الألمع على الإطلاق ..
بيد أن مهرجان الحمامات قد أخذ يفقد خصوصيته النوعية شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة و شهد مسرحه أسماء لم تكن لتحلم بإرتقائه ، و بمرور الوقت أصبح نسخة باهتة من مهرجان قرطاج إذ تلاشى الفرق بينهما .. ، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد إذ أخذ المهرجان الذي أصبح عاديا في التراجع حتى عن مستوى ما يقدم في قرطاج رغم تذبذب مستوى الأخير خلال السنوات الماضية أيضا..

بعدسة : صابرين غزواني

بعدسة : صابرين غزواني

60A7A7FE-025C-431F-8925-C108D02DAAAE D48C8DE5-9C8B-49B1-BDB0-BEBB895012A4الإختتام الغريب بغالية بن علي :

لا يعرف كاتب السطور على الأقل السبب في إختيار ” غالية بن علي” لكي يختتم بحفلها مهرجان بحجم الحمامات .. اللهم سوى أن لها نوعية معينة من الجمهور بالإضافة لجمهور المصيف الذي يمكن أن يحقق دخلا معقولا لشباك التذاكر..
” غالية بن علي ” لا تعدو كونها هاوية تدعي الغناء و الرقص و التلحين و حظها من كل ذلك قليل إن وجد .. لكن لديها مقدرة عجيبة على الإجتراء على كل ذلك بمنتهى الثقة ..
و بعيدا عن الإحكام الأخلاقوية تماما لكن ليس بعيدا عن معايير التذوق الفني لم أكن أتصور حتى في الكوابيس أن يكون تناول نصوص الشيخ الأكبر ” محيي الدين بن عربي ” بهذه الفجاجة و السطحية  ، و لذا لم أستغرب مفاجأت غير سارة مثل تعرضها لنصوص الراحل العظيم ” فؤاد حداد ” و رباعيات الجميل ” صلاح جاهين ” .. لكن ما إستغربته هو سماح ورثة الراحلين العزيزين لها بالتعدي على تلك النصوص الفريدة ” من وجهة نظر كاتب السطور ” .. و إن بقي السماح بالتعاطي مع تلك النصوص حقا أصيلا لهم لا ينازعهم فيه أحد .. لكن على صعيد آخر لدى عشاق تلك القامتين العظيمتين ممن تربوا على إبداعهما الحق المعنوي و التاريخي في التعبير عن الإحتجاج و الأسف إزاء ما نراه تعديا مؤلما على نصوصهما ..
و على سبيل المثال لا الحصر .. نص ” أنا حرة ” للمبدع العظيم ” فؤاد حداد ” يحمل من خصائص الدارجة المصرية و تورياتها و أسرارها و إحالاتها ما يستعصي على المتلقي العادي في مصر فما بالك خارجها ؟! إذ لن يتبقى للمتلقي سوى ذلك الريتم الإيقاعي و تلك الحركات التي تحسبها صاحبتها رقصا أو أداء حركيا ما .. و ينسحب ذات الرأي بدرجة أو بأخرى على نصوص ” صلاح جاهين ” ..
– و فيما يخص أداء ” غالية بن علي ” لأغاني كوكب الشرق ” أم كلثوم ” فلم يكن هناك مفاجأة فلطالما انتهكت أغاني سيدة الغناء العربي من كل من هب و دب حتى أصبحت مسألة مألوفة رغم إيلامها .. ، لكن لابد من التأكيد على أن الأداء العجيب العبثي  ” لغالية بن علي ” في رائعة ” حانت الأقدار ” الذي لا علاقة له بتذوق الكلمات أو اللحن كان أكثر تعديا من مفاحشة شخصية ” اللمبي ” لأغنيات ” أم كلثوم ” عند أدائه لها..
و كان أداء ” غالية ” ل رائعة ” الهادي جويني ” ” لاموني اللي غاروا مني ” هو الأسوأ منذ سمعتها للمرة الأولى ..الأمر الذي يدفعني للتساؤل من جديد لماذا فقد مهرجان الحمامات سمته النوعية ، و لماذا ” غالية بن علي ” في تتويج المهرجان أو بالأحرى إختتامه ، الجمهور الذي إضطر لإنتظار الحفل لما بعد منتصف الليل بدقائق بسبب أحوال الطقس .. جمهور متعطش لفن حقيقي أفضل مما قدم له .. و مركز الحمامات و مهرجانه له مكانة و ” نو ستالجيا ” في القلوب على كافة الصعد محليا و دوليا إلخ و من ثم وجب على من يتصدى لإدارته و برمجته أن يقرأ تاريخه و يدركه و يحفظه و يحافظ عليه

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات