بداية أود التأكيد على حقيقة أن الدول الكبرى لا يفرض عليها توقيت الحرب وإنما هى من تختار متى وكيف تدخل الحرب وتحدد أهدافها وفق رؤية إستراتيجية ولا تتعامل بردود افعال عشوائية على بعض الأفعال والتحركات التى تهدف للإستفزاز وجر قواتها لمعارك تستنزف موارده وقوته البشرية وتنال من الروح المعنوية للشعب والجيش…
هذا المدخل كان ضرورىيا كى يكون عنوانًا  للخطاب السياسى والإعلامى المصرى للداخل لان الآلة الإعلامية الإخوانية التى تنطلق من استنبول ولندن تركز على جر مصر إلى مستنقع معارك جانبية أو تجبر مصر على الإعلان والكشف عن بعض تحركاتها على مسرح العمليات الإقليمى وتزايد على المواقف وتروج لانتصار وتفوق وقدرة تركية وهمية جعل البعض يدعو إلى التسرع بطلب دخول حرب مع كيان غير موجود على الأرض حتى كتابة تلك السطور وربما يتغير الوضع…
أما وأن البرلمان التركى وافق على إرسال قوات إلى ليبيا وفقا للإتفاق الذى وقع بين رجب طيب أردوغان وفايز السراج فهى خطوة تعد من الناحية السياسية إعلان حرب وتحد للإدارة المصرية التى أعلنت وتكرر أن ليبيا خط أحمر وأى تدخل عسكرى يعد مساس بالأمن القومى المصرى وهو ما يستوجب بعض الخطوات المعلنة والتحركات الدلوماسية والتصريحات الواجبة وإجتماع طارىء للبرلمان ومجلس الأمن القومى المصرى ومجلس جامعة الدول العربية وإعلان عدد من البيانات والتصريحات التى تشجب وتدين وتعلن عن إجراءات منصوص عليها على صعيد مسرح العمليات الدبلوماسية والإعلامية: الفعل ورد الفعل المصاد…
واقع الأمر على الأرض وفى البحر المتوسط يختلف وله قواعد وأصول يعرفها الجميع؛ وواقع الأمر أيضا يقول أن داعش والقاعدة والأخوان المسلمين وقطاعا كبيرا من السلفيين وجيش النصرة وشباب الصومال وبوكو حرام والإرهابييين فى مالى وكل التنظيمات الإرهابية المسلحة هم “جنود الخلافة العثمانية” وأن خطوة إعلان البرلمان التركى إرسال قوات هى تحصيل حاصل لان أردوغان لن يغامر بإرسال قوات من السهل قطع كل الإمدادات اللوجيستية عنها وحصارها وتدميرها على الأرض أو قبل وصولها بسبب بعد المسافة بين قواعد تلك القوات ومسرح العمليات الليبى ومن الأيسر له أن يحرك مليشيات ومرتزقة تابعين لراية الأخوان ومشروع الخلافة الوهمى تحت سمع وبصر الأجهزة الغربية التى تراقب تحركاتهم وبالتنسيق معهم…
لمن لا يعلم مسرح عمليات البحر المتوسط هو منطقة عمليات الأسطول السادس الأمريكي ومقر قيادته في نابولي، ولديه عدة قواعد في نابولي، جنوى، سبيتسيا، سردينيا “إيطاليا”، روتا “إسبانيا”، كما يجوز للأسطول السادس استخدام جميع قواعد حلف الناتو الأوروبية ويتكون الأسطول السادس الأمريكي من:
– سفينة لقوات الإنزال
– سفينتان نوويتان حاملتان للطائرات
– 4 طرادات صاروخية
– 15 مدمرة مزودة بصواريخ موجهة من طراز “آرلي بيورك”
– 5 سفن هجومية برمائية من طراز “وسب”
– 4 غواصات نووية من طراز “فيرجينيا”
– 175 طائرة
– 21 ألف عسكري
– مجموعة من سفن الدعم اللوجستين من ناقلات للبترول، ناقلات للمواد الغذائية، قاعدة عائمة للمدمرات، سفن الإنقاذ، سفن التصليح وغيرها.

أضف إلى ذلك القواعد العسكرية الروسية فى ميناء طرطوس السورى؛ وكذلك عشرات السفن والناقلات العملاقة التى تمر يوميا على أعتبار أنه ممر لحركة ملاحة عالمية؛ وفى منطقة شرق المتوسط وأمام السواحل المصرية والليبية يقابلها شمالا السواحل اليونانية والقبرصية والإيطالية والفرنسية وهو مجال ومنطقة عمليات خاضعة لاتفاقيات ومصالح مشتركة تمنع عمليا أى عبث تركى لانه أقل من تلك القوى بحريا وجويا بل أن مصر بمفردها تفوق تركيا بحريا وجويا؛ وكل ما يحاول أن يقوله ويفعله أردوغان وتروج له قنوات الأخوان بالنسبة للبحر والجو أمر يفوق قدراته ولن يكون هناك أى إختراق إلا بموافقة ودعم أى من القوى الكبرى على ذلك المسرح وبعض دول الجوار التى تتمدد فيها جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية…
اردوغان يراهن على جيشه من الإخوان والمرتزقة من خلال عمليات نقلهم إلى مسرح العمليات الليبى من شمال سوريا والعراق وحدود دول الجوار الليبى من أجل خلق واقع جديد على الأرض وإحداث الخلل فى موازين القوة بين الشرق والغرب الليبى خاصة بعد تغير مواقف بعض القبائل الليبية لصالح المشير خليفة حفتر واصبح الحل الخارجى والدفع بمليشيات مسلحة من خارخ المسرح بدافع المال أو بدافع أيديولوجى منتمى لمشروع الخلافة العثمانى…
أردوغان فى هذا يتحرك وفقا لرؤية إخوانية للسيطرة على الأراضى والثروات الليبية وتمكين المليشيات والحكومة الإخوانية وتصدير الأزمات للدولة المصرية ودعم كل الجماعات الإرهابية التى تستهدف المسرح المصرى إضافة لخلق مجموعة من أوراق الضغط التى تساعده فى الجلوس على مائدة مفاوضات دول غاز شرق المتوسط لإعادة تقسيم ثروات المنطقة وإعادة التفاوض حول الحقوق تسانده فى ذلك عدد من القوى الدولية الفاعلة مثل بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا التى ترغب فى ألا تستقر الأوضاع دون أن تنال نصيبها ونصيب شركاتها من مشروعات الإستخراج والتنقيب…
مسرح عمليات المتوسط ليس ببعيد عن مسرح عمليات سوريا والعراق واليمن وفلسطين وربما “قنابل الدخان” هناك يمكن أن تؤثر على تفاعلات وأولويات الإهتمام على مسرح المتوسط والمسرح الليبى؛ فالطبيعى أن عملية قتل قاسم سليمانى ستؤثر وإشتعال مناطق صراع الهلال الشيعى ستؤثر؛ علينا فقط أن ندير الأزمة “بدماغ باردة” و”إعلام واع” و”دبلوماسية مبادرة” ومن قبلها يقظة وإستعداد قواتنا المسلحة المصرية ودعم ووحدة وصلابة الجبهة الداخلية وإستقرارها وما علينا إلا مراقبة الوضع ورصد التطورات والمبادرة والإستعداد دائما لرد الفعل وبسرعة أصبحت مطلوبة…
…
وللحديث بقية…
جــلال نصــار
3 يناير 2020م

Tweet