القماش .. حضور رغم الغياب

03:44 مساءً الأربعاء 16 يناير 2019
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

49845090_284581002410993_8999558787094282240_nها هى مقولتك قد تحققت أستاذي العزيز يوم أن قلت لى أعلم أنك ستظلين وفية لإبداعي حتى بعد رحيلي ، ولم يكن لى أن يظهر مولودى الإبداعى الجديد ” عندما يعزف القلم ” دون أن أزينه بالحديث عن إبداعك المتفرد.. وكيف لا؟! وأنت من قال عنك الناقد والمؤرخ الكبير د/صبحى الشارونى  مقولة :” السيد القماش السيريالى الأول فى مصر الآن 2006″ وقمت بنشر مقدمته عنك فى بروفايل معرضك الأسطورة 2008م.

مازلت أتذكر كلماتك واعتزازك بإبداعك التشكيلي بالغ التميز وكلماتك المليئة بالثقة أنك تبدع لتبقى حتى بعد الرحيل ، واليوم أشهد بجلاء رؤيتك أستاذي المبدع الكبير” السيد صالح القماش “الذى تعلمت منه الكثير ، فما من حوار دار بيننا على مدى سنوات طويلة إلا وتعلمت منك قيمة جديدة من تجربتك العريضة فى الحياة سواء على المستوى  المهني أو الإنسانى .

رحلت عن عالمنا(1951-2016م) ولكنك تركت عصرك المسحور المسكون بشخوصه المهيبة التى تحمل تفاصيل وجوهها الكثير من الدلالات والمعاني ، مازلت أراك التشكيلي الفارس الذى يمتطى زمام لوحته ، وأتذكر جيداً  مراقبتك لردة فعلى وأنا أشاهد لوحات معرض أمنا الغوله الذى أقمته فى المركز المصرى للتعاون الثقافى الدولى مارس 2008م ، كنت مندهشة من طلتك الطفولية الكامنة فى نفسك المتوجسة المترقبة الغارقة فى تفاصيل سحر وجنون ومخاوف لوحات معرض أمنا الغوله ، وقرأت فى وجهك علامات رضا الفنان حينما يقرأ تأثير دهشة إبداعه على الأخر خاصة إذا كان هذا الأخر مغرماً بالغوص داخل عالم من فوضى السريالية المنظمة مثلى ، رحلت وتركت السؤال الكبير يثير فينا الكثير من الشجون ويعصف بعقولنا .

50061748_1098713940309268_1739412019158712320_nمن هى آمنا الغوله التى خلدتها فى لوحاتك ؟هل هى تلك المرأة المجهولة التى أرادت أن تكبح جماح خيالك المحلق فى سماء الفن فتحول الفنان بداخلك إلى وحش أسطورى صور إياها فى تلك الصور النابضة المتجددة المتلونة التى ينطبق عليها قول الشاعر العربى ” المعنى فى بطن الشاعر ” ومهما كان هذا المعنى الذى فى نفس الفنان المبدع بداخلك فقد استطعت الانفلات من أسر قيدها وأصبحت هى ذاتها بقيدها وقبحها عملاً متفردا فى مسيرة رحلتك التشكيلية الكبيرة والثرية شاركت خلالها فى أكثر من (250) معرض ومسابقة قومية فى مصر والعالم بالعديد من الأعمال الفنية فى مجالات ( التصوير والرسم والكولاج والجداريات ) وحصلت على أكثر من (75) جائزة – عالمية ومحلية –  وشهادات تقدير وتكريم فى الكثير من المحافل الدولية والمحلية ، وتهافت الأفراد والهيئات على اقتناء أعمالك فى مصر وبعض دول العالم ، وساهمت بأكثر من 50 بحث علمي منشور وشاركت بأكثر من 100 مقاله ودراسة فى العديد من المؤتمرات ، وأصدرت 9مؤلفات فى الفن التشكيلي وتاريخه .

كما أنك طرحت السؤال ليصرخ من بين لوحاتك .. كى يسأل كل منا نفسه هل آمنا الغوله هى تلك الأفكار الخبيثة التى تفسد علينا مجتمعاتنا وسلامنا الاجتماعي والنفسي فى زمن العولمة البغيض ؟ أم أنها إرهاصات فكرية لمبدع سوريا لى مهموم بواقعه ومستقبل العالم الآتي ، وقد اكتمل هذا الهم العام وظهر جلياً فى معرضك الأهم ” إرهاصات نهاية العالم ” الذى أقمته فى 14فبراير 2013 بقاعة صلاح طاهر فى دار الأوبرا المصرية ، والذي اخترته ليكون ضمن الأربعة عشر دراسة اللاتي ضمهم كتابي ” عندما يعزف القلم ” نظراً لنبل الفكرة وقوة الطرح وجرأتك التى وجدتها فى لوحات معرضك ” إرهاصات نهاية العالم ” الذى وجدت فيه صورة عاكسة لمشروعك الإبداعى المهم ، ففى هذا المعرض وجدتك كعادتك وكأنك تدعو الجميع دون إفصاح  قائلاً : كونوا على أتم الاستعداد لأن تبحروا فى رحلة خارج إطار( الزمن الفعلي والمعقول والمعتاد ) كما سبق وأن قلت لنا بغير قول عبر حوار و صرخات الخطوط والألوان فى معرض أمنا الغوله : ” فليختر كل منكم الرمز الذى يمقته ليصبح آمنا الغوله ” .

  • كنت ولاتزال بالنسبة لى النموذج الأروع للإنسان البسيط المجد المثابر الذى بدء الصعود لرحلة النجومية الإبداعية وآتى من مدينة طنطا ليصبح سفيراً للفن المصرى الراقى ولا يمكن أنسى تفاصيل حوارك معى فى أحد حواراتى الصحفية معك فى فبراير 1996م وأنت تحدثني بلهجة الممتن لنعم الله عليه بأن رحلتك لم تكن أبداً مفروشة بالورود وإنما اعتمدت على روح الإصرار والتحدي .وكيف أنك كنت تلميذ بالغ التميز فى مادة الرسم ،  وكيف حصلت فى الدبلوم على المركز الأول على الجمهورية فى العملي بنسبة 71% ، وكيف حالت 7 درجات من دخولك كلية الفنون التطبيقية التى كنت تعشقها ولكنك التحقت بالعمل فى ” مدرسة الأشغال العسكرية بالعباسية ” وبعد رحلة كفاح طويلة تم تعينك فى الشركة الهندسية بالعباسية بعد حصولك على المركز الأول   من بين المتقدمين ، وصدر قرار تعيينك وأنت مازلت ترسم فى الامتحان نظراً لتفوقك الملحوظ ، وظللت تعمل فى الشركة وأنت تدرس للثانوية العامة ثم كلية الفنون الجميلة .
  • أتذكر جيداً حرصك على أن تكون نفسك لا غيرك وخوفك بعد أن قال لك أستاذك حامد ندا بأنك تشبه المدهش عبد الهادي الجزار فى أعمالك ، وفتحت كتاب الجزار فى مكتبة الكلية ووجدت نفسك فيه فأغلقته ولم ترجع إليه خشية أن يطغى على أسلوبك الفني ، فكان درس العمر لى أنا أيضاً .
  • مازلت أذكر حواراتنا وحديثك معى عن مفهومك عن السريالية وقولك :” لابد أن يمتلك الفنان السوريالى القدرة على الرسم ، فالسوريالية ليست هى الشخبطة واللخبطة بل تعتمد فى الأساس على قدرة الفنان على الرسم ولابد من ثقافة الفنان والقراءة فى كل ما يتعلق بالأسطورة والخيال وهى ما تعود الفنان على الحلم والخيال ، وبصفة خاصة السريالية هى وضع عناصر تشكيلية مرسومة بدقة متناهية فى أماكن غير واقعية فى العمل الفني بأشكال وأحجام وصفات جديدة تضاف للعناصر مما يجعل المتلقى أو المشاهد يستشعر أنه أمام حياة حقيقة .. وأضفت أن ما وراء الطبيعة هو السريالية بعينها ” .

هكذا رأيتك معلم من طراز خاص فى كل حواراتى معك ،  معلم استقى خبرته من تجربته العملية والمهنية الكبيرة أما على المستوى الإنسانى يظل ما سمعته منك وهو كثير محل تقدير وإعجاب منى ويكفى فخرك الدائم بعائلتك وجذورك  وتأثير حكايات  جدتك لأمك عليك التى كانت تحكى لك بصوتها الجميل الذى كان يعلو وينخفض حسب سير الحكاية نفسها ، ويظل حبك وحديثك معى عن أحمد القماش ولدك الوحيد وإخوتك البنات خير مثال بالنسبة لى على أن المبدع الكبير ليس من يبدع فى حقله الإبداعى وفقط  بل من يؤثر ويستحوذ على حب كل من حوله سواء ظل بينهم أو غيبه الموت ،وأنت من علمنى أن المبدع الحقيقي هو من يبدع ليبقى حتى بعد الرحيل .

القاهرة 16-1-2019م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات