16 | في فهم ما يحدث.. إستراتيجية شد الأطراف

10:29 صباحًا الإثنين 13 يناير 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

galalيقف قطاع كبير من الشعب المصرى عاجزا أمام تفسير المشهد السياسى والعسكرى والأمنى فى المنطقة فى ظل غياب الرؤية الواضحة والعميقة عن وسائل الإعلام والصحف إلا من رحم ربى وموضوعات ومقالات ” موضوعات التعبير” الإنشائية التى تعبر عن خواطر صاحبها وتعكس ضحالة ثقافته ومصادره المعلوماتية والإخبارية وتركوا الشعب فريسة لرؤى وتحليلات نعلم جميعا أهدافها وكيف يتم توظيفها…
المواطن المصرى أمام سيل من الأخبار والتقارير عن تحركات وتدخلات وبلطجة تركية يقودها الرئيس العثمانلى الإخوانى رجب طيب اردوغان لإثارة المشكلات فى منطقة شرق المتوسط ومحاولات التدخل فى الشأن الليبى مهددا الأمن القومى المصرى على الحدود الغربية بعد أن فشل فى ذلك الأمر بعد سقوط نظام البشير فى السودان وضياع حلم القاعدة العسكرية فى جزيرة سواكن على البحر الأحمر فضلا عن دعم مادى وإعلامى ولوجيستى ودبلوماسى كل الجماعات المسلحة من جنود مشروع خلافته الأخوان والدواعش والقاعدة والنصرة…

يحدث ذلك بالتوازى مع تعنت أثيوبى واضح وكاشف فى ملف سد النهضة وإصرارها على استكمال بناء السد وتشغيله وتجاهل المطالب والرؤية المصرية المشروعة التى تدافع عن حق الشعب المصرى فى الحياة؛ بالتوازى أيضا مع اشتعال فى كل ملفات المنطقة والتهديدات بمواجهات عسكرية تحدث أو لا تحدث بين الولايات المتحدة وإيران فى أعقاب استهداف قاسم سليمانى القائد الأبرز فى الحرس الثورى الإيرانى وقادة الحشد الشعبى على اراض عربية فى العراق وسوريا واليمن ولبنان وكل مناطق الهلال الشيعى وبعض حركات ما يسمى المقاومة السنية التى تتلقى تمويل من طهران فى غزة وغيرها…
فشل الإعلام والصحافة مجددا فى شرح طبيعة الصراع وأطرافه وأصوله وأن كل ما تمر به المنطقة لا يخضع للتنظير أو رفض وقبول نظرية المؤامرة ومشهد يشبه إلى حد كبير مسألة “البيضة والا الكتكوت”؛ بمعنى هل أحوالنا هى سبب مباشر لما يحدث لنا أو أن هندسة المشهد بحيث يظل كما هو ودعم كل السياسات والقرارات والأنظمة وتدمير المؤسسات وعناصر القوة وإفشال كل محاولات الخروج منه هى السبب…
لقد كان لديفيد بن جوريون الذى تولى رئاسة وزراء إسرائيل من مايو 1948 حتى يناير 1954؛ ومن نوفمبر 1955 حتى يونيو 1963 له رؤيه فى مشهد المنطقة حينذاك حين قال أن التكوينات العرقية والطائفية والإيديولوجية فى الدول العربية فرصة لإزكاء الخلافات وتحويلها لاحقا إلى معضلات مستمرة يصعب حلها أو احتواؤها وتستنزف كل القوى ومحاولات النهضة والتنمية؛ وطالب بن جوريون من مساعديه صياغة ما عرف حينها ب “استراتيجية الأطراف” أو “إستراتيجية شد الأطراف” والتى تتطلب وفقا لرؤيته علاقات قوية وتنسيق فى الأدوار مع الدول المحيطة بالوطن العربى كأيران وتركيا وأثيوبيا لتشكل وظيفيا كمصادر ضغط وتهديد مباشر على العواصم العربية ولابقاء بؤر الصراع قائمة بينها حتى لو كان هناك خلاف أو عداء بين إسرائيل وأى من تلك الدول من خلال توظيف الدور والتوجه والعقيدة لتلك الدولة مثلما الحال مع غيران بعد ثورتها الإسلامية…

أردوغان، بن جوريون وشارون

أردوغان، بن جوريون وشارون

وقد نجح خلفاء بن جوريون فى تطوير رؤيته الإستراتيجية وايضا آلياتها فى 28 ديسمبر 1981 أدلى أريل شارون وزير الدفاع حينذاك بحوار لصحيفة معاريف قبل شهور من غزوه للبنان تحدث عن ما عرف لاحقا ب “إستراتيجية شد الأطراف ثم بترها” وهو المقابل الموضوعى لمشروع تقسيم وتفتيت بعض الدول العربية حين قال نصا: “إن الظروف أصبحت مواتية لتحقيق مشروع تفتيت الدول العربية وبسط الهيمنة الإسرائيلية فى المنطقة” وتطرق فيه إلى ملفات الصراع التى يمكن العمل عليها وتأجيجها وأوردها كالآتى: الصراع السنى الشيعى الكردى فى العراق؛ السنة والعلويين فى سوريا؛ تعدد واختلاف المذاهب والطوائف فى لبنان؛ الفلسطينين فى ما بينهم وكذلك صراع محتمل بينهم وبين البدو فى شرق الأردن؛ التواجد الشيعى فى شرق السعودية؛ والشيعة فى البحرين؛ المسلمين والأقباط فى مصر؛ الشمال السنى والجنوب المسيحى والوثنى فى السودان؛ العرب والبربر فى المغرب العربى الكبير…
تلك الرؤية التى كانت نواة لما ذهب له المؤرخ الصهيونى برنارد لويس فى ضروة إعادة تقسيم حدود المنطقة وتفتيت بعض الكيانات الكبرى والإمساك ببعض أوراق الضغط والتفاوض وإزاحة بعض الأنظمة والجيوش والمؤسسات كآليات لتنفيذ تلك الرؤية؛ وقد كان للويس تأثير كبير على إدارة بوش الأبن وما قبلها وبعدها والمحافظين الجدد وقطاع كبير من السياسيين ومراكز صنع القرار الأمريكى فتطابقت الرؤية الأمريكية والإسرائيلية للمشهد الإقليمىمع وجود توظيف محسوب لكل الدول المحيطة ومواقفها سواء كانت فى خندق العدو أو الحليف وهو ما ذكرنا بعض منه فى مقال الدور الوظيفى لاردوغان وكيف يتم توظيف الدور الإيرانى والتركى والقطرى وجماعة الأخوان المسلمين وكل جماعات العنف المسلح التى تحمل راية الدين…
أدرك أننا ابتلينا فى فترة ممتدة ببعض الإعلاميين والصحفيين والباحثين والمنظرين الذى عملوا عن عمد أو عن جهل على تفنيد تلك الإستراتيجية التى تحدث عنها قادة إسرائيل علنا وصاغها برنارد لويس وأطلق البعض على هؤلاء لقب “المارينز الأمريكى فى النخبة المصرية” الذين أنطلقوا من منطق نفى كل هذا الكلام وتحميل أوضاعنا كسبب رئيس لما وصلنا إليه دون إشارة موضوعية للعوامل التى تساهم فى إبقاء الوضع على ما هو عليه وللاسف جرى تمكين هؤلاء من مراكز صنع القرار وتوغلوا فى أوصال الدولة المصرية وغيرها من الدول العربية…
أود فى ختام المقال أن أؤكد على أن إرادة الدول ووعى شعوبها وصلابة مؤسساتها ودعم كل عناصر القوة الشاملة للدولة هو الفيصل فى نفاذ ونجاح أى مخطط مضاد وأن المعارك الممتدة جولات متتالية وفى كل جولة تقاس قوة وصلابة الشعب والدولة والمؤسسات؛ وأن كل ما يخطط ليس قدر محتوم علينا الإستسلام له؛ المعضلة تكمن فى إفتقادنا القدرة على تقديم الرؤى المضادة والمبادرة والقدرة على الفعل واستيعاب اللحظة والتحديات والتخلى عن كل عناصر الجهل والتخلف والنفايات الفكرية التى يتم تدويرها داخل كل مؤسسات الدولة لنعود ونسأل مجددا عن أسباب المشكلة ونحن من نصر على صناعتها ونساعد الغير على تنفيذ ما يشاء من رؤى ومخططات…

وللحديث بقية…
جــلال نصــار
12 يناير 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات