12| التيار السياسي الرئيسي

09:04 مساءً الثلاثاء 31 ديسمبر 2019
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

galalنظرا لحالة التهديد المباشر لوجود الدولة المصرية والإستهداف الواضح لمؤسسات الدولة المصرية فى أعقاب 28 يناير2011م والأحداث التى أعقبت خلع مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ومندوبها فى قصر الإتحادية فى 3 يوليو 2013م ، كانت السياسة والفكر السياسى والأحزاب والقوى السياسية أول ضحايا حالة الفوضى إلى جانب التدهور فى الوضع الإقتصادى بسبب التوقف النسبى الإنتاج والتصدير والإستثمار الخارجى والداخلى وتضرر السياحة وتحويلات المصريين فى الخارج وهو ما اثر على أولويات الدولة المصرية التى كانت تدبج دستور تلو الآخر وتغرق فى حالة من الجدل حول أولوية الإستحقاقات الإنتخابية ما بين البرلمان والرئيس وتضع تصور للعلاقة بين الدولة ومؤسساتها فى عقد إجتماعى جديد مع شعب قام وعايش ثورتين فى عامين…
استطاعت جماعة الإخوان أن تركب ثورة 25 يناير2011 وسط حالة التشرذم والفوضى والإئتلافات الوهمية التى سادت أوساط الشباب الذين دعوا لتلك الثورة ولم تخرج أفكارها وتأثيرها خارج ميدان التحرير وكانت فرصة لان تسيطر الجماعة وتضغط على المجلس العسكرى حينذاك من خلال سلسلة من الأحداث والمواجهات التى كان الهدف منها النيل من أرضية وشعبية المجلس مثل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو وغيرها وصولا لفوزهم فى انتخابات تشريعية ورئاسية بدعم تلك القوى السياسية والشبابية على الساحة والتى كانت ترى فى الإخوان فصيل وطنى يجسد مبادىء ومطالب الثورة والثوار!
لم يستطع أى من الائتلافات الشبابية المخترقة من الجماعة وشبابها أن يقدم تصورا أو برنامجا أو خارطة طريق أو تصور أو مرشحين أو بدائل أو أو أو…؛ وتوقف المشهد السياسى على ما يطالب به محمد البرادعى وأتباعه من برجه العاجى فى الطريق الصحراوى وبين تكتيكات وتحركات جماعة الإخوان على الأرض وفى كواليس السياسة داخليا وخارجيا ومحاولات المجلس العسكرى المضغوط أيضا داخليا وخارجيا وسعيه لضبط المشهد والحفاظ على الدولة من السقوط الذى كان وشيكا ويخطط له وكان مشهد محاولة إقتحام ورزاة الدفاع لو تحقق الهدف منه أكبر دليل وإشارة البدء لسقوط الدولة وعمود خيمتها “القوات المسلحة” وكل من شارك فى أحداث العباسية ودافع عنها حينذاك كان يدرك توابع تلك الجريمة ورغم ذلك شارك فيها ودافع عنها ومواقفهم معروفة ومسجلة للتاريخ…
لم تعتمد ثورة 25 يناير على بنية فكرية لفلاسفة ومفكرين أو جاءت نتيجة لدعوات حزبية لاحزاب تحمل برامج وأفكار وبدائل وكانت كاشفة لضعف المشهد السياسى وضعف الأحزاب والقوى السياسية التى تحولت قبل بداية الثورة إلى مقرات لصحف تصدر عن مقرات لاحزاب مرخص لها تحت مظلة لا يسمح بالخروج من تحتها إلا بأوامر وإيقاع يرسم ملامح المرحلة فكان توظيف الصحف الحزبية والمعارضة وقنوات وبرامج التليفزيون وما سمى هامش الحرية وفق رؤية تخدم هذا الضعف السياسى وعقم التفكير وغياب البحث وشلل واضح فى الحركة وما كانت صور قادة تلك الأحزاب فى ميدان التحرير وغيرها من ميادين الثورة حينذاك إلا محاولات لمغازلة الجماهير والشباب وغسل السمعة ومنافسة الإخوان على ركوبها لكنه كان المشهد الأخير لتلك الأحزاب التى فقدت المصداقية تماما فى الشارع بينما تفرغت النخبة الفكرية والسياسية والثقافية حينذاك للتصوير فى الميدان والفاعليات وبجوار الشباب لتسجيل المواقف دون أدنى مساهمة فى تغيير المشهد ودفعة بحكمه للأمام وأرتمى قطاع منهم فى أحضان الإخوان وقدموا لهم مصر على كفوف الراحة فى واقعة فرمونت الشهيرة…
حاولت جبهة الإنقاذ ولكنها فشلت لارتباطها بوجوه فقدت بريقها وشعبيتها فى الشارع ولم ينقذها من الموت السياسى إلا نزول الشعب وحزب الكنبة للشارع بداية من نوفمبر 2012 فى أعقاب الإعلان غير الدستورى للمخلوع محمد مرسى وصولا لمحطتى 30 يونيو و3 يوليو 2013…

A protester holds a crossed out picture of President Mohamed Mursi while chanting anti-Mursi and anti-Muslim Brotherhood slogans as they wait in Tahrir square ahead of Mursi's public address, in Cairo June 26, 2013. REUTERS/Asmaa Waguih (EGYPT - Tags: POLITICS CIVIL UNREST) - RTX1126E

لم تحمل مبادىء 3 يوليو إلا خطوات الحفاظ على الدولة وخارطة طريق إنتقالية تعيد للدولة توازنها وهو أمر هام وكاف مرحليا ومصيريا لإنقاذ الدولة من براثن حكم الإخوان المسلمين ولكن حالة المواجهة والإرهاب التى أعقبت تلك الخطوة بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان وأنصارها وجماعات العنف التى تستظل بأفكارها ساهمت فى المزيد من حالة الضعف والموت السريرى للسياسة وأختفت الأفكار والكوادر والرموز بداعى الأولويات وأن البلد لا يمكن أن تعود للخلف ويتم تسليمها مجددا لتيار فاشى تحت راية الديموقراطية و التجارة بالدين…
وكانت الضريبة الوطنية لتلك الخطوة الحتمية قاسية ومؤلمة فبعد مرور 6 سنوات أدرك البعض أن مصر فى حاجة أكثر من أى وقت مضى لاحياء الحياة السياسية وضح الدماء فى الفكر السياسى وإنعاش الحراك السياسى لأنها – اى السياسة – هى القادرة على حماية كل ما تحقق من إنجازات وضمان استقرار الدولة وتداول السلطة بوعى وشفافية ونضج وكانت المفاجأة أننا وجدنا أن التربة أصبحت “بور” وغير صالحة ولا توجد كوادر مؤهلة أو أفكار تقود تلك المسيرة ورغم كل المحاولات المتتالية لهندسة المشهد وخلق كيانات حزبية تقود المشهد إلا أنها عندما توضع تحت منظار التحليل والتدقيق والقياس سياسيا فستجد أنها لا تساوى ثمن الورقة التى صدر عليها قرار ترخيصها وأن كوادرها لا تفقه فى السياسة ولا علاقة لها بالشارع أو البرامج أو تأهيل الكوادر أو حمل الأمانة فى مرحلة ما وأقصى ما تقدر عليه هو الحشد الضعيف فى فاعلية ما…
كل المحاولات التى تمت لإعداد كوادر شبابية أو قيادية أو معارضة أو تنسيقية رغم أنها جهود محمودة ومقدره لكن لا يمكن أن تكون بديلا للسياسة والحياة السياسية بمفهومها وتاريخها والمطلوب منها لانها لا يمكن أن تقدم بديل أو بدائل لغياب التنشئة السياسية والإحتكاك بالناس وهمومها ومشاكلها ومطالبها وربما تصلح فقط ككوادر تنظيمية يتم دمجها فى منظومة العمل الحكومى ولكنها ايضا كى تنجح فى هذا الدور تحتاج للمزيد من الخبرات والتأهيل العملى والأكاديمى وحبذا لو كان ذلك خارج مصر لتطلع أكثر على التجارب الناجحة والفاعلة…
إن مصر فى حاجة إلى تيار فكرى وسياسى رئيسى يجمع هذا الشتات الفكرى ويقضى على حالة التشظى التى أصابت كل القوى السياسية التاريخية والجديدة؛ تيار يقوم على أفكار فلاسفة ومفكرين ومبدعين قادرين على إدراك تحديات الواقع وتقديم رؤية ثاقبة للمستقبل تضبط الحركة والإيقاع وتحمى الإنجازات وتحافظ على الإستقرار وترشد القرار السياسى وتترجم آمال الشعب ومطالبه وتدفعه للأمام وهو أمر كما ذكرنا أصبح من المستحيلات نظرا لحالة الجفاف التى اصابت التربة السياسية المصرية خلال السنوات الماضية؛ فضلا عن أن الأمر يتطلب مستوى أخر ومختلف ومتطور من مناخ حرية الرأى والتعبير وهو ما قد يسبب إزعاج واضح للمطالبين بالمزيد من الإستقرار…
وهنا نؤكد ونقول أن التجربة علمتنا أن كل محاولات هندسة المشهد سواء إعلاميا أو صحفيا أو تشريعيا أو سياسيا باءت بالفشل وكان الثمن والضريبة فادح وأحيانا فاضح ومخزى وأن على الجميع حاكم ومحكومين إدراك أن الهندسة بمفهوم الوصاية والتدخل والسيطرة لا تفيد فى تفاعلات تلك المشاهد ويجب أن يقتصر دور الدولة على محاولة تنظيمها وفقأ أسس دستورية وقانونية وإدارية وأن يترك كل ملف للمعنيين به من مهنيين ومفكرين ومبدعين ولقواعد عمل متعارف عليها فى كل بقاع الدنيا ولن نقوم بإختراع العجلة مجددا…
إن دولة بحجم مصر والتحديات التى تواجهها داخليا وإقليميا فى حاجة للسياسة أكثر من أى وقت مضى وفى حاجة إلى أن تخضع لتيار سياسى رئيسى يبعدها عن حالة الإستقطاب التى عاشتها لفترات وهو العلاج المناسب لمرحلة إنتقالية تخرجنا من حالة الجفاف والبوار فى التربة السياسية إلى حيث واقع مختلف مزدهر ومثمر يخدم المصلحة العليا ويحافظ على الأمن القومى المصرى من أى محاولة إختراق لان قوة وثبات ووضوح البنية السياسية التحتية المصرية تحت مظلة هذا التيار ستقضى على كل محاولات تلك الإختراقات كما أنها ستسمح بظهور قوى وافكار سياسية جديدة يمينا ويسارا على جانبى هذا التيار وهو حل سياسى أيضا عندما تفشل كل الخيارات والإيديولوجيات الأخرى فى خلق البدائل والرؤى؛ فقط الأمر يحتاج إلى إرادة ومناخ وقناعة وإدراك وإعلاء المصلحة العامة…


وللحديث بقية…
جــلال نصــار
31 ديسمبر 2019م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات