بقَلَم/ عَزَّة أَبُو الْعِزّ
استيقظت الشَّابة الصغيرة على حركةٍ غير عادية في البيت..
سألت أخواتها الصغيرات، فأجَـبْنَهَا: لقد وَضَع أحدُهم السُّمّ لحارس عَـمَّتِنا.
فى بوحٍ ذاتيٍّ ماكـرٍ ردَّدَتْ: أخيرًا سوف أتخلَّص من حُبِّ عمّتي لهذا الحارس اللَّعين، بسَوَادِه الْحَالك، وعيْنَيْه الْمُخِيفَتيْن ، وصوتُه الْمرعب، وقوته الغاشمة.
أخيرًا سوف أُرْحَمْ من متابعته لي ذهابًا وإيابًا إلى مدرستي…
أخيرًا سوفَ أنعَم بزيارة زميلاتي لي دُونَ خوفِهم من مُضايقاته الْمتكررة.
أفاقَت على صوت عمّتها بصحبة الطبيب الْمُعالج، وهى تتوسَّل إليه بسرعةِ إنقاذِه، قائلةً: ÷أرجوك، افعلْ لأجْله كلّ شيءٍ؛ فهو عيْنَيَّ: حال غيابي، وحارسي، وحارس بناتِ أخي الصغيرات بعد مصْرَع أبِـيهم وأمِّهم فى حادِثٍ مُرَوّعٍ ألِـيمٍ.
إنه عِشْرَة عُـمْر طويلةٍ، وصاحبُ الْمواقف الوفيّة النبيلة.
إنه حارس بيتي، وغيْطي، وونِيسي في الذَّهابِ والإيابِ؛ وإنْ فقَدتُّه فَقَدتُّ الكثير الجميل×.
تعجَّبَتْ من تأثُّـر عمّتها وبُكائها على حارسها وقالت: أتَبْكي عمَّتِي -تلكَ الْمرأة القويّة الْمُهابة من الجميع- على هذا الكائن؟!
عمّتي نادرةُ البوْح والشّكوَى؛ إلّا في المواقف العصيبة، عمتي الحبيبة، أربَعِينِيّة العُمْر، ولكنَّ تحمّلَها لـمسؤلياتنا الكبيرةِ جعلَها تبْدو الأكبر عُمْـرًا والأكثر حرصًا فى التعامل مع الغير؛ حتى أصبحَتْ لا تثِقُ ولا تأمَنُ علينا؛ إلَّا ونحن بصُحبة حارسها الأمين.
أسعَفَه الطبيبُ، وقال: إذا مرّ عليه الليلُ بسَلامٍ سيَكونُ بخيرٍ، وإذا لم يحدث فاستعيضي الله فيه سيدتي.
سهرت العمَّة طوالَ الليْل بجوار حارسِها، تُحدِّثه، وتُمَرّر يدَها على ظهْرِه فى حنُوّ شديد، وتُذكِّـره بِمَواقِفه الشجاعة معها، ومع الصغيرات، وكيف أنّها تتَباهَى بوفائه وشجاعته وسط الجميع.
قالت له : تَمسّكْ بالْحياةِ حارسي الوفيّ الأمين! لأجلي، ولأجْل هؤلاء الصغيرات… مكانُك خَالٍ أمامَ مدخلِ البيتِ الكبيرِ، وصوتُك القويّ الذي كان يُرْعب كلَّ مُتَـعَدٍّ على حُرمة بيتي وأرْضي، ووفاؤُكَ النّبيل لن يُعَوّضَ مهمَا استبدلتك بآخر.
وفي مشهدٍ بالغ الإنسانيّة… وجدَت الشّابّة الصغيرةُ أنّ (رَهَوان) حارِس عمّتها يَسْتَجيبُ للحِوار؛ بلْ يرفع رأسَه ببطء شديد رغم شدة آلامه وسوء حالته، وتفيض عينيْه بالدموع تعبيرًا عن فهْمه وشعوره ببَوْحِ عمّتها، وبكل ما يحدُث حولَه…
فأدركت على الفور قدْرَ مكانتِه فى حياتهنّ، وحياة عمّتها، وأنّه ليْس مُجرّد كلبِ حراسةٍ؛ بل يُمثّل في حياتهن الكثيرَ… والْمُهم… والْجميل…
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.