رشا ـ وازن ـ الصايغ … حرب البوكر العربية!

10:31 صباحًا الأحد 5 مايو 2019
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

هدأت إلا قليلا فورة ردود الأفعال على نازلة الجائزة العالمية للرواية العربية، المشهور اسمها بين الخواص والعوام بأنها (البوكر)، والتي شهدت أرض الإمارات واقعتها، لكن السماوات العربية استقبلت أجنحة الغضب بين المشرق والمغرب العربيين. ومثل زلزال ستظل توابعه تهز الحجر والبشر، يبدأ المعنيون بحثهم عن حل وأمل لمن أراد إصلاحا، مثلما سيجد آخرون متنفسا في وصم الجائزة وشقيقاتها بالنقص بما أنها صورة من المجتمع الذي تشوهت على نحو كبير ملامح كثيرة فيه، كانت بمثابة الثوابت والتقاليد وما شابه من الأخلاقيات المرتبطة بالجود والكرم (العربيين) والشهامة والنبل (الفروسيين)، وقد رأيتُ أن ألقي نظرة سريعة على ما حدث.

لحظة إعلان الفوز ... رسميا

لحظة إعلان الفوز … رسميا

نحن ندرك قيمة القوى الناعمة في تشكيل الهويات، وغرس القيم، وتكريس الأفكار،  وربما تحويل ما هو ثقافي إلى صناعة قائمة بذاتها، ترفد الثقافة وآثارها بمظاهر القوة، لذا لم يكن غريبا على المراقب أن يرى كيف أراد الخليج العربي بمؤسساته الثقافية وبرعاية دوله، أن يخرج من عباءة المراكز الثقافية التقليدية، وألا يكون تابعا لمنتجه، بل منتجا لما يمثله، وهو أمر لم يكن باليسير، إلا إذا أحاطته رعاية حكومية، أميرية أو ملكية أو سلطانية، تؤمن بجدواه، وترسم بحرص مساراته وتصححها متى وجدت إلى ذلك سبيلا.

مبكرا، كانت هناك مدرستان بين دول الخليج العربية، الكويت والسعودية؛ وهما اللتان وجدتا في عديد الملامح ما يصلح بأن تؤسس لها كيانا قائما، عبر مسارين: النشر الثقافي، والجوائز الثقافية، لذا بكرت دولة الكويت، والمملكة العربية السعودية بوضع خرائط رائدة، بغض النظر عن تباين المحتوى، لكن المقصد كان واحدا: إنشاء مركز خارج المركز، لذا لا ينكر أحد نجاح الكويت في أن تدخل مجلتها (العربي) ومطبوعاتها الفكرية (من المسرح العالمي) و(الثقافة العالمية) و(عالم الفكر) بيت كل عربي مهتم بالثقافة، وإن استعانت بكوادر من خارج الدولة، لتأسيس ونضج التجربة، واستكمالا انتبهت أسماء كويتية مرموقة وفاعلة ثقافيا إلى أهمية الجوائز فأنشأت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح جوائزها المختلفة التي توجهت بها إلى شباب الإبداع العربي في كل حقوله. ومثلها أنشأ الشاعر عبد العزيز سعود البابطين جائزة للشعر الكلاسيكي، وهناك جوائز رسمية تخطى مقصدها مواطني الكويت إلى العلماء العرب، مثل جوائز مؤسسة الكويت للتقدم العلمي  التي تُعنى بالعلوم الطبيعية والأبحاث، وفاز بها كثير من المبدعين العرب البارزين.

وفي السعودية، لا يفوت متابع اسم (جائزة الملك فيصل العالمية) التي أنشئت عام 1977، وهي تمنح للعلماء والكتاب الذين قدموا اسهامات متميزة في مجالات الاسلام، والدراسات الاسلامية، والأدب العربي، والطب، والعلوم، وقد منحت الجائزة أول مرة عام 1979.  وبالإضافة إلى مجلة (الفيصل) الكلاسيكية البداية، نشأت مجلات أخرى، بل ومطبوعات متخصصة بالأندية الثقافية لا تقل جودة في محتواها عن دوريات ترعاها مؤسسات كبرى، فترجمت ودعمت النشر الإبداعي، رغم انخفاض سقف الحرية؛ آنذاك.

ثم جاءت دولة الإمارات العربية المتحدة لتقدم مجموعة من الجوائز الأدبية الكبرى بقيمة مادية وفكرية فارقة، كجائزة سلطان العويس الثقافية، التي تأسست عام 1987 وهي تمنح مرة كل سنتين عن مجمل نتاج المبدع في مجالات الشعر، والقصة، والرواية، والمسرحية، والدراسات الأدبية والنقدية وكذلك العلوم الإنسانية، وبعد حوالي العقد أنشئت جائزة الشارقة للابداع العربي (1996)، وهي موجهة الى الشباب العربي حتى سن الأربعين في ميادين أدبية ستة هي: القصة القصيرة، والرواية، والشعر، وأدب الأطفال، والمسرح، والنقد. وبعد عقدين جاءت جائزة الشيخ زايد للكتاب وهي جائزة أدبية إماراتية تُقدم سنويا منذ 2007 وترعاها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وتُمنح للمبدعين من المفكرين والناشرين والشباب عن مساهماتهم في مجالات التأليف والترجمة في العلوم الإنسانية، التي لها أثر واضح في إثراء الحياة الثقافية والأدبية والاجتماعية وذلك وفق معايير علمية وموضوعية، ولاحقا سنقرأ في الإمارات وجاراتها عن جوائز عربية خليجية أخرى تتنافس ماديا، لكنها تنهج المدرسة ذاتها؛ تلمس طريق يضع الدولة المؤسسة على خريطة القوى الثقافية الناعمة المؤثرة خارج محيطها الإقليمي.

  • لم كل هذه المقدمة التقريرية الرتيبة بعد عنوان قد يكون مثيرًا؟

 

  • لأن هذه الطريق محفوفة دائما بمخاطر، كما أن طريق الهلاك مفروشة بالنوايا الطيبات، فكان ولا بد وأن تتصاعد حروب صغيرة وكبيرة، حقيقية ومفتعلة، واقعية ووهمية حول ذلك المسار.

 

بداية لم أقدم عملا روائيا إلى (البوكر العربية) ليقال إنني أسعى للإنتقام، فهذا ليس هدف المقال، ولا الحقائق المعروضة، ولا المداخلات المتنوعة.

ثانيا، إنني أتحدث كصحافي، لأن الروائي يعرف أن دوره ليس بانتقاد الجوائز، ولكن الصحافي يعرف أن النبش عن الحقيقة هو دوره الأهم.

لذلك سأتجنب ما عرفته من أصدقاء وصديقات لأنه جاء همسا خافيا في ظلال الإنبوكس الفيسبوكي، وسألجأ إلى المنشور علانية، فقد تناثرت قصص في سنوات سابقات عن جوائز كثيرة، ولكن لأن (البوكر العربية) تأخذ أهميتها من ظلال البوكر الأم، وتكرس للمبيعات والترجمات فضلا عن الجائزة النقدية، فقد كان وجود مأخذ عليها هو جزء من الاعتراف بأهميتها، وإلا فما سعي المئات كل عام للنيل منها أو نيلها، وفيهم من كان ينتقدها، كما حدث هذا العام؟

سأحيلكم بداية إلى المقال الأول الذي فجر الحرب الأخيرة، وكتبه الشاعر عبده وازن الصحافي اللبناني المرموق، في جريدة (الإندبندنت العربية):

وازنفازت الروائية اللبنانية هدى بركات بجائزة البوكر العربية عن روايتها “بريد الليل” (دارالآداب)… هذا الخبر سيعلن عند الساعة السابعة من مساء اليوم في ابوظبي خلال احتفال تقيمه إدارة الجائزة. وكان  الخبر بلغ “اندبندنت عربية” قبل ساعات ، عبر “تسريبة” سرية قد يكون وراءها دار نشر عربية استُبعدت الرواية التي رشحتها،  ومرجعها كما قيل، عضو في لجنة التحكيم هو (أوهي) على صداقة بالإسم المرشح الذي وصل الى القائمة القصيرة. وعلمت “اندبندنت عربية” أن الإجتماع  الأخير للجنة التحكيم أمس كان شبه عاصف وشهد سجالاً امتد ساعات وانتهى إلى التصويت.

أما المفاجأة التي حمتلها الجائزة فتتمثل في فوز كاتبة كانت أصلا رفضت الترشح، واعتذرت من الدار التي تنشر أعمالها، لكنّ لجنة التحكيم هي التي طلبت ترشيحها أو رشحتها بعد استئذان دار الآداب التي اقنعت هدى بركات بضرورة الترشح. وبحسب نظام الجائزة يحق للجنة التحكيم، إذا ما وجدت نقصاً أو ضعفاً في القائمة، أن ترشح رواية غير مرشحة، شرط أن توافق الدار وصاحب الرواية. وما كان حفز بركات إلى رفض الترشح  ليس التبجح او التكبر، بل هو عدم وصول روايتها إلى القائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد للإبداع الادبي هذه السنة، وفي ظنها أن الحظ  لن يواتيها في البوكر. ولكن حصل ما لم يكن متوقعاً، ليس لأن الرواية لا تستحق الفوز، بل لأن الكثيرين اعتبروها رواية قصيرة حتى لتكاد تكون أاقرب الى “النوفيلا” او القصة الطويلة، على خلاف الروايات الدسمة التي تترشح عادة إلى “البوكر”.

خطفت بركات الجائزة ويمكن وصف هذا الفوز ب”الإنتقام” فهي لم تصل إلا مرة واحدة الى اللائحة الطويلة للبوكر العربية عبر روايتها “ملكوت هذه الارض” العام 2013، بينما بلغت القائمة القصيرة لجائزة “مان بوكر العالمية” للعام 2015 التي كانت تمنح آنذاك مرة كل سنتين عن مجمل أعمال الكاتب- الكاتبة وهي من الجوائز المهمة جداً عالمياً ، وفازت أيضا العام 2000 بجائزة نجيب محفوظ عن روايتها “حارث المياه” وبجائزة سلطان العويس العام 2018… اما لجنة تحكيم البوكر فتألفت هذه السنة من: شرف الدين ماجدولين (رئيس اللجنة)، أكاديمي وناقد مغربي متخصص في السرديات والدراسات المقارنة، وفوزية أبو خالد، شاعرة وباحثة سعودية في القضايا الاجتماعية والسياسية، زليخة أبوريشة، شاعرة وناشطة أردنية في قضايا المرأة وحقوق الإنسان، لطيف زيتوني، أكاديمي وناقد لبناني متخصص في السرديات وتشانغ هونغ يي، أكاديمية ومترجمة وباحثة صينية. وكان على هذه اللجنة أن تتناقش وتتجادل وتختلف ثم تتفق على اسم هدى بركات بالتصويت.

 أما الأسماء الأخرى في اللائحة القصيرة التي تنافست على الجائزة الأاولى فهي: الأردنية كفى الزعبي (شمس بيضاء باردة)، السورية شهلا العجيلي (صيف مع العدو)، المصري عادل عصمت (الوصايا)، العراقية إنعام كجه جي (النبيذة)، المغربي محمد المعزوز (بأي ذنب رحلت؟). وبررت اللجنة فوز بركات معتبرة  “أن رواية “بريد الليل” رواية حول بشر هاربين من مصائرهم، وقد اصبح الصمت والعزلة والكآبة والاضطراب كونهم الجديد، وهى رواية إنسانية ذكية الحبكة توازن بين جدة التكنيك وجمال الأسلوب وراهنية الموضوع الذى تعالجه”.

 اللافت في رواية “بريد الليل” أن صاحبتها اعتمدت تقنية المراسلة أو كتابة الرسائل  لتسرد حكايات أصحاب هذه الرسائل، وهم شبه مجهولين، كتبوها من دون أن يرسلوها فضاعت، لا سيما بعد عدم مجيء ساعي البريد الذي تمتدحه الروائية وتتحسر على زمانه . الرسائل شاءتها الكاتبة خمساً، بينما تتوزع الرواية على ثلاثة فصول هي: خلف النافذة، في المطار، موت البوسطجي. والعناوين هذه تتداخل رمزياً لترسخ معاناة الأشخاص الذين يكتبون الرسائل والاشخاص الذين تتوجه الرسائل اليهم وهم لن يتلقوها، فتظل مجرد رسائل تروي مآسي شخصية وجماعية. في الرسالة الأولى يكتب رجل إلى حبيبته المفترضة، معترفاً أنه يكتب الرسالة الأاولى في حياته والوحيدة. يروي لها كيف قُبض عليه وعُذب وقُمع وكيف راح يعمل في خدمة عسكري حتى أصبح رجلا قاسيا يقمع الاخرين. في الرسالة الثانية سيدة في فندق تكتب رسالة إلى رجل تنتظر قدومه مع أنها تعلم أنه لن يأتي. في الرسالة الثالثة شاب يكتب الى أمه محاولا إقناعها ببراءته وبأنه لم يرتكب جريمة قتل. وهكذا دواليك…

 هدى بركات من مواليد بيروت العام 1952. عملت في التدريس والصحافة وتعيش حالياً في باريس. أصدرت ست روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية بالإضافة إلى كتاب يوميات. وشاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية. ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات. منحتها الدولة الفرنسية وسامين رفيعين. من أعمالها الروائية: “حجر الضحك” (1990)، “أهل الهوى” (1993)، “حارث المياه” (2000) ، “سيدي وحبيبي” (2004) ، “ملكوت هذه الأرض” (2012).”

(نهاية مقال عبده وازن)

ومن المصادفات أنني عرفت عن قرب جُل الشخصيات المرموقة التي قامت بالتحكيم هذا العام، فالدكتور شرف الدين ماجدولين (رئيس اللجنة)، وهو الأكاديمي والناقد المغربي وأستاذ السرديات والدراسات المقارنة، يكتب المقال الأسبوعي الأدبي النقدي الفارق في جريدة (العرب) اللندنية، كنت التقيته قبل سنوات في مدينة شفشاون  الساحرة، ونشأت صداقة احترام متبادل، تواصلت عبر الفضاء الرقمي. أما عضو لجنة التحكيم الدكتور لطيف زيتوني، فهو الأكاديمي والناقد اللبناني وكان من الأقلام المميزة في مجلة (العربي) حيث عملت أكثر من 13 عامًا، وأخيرا الدكتورة زاهرة، أو تشانغ هونغ يي، فهي أكاديمية ومترجمة وباحثة صينية، وكانت ضيفتي في برنامج (الآخر)، حينما كانت عميدة كلية اللغة العربية في جامعة بكين، وعضوا في مجلس المدينة، وقد تراسلنا لاحقا في شؤون ثقافية … وكنت أحدث نفسي أنني لو كنت قدمت رواية لي هذا العام، وفازت، لنبش الصحافيون “السباقون” عن هذه المعارف والروابط، وأنشأوا العلاقات والأسباب، رغم أن اللجان يعلن عنها لاحقا لا سابقا، ولكنها الجوائز وسيرتها الشائكة!

المهم أننا بعد مقال وازن، سنقرأ تقريرا صحافيا كتبه بلال رمضان في (اليوم السابع) من قلب الحدث:

“كشفت الكاتبة اللبنانية الكبيرة هدى بركات، والتى فازت روايتها “بريد الليل” بالجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر 2019، قبل موعد الحفل بساعات، والذى أقيم مساء اليوم، فى العاصمة الإماراتية، أبوظبى. وأشارت هدى بركات، “67 عاما ” إلى الناشرة حينما طلبت منها كتابة كلمة سوف تقوم بإلقائها عقب إعلان فوزها بالجائزة، علقت على طلبها هذا بقولها: إننى لا أستطيع، لأنهم إن لم يختارونى للفوز سأصاب بحزن وخيبة أمل كبيرة، ولذلك فأنا لم أقم بتحضير كلمة. وأضافت هدى بركات: إنها سعيدة بهذه الجائزة، وبأى جائزة تحصل عليها لأنها تكتب باللغة العربية، فهو ربما يعادل ما قد يقدمه العالم إلىّ من جوائز، فى مقابل جائزة مثل جائزة البوكر العربية، وهو ما يدفعنى لأن أشكر دائرة أبوظبى للثقافة والسياحة. وتابعت هدى بركات: لقد قرأت جميع الروايات التى وصلت إلى القائمة القصيرة، وبالفعل هى تستحق، وهذه الجائزة تتسبب فى حراك كبير، وفى الحقيقة أريد أن أشدد على شكر لجنة التحكيم، فأنا كما هو معروف كنت قد رفضت ترشيح رواية “بريد الليل” إلى جائزة البوكر، إلا أن دار الآداب للنشر طلبت منى أن أرشحها فقلت: “كلا أنا زعلانة منهم.. لأننى فى عام 2013 كنت قد ترشحت للجائزة عن رواية “ملكوت هذه الأرض”، ولم تصل إلى القائمة القصيرة”. واستكملت هدى بركات: وحين التقيت فى عام 2015، بالمترجم جوناثان تيلر، فى لندن، وسألنى: ما هو رأيك فى الجائزة العالمية للرواية العربية البوكر، فقلت له: ليست جميلة، لأنها رأت أننى لا أستحق أن أرقى إلى القائمة القصيرة. وأشارت هدى بركات: لقد سبق وأن قلت للناشرة، أننى كبرت على الامتحانات، ولن أتقدم إلى هذه المسابقة من جديد، ولهذا، فأنا أشكر الجائزة مرة ثانية وثالثة، حيث طلبت ترشيح الرواية، وكان لنا هذه المرة أمل فى أن تشق هذه الرواية طريقها.”  

كان  لمقال وازن، قوة دافعة لنشوب حرب كلامية يكون أطرافها كثيرون، لعلي أبرز أحد أهم التعليقات التي دشنت حرب ردود الأفعال، وهو هنا المقال الثاني في مجموعة مقالات هذا الرصد، وكتبه الشاعر والكاتب الإماراتي حبيب الصايغ، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات؛ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي كتب مقالة تناقلتها أكثر من وسيلة إعلامية ورقية ورقمية، هذا هو نصها:

الصايغ“من المقالات ما تكتبه حراً ولكن مضطراً؛ لأن السكوت في هذه الحالة غير ملائم، لكن وجب التأكيد في الاستهلال على أنني وعذراً عن استخدام صيغة المتكلم التي لا أحبها وأستخدمها اليوم للضرورة الفنية والموضوعية لا أكتب هذا اليوم من كوني أشغل أي موقع ثقافي وإعلامي. أعبر اليوم عن رأي شخصي خالص، من موقع المواطن والكاتب الإماراتي الحريص على اسم بلده واسم المؤسسة الثقافية الوطنية في بلاده.

الكلام عن الجائزة العالمية للرواية العالمية «البوكر» في نسخة 2019، التي أقيم حفل إعلان نتائجها مساء يوم الثلاثاء الماضي، وفازت بها الكاتبة اللبنانية هدى بركات، وهي التي ترعاها وتدعمها، وبصريح العبارة، تموّلها بلادي دولة الإمارات العربية المتحدة عبر دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي.

(البوكر) بذلك أضافت عبر السنوات الكثير المفيد الممتع إلى المشهد الثقافي في الإمارات والوطن العربي، ولذلك يجب أن نسهم جميعاً في مدها بأسباب القوة، وعدم الإسهام بأي شكل من الأشكال في تشويهها والنيل من سمعتها، وهو ما حدث هذا العام، للأسف الشديد، بسبب تصرفات غريبة من أطراف عدة، أولها الصديق الناقد والصحفي الثقافي عبده وازن. أقول الصديق وأنا أعني ذلك. تربط بين الرجل وعدد من كتاب وإعلاميي الإمارات أواصر صداقة منذ زمن بعيد، ولقد أسعدني قبل ذلك بدراسات نقدية جادة لبعض إنتاجي الشعري، لكن هذا شيء وما نحن بصدده الآن شيء آخر.

وصلت عبده وازن “تسريبة” كما سماها هو، مؤداها أن الروائية اللبنانية هدى بركات فازت بجائزة (البوكر) هذا العام، مشيراً في مقال غريب كتبه ونشره في يوم إعلان النتيجة، وأكد فيه فوز المذكورة، إلى أنها كانت “زعلانة” على الجائزة من قبل، ثم طلبت منها لجنة التحكيم الترشح بعد ما رفضت أو تمنعت.

عبده وازن يدرج هذا الفعل في “السبق الصحفي”، وقال البعض إنه في النهاية صحفي ومن حقه، وأشادت الأبواق الصحفية القطرية بهذا العمل “الاحترافي”، فهل يعد ما قام به وازن سبقاً صحفياً؟

طبعاً لا. السبق الصحفي له شروطه، وفي مقدمتها أن هناك سباقاً حتى يتحقق السبق؛ أي أن يسعى الزملاء الصحفيون لخبر أو معلومة ثم يسبق عبده وازن أو غيره، وواقع الحال أن أحداً من عشرات الصحفيين الإماراتيين والعرب الحاضرين والمتابعين لم يسع إلى ذلك، وأقصى سعي هؤلاء الصحفيين الشرفاء أن يحضر حفل إعلان النتائج فيبث النتيجة أولاً قبل غيره ثم «يتفنن» في التعليقات ونحوها.

هذا هو المعقول والمتوقع وعبده وازن يعرف ذلك جيداً. إنه لم يحصل على سبق صحفي بقدر ما نشر أو أشاع «سراً» أو «شبه سر»، هو يعلم أنه سيعلن بعد ساعات في حفل سنوي يحضره أهل القائمة القصيرة، وتعرض أفلام قصيرة عن تجربة كل واحد منهم، وهذا الحفل مكلف مادياً، بطبيعة الحال، لدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي. أبعد من ذلك، فما قام به وازن، هو عمل مجرّم قانوناً في الإمارات؛ لأنه أضر بمصالح الدائرة الوصية والجائزة وأمانتها العامة ولجنة تحكيمها.

نعم العمل المجرّم الأول هو من سرب الخبر سواء كان عضو لجنة تحكيم أو موظفاً، وعبده وازن يعرفه جيداً، والأمل رفع دعوى قانونية عاجلة على من نشر وهو يعلم الآثار السلبية المتوقعة لسلوكه الغريب. ليس سبقاً صحفياً؛ بل هو التعدي السافر الصريح على حرية الصحافة وعلى أخلاقيات المهنة الصحفية المحترمة.

في كلمتها الغريبة، عبرت بركات، في لغة مرفوضة، عن ترفعها على الجائزة، وأنها كانت «زعلانة» على الجائزة؛ لأنها لم تصل إلى القائمة القصيرة في العام 2013، وأنها ترددت عندما طلبت منها لجنة التحكيم الترشح لنسخة هذا العام؛ لأنها ستكون حزينة و«تزعل» «إذا ما اختاروني»، فهل يعقل؟

وقيل: إن نظام الجائزة يسمح بأن تطلب لجنة التحكيم مرشحاً جديداً إذا وجدت في الروايات التي بين يديها ضعفاً، ما يوجب في التقدير السوي مراجعة وإلغاء هذا البند، بعد تجربة «البوكر» هذا العام، حيث يرى البعض الكثير أن «بريد الليل» ليست الرواية الأهم أو الأقوى بين الروايات المرشحة، ثم إن اعتبار خمس روايات وصلت إلى القائمة القصيرة ضعيفة لتُعزز برواية سادسة تطلبها ثم تختارها لجنة التحكيم يشي بشيء قليل أو كثير من الإقصاء والتحيز المسبقين، كما ينبئ عن تناقض في خطاب وعمل لجنة التحكيم نفسها.

ليس تشكيكاً في لجنة التحكيم المحترمة، لكنها أسئلة الملابسات والمستجدات. أضف إلى ذلك، أن المأمول مطالبة لجنة التحكيم بما أطالب به ومعي كثيرون. لا بد من التحقيق حتى لا يؤخذ الكل في نظر الرأي العام على الأقل بجريرة البعض، سواء تمثل ذلك البعض في عضو أو أكثر من اللجنة، أو موظف من خارجها. الشفافية هنا غاية ملحة.

وقيل: إن الروائية والإعلامية العراقية إنعام كجه جي، التي وصلت هذا العام إلى القائمة القصيرة للمرة الثالثة، اعتذرت عن عدم حضور حفل إعلان النتائج وبقيت في غرفتها بالفندق. أقول معها حق، مكرراً إدانة عبده وازن؛ إذ كيف تحضر حفلاً حوّله المذكور، سعياً وراء «سبق صحفي مزيف» إلى تمثيلية؟

غير ذلك، بعيداً عن حفل «البوكر»، قريباً منه، اكتشفنا مدونات كانت كتبتها ونشرتها المرشحة في القائمة القصيرة في «بوكر هذا العام» كفى الزعبي، فهي ببساطة شديدة تربط بين الخليجيين والصهاينة، مؤكدة أن الخليجيين لا يمتلكون إرثاً حضارياً، وأنهم الأعداء الحقيقيون للعرب.

كلام الزعبي البسيط والتافه والفج لا يستحق الرد، لكن تنبيه القائمين على الجوائز واجب. هل تُدرس النصوص وحدها دون سِيَر وشخصيات المتقدمين. ألم نتعلم من التجربة وفي المنطقة المعتمة من الذاكرة أمثال سعدي يوسف والشبرمي؟

(نهاية مقال حبيب الصايغ)

المقال الثالث، والأخير، في حرب البوكر العربية، أستحضره لقلم نادر؛ الروائية والناشرة رشا الأمير، التي كتبت في (دَرَج) تعليقا على كل ما حدث، خاصة وأنها طرف في المعركة لأن رواية الكاتبة أنعام قجه جي هي التي أُقصيت لصالح “بريد الليل”:

rasha“لا أجزمُ أنّ «النبيذة»، رواية إنعام كجه جي، كانت الأجدر والأوْلى والأحق بأن تنال «الجائزة العالمية للرواية العربية»/بوكر 2019، وإنما أجزم، مع محبّتي الشخصيَّة لهدى بركات الفائزةِ بها عن روايتها «بريد الليل»، أنَّ الملابساتِ التي أحاطت بنيلها إيّاها لن تجعلَ منها، من الجائزة، وِسامًا على صدر سيرتها الأدبية، سيرة هدى، وإنَّما سابقةً يُستشهد بها كُلَّما أُريدَ الاستشهادُ على ما يشوب «نزاهة» الجوائز الأدبيَّة في العالم العربي من شوائب، وما يُطيف بها وبمانحيها وبالفائزين بها من علامات تعجّب ومن علامات استفهام.

في الوقائع: كان الإعلانُ عن القائمة الطويلة للروايات المرشحة دخول سباق البوكر 2019 في 7 كانون الثاني (يناير) من هذا العام وقد بلغ عدد أعيانها 134، وكان الإعلان عن القائمة القصيرة في 5 شباط (فبراير) وقد بلغ عدد أعيانها ٦ روايات، أمّا الإعلان عن الرواية الفائزة فتقرر أن تُجرى مراسمه في فندق  فيرمونت باب البحر بأبو ظبي في ٢٣ نيسان (أبريل). وانتظر المنتظرون وراجت التكهّنات بشأن الرواية الأوفر حظًّا إلى أن كان 23 أبريل (نيسان) حيث استبق عبده وازن في الـ «اندبندنت العربية» إعلانَ النتائجِ الرَّسْمِيَّ، وأعْلَنَ من هذا المنبر، عازيًا معلوماته إلى «تسريبة»، ولكن بلغة الواثق من مصادره، أنَّ بوكر 2019 سوف تكون من نصيب هدى بركات وروايتها «بريد الليل»، مُعَمِّيًا على تقمصه قميصَ جوليان أسانج، وعلى ارتضائه بأن يكون «العميلَ السريَّ» الذي تُشهر «التَّسْريبة» على الملأ تحت قلمه، وتُفسد مفاجأة الإعلانِ الرَّسْمِيِّ، ومُعَمِّيًا لربما على ما كان له من يَدٍ في عدد من المحطات التي أفضت بالجائزة إلى من أفضت إليها، بالإشارة إلى  «أن الإجتماع الأخير للجنة التحكيم كان شبه عاصف، وشهد سجالًا امتد ساعات وانتهى إلى التصويت”.

لا بأس لربما من أن أضيف إلى الوقائع باعتباري كنت شاهدة عليها بوصفي ناشرة «النبيذة»، رواية إنعام كجه جي، أن «تَسْريبَة» أسانج العرب استدعت تَواصلًا فوريًّا مع أوْلياءِ أمْرِ الجائزة، وعلى رأسهم الأستاذ ياسر سليمان رئيس مجلس الأمناء، وطلبًا ملحًّا بأنْ يبادروا إلى التحقيق في الأمر، وبأن يُرْفقوا التحقيقَ بما يرونه مناسبًا من تدابير تحفظ على الجائزة ما لها من صيت وسمعة، وتحفظ على الجهات الرّاعية لها، حاليًّا «دائرة الثقافة والسياحة» في أبو ظبي،  ما لها من حق اعتباري على المولجين بإدارتها.

على ما يتوقع الواحد منا والواحدة، وعد الأستاذ سليمان بإجراء التحقيق المناسب، وببيان حيثيات ما كان من تسريب للنتائج قبل إعلانها ووو… ومع شكّنا بأنْ يكون من ذلك شيء، ومع شكنا بأن يتواضع القائمون على الجائزة فيعترفوا بأنًّ خللًا ذا أوجهٍ متعددة، ليس التسريب الذي سبق الإعلان الرسميّ إلّا حبّة المسك منه، قد شاب دورة بوكر 2019، وبأن القائمين على الجائزة ورعاتها الذين يوفّرون لها منذ إطلاقها أسباب الاستمرار المالي سوف يستدركون على ما كان ــ مع شكّنا، فهذا الذي جرى مناسبة تستحق التوقف عندها للتأمّل في ما يعنيه أن يُترجم العربُ تقليدًا ثقافِيًّا راقيًا، في مقامنا هذا الجائزة الأدبيَّة المؤَسَّسَتيَّة، دون أن يمتلكوا، حقَّ الامتلاك، أدوات هذا التقليد، بل ثقافته.

كان إنشاء بوكر العربية في عام 2007 بوصفها النسخة العربية من جائزة بوكر البريطانية. وإذ لا تحب بوكر العربية أن تعرّف نفسها بوصفها ثالثة ثلاثة بوكرات إقليمية تفرّعت عن البوكر الأم حيث سبقتها بوكر روسية وأخرى إفريقية، من المفيد التذكير بأنَّ هذه الجائزة الأدبيّة لم تؤسّس تكريمًا لذكرى شقيق مغمور شأن جائزة غونكور، ولا على يد مثر يهوى الأدب والمال مَعًا شأن جائزة العويس، (ولو أنه لا وجه شبه بين إدمون غونكور وسلطان العويس!)، ولا تفتّقت عنها عبقرية قائد مُلْهَم (من يذكر بعد «جائزة صدام حسين للعلوم والآداب والفنون»؟)، وإنما ولدت تحت نجمة تحالف ثلاثي أركانه «مؤسسة الإمارات» التي خملَ ذكرها من إذاك وورثت عنها جائزة بوكر «دائرة الثقافة والسياحة» و«مؤسسة واينفيلد» التي يركّز العديد من مشاريعها على مفهوم «الحوار الاستراتيجي» وتطبيقاته في شتى المجالات… وجائزة بوكر منها … مقولُ القول إن هذه الجائزة جزئيّة منمنمة من مشهد ثقافي واسع النطاق والطموحات تسعى دولة الإمارات إلى تكوينه في إطار سياسة عامة يعاد معها إعراب محل الإمارات من الخليج، ومن الشرق الأوسط عمومًا. بهذا المعنى، ليست بوكر العربية من شيء يُذكر متى ما نُظِرَ إليها بوصفها قطعةً من المشهد الكبير، ولكنها، بهذا المعنى نفسه، أي بوصفها قطعةً من مشهد كبير ترعاه دولةٌ قارونيَّة الثراء، مشبوبة الطموحات، شيء يُذكر ويستحق التوقف عنده وعند تفاصيله.

لكل هذه الأسباب، لملابسات الولادة (والتباسها)، كما لملاءة الجهة الراعية، أمكن لجائزة بوكر التي أطفأت عامنا هذا شمعتها الثانية عشرة لا غير، أن تُنزل نفسها من المشهد الروائي العربي منزلة من العراقة ومن المرجعية لا تنافسها فيها جائزة أخرى، وخير دليل على ذلك هدى بركات نفسها التي عادت الجائزة طيلة سنوات أشد العداء، وقالت فيها ما لم يقله مالك في الخمر إلى أن كان ما كان وكلّلتْ عامنا هذا بغارها ــ علمًا أنّ غار بوكر ليس مجد ليلة صيف عابرة، وشيكًّا دسمًا فحسب بل بوليصة تأمين للعبور على متن الترجمة إلى كثير من اللغات، وشأنية اعتبارية لا يستهان بها.

يغالط نفسه (وتغالط نفسها)، إذًا، من ينكر على جائزة بوكر ما اشتقّته لنفسها من مقام بين روائيي العربية وروائياتها ومن ثم شرعية السؤال: إلى أين تذهب هذه الجائزة التي باتت تتحكم، شئنا أم أبينا، بذائقة أدبية ما؟ وألَيْسَ الأوجب على القائمين عليها أن يحرصوا على إبقائها نموذج «ترجمة» ناجحًا، وبرسم أن يُحتذى به، لا أن يجعلوا منها شاهدًا إضافيًّا على فشلٍ تَحْذَق فيه «الثقافة العربية» من غدوات ما يُسمى بـ«عصر النهضة» إلى اليوم؟

نعم، في نيسان 2019 كنت، معيَّة إنعام كجه جي وآخرين وأخريات، في أبو ظبي لمتابعة الإعلان عن نتائج البوكر لهذه السنة ورأيت، شأني شأن سواي، «مُنْكَرًا» يتسلسل فصولًا ــ علمًا أنَّ المُنْكَرَ ذاك لا يحتاج للتحقق منه إلى المشاهدة العيانية وأنني إذ أحيلُ إلى ما رأيت بنفسي فمن باب التأكيد والتوكيد على أن الأمْرَ ليس مجرد انطباع أو استتنتاج… ما العمل بين يدي هذا المُنْكَر فلا يتكرّر ويتحول إلى عُرف وسُنّة، ويخرج نعت جائزة بوكر «العربية» من كونه مجرد وصف لها إلى كونه سُبّة لها وشتيمة وداعية إلى الإزدراء بها؟ لا أدّعي أنَّ العمل لإصلاح هذا المُنْكَرِ بالأمر السهل أو اليسير ــ ولا سيما أنَّهُ يقتضي الاعتراف من الأمناء على الجائزة، أوَّلًا، بما كان من خلل، ويقتضي منهم، ثانِيًا، البناء على ذلك الاعترافِ بالخلل والسعي إلى التَّصْويب. فهل يبادر الأمناء على بوكر، مثلًا، إلى الإعلان رسميًّا عن إجراء تحقيق داخلي لكشف مصدر «التسريبة» التي أعلنت النتيجة قبل إعلانها ــ وهذا في الحقيقة أضعف الإيمان… بل هل يبادرون إلى الإعلان بأن جائزة 2019 لم تمنح إلى هدى بركات عن روايتها «بريد الليل» التي استدخلت إلى المنافسة بقرار همايوني وإنما عن مجمل أعمالها؟ ــ وأعمال بركات جديرة، بلا أدنى شك بالتكريم وبالحمل على الراحات…  

قد يستكبر البعضُ هذا الاقتراح ويروا فيه شيئًا أدنى إلى طَلَبِ المُحال وما لا يُستطاع… ولهؤلاء نقول: ليس بكثير على جائزة أدبيَّة أُريد لها أصلًا أنْ تكونَ أكثر من جائزة أدبيَّة أنْ تقسوَ على نفسها دفاعًا عن نفسها، وإلّا… فأهلًا ببوكر في متحف الإدعاءاتِ العربية وسهلًا…”

(نهاية مقال رشا الأمير)

بعد المقالات الأساس في حرب البوكر العربية، لا شك أن المتناولين السابقين للشأن البوكري فتشوا في أدراجهم، ومنهم من وجد أنه كتب عن الرواية ذاتها بأنها لا تستحق، ومنهم من تأكدت له شكوكه الماضية حول سيرة الجائزة التي تتحكم بها حفنة من دور النشر، وما إن يضع الباحث مفردته على جوجل حتى يجد أن البوكر العربية أعطت للكواليس أكثر ما في المتون، وبقي أنها حرب وجود!

ولكن من يصلح من شأن البوكر وقد مسها ما يمس كل الجوائز، حتى نوبل للأدب التي لم تمنح   العام 2018، بعد حجبها في أعقاب ادعاءات بارتكاب زوج عضوة في الأكاديمية لإساءات جنسية. وقد جادل بعض أعضاء الأكاديمية بأن الجائزة يجب أن تستمر لحماية التقاليد، لكن آخرين قالوا إن المؤسسة ليست مؤهلة في وضعها الحالي لمنح الجائزة. ومنذ بدأت الأكاديمية بمنح الجائزة، لم تمتنع عن منحها سوى مرة واحدة عام 1935، وقالت حينها إنها لم تجد مرشحا جديرا بالفوز بها … وتقرر منحها مرتين هذا العام عوضا عن سقوط العام الماضي!!

هناك من يعتقد مثل الدكتور محمود الضبع أن البوكر العربية “جائزة قيمة لها مكانتها، ويرغب الجميع في دعمها. لكنها تواجه مأزقا، وعليها البحث عن حلول، مثلا – الإعلان عن قبول مشروعات وتصورات لتطويرها، من مثقفين ومفكرين. تغير استراتيجيتها وطريقة تحكيمها، تطوير أدواتها وإجراءاتها. إدارة الأزمة ستحدد المصير“. رغم إشارته إلى أن الهنات التي نالت من البوكر ليست خاصة بها “الجوائز العربية للأسف داخلها ذلك مؤخرا، ولكن كل ذلك يمكن علاجه بمنطق أهل الكفاءة وأهل الثقة”.

في أحد سنوات (البوكر) العربية، فقد روائي كبير فرصة الفوز لأن روايته بها 150 خطأ لغويا، وتساءل الكاتب الروائي والناقد الصديق وليد علاء الدين عن مسؤولية هذا الجرم، الذي ربطه بالناشر:

“هذا الناشر يستحق كذلك العقوبة على تعريض روائي كبير لموقف لن ينجح أحد في تصحيحه، سيظل كثيرون -للأسف- يعتبرونه الروائي صاحب الـ150خطأ لغويًا في رواية. ولا مجال لتصحيح الصورة، لأن الناشر العربي يعمل بمفهوم السبوبة لا منطق الصناعة، وإلى أن يقضي الله أمره فإننا -بلا شك- سوف نفقد الكثير من الفرص في عالم ذاهب نحو ضبط الأداء والمعايير.”

سأختتم حرب البوكر العربية بأن أزجي تعليقين للكاتب الصديق القاص والروائي والصحافي شريف صالح، أحدهما في موضع الهزل، والآخر في مقام الجد، يقول على صفحته:

“الجوايز العربية والمهرجانات العربية ولجان التحكيم العربية.. زي السياسة العربية .. غالبا ماشية بالأقدمية.. وكأنك بتاخد جايزة عشان وصلت للسبعين مش عشان أبدعت شي مهم. ودا بيأكد الحكمة اللعينة اللي قالها الشقيق آل باتشينو :
_ إذا تناولت الطعام الصحي ، ومارست الرياضة بانتظام ، وامتنعت عن التدخين ، فستموت بصحةٍ جيّدة . (وهاتاخد فوق كدا جايزة ورئاسة مهرجان ومؤتمر).

كان شريف صالح قد نشر في 7 يناير الماضي “بوستا” وصفه بالتاريخي:

“من غير قراءة ولا حسابات البوكر السنة لكاتبة…واعتقد بعد 11 دورة استعرضت الجايزة كل فحولتها الذكورية ومنحت بس نصف جايزة لكاتبة وحيدة… واضح انها السنة قررت تقلل جرعة الفحولة الكتابية … بس بزعل لما المفروض ان دي جايزة محترمة وايشي مجلس امناء وايشي لجنة تحكيم وموقع ومسؤولين اعلاميين وسيدة ايطالية ومحكم فلبيني… وفي الاخر بيطلعوا بيان صفحتين ومش دقيق… عيب يقولو ان ترشيح سبع كاتبات رقم قياسي في تاريخ الجايزة لانه في الدورة بتاعة 2011 كان فيه سبع كاتبات … بس الظاهر اللي عاملين البوكر بينسوا عملوا ايه!”

لا أستطيع أن أحدد أيهما الهازل وأيهما الجاد في تعليقي صالح، لأن الخلط في الجائزة وصل مداه هذا العام، وأصبح التساؤل الذي يفرض نفسه:

  • هل صممت القواعد الملزمة للإقصاء حتى في الشأن الثقافي لعمل أدبي من أبجدياته فضائه عدم الإقصاء؟
  • هل تحرك دور النشر قوائم الفوز لصالح المبيعات وفق مخصصات تعكس الفيلقة التي تصم الواقع، بحيث يصبح العمل الأدبي وكأنه يمثل الدولة، سواء كان ذلك في برنامج (من سيربح المليون)، أو مسابقة في الغناء أم تنافسا في الرواية والإبداع؟
  • هل سيأتي يوم تقاطع فيه الأقلام الجوائز احتجاجا على شبهات؟
  • هل تحارب الدول بعضها بعضا لكي تكرس حضورها كقوى ناعمة ثقافية؟ وسنقرأ عن إقصاء دول عن منصة التتويج، فنشاهد ـ مثالا ـ على شاشة التلفزيون السوري تقريرا يسأل: بعد 12 دورة ما زالت جائزة بوكر للرواية العربية متمنعة عن الروائيين السوريين، فما الأسباب؟ وهل تعكس النتائج حقيقة خارطة الرواية العربية؟

الحقيقة إن الجائزة والجدل مثل البيضة والدجاجة لا تعلم أيهما كان أولا، ولكن علماء الأحياء يقولون أن الديناصورات هي الأسبق، وقد تحولت دجاجات تبيض، وعلينا أن نكتشف ما هي الديناصورات التي تحرك هذه الجوائز، سواء كانت أشخاصا أو قيما أو قوى دفع ذاتي نشأت في المجتمعات العربية، ولن تبرحها.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات