ها هى مقولتك قد تحققت أستاذي العزيز يوم أن قلت لى أعلم أنك ستظلين وفية لإبداعي حتى بعد رحيلي ، ولم يكن لى أن يظهر مولودى الإبداعى الجديد ” عندما يعزف القلم ” دون أن أزينه بالحديث عن إبداعك المتفرد.. وكيف لا؟! وأنت من قال عنك الناقد والمؤرخ الكبير د/صبحى الشارونى مقولة :” السيد القماش السيريالى الأول فى مصر الآن 2006″ وقمت بنشر مقدمته عنك فى بروفايل معرضك الأسطورة 2008م.
مازلت أتذكر كلماتك واعتزازك بإبداعك التشكيلي بالغ التميز وكلماتك المليئة بالثقة أنك تبدع لتبقى حتى بعد الرحيل ، واليوم أشهد بجلاء رؤيتك أستاذي المبدع الكبير” السيد صالح القماش “الذى تعلمت منه الكثير ، فما من حوار دار بيننا على مدى سنوات طويلة إلا وتعلمت منك قيمة جديدة من تجربتك العريضة فى الحياة سواء على المستوى المهني أو الإنسانى .
رحلت عن عالمنا(1951-2016م) ولكنك تركت عصرك المسحور المسكون بشخوصه المهيبة التى تحمل تفاصيل وجوهها الكثير من الدلالات والمعاني ، مازلت أراك التشكيلي الفارس الذى يمتطى زمام لوحته ، وأتذكر جيداً مراقبتك لردة فعلى وأنا أشاهد لوحات معرض أمنا الغوله الذى أقمته فى المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى مارس 2008م ، كنت مندهشة من طلتك الطفولية الكامنة فى نفسك المتوجسة المترقبة الغارقة فى تفاصيل سحر وجنون ومخاوف لوحات معرض أمنا الغوله ، وقرأت فى وجهك علامات رضا الفنان حينما يقرأ تأثير دهشة إبداعه على الأخر خاصة إذا كان هذا الأخر مغرماً بالغوص داخل عالم من فوضى السريالية المنظمة مثلى ، رحلت وتركت السؤال الكبير يثير فينا الكثير من الشجون ويعصف بعقولنا .
من هى آمنا الغوله التى خلدتها فى لوحاتك ؟هل هى تلك المرأة المجهولة التى أرادت أن تكبح جماح خيالك المحلق فى سماء الفن فتحول الفنان بداخلك إلى وحش أسطورى صور إياها فى تلك الصور النابضة المتجددة المتلونة التى ينطبق عليها قول الشاعر العربى ” المعنى فى بطن الشاعر ” ومهما كان هذا المعنى الذى فى نفس الفنان المبدع بداخلك فقد استطعت الانفلات من أسر قيدها وأصبحت هى ذاتها بقيدها وقبحها عملاً متفردا فى مسيرة رحلتك التشكيلية الكبيرة والثرية شاركت خلالها فى أكثر من (250) معرض ومسابقة قومية فى مصر والعالم بالعديد من الأعمال الفنية فى مجالات ( التصوير والرسم والكولاج والجداريات ) وحصلت على أكثر من (75) جائزة – عالمية ومحلية – وشهادات تقدير وتكريم فى الكثير من المحافل الدولية والمحلية ، وتهافت الأفراد والهيئات على اقتناء أعمالك فى مصر وبعض دول العالم ، وساهمت بأكثر من 50 بحث علمي منشور وشاركت بأكثر من 100 مقاله ودراسة فى العديد من المؤتمرات ، وأصدرت 9مؤلفات فى الفن التشكيلي وتاريخه .
كما أنك طرحت السؤال ليصرخ من بين لوحاتك .. كى يسأل كل منا نفسه هل آمنا الغوله هى تلك الأفكار الخبيثة التى تفسد علينا مجتمعاتنا وسلامنا الاجتماعي والنفسي فى زمن العولمة البغيض ؟ أم أنها إرهاصات فكرية لمبدع سوريا لى مهموم بواقعه ومستقبل العالم الآتي ، وقد اكتمل هذا الهم العام وظهر جلياً فى معرضك الأهم ” إرهاصات نهاية العالم ” الذى أقمته فى 14فبراير 2013 بقاعة صلاح طاهر فى دار الأوبرا المصرية ، والذي اخترته ليكون ضمن الأربعة عشر دراسة اللاتي ضمهم كتابي ” عندما يعزف القلم ” نظراً لنبل الفكرة وقوة الطرح وجرأتك التى وجدتها فى لوحات معرضك ” إرهاصات نهاية العالم ” الذى وجدت فيه صورة عاكسة لمشروعك الإبداعى المهم ، ففى هذا المعرض وجدتك كعادتك وكأنك تدعو الجميع دون إفصاح قائلاً : كونوا على أتم الاستعداد لأن تبحروا فى رحلة خارج إطار( الزمن الفعلي والمعقول والمعتاد ) كما سبق وأن قلت لنا بغير قول عبر حوار و صرخات الخطوط والألوان فى معرض أمنا الغوله : ” فليختر كل منكم الرمز الذى يمقته ليصبح آمنا الغوله ” .
هكذا رأيتك معلم من طراز خاص فى كل حواراتى معك ، معلم استقى خبرته من تجربته العملية والمهنية الكبيرة أما على المستوى الإنسانى يظل ما سمعته منك وهو كثير محل تقدير وإعجاب منى ويكفى فخرك الدائم بعائلتك وجذورك وتأثير حكايات جدتك لأمك عليك التى كانت تحكى لك بصوتها الجميل الذى كان يعلو وينخفض حسب سير الحكاية نفسها ، ويظل حبك وحديثك معى عن أحمد القماش ولدك الوحيد وإخوتك البنات خير مثال بالنسبة لى على أن المبدع الكبير ليس من يبدع فى حقله الإبداعى وفقط بل من يؤثر ويستحوذ على حب كل من حوله سواء ظل بينهم أو غيبه الموت ،وأنت من علمنى أن المبدع الحقيقي هو من يبدع ليبقى حتى بعد الرحيل .
القاهرة 16-1-2019م
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.