مسافة فاصلة
يظل الكتاب هو وثيقة المبدع الدالة على عمق فكره وجودة إبداعه ، ماإن انتهيت من قراءة كتاب ” الرواية والسلطة .. بحث فى طبيعة العلاقة الجمالية ” حتى وجدتنى فى حالة من السعادة الغامرة بهذا المنجز الأدبى بالغ الدهشة والتميز معاً، والكتاب كان أطروحة رسالة الدكتوراه للدكتور محمد السيد إسماعيل التى نالها من كلية دار العلوم عام 2002م ،ثم أصدرها فى كتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب الطبعة الأولى 2009 م، وقد رأيت فيه وثيقة أدبية جامعة ، وجهداً نقدياً كبيراً ورؤية نقدية قيمة ،قدمها الدكتور محمد السيد إسماعيل من خلال عمله الدءوب فى البحث فى سبع وعشرين رواية عربية بالإضافة لطرح كثير من النظريات النقدية ، وبيان نقاط التمايز بينهم ، بل وطرح كثير من مناهج البحث فى الرواية السياسية المعاصرة .
وفى تمهيد الكتاب وضح الدكتور محمد السيد إسماعيل عدد من النقاط الجوهرية لاختياره موضوع الرواية والسلطة ، ووجدت فى هذا التمهيد مدخلاً مناسباً لفهم طبيعة العلاقة بين الرواية والسلطة فى مصر بصفة خاصة ، وفى العالم العربى بصفة عامة ، فقد ذكر أن :
ودخول كل هذه الأحداث محوراً أساسياً فى الرواية السياسية المصرية .
كما تميز الفصل الأول بوضوح رؤية الباحث ، فقد حدد بوضوح اختياراته التى قامت عليها الدراسة على عدة أسس منها :
كما تحدث فى المبحث الثانى من الفصل الأول عن طبيعة السلطة الإجتماعية باعتبارها الأكثر بروزاً واتحاداً مع المستوى السياسى الذى عرضه فى المبحث الأول مؤكداً على ان النشاط الإجتماعي هو فى جوهره نشاط سياسي .
وفى الفصل الثانى من الباب الأول تحدث عن الرواية السياسية وقضية الصراع الحضاري موضحاً أن قضية الحرب من القضايا المهمة التى تناولتها الرواية السياسية فى فترة البحث محدداً المقصود بالحرب وعلاقتها بالسياسة ، شارحاً أن القتال العسكري هو آخر مرحلة من مراحل الحرب التى تعد أكثر شمولاً من مجرد الاحتكام إلى قوة السلاح ، فهى تعنى بشكل عام ” صراع إرادتين تجهد كل منهما فى السيطرة على الأخرى وتحطيمها بكل الوسائل الممكنة ، وتتعدد أنواعها ما بين الحرب الفكرية والنفسية وأخيراً العسكرية ” القتال “.
ومن المباحث المهمة التى عرضها الكتاب مبحث “الرواية السياسية وقضية الهيمنة الأجنبية ” ص 105 ، فيها أوضح أن الهيمنة الأجنبية تتعدد مستوياتها وتتنوع ما بين المستوى الاقتصادي والمستوى السياسى والمستوى الحضاري ، وقد كان الروائيون المصريون على وعى شديد بهذه المستويات فى رواياتهم حسب وصفه .
وفى الفصل الثالث من الباب الأول يتعرض د/ محمد السيد إسماعيل لموضوع الرواية السياسية والقضايا القومية ، وقد اختار موضوع القضية الفلسطينية ، واختار تمثيلاً للروايات المصورة للقضية الفلسطينية رواية ” أحمد وداود ” لفتحيغانم ، ” شرق النخيل” لبهاء طاهر ، والقضية الثانية فهى قضية الفتنة الطائفية ، واختار لبنان والجزائر نموذجاً حيث تأخذ الطوائف فيهما طابعاً صراعياً دامياًفى بعض الأحيان ، وقد اختار رواية ” بيروت بيروت ” لصنع الله إبراهيم ، ” ورائحة اللحظات “لبهيجة حسين نموذجاً .
أما القضية الثالثة التى اختارها هى قضية كامب ديفيد التى امتد آثارها على مجمل العلاقات العربية الإسرائيلية ، وقد اختلفت المواقف السياسية ما بين التأييد والرفض وانعكس ذلك على مواقف الروائيين التى تباينت هى الأخرى من القضية ، واختار رواية ” وجع البعاد ” ليوسف القعيد ، “وليلى والمجهول “لإقبال بركة .
وقد أبدع د/ محمد السيد إسماعيل فى الباب الثانى من الكتاب ، وهو الباب الذى تحدث فيه عن بنية الشكل الروائي ، موضحاً بناء الشخصية الروائية بتعدد نماذجها ، وبناء المكان والزمان الروائيين ، وبناء الخطاب الروائي شارحاً بشكل مفصل كل مبحث من المباحث السابقة ، عارضاً لأهم النظريات مع التطبيق على بعض النماذج الروائية ، مما أعطى قيمة تأصيلية للكتاب .
ولا يمكن أن أختم حديثي عن هذا الكتاب القيم دون أن أشير إلى ملامح المنهج الجديد الذى ذكره الدكتور محمد السيد إسماعيل فى كتابه ، فقد وضع سماته ولكنه لم يقم بتسميته وهذا كان مثار تساؤل عندي ، فقد أوضح د/ محمد السيد إسماعيل أن هذا المنهج يبدأ من البنية الفنية أو الشكل وصولاً إلى الرؤية أو المضمون لأنه لا وجود لمضمون مجرد منفصل عن الشكل أو سابق عليه بل هو متزامن معه ، ومتخلق من خلاله ، وتجاهل الشكل قد أدى إلى ضياع الطريق إلى المضمون والذي تعد مقاربته ممكنة فقط عن طريق التغلغل فى الشكل ، وأكد على أن هذا المنهج يقوم الإجمال ثم التفصيل ثم التركيب ، ويذكر أن هذا المنهج يقترب كثيراً من منهج البنيوية التوليدية خاصة فى خطواته الإجرائية ، التى تبدأ من النص وصولاً إلى الرؤية ، وقد سعى إلى الإستفادة من علم تحليل الخطاب المعاصر فى شموليته ومنهج البنيوية التوليدية . وسواء سعى الدكتور محمد السيد إسماعيل الذى أراه بهذا الكتاب الماتع واحداً من أهم النقاد على الساحة الأدبية المعاصرة ، كما أرى فى كتابه مرجعاً نقدياً بالغ الأهمية وإضافة قيمة للمكتبة العربية .
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.