القبضة

10:17 صباحًا الإثنين 29 يوليو 2019
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
بقلَم/ عَزَّة أبُو الْعِزّ

بقلَم/ عَزَّة أبُو الْعِزّ

استجمعت كل طاقات الكون فى راحة يدها ، كى تقبض بكل قوة وحنو معاً على يد حبها الأول فى الحياة ، أصبحت لاتدرك من منهما تقبض على يد الآخرى لتستغيث وتتشبث بها ، من أجل المواصلة والانتصار فى معركة الحياة الأخيرة .

مرت دقائق وساعات الليل طويلة رتيبة فى ذاك المساء الحزين من العام ( 2005م) فى غرفة المستشفى العام المكتظة بالحالات الحرجة .

وصل لسمعها كلمات من يجلسن بصحبة ذويهن ” فتاة مسكينة … ألا تعلم أنها بتعلقها هذا تعلق روحها وتمنعها بنداءاتها المتكررة ولهفتها عليها من الاستسلام لقدرها المحتوم فالمريضة فى النزع الأخير لا محالة “.

67490899_466458530872800_3292774232672436224_nصرخت  فيهن لا ..لا .. لا تسمعنها هذه الكلمات ، ثم التفتت لعمتها الحبيبة ، فوجدت وجهها يتصبب عرقاً  غزيراً ، وجسدها النحيل بلا حراك ، مغمضة العينين فى شبه  غيبوبة تامة ، وضعت وجهها الغارق بالدموع بين كف يد عمتها المتدلى على حرف السرير والمستسلم لكم من وصلات المحلول المغذى ( الجلوكوز ) وكالونة الحقن المتوالية الواحدة تلو الأخرى على مدار الساعة ، قالت لها بدون قول : ” أمي وصديقتي  وعمتي الحبيبة ، أعلم أنك تسمعينني ، لابد أن نخرج من هنا معاً كما كنا دائماً معاً ، قاومي لأجلي ، لا حياة لى بعدك فى هذا العالم ، ياالله .. لقد استجابت العمه الحبيبة بضغطة بسيطة من كف يدها ، تنفست الفتاة الصعداء ونظرت لأمها الباكية فوق رأس عمتها ، وقالت بلهفة المستغيث : لا تبكي يا أمي عمتي بخير ، ستكون بخير هى تستجيب لى ، قبضت على يدي ، هى تسمعني وتشعر بي ،ثم قبضت على يد عمتها مجدداً بقوة قائلة : ” هل تذكرين حبيبتى ماذا كنت أقول لك عن كف يدك ؟ كنت أقول أنه كف أماني ، هذا الكف هو أول من علمني الحبو فى الحياة ممتداً لى ومصحوباً بصوتك الحاني ( تاتا خطى العتبة تاتا حبه حبه ) وهو الكف الذى صحبني دائماً فى سنواتي الأولى إلى مدرستى الابتدائية ، وكنت أبكى عندما تنزعينه منى لأدخل فصلى الأول  ، فتطيبين خاطري قائلة : ” بعد انتهاء اليوم الدراسي ستجدينني فى انتظارك لنعود للبيت معاً “هذا الكف الحاني هو من صحبني فى كل الأماكن والشوارع داخل قريتنا الكبيرة ، فكنت نافذتي وكان هو قلعة أماني، كنا معاً مثل رقم 10 ، أنا الصفر الوجودي الصغير الذى ليس له قيمة ما سوى بصحبته ومجاورته لهذا الواحد الصحيح الشامخ ، لطالما رأيتك واحداً صحيحاً شامخاً فى وجه كل صعاب الحياة القاسية ، لماذا لاينتصب  هذا الواحد الصحيح مجدداً لأحيا فى ظله وأمانه حبيبتي

مدت الأم يدها إلى الفتاة لتنزع وجهها من بين كف عمتها وقالت : ” اتركيها بنيتي كى تنام فى أمان “، ولكن الفتاة كانت على ثقة أنها لو تركت هذه القبضة الحانية سينفصل هذا الخيط الحريري من مشاعر الود الصادق بينهما على الأرض ليصل بينهما مجدداً هناك خارج إطار هذا الوطن الممدود.

نزعت الأم يد ابنتها من يد عمتها ، فصرخت الأم وأدهشت الصدمة كل من كان فى غرفة المرضى ، لقد سبقت الفتاة عمتها إلى عالم الروح وفارقت الحياة .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات