“الترجمان” – أشرف أبواليزيد

09:00 صباحًا الجمعة 2 نوفمبر 2018
السيد الخميسي

السيد الخميسي

شاعر وروائي ومسرحي من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
الشاعر أحمد الشهاوي يتوسط أشرف أبو اليزيد مؤلف روايةالترجمان والأديب السيد الخميسي أثناء قراءته للدراسة المنشورة

الشاعر أحمد الشهاوي يتوسط أشرف أبو اليزيد مؤلف روايةالترجمان والأديب السيد الخميسي أثناء قراءته للدراسة المنشورة

هل ” الترجمان ” رواية سيرة ذاتية ؟ .. هذا سؤال مشروع ٫ إذا عرفنا أن شخصية ” الترجمان ” في الرواية تتكلم عن مترجم ، و الكاتب أيضا يعمل في مجال الترجمة .. نقول : هي ترجمة ذاتية إذا اعترف الروائي أنها تدور عن حياته .. وحتى هذا ليس دليلا وحده … بعض النقاد يعتبر كل روايات الكاتب صدي لسيرته الذاتية ٫ قالوا هذا عن نجيب محفوظ وأبطال رواياته .. في رأيي لا توجد رواية سيرة ذاتية كاملة .. وإلا أصبحت كتابا في التاريخ ، الرواية فن ، والفن قائم على الاختيار والانتقاء والخيال بجانب عنصر الشكل الإبداعي – اللغة والصياغة الإبداعية – . 
ليست ” الترجمان ” رواية سيرة ذاتية ، ولا رواية تتكلم عن تجربة الغربة في بلاد العرب ، ولا رواية اجتماعية ، ولا سياسية ، ولا – حتى – تسجيلية ، هي كل ذلك ، في قالب – أيضا – مختلف ، كتبها صاحبها بخبرة الصحفي المثقف الشاعر …. المترجم .
إذا كان المسرح أبا للفنون يستوعب على خشبته أكثر من فن فإن الرواية هي الأم لا منازع ، ضمن ” أبو اليزيد ” نصه المحكم مقطوعات شعرية مناسبة للموقف الدرامي ، وكذلك نصوصا قصصية قصيرة ، وهو و إن كان قسم روايته إلى ثمان وعشرين لوحة – لاحظ العدد 28 التي هي عدد حروف الأبجدية – ، فإن تلك اللوحات تبدو مستقلة ومنفصلة ومعتمدة على نفسها ، إلا أنها موضوعة في زمان ومكان مناسبين للسرد الفني ، و الزمان – حتى الزمان الوجودي المعروف – أمر ملتبس فما بالك بزمان الرواية المتعدد الذي ينتقل بسلاسة .. بين الزمان الوجودي الواقعي وزمن الراوي وزمن الرواية الخاص وزمن القاريء .

ألقيت الدراسة خلال الأمسية التي أقامتها مؤسسة بتانة للرواية

ألقيت الدراسة خلال الأمسية التي أقامتها مؤسسة بتانة للرواية

اللوحات الأولى تصنع ريتمها الخاص بأسلوب الكاتب ، يبدو بطيئا في البداية للتعريف بشخصيات الرواية التي ستقابلنا مع التقدم في الأحداث ، ثم يبدأ الإيقاع في التسارع مع الدخول في صلب الرواية ، شيء يشبه لوحة ” الجورينيكا ” ل ” بيكاسو ” قطع من الفسيفساء كل قطعة تمثل لوحة مستقلة بذاتها تشكل في النهاية المشهد الكبير الإجمالي للوحة الخالدة .
كل الروايات التي تناولت تغريبة المصري في بلاد النفط لم تتعرض للبلد المضيف ، حمل المصري همومه وهموم مصر معه في أرض الغربة وانشغل بها – وحدها – وعاد بها كاملة غير منقوصة ، عاد – فقط – بكرامة منقوصة عوضها بدولارات منقوصة لها رائحة البترول ولونه الأسود ، باع بها عمره وصحته و قطعا من حياته لا تقدر بثمن ، ولا يمكن تعويضها .
يقول أبو اليزيد على لسان الراوي وأيا كان الراوي – فهو لسانه – مهما وزعه على شخصياته ، يقول : ” الكويت مدينة كوزموبوليتانية ” ، أختلف معك أيها الكاتب البارع الذي هندس لعمارته جيدا فأتى بهذه الرواية التي تعرضت لتلك التجربة المريرة في حياة المصريين في صدق وشجاعة – لم يتعرض واحد ممن كتبوا عن تغريبة المصري في بلاد النفط بتلك الجسارة التي كتب بها أشرف أبو اليزيد ، بورسعيد كانت مدينة ” كوزموبوليتانية ” ، والإسكندرية أيضا .. ” الكوزموبوليتانية ” يا صديقي الكاتب البارع مناخ حر يتيح تلاقح الحضارات مع الحضارة المضيفة – لابد للمضيف من حضارة قابلة للجدل مع الحضارات الوافدة ، وثقافة قابلة للتثاقف مع الثقافات الحديثة ، حتى تنفتح على المستقبل ، ثقافة الصحراء – إذا اعتبرنا البداوة ثقافة – ، ثقافة منغلقة على نفسها ، أنت أيضا – وعلى لسان راويك – اعترفت أن الكويت فقدت حريتها التي كانت قبل الغزو العراقي لها ، وهي الٱن ينهشها تياران رجعيان متصارعان ، واحد شيعي قادم من أرض الملالي و واحد سني قادم من صحراء العرب .
بلاد البترول تشتل الثقافة – التي تشتريها بالمال – في رمالها القاحلة .. هي بلاد لا تصلح لجدل ثقافي ” كوزموبوليتاني ” ، هي ثقافة في القشرة و” الروح جاهلية ” كما قال نزار قباني .
تعجبني الأعمال الأدبية التي عنوانها كلمة واحدة ، العنوان بوابة العمل ، هو السر والمفتاح .

أثناء الندوة

أثناء الندوة

” الترجمان ” هو بطل الرواية ، في الحقيقة هو وظيفة تقوم عليها مؤسسة ثقافية تعمل في مجال الترجمة ، و ” الترجمان ” هو الصلة بين واقع عربي جامد وبين المستقبل ، يضع الترجمان الخطط والمشاريع لمستقبل المؤسسة الثقافية ، يستخدمه المدير الكويتي ليفكر له ويخطط بديلا عنه .. فلابد أن يدير المؤسسة رجل كويتي – بوصفه صاحب المال – ، تقريبا هي الوظيفة المحترمة الوحيدة في المؤسسة ، المزدحمة بالموظفين الكوايتة والموظفين الأجانب من كل الجنسيات ، الكوايتة وظيفتهم أن يقبضوا المرتبات في نهاية كل شهر ولا شأن لهم بالعمل وما خلاهم مجرد مستخدمين – خدم – مهما كان مستواهم العلمي أو الثقافي أو كانت جنسيتهم .
” الترجمان ” شخصية تكاد تكون لا وجود لها في عالم الوجود المادي ، هي ظل مدير المؤسسة الكويتي ، أو في الحقيقة المدير الكويتي هو ظل لها .
من المفارقات المدهشة أننا لم نشاهد البطل الحقيقي – الترجمان – فهو من أول الرواية مصاب بأزمة قلبية عرفنا سببها في نهاية الرواية تقريبا ، هو مشلول تماما وغائب عن الدنيا .. ومع هذا هو حاضر في كل سطر في الرواية على لسان خليفته في الوظيفة – الترجمان الثاني – .. و موجود وحاضر أيضا في حياة حبيبته ” فوز ” السيدة الكويتية المستنيرة ، شريكة الترجمان الأول والترجمان الثاني في بطولة تلك الرواية المدهشة ، السيدة ” فوز ” نموذج للمرأة في الكويت .. نموذج أكثر تفتحا وتحضرا من الرجل الكويتي ، فهي أقل عنصرية وغرورا .. وكسلا ، ربما لأنها نموذج للظلم الواقع على المرأة العربية عموما ، بسبب تحجر أفكار الرجل العربي ، واستجابته الضعيفة لنور المدنية والحداثة الأخلاقية والمجتمعية .. واستسلامة أو بالأحرى ارتياحه لتلك الأفكار الذكورية الموروثة .
هناك مذاهب وأساليب ومناهج في كتابة الرواية : ” التداعي الحر ” ، “الواقعيةالسحرية ” – تلك التي جاءتنا من أمريكا اللاتينية ، على يد كتابها من أمثال ” ماركيز ” المدهش – ، ” الرواية العلمية ” ، ” الخيالية ” ، ” التاريخية ” ، و أيضا الرواية ” التسجيلية ” التي جاءتنا من أمريكا الشمالية ، ومن كتابها العرب صنع الله إبراهيم – روايته ” الكوكاكولا ” ، و منها بعض أعمال بهاء طاهر ” الحب في المنفى ” ، هذا المنهج أقرب إلى البحث العلمي .
قال لي أشرف أبو اليزيد : ” أنا أتجهز لروايتي جيدا وأستعد لها بمادة غزيرة أشقى في جمعها ومراجعة مادتها العلمية ” .
” الترجمان ” نموذج صارخ لفلسفة بناء الرواية .. يهتم أشرف بالتفاصيل ، كل جملة لها ما بعدها وكل شخصية لها مقدماتها التي ترهص لسلوكها ومواقفها ، استفاد الرجل من طاقته البحثية والصحفية ومن ثقافته العلمية ، في كل صفحة يتعثر القاريء في حكمة أو مثل أو أسطورة ، من الشرق أو من الغرب ، من كوريا أو الهند أو الصين وطبعا أيضا من التراث العربي الميتافيزيقي والصوفي ، أو من التراث الإنساني ، و كذلك من ترجماته في الأدب العالمي ، ويسرد من أحداث الرواية ما يتناص مع تلك الثقافات .
يختار الكاتب لفظته وصورته ولغته السليمة الراقية ، يقدم كل لوحة من لوحاته الثمانية والعشرين بجملة مكثفة ملخصة تشبه الحكمة أو المثل ، لم ينس أن يطعم روايته بجرعة جنسية مختارة بإتقان في أماكن وأحداث تستوعبها ، مع بعض الفكاهة واللغة الساخرة .
” الترجمان ” وجبة دسمة أعدها طباخ ماهر حرص على أن يكون فيها من كل شيء .
اختار الكاتب طريقة خاصة في سرد أحداث روايته .. ساق الأحداث على لسان أصحابها في الغالب أو على لسان أشخاص قريبين منهم .. مونولوج طويل تحكي فيه الشخصية عن نفسها ، شيء يشبه كرسي الاعتراف ، وأحيانا عن طريق الرسائل – رسائل ابنة الترجمان الأول محسن من كندا إلى أبيها ، ورسائل عشيقته السورية ” مادلين ” ، ومن الممكن أن يتشعب الحديث إلى شخصيات ثانوية أخرى كثيرة ، منهاالمصري وغير المصري كلهم مغامرون خرجوا وراء الذهب بذلوا دونه كرامتهم ورصيدهم الأخلاقي والإنساني ، بعض تلك الشخصيات الثانوية لا يرد ذكرها مرة أخرى في أحداث الرواية ، مثلا شخصية المترجمة السورية ” مادلين” عشيقة محسن الترجمان الأول ومضيفة ابنته ” نجمة ” في كندا ، هي فرصة للحديث عن كندا وسوريا و لبنان ، و عن وضع تلك البلدان السياسي والثقافي ، الشخصيات الأساس هي شخصية الترجمان الأول و الترجمان الثاني ، وشخصية ” فوز ” الكويتية ، وشخصية مدير المؤسسة الكويتي .. ويظل الكاتب يقفز بين الشخصيات الأساسية والثانوية في رشاقة وتخطيط مقصود تاركا للقاريء مساحة يجهد فيها نفسة للربط بين الأحداث . 

26230242_140415473315707_5592712517394865306_n
كل شخصيات الرواية بوجهين أو هي في الحقيقة تضع قناعا يخفي عواطفها الحقيقية ، يخفي شرها وقسوتها ، شخصيات في أغلبها منافقة ، كاذبة ، وشريرة ربها الدينار و كتابها الدولار ، الثنائية والتناقض هي القاسم المشترك الأعظم لكل شخصيات تلك الرواية المدهشة .
أعجبتني بشدة مقدمة الرواية وبطلها المشلول ، جديد أشرف أن بطله غير حاضر تماما إلا على ألسنة معارفه من أبطال الرواية ، أما الخاتمة فهي مبتذلة يا صديقي قتلتها سينما الحرب الهوليودية ، وكذلك السينما العربية المقتبسة من السينما الغربية ، أن يظهر الزوج المفقود في الحرب لزوجته بعد سنوات طويلة تكون جرت في النهر مياه كثيرة ، إضافة أشرف أنه ترك النهاية مفتوحة ولم يخبرنا بنتيجة مقابلة الزوج المخطوف العائد لزوجته التي لم تعد زوجته إلا في ورق الحكومة .. تحية لصديقي الكاتب الكبير على وقت ممتع ومفيد قضيته مع روايته المدهشة .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات