أهمية المنطقة البينية فى كتابات فايد الفكرية

09:11 صباحًا الأحد 6 أكتوبر 2019
عزة أبو العز

عزة أبو العز

كاتبة وناقدة من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أتابع منذ سنوات كتابات وإبداعات الأديب والمفكر السياسي أيمن فايد ، أمين عام اللجنة الشعبية لتوحيد الأمة ، وغالباً ما تثير كتاباته ورؤاه الفكرية والسياسية الكثير من الجدل حولها ، ولكننى رصدت بعد متابعة دقيقة لكثير مما يطرحه من رؤى فكرية حول كثير من القضايا السياسية العربية ، وضوح رؤية واستباق لكثير من كشف أوراق اللعبة السياسية ، حتى وإن بدا صادماً  للبعض ولكن بمرور الوقت تثبت الأيام ونتائج المواقف صحة طرحه ورؤاه الفكرية .

D74FB11D-6BD6-4B81-B92A-F241867EDEC6

فأردت فى هذا المقال إلقاء الضوء على عدد من النقاط الفكرية المهمة التى تعرض لها في عدد من دراساته وكتابه المهم ” مثلث أيمن الحاجر” والذي خرج للنور عام 2002م ، وذلك لاستشعاري أهمية ما ورد فيه من طرح ” يفند ويشرح ما آلت إليه الأمور من تطورات على الساحة المصرية والعربية ، ودور مصرنا الحبيبة فى الدفاع عن نفسها وأمتها بضرب نقاط ارتكاز المخطط الدولي لإسقاطها لا قدر الله .

ويقيني أن المرحلة الراهنة فى حياة مصرنا وأمتنا تتطلب تضافر أصحاب العقول المبدعة ، والمفكرة ، والمخلصة لعقيدة الدفاع عن الوطن على كل المستويات ، وأهم هذه المستويات هو المستوى الفكرى وليس على المستوى الحربي فى الميدان وفقط ، لأن  أشكال الحروب تغيرت وتعددت أشكالها ، وهناك من يصدرون لنا اليأس والإحباط والتشكيك فى أي منجز على الأرض ، واليوم وسط احتفالاتنا بملحمة العبور العظيمة وددت أن أنوه أنه لازال بمقدورنا التصدي لتلك الهجمة الشرسة من الأعداء الذين خططوا لنا منذ سنوات عديدة ، وسلاحنا الجديد القديم لابد وأن يكون سلاح الوعي ، وفى مقدمة حاملي هذا السلاح لابد وأن يكونوا أصحاب الفكر السياسي الجاد ،من لديهم الإرادة الجادة للتصدي لأعداء الوطن بنشر ما لديهم من فكر مستنير يفتح لنا دروباً فى ظلمة واقع أمتنا الأليم التى آلت إليه بفعل عدونا المعلوم والذي درسنا جيداً في كل أحوالنا ونحن عاجزون عن دراسته إما عن غفلة أو تكاسل لا مبرر له ، والحقيقة التى لا أغفلها أن فكر أيمن فايد فى كتبه الأدبية  ودراساته ومقالاته السياسية تستحق الالتفات إليها ، لأنه من وجهة نظرى سبق الكثير فى وضع رؤاه الفكرية والسياسية التى تعكس الوضع الراهن سواء أثناء ثورات الربيع العربي” أو الربيع العبري كما يسميها فى كتاباته ” أو ما بعدها من تطورات على المستوى العربي والإقليمي ، وتنبيهه الدائم لدور الثالوث الدنس كما  يسميه فى كتاباته “ الولايات المتحدة الأمريكية ، والكيان الصهيوني ، والفرس فيما يحاك للأمة العربية عامة ، ولمصر خاصة ، وقد وجدت فى كتابات فايد ومقالاته ، رؤية المفكر الذى يسبق بفكرته ويرصد طبيعة الحدث ، وهو ما نحتاج إليه للتعامل مع نتائج الحدث على الأرض ، فأدب أيمن فايد أدب ذو طابع خاص ، أصقلته خبرة التجربة ، ووجوده في دهاليز السياسة وقد استوقفتني بعض مقالاته الأخيرة .

9F85B6F9-FA2A-4C59-99B9-E19EE8F17BC9ففى مقاله المعنون والموقع بصدى البطل ” واكتملت الحلقات المفرغة .. أنظمه ومعارضة فى شارع محمد علي ” يركز على فكرة طبيعة النتائج التي تأتي من طبيعة المقدمات ، سواء بالسلب أو بالإيجاب ، مؤكداً على أن فيديوهات محمد علي ماهى إلا مقدمة فاشلة بدون طعم في الشكل والمضمون ، وأن الشعب لم ينخدع بتلك المسرحية التي تشبه ” الدعسوقة الحمقاء ” للمدعو محمد على ، ومما يظهر لنا إهتمام أيمن فايد بالمنطقة البينية التى تقع بين المقدمات والنتائج هو قوله الدائم : ما كتبته وأكتبه منصب في الإجابة عن كيف حدث ذلك؟..
لكى يظهر لنا الهدف الحقيقي من وراء تلك الحادثة.
وكيف يتم صناعة المشكلة لكى يتسنى لنا معرفة كيف السبيل للخروج منها ، فأنا لا يعنيني علي الإطلاق سقوط الدمي ولا حتى سقوط من يحركهم من الأنظمة والمعارضة فهم ساقطون من الأساس.
ما يهمني ويعنيني هو سقوط المخطط وضربه في نقطة إرتكازه المزدوجة المتمثلة في “أمريكا والمنافقين الجدد أصحاب ثنائية العهر والفساد“.

ويضيف فى مقالتيه : ” نحن نحتاج لثورة معرفية وانتفاضة بحثية تفضح الكثير ممن عندهم أمية فكرية وسذاجة سياسية. لذلك وقع على الهجوم غير المبرر ، وكان النقد غير المنضبط معرفيًا وخلقيًا الذي لا يخلو من الهوى والغرض والتحيز لأحد أطراف اللعبة ( الأنظمة أوالمعارضة أوالمقاول الممثل محمد علي ) .. وذلك من قبل أمريكا وأراذل الشعوب نقطة ارتكاز الحدث الذين أخصهم بالذكر وأعمل في أرض الواقع عليهم هنا لما يقدمونه من ثنائية “المؤيد والمعارض” التي بها تتم الأزمة.


ويؤكد أن الهدف المقصود من قبل أمريكا وأراذل الشعوب هنا هو ضرب روح البطولة السنة الكونية السادسة” المتمثلة في بطولة الأمة بشقيها: الإرادة عند الشعوب والكرامة عند الفرد البطل واستبدالهما بنوبة من نوبات اليأس والإحباط والقنوط بعد فشلهم من قبل وبالأدق إفشالهم بجهود أبطال الأمة في إدخال الشعوب في نوبة من نوبات الصدام والصراع والفوضى، وهذا هو بيت القصيد.”

وأود أن أعرض لبعض الأفكار التى وردت فى كتاب ” مثلث أيمن الحاجر ” وربطها بما نشاهده اليوم على الأرض ، فقد ذكر فى كتابه أن الغرب يود أن يعمى الشعوب الإسلامية عن فكرة ” الإصلاح السلمية ” ولو طبقنا ذلك على طبيعة الحرب الدائرة الآن من محاولة التشكيك فى أى منجز على الأرض ، ومحاولات التشكيك الدائمة فى أى محاولة سلمية للإصلاح فهم يودون صرف نظر الشعوب العربية إلى الفوضى الدائمة وليس إلي تجارب إصلاحية .

كان فايد مدركاً لقيمة الشباب وأهمية دوره الإيجابي  فى باب حتمية الصراع في كتابه مثلث أيمن الحاجر ( ص265) مؤكداً أن الرعيل الأول الذين حملوا الدين على أكتافهم كانوا من الشباب ، واستشهد بقول الله تعالى ” قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (الأنبياء 60) “ ، “ نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (الكهف 13 )، يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (مريم 12)وإن أغفلنا دور الشباب القوي نكون في غفلة من حقيقة الصراع .

لكى نفهم طبيعة المنطقة البينية في كتابات أيمن فايد ، لابد أن ندرك ما هى المنطقة الوسطى المنوط بها طبيعة الحدث ، فهو يذكر في كتاباته أننا قد ننشغل بالمقدمات والنتائج وننسي طبيعة الحدث أو المنطقة البينية ، وتلك المنطقة هى التى تساعد على الفهم الصحيح ، وعدم الدخول في شرك الثنائية الخبيثة التى برع العدو الخارجي فى إيقاعنا في شراكها ، وهى نسيان طبيعة الحدث والسقوط في إشكالية  “مع وضد “ وقد ذكر فى كتابه” مثلث أيمن الحاجر” أن تلك الثنائية الخبيثة تظهر مصاحبة مع الانقلابات ، وقد أجادت صنعها الولايات المتحدة ثم روسيا من بعدها بتبنيهما فكرة الانقلابات ،  ويشير في كتابه أن الانقلاب فكرة يهودية المنشأ صمم ونفذ للإطاحة بالسلطان عبد الحميد وهدم الخلافة وعلى الفور اقتحمت الولايات المتحدة هذه الحلبة السريعة النتائج وأخذت تدبر انقلاباً هنا وأخر هناك ، وأخذت تدبر أسلوب استعماري جديد تخرج به من العالم الجديد إلى العالم القديم ، ودخل الاتحاد السوفيتي فى نفس الحلبة بعد أن أغرته النجاحات والمكاسب التى حققتها الولايات المتحدة ( مثلث أيمن الحاجر ص 268) ويضيف أن فى الدول العربية كان انقلاب حسني الزعيم في سوريا فى 30 مارس عام 1949م هو البداية ، إذاً فكرة الانقلابات قديمة ، وفكرة اللعب فى مصائر الشعوب العربية ومقدراتها عن طريق استخدام أشخاص بعينهم كي يصنعوا منهم أبطالاًمن ورق شيء مدبر ومدروس ، وربما يفسر لنا هذا بعض من ارتباك المشهد العربي .  
كتابات أيمن فايد عن مفهوم الاستبداد ، وضرورة وجوب سد الفجوة بين البطل المناضل والبطل المفكر ، من الكتابات التي لفتت انتباهي ، فهو يوضح أن مفهوم الاستبداد لا يقتصر على الحاكم فقط بل قد تكون من الأمم من هى مستبدة ومن الحكومات بل ومن الأفراد ، ويعيد مناقشة فكر عبد الرحمن الكواكبي ومالك بن نبي برؤية جديدة ، فهو يرى أن الكواكبي بالرغم من دراسته للبيئة المحيطة بمشروعه دراسة جيدة إلا أنه وقع في نفس الخطأ وهو فتح باب الشر الذي كان يحذر منه ألا وهو استغلال المستبد الخارجي للثغرة التي يمكن أن تحدث نتيجة الخروج علي الحاكم المستبد في الداخل فتقع البلاد في أيدي المستبد الخارجي.
ويذكر أن الكواكبي لم يراعي السياق العام في البيئة الإجتماعية والمتغيرات الطارئة عليها وذلك عبر نقطتين:-
أ- إغفالة الجهود والمحاولات الإصلاحية التي يقوم بها “السلطان عبد الحميد” ورفاقه المصلحين واتصاله بالكواكبي عدة مرات ليكون من فريق الإصلاح.
ب- عدم مراعاته حالة التهيئة الإجتماعية وهي إرادة المسلمين وبطولتها الساعية للإصلاح، ولاسيما عقب تكالب كل قوي الخارج علي الخلاقة في وقت واحد وليس فرنسا ضد السلطان فيكون الإنجليز مع السلطان أو العكس بما كان يطيل من أمد السلطنة العثمانية المنهارة .

ويضيف أن “عبد الرحمن الكواكبي” هو أشهر ناقد للاستبداد خاصة في القرن التاسع عشر بعدما استفاد من أحد الأدباء الإيطاليين الذي تأثر بفكره تأثرا كبيرا وهو “فيتوريو الفييري ١٧٤٩ ١٨٠٣والفييري استفاد بدوره من كتابات عصر الأنوار في الاستبدادوبالأخص من مقالة للعبودية المختارة “لإيتيان دو لا بويسيه١٥٣٠١٥٦٢ ولكن الكواكبي لم يشير من قريب ولا من بعيد لإيتيان.
إلا أن الكواكبي يعتبر وبحق من أروع من تحدث عن الاستبداد ويقول تحدث ويضع تحت كلمة تحدث عدة خطوط

في حين أنه يرى أن المفكر العربي الجزائري مالك ابن نبي يعد النموذج الأمثل للمفكر السياسي ، ويقول : ” ما أود الإشارة إليه هنا في هذا المقام هو إصرار “عبد الرحمن الكواكبي” والذين جاؤا من بعده على نفس النهج حتى بعد مرور أكثر من مائة عام علي وفاته وذلك بإتهام الشعوب أنهم هم المتسببون في وقوع الاستبداد وترويجهم هذه الفرية بين عوام الناس أنه  لكي ينجحوا في اتهام الشعوب قاموا بتحريف كلام مفكر عظيم وهو “مالك بن نبي” بمكيدة من الغرب، روجوا لها مستغلين مصطلحه العبقري القابلية للاستعمار علي أنه يقصد الشعوب وأتبعوه باستشهادهم بقوله: ” لو لم تكن خاصرتنا رخوة لما عبث بها العابثون” والرجل برئ تماما من هذه الفرية حيث تم تحريف مقصده، والحق أنك تراه علي العكس من ذلك وبوضوح .. تراه يدافع عن الشعوب ويرجع هذه “القابلية للاستعمار” إلي النخب الفاسدة التي قبلت الإستعمار سواء قبل وقوع الإستعمار أو بعد وقوعه، سواء في مرحلة الإستعمار الكلاسيكي القديم أو مرحلة استعمار الهيمنة الجديد .. هذه النخب الفاسدة بتعبيرنا هم “أراذل الشعوب” الأنظمة والمعارضة الفاسدة والمنتسبون لهم بمكوناتهم الجديدة في مرحلة الإستعمار الجديد استعمار الهيمنة ( إنهم المنافقون الجدد .. إنهم الخوارج الجدد .. إنهم المستشرقون الجدد )

فى ختام مقالي أرى أن الكاتب والمفكر السياسي أيمن فايد يقدم لنا طرحاً جديداً حول فكر كل من المناضل الكبير” عبد الرحمن الكواكبي “، و المفكر الكبير مالك ابن نبي ، ويطالب بضرورة إعادة النظر في منهجية الطرح لدى كل منهما ، كما يطالب بسد الفجوة ما بين البطل المفكر والبطل المناضل ، ويؤكد في مجمل دراساته وكتبه ولا سيما كتابيه ” مثلث أيمن الحاجر ، وعندما يبكي الجبل فى دولة الأحزان ” بضرورة عمل المفكر السياسي وفق مشروع إيجابي ، كما يذكر أن القائد الحق هو القادر على خلق مشروع وطني يلتف حوله جموع الشعب وكل يؤدى دوره فيه بقدر بحيث يلتف الجميع حوله ويكونون صدى للبطل ، وذلك تماشياً مع  وتحقيقاً للسنة الكونية السادسة وهى ” البطولة ” .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات