13 | بيزنيس الإسلام السياسي

05:09 مساءً الأربعاء 1 يناير 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

galalعلى مدار 4 شهور قمت بزيارة لعدد من الولايات الأمريكية عام 1994 زرت خلالها عدد من مراكز الأبحاث ووزارة الخارجية والدفاع والكونجرس قابلت خلالها عدد من المسئولين والباحثين المؤثرين المعنيين بالشرق الأوسط وكانت أهم المحطات مركز الأبحاث والتطوير المعروف إعلاميا بمركز راند RAND…

وخلال نقاش ممتد مع خبراء المركز المعنيين بالمنطقة تطرق الحديث إلى مشروع يشرفون عليه يقوم على تدريب وتأهيل شباب ما أطلق عليه إعلاميا حينذاك شباب تيار الإسلام السياسى “المعتدل” بحيث يكون هؤلاء الشباب والكوادر مؤهلة للحكم فى دول المنطقة وخاصة مصر التى تتصدر المشهد عن طريق وجود مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين فى القاهرة تحت سمع ورعاية النظام السياسى المصرى حينذاك والإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية وأجهزتهما الأمنية والمخابراتية…
تطرق النقاش أيضا إلى عقيدة الإدارات الأمريكية المتتالية بغض النظر عن كونها جمهورية أم ديموقراطية بضرورة أن يتولى حكم الدول ذات الأغلبية المسلمة كوادر من تيار الإسلام السياسى الذى يروج له على أنه معتدل وتتبنى وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية والبريطانية الترويج للمصطلح والنهج “المعتدل” فى مقابل بديل شرير من الممكن أن يصعد فى حالة قمع تلك الكوادر والمقصود بالبديل “الجماعات والتنظيمات الجهادية المسلحة”…

F856773A-2C41-4401-92F4-72E483A7D521
كان رهان تلك الرؤية الغربية نتيجة لتراكم الخبرات فى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 وحركة حماس 1987 والجماعات الجهادية التى حاربت فى أفغانستان ضد الغزو السوفيتى حيث التربة الممهدة لقبول بجماعات وتنظيمات لغتها ولهجتها تتحدث بالقاموس الدينى والحلال والحرام واحتكار بوابة دخول الجنة والبعد عن طريق جهنم فى مقابل خطاب قومى يضر بالمصلحة الغربية بعد أن ساد الفساد والجهل والفقر والبطالة المجتمعات العربية وغابت السياسة وتسيد الأنظمة السلطوية للمشهد وفشل كل التجارب الإقتصادية والتنموية وإنعزال كل التيارات الفكرية والإيديولوجية عن القواعد الجماهيرية فكان الترويج للشعار السياسى لهذا التيار “الإسلام هو الحل” سهل ومؤثر مع إنتشار الأفكار الجهادية والسلفية والتكفيرية وعودة موجات الهجرة من الدول المتشددة دينيا…
الرهان أيضا كان على النخبة اليسارية وكوادرها الشبابية التى ستدافع عن حق هذا التيار فى التواجد خاصة فى أقصى اليسار الذى يهدف إلى إعادة صياغة الحياة السياسية وهدم كل المؤسسات وإعادة بناءها وفقا لتصوره عن مؤسسات الدولة ويرى فى الجيش والقضاء والشرطة والإعلام وغيرهم من مؤسسات تابعة لسلطة غير شرعية ديكتاتورية تعمد إلى تغييب العدل والمساواة والحياة الكريمة وهو ما يتفق ورؤية تيار الإسلام السياسى وجماعات العنف الإسلاموية الجاهدية التى لا تعترف بالمؤسسات القائمة وتكفر الحاكم ونظام الحكم ومن يؤيده ويعمل تحت مظلته وتريد أيضا إعادة صياغة لتلك المؤسسسات أو إيجاد بدائل لها من كوادرها الخاصة…

25D2CF55-1761-46BE-A778-1070BF16AB14
وكان الأمر وفقا لهذا التصور أيسر مما تخيل وخطط الخبراء حيث أستطاعت الكوادر الإسلاموية إختراق كل الائتلافات الشبابية والأحزاب والتيارات ووجدت مساندة من كل النخب على الساحة خاصة من اليسار وقطاع عريض من النخب الليبرالية التى تؤمن بالتوجهات الأمريكية دون مناقشة جادة لأسس هذا الدعم مع تيار وجماعات لا تؤمن بالسيادة الوطنية والحدود وفى غالبها ترفض الأخر ولا تؤمن بمفهوم المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات بين قطاعات الشعب التى تتعدد أديانه ومعتقداته وتغلب مفاهيم مثل الأغلبية والأقلية وأساليب المعاملات الدينية التى تفرق بين المواطنين شاغلى الوطن الواحد وتصر على مرجعية دينية للدستور والقانون وكل المعاملات وترعى التمييز ضد المرأة وكل ما هو مختلف معها حتى لو من أتباع نفس الدين…
راج خلال تلك الفترة الممتدة بيزنيس “الإسلام السياسى” وخبراء الإسلام السياسى والباحثين فى مجال الإسلام السياسى والمراكز والوحدات المتخصصة فى الإسلام السياسى وتطور الأمر إلى أن أصبحت غالبية تلك المسميات مروجة لهذا التيار والمصطلح وتسوق له تحت مسمى “الدفاع عن الحريات والحقوق” والبعض منها تبنى وجهة نظر التيار وأصبح مدافعا فى خندقهم وخرج الأمر عن العمل المهنى الذى يرتبط برصد الظاهرة وتحليلها بشكل موضوعى وغابت عنهم ذات الأسس التى تحدثنا عنها سلفا وأختلط الأمر وتحول إلى إرتباط مصيرى بتألق وإزدهار هذا البيزنيس بصعود وتمكن هذا التيار من السلطة والحكم وإنتشاره بالتوازى مع رموز المكايدة السياسية الذين يريدون رحيل النظام السياسى القائم بأى ثمن حتى لو كان البديل هذا التيار الفاشى وهو ما خلق “شبكة مصالح” تغيب عنها النظرة الموضوعية وإعلاء مصلحة الوطن الذى لا يحتمل التجربة بعد العام الأسود الذى حكم فيه مكتب إرشاد الإخوان المسلمين ومندوبهم فى قصر الإتحادية…
لقد تحول الأمر بعد مرور عشرات السنوات إلى تحد كبير لأمن واستقرار المنطقة ونهب واستنزاف لمواردها وأصبحت جماعة الإخوان وداعش والقاعدة والنصرة وحزب الله وغيرهم أهم سلاح فى “الترسانة الغربية” يتم إستغلاله فى “هندسة المشهد استراتيجيا” واضحوا بديلا للحروب النظامية حين تحولوا إلى مجموعات يتم تسهيل تنقلها وإمدادها لوجيستيا بالسلاح والأفراد على مسرح عمليات المنطقة وحدودها لإشعال صراع يهدد وجود دولة ويسقط نظام ويدمر موارد وإستقرار ويشرد الشعوب ويزيد التخلف والفقر بغض النظر عن الأسباب الموضوعية المتوطنة فى دول المنطقة من فقر وجهل وتخلف وسلطوية والتى تخلق بيئة مناسبة تساعد على استمرار تلك الظاهرة وزيادة خطورتها وغياب الرؤية التى ترى أن المواجهة ليست مسلحة فقط بل فى إيجاد بيئة صحية مضادة لا تسمح بإنتشار واستمرار تلك الظاهرة وبالطبع الصفقة الغربية المسمومة للحل هى قبول ذلك التيار مقابل تهدئة الأمور خدمة للرؤية الغربية البحثية والسياسية والإعلامية التى ترى فى هذا التيار برجماتية تسهم فى خدمة المصالح الأمريكية وحلفاءها فى المنطقة…

وللحديث بقية…
جــلال نصــار
1 يناير 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات