لا حرب في طروادة لـ نوري الجرّاح … تراجيديا غنائية لا نهاية لها

09:26 مساءً الثلاثاء 12 نوفمبر 2019
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة للشاعر السوري نوري الجرّاح، بعنوان: “لا حرب في طروادة”، حيثُ لم تعد القصيدة عند نوري الجرّاح، حسب كلمة الناشر، تكتفي باستحضار ذلك المناخ السحري للحارات الدمشقية ومنعطفاتها الضيّقة والظّليلة على تخوم بوابة «معبد جوبيتير» و «المِسْكيّة» وقوس «باب الشمس» شرقي المدينة، أو طفولة حيّ المهاجرين الشاهقة التي تنحدر إلى العالم كلّه، جالبةً كلمات الشاعر من قصاصاته في الأرض الواسعة وحسب، بل هي الآن، وبإطلالتها هذه، من فضاء المنفى الجماعي المُتعاظم، توقظ المسوخ التي تقاطرت على الخيال السوري، مُحوِّلة الواقعَ الكابوسي إلى واقعٍ آخر؛ تراجيديا غنائية لا نهاية لها.

mail

أرواح الجحيم السوري وساكنته وخلائقه في مشهد الجّراح في هذا الكتاب الشعري، تبدو هذه المرة، وكأنها تجهد لإيصال النشيد الكوني إلى بُحّة متصاعدة، عبر نداءات عميقة قادمة من عالم بعيد. نداءات تضع قطعَ الصورة في الفراغات الملائمة لها في تاريخ ملحمي لم يتسن لهوميروس ودانتي والمعري ولوقيانوس السوري تدوينه. وثيقة أدبية رفيعة عن اللحظة الإنسانية الدامية محفورة على حجر قديم، ذاهبة إلى ورثة لم يولدوا بعد.

“لا حرب في طروادة”. لكنها حربٌ في دمشق. تتردد أصواتها وأصداؤها في جنبات نشيد متوسطي، وصفها الشاعر في عنوان فرعي بـ “كلمات هوميروس الأخيرة”، وتترى صورها المأساوية خارجة من إرث ميثولوجي يرسل عبر صوت الشاعر الحديث أصواتاً وأطيافاً عابرة للأزمنة لتتلاقى مع وقائع يومية تأبى أن تضع أوزارها إلا في نسيج المستقبل.

أخيراً، يضمُّ الكتابُ 54 قصيدة موزعة على 11 فصلاً، في 176 صفحة من القطع الوسط، وجاءت عناوين الفصولُ كالتالي: الملْهاةُ الدّمَشْقيَّة (لسان الجحيم)، سَمَكَةُ آخِيلْ (أنشوُداتْ)، كَلِمَاتُ هُومِيرُوسْ الْأَخيرَةْ، الطَّالِعُ بِالْعَجَلَةِ وَمَعَهُ الْإكْلِيلْ، الْقِيثَارَةُ والرِّيحْ، كِتَابُ آيَة، هَوَاءُ تِيْنُوسْ (أَرْبَعُ حِكَايَاتٍ لِلْمُرَاهِقِينْ)، طَيَرَانٌ فِي بُورْتُوبِيلْلُو، آلَامُ نَرْسِيسْ، يَأْسُ أُوْدِيسْيُوسْ، ما بَعْدَ القَصِيدَةِ.

من الكتاب:

كَلِمَاتُ هُومِيرُوسْ الْأَخِيرَةْ

I

لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا بَحْرَ وَلَا مَرَاكِبَ وَلَا سَلَالِمَ عَلَى الْأَسْوَارْ،
لَا حِصَانَ خَشَبِيَّاً، وَلَا جُنُودَاً يَخْتَبِئُون فِي خَشَبِ الْحُصَانْ.

سَأَعْتَذِرُ لَكُم يَا أَبْطَالِيَ الصَّرْعَى:
“آخِيلْ” بِكَعْبِهِ الْمُجَنَّحِ؛
“هِكْتُورْ” بِصَدْرِهِ الطُّرْوَادِيِّ الْعَرِيضْ؛
وَأَنْتَ يَا “أَغَامِمْنُونْ” بِلِحْيَتِكَ الْبَيضَاء
وَسَيْفِكَ الْمُسَلَّطِ عَلَى رِقاب الْبًحَّارَةِ الهَارِبِينَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ.

II

لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا دَمَ وَلَا دُمُوعَ،
لَا أَقْوَاسَ نَصْرٍ وَلَا أَطْوَاقَ غَارٍ فِي الرُّؤوسْ.

لَا جُرُوحَ فِي جَثَامِينِ الْرِّجَالِ،
لَا قَتْلَى وَلَا قبور،
لَا آسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَا بَاكِيَاتٍ فِي شُرُفَاتِ الْبُكَاءْ.

III

لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.

المُرَاهِقُ لَمْ يَقْطِفْ تُفَّاحَةً لِامْرَأَةٍ فِي شُرْفَةٍ،
وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِيْنَة زَوْجٌ اسْمُهُ “مِينَلَاوسْ”
“هِيِلنْ”، وَحْدَهَا، كَانَتْ تَتَشَمَّسُ فِي حَدِيقَةِ “هُومِيرُوسْ”.
وَلِأَجْلِ وِشَاحِهَا الْقُرْمُزِيِّ وَخَدِّهَا الْأَسِيلِ،
أَسْلَمَ خَيَالَهُ لِلرِّيْحِ،
وَأَصَابِعَهُ لِلْأَوْتَارْ.

IV

لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا مَرَاكِبَ عَلَى السَّوَاحِلِ، وَلَا جُنُودَ فِي الْمَرَاكِبْ.

الْقَمَرُ يَلْهُو فِي الْحُقُولِ،
والشَّجَرَةُ تُؤْنِسُ الْحِصَانْ.

لَا حَرْبَ
فِي
طُرْوَادَة

الْمُنْشِدُ أَسْلَمَ قِيْثَارَتَهُ لِلرِّيْحِ،
وَآسْتَرَدَّ أَصَابِعَهُ مِنَ الْأَوْتَارْ.

عُوْدُوا إِلَى بُيُوتِكِمْ،
عَانِقُوا الزَّوْجَاتِ الصَّغِيْرَاتِ، وَقَبِّلُوا الْأَطْفَالَ،
وَتَلَهُّوا بِخَمْرةِ الْعِيدْ.

لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.

الشاعر نوري الجراح

الشاعر نوري الجراح

نوري الجرّاح:

شاعر من سوريا، ولد في دمشق 1956 ويعيش في لندن منذ 1986. صدرت مجموعاته الشعرية بدءا من 1982: «الصبي»، «مجاراة الصوت»، «كأس سوداء»، «القصيدة، والقصيدة في المرآة»، «طفولة موت»، «صعود إبريل»، «حدائق هاملت»، «طريق دمشق»، «الحديقة الفارسية»، «يوم قابيل»، «يأس نوح»، «مرثيات أربع»، «قارب إلى لِسبوس». صدرت أعماله الشعرية في مجلدين، بيروت 2008.

صدرت مختارات من شعره بعناية نقاد وأدباء عرب: «أمير نائم وحملة تنتظر»-علي بدر، بيروت 2005، «رسائل أوديسيوس»، القاهرة خلدون الشمعة، 2008، «ابتسامة النائم»، محسن خالد، الجزائر 2010. صدرت مؤلفات نقدية في شعره: «النزوع الدرامي في (الايام السبعة للوقت)» أيمن باي، تونس، 2017، «القصيدة المعلقة –دراسة أسلوبية في شعر نوري الجراح»، مفيد نجم، برلين، 2018، «ما الذي يحدث في حدائق هاملت» عبد القادر الجموسي، القنيطرة-المغرب 2019.  تُرجمت مختارات من أشعاره إلى لغات أجنبية منها: الفرنسية، الإسبانية، الإنكليزية، الألمانية، الهولندية، التركية، اليونانية، الفارسية، الإيطالية.

حرّر مجلات شعرية وأدبية: «فكر»، «الناقد»، «الكاتبة»، «القصيدة»، «الرحلة»، «دمشق»، ويرأس، حاليا، تحرير مجلة «الجديد» الشهرية الثقافة اللندنية. يشرف على «المركز العربي للأدب الجغرافي» و»جائزة ابن بطوطة لادب الرحلة» في لندن/أبوظبي.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات