الأساطير المؤسسة لجماعة الاخوان وأردوغان

10:46 مساءً الخميس 21 نوفمبر 2019
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أسست الدولة المصرية اسلوبها للتعامل مع ملف جماعة الأخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسى وجماعات العنف المسلح على اساس أمنى يحتوى ويواجه ولكنه لم يتعامل يوما مع أسباب ظهور وتواجد تلك الجماعات وإنتشارها فى أرجاء مصر والمنطقة والعالم الإسلامى؛ وتستمر الدولة فى إتباع ذلك الأسلوب حتى كتابة تلك السطور من خلال حملات وبرامج إعلامية مضادة تكشف بعض من سقطات الجماعة وجرائمها وتحالفاتها الشريرة على مر تاريخها…

galal

جماعة الأخوان أسست فى العام الذى سقطت فيه الخلافة العثمانية بهدف استثمار “شعار الخلافة” سياسيا ولملء فراغ سيحدث على الساحة المصرية والعربية والإسلامية من جراء إختفاء الخليفة وموت الفكرة التى لها اتباع جاهزون يسهل اللعب على مشاعرهم وإيقاظها كى يتم استثمار الفكرة سياسيا كورقة على الساحة يتم من خلالها مجابهة كل الافكار القومية والوطنية وهو ما تم توظيفه فى مواجهة حزب الوفد وغيره من الاحزاب الوطنية فى الشارع

حسن البنا

حسن البنا

ونجح مؤسس الجماعة حسن البنا فى اللعب على كل الأحبال والتحالفات مع الإنجليز والالمان والقصر على فترات وفق ما يخدم مصلحة الجماعة ومصالحها العليا؛ وأستغلت فى سبيل ذلك كل المناسبات والأحداث التى مرت بها البلاد وصولا لثورة 23 يوليو 1952وفشلها فى السيطرة على جمال عبد الناصر واختيار المواجهة معه ومحاولة إغتياله والتحالف مع الإنجليز ومحمد نجيب للإطاحة بعبد الناصر وإعادة نجيب على أكتاف الأخوان خدمة لمصالحهم وليس إنتصار للخيار الديموقراطى كما يحاول أن يروج بعض من النخب الخايبة حيث كان نجيب فعليا لعبة فى أيدى الأخوان والجماعة استغلالا للمرارة التى شعر بها أن اقصاه الضباط الأحرار وتحديد إقامته؛ وتكررت المواجهة العلنية فى الستينيات بالكشف عن مخططات إرهابية للجماعة تستهدف الدولة لإسقاطها وتم إعدام أهم رموزها المتطرفة سيد قطب وعدد من القيادات ومصادرة أموالهم…
استمرت الجماعة فى اللعب على كل التناقضات وتحركت فى كل مساحات الفراغ التى تخلت عنها الدولة والقوى السياسية والفكرية وطورت من شعارها لدولة الخلافة إلى شعار “الإسلام هو الحل” كى يكون اكثر واقعية واشتباكا مع الواقع ويسمح لها بالتحرك فى الجامعات والنقابات والاتحادات العمالية والنقابية والجمعيات الشرعية واحترفوا لعبة الانتخابات والحشد بعد أن جرمت وحرمت الدولة كل القوى السياسية من ممارسة السياسة فى تلك الساحات وتركتها ملعبا خاليا لتيار الإسلامى السياسى بكل تنويعاته التى تنتمى جذريا للإخوان…
أعتمدت الجماعة على إضعاف الدولة للتيارات السياسية والفكرية الوطنية؛ ونتهجت أسلوب إفشال كل الايديولوجيات والحلول التى تختلف معها ليعلو شعارها السياسى وليس الدينى: “الإسلام هو الحل”؛ لعبت على مساحات الفراغ التى خلقها الفساد والفقر والبطالة وتأخر العدالة وغياب دولة القانون وإنخفاض سقف الحريات العامة وحرية التعبير الذى حرم الأفكار المستنيرة والحرة من الوصول للمواطن وفتحت طريقا واسعا أمام أفكار التطرف و”الجهاد” والتكفير لتصل لمسام المواطن من خلال منابر المساجد والمدن الجامعية واشرطة الكاسيت والفيديو وقنوات السلفيين والكتب “الفقهية” الصفراء لشيوخ ومفسرين مجهولين يتداولون فيها فتاوى التكفير للمجتمع والحاكم وكل مواطن خارج تبعيتهم الفكرية والسياسية وليس له مرجعية وشيخ أو مرشد وإمام…
الدولة من جانبها لم تعالج كل تلك الإنسحابات بل سمحت بالمزيد من المساحات بالمزيد من إجراءات وسياسات التضييق على كل فكر سياسى أو حزبى على أرضية وطنية وسمحت بحالة من التدهور غير المسبوق فى كل وسائل القوى الناعمة: الإعلام والصحافة والفن والسينما والمسرح والأدب… إلخ؛ وزادت مساحات عدم النشر والخطوط الحمراء وسياسات التنميط لتترك الأمر لوسائل الجماعة وحلفاءها لمناقشة العناوين الكبرى التى تخصص الشأن المصرى وتجذب لها كل من يبحث عن الإختلاف والممنوع والأحمر وكل الألوان من المعالجات حتى لو اختلفنا حولها وحول مصداقيتها ومهنيتها…
وأتقنت الإدارات المتعاقبة للدولة المصرية مهارة تصدير كل الفاسدين والجهلة فى صدارة المشهد العام وهو ما يزيد من تألق من يعارض ويحاول أن يكشف عوار الدولة وسياساتها خاصة فى مجالات: الإقتصاد والإعلام والصحافة والثقافة ومن قبلها الحياة الحزبية التى أممت حين سيطر عليها الحزب الوطنى أو بتغييبها بعد ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30 يونيو 2013 ؛ حتى ما تبقى من نخب سياسية وفكرية تحالفوا مع الأخوان بحجة التخلص من نظام الحكم وصوروا للمواطنين أنهم فصيل وطنى وروجوا لمظلومية الجماعة وحقها فى العمل السياسى فى جريمة تفوق جرائم الدولة فى حق هذا المواطن والدولة المصرية…
تجربة الجماعة فى مصر تم إستنساخها فى فلسطين حيث ذكر لى ريتشارد ديكمجيان مستشار الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان بأنهم من كان خلف الدعم السياسى والمادى لتأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس” فى الثمانينيات وإيصال هذا الدعم المادى (3 مليون دولار) من خلال دولة حليفة بشكل غير مباشر وذلك عن قناعة أنهم فى حاجة لجماعة تتحدث بقاموس الشارع وتشكل مرادفاتها الدينية والإيمانية فلسفة تؤدى إلى حركة فى مقابل حركة فتح التى يغلب عليها تيار اليسار فكريا بحيث تشكل حماس حركة مقاومة وطنية حقيقة تكون مواقفها وردود فعلها الطبيعية حجر عثرة فى كل تحركات فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وتلعب واشنطن وتل أبيب على تلك التناقضات وتعلق أى تقدم فى المسار السياسى إلى أقصى مدى ممكن…

 

The London based magazine published a scandalous caricature of theTurkish PM Erdogan, portraying him as a kebab man, so did New York Times

The London based magazine published a scandalous caricature of theTurkish PM Erdogan, portraying him as a kebab man, so did New York Times

7585137D-652B-4975-87D9-0C167C65BA46الأخ أردوغان بخلفيته الإسلامية استطاع لفترات الإستفادة من كل تلك التجارب والإنسحابات فى كل الملفات ومساحات الفراغ كى يلعب دور إقليمى واللعب مجددا على فكرة “الخلافة” و”الحقوق التاريخية للدولة العثمانية” التى تمنحها حق التدخل فى شئون دول الإقليم…

أردوغان كمن لسنوات مستفيدا من الارث الأتاتوركى فى إدارة استنبول كحاكم لاكبر المدن التجارية محاربا للفساد وتحقيق شعبية كبرى سمحت له بالتوغل فى كل المساحات الفارغة التى خلفتها أخطاء تجربة دولة اتاتورك ليشكل قاعدة مضادة استكمالا لجهود حزب الرفاة الذى حرك المياه الراكدة فى هذا الملف ثم انزوى تحت ضغط أسس الدولة العلمانية المتجذرة…
وأعاد أردوغان تشكيل تحالفاته وقواعده فى ظل طفرة إقتصادية كانت ملموسة داخليا وبدأ بالتوازى التحرك فى بعض من الملفات الإقليمية تحت راية المصلحة التركية العليا بالتنسيق مع حلفاءه من جماعة الاخوان المسلمين؛ هذا التحرك تلاقى مع مصالح ورؤية أمريكية وإسرائيلية تريد أن توظف الإسلام السياسى وتمكينه من الحكم فى كل الدول ذات الأغلبية الإسلامية وهى رؤية طرحها بالتفصيل ضابط المخابرات الأمريكية إيميل نخلة فى محاضرة شهيرة على اليوتيوب حيث حدد 57 دولة يجب أن يحكمها هذا التيار البرجماتى تحقيقا للمصلحة العليا الأمريكية وضمان أمن إسرائيل وكانت ثورات الربيع العربى وهندسة البعض منها واستغلال كل أسباب الغضب والثورة بحيث يكون تيار الإسلام السياسى بقيادة جماعة الأخوان المسلمين ومكتب الإرشاد فى القاهرة بديلا لكل النظم التى ثار عليها شعوبها فى تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وتمكينهم من الحكم فى الجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان والأردن ولاحقا الخليج العربى… وتلاقى هذا الدور الوظيفى لاردوغان مع بقية الأدوار الوظيفية لحكام قطر وإسرائيل وبعض من جنود “جورج سورس” لنصل إلى كل تفاصيل ومرارة المشهد الإقليمى وإمتدادته وفروعه الداخلية…
الخلاصة أن جماعة الأخوان المسلمين الإرهابية المحظورة وأخواتها فى البلدان العربية ومن خلفهم اردوغان وقطر وكل من يستفيد من هندسة المشهد تحرك فى مساحات نعرفها وندرك كيف نتعامل معها ولكن الدولة المصرية وغيرها من الدول والأنظمة المنوط بها المواجهة تتعامل مع الملف بسطحية تسمح باستمرار مساحات الفراغ والحركة وتكتفى بحملات وبرامج تكشف الجماعة وتعريها ولكنها بالمقابل لا تعمل بطريقة جادة فى المجال السياسى والإقتصادى والإعلامى والثقافى على ملء تلك الفراغات والقضاء على كل مبررات وجود وتمدد أفكار الإسلام السياسى وتيارات العنف المصاحبة له وتعمل دائما على تمهيد التربة بل وترعى الزرع ولكنها تجنى المحصول دم وشهداء وضياع وجهل فى معركة ستستمر طويلا ما لم نتوقف عن التهريج وأخشى ما نخشاه أن من يدير هذا الملف رغم يقظته الأمنية لا يدرك ذلك الواقع ومرارته ويكتفى فقط برفض وتذوق نتائجه المرة…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات