17 | جنود الخلافة

04:33 مساءً الثلاثاء 21 يناير 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أصبح جليا أمام جميع الدول والقادة والمنظمات الدولية أن الرئيس التركى رجب طيب إردوغان هو من يحرك كل الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة التى ترفع راية الجهاد أو تعمل تحت مسمى خادع بأسم “تيار الإسلام السياسى”؛ وأصبح هؤلاء مجتمعين هم جنود فى مشروع الخلافة الذى صار واقعا ملموسا ومدمرا فى كل مكان ودولة يتواجد فيها هؤلاء؛ والقراءة الدقيقة لإنتشارهم وتنقلهم وعملياتهم وخطابهم الإعلامى تؤكد ذلك؛ وتحول إردوغان إلى إستخدامهم فى فرض واقع جديد على كل الملفات الإقليمية والدولية ويهدد بهم دول الجوار والدول الأروبية…
galalسنوات عاشها العالم والإقليم فى عملية خداع كبرى تم فيها الترويج لما أطلق عليه “تيار الإسلام السياسى المعتدل” وكانت أهم عمليات تسويقه تتم من خلال الترويج ودعم النموذج المتطرف “الجهادى” فى المقابل كى يفرض على المنطقة والعالم الإختيار بين نموذجين ليكون الخيار الذى يفضله العالم والنخبة المزيفة ذلك النموذج “المعتدل” رغبة فى احتواء ذلك التيار داخل منظومة الحكم فى كل الدول الإسلامية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط…
انتعش بيزنيس الإسلام السياسى الذى يروج للتيار أكاديميا وبحثيا ودبلوماسيا وإعلاميا ووصف أى نظام وديموقراطية وتجربة لا تحتوى هذا التيار بأنها غير ديموقراطية وأنصرفت الجهود عن دعم تيار مدنى قوى إلى دعم إحتواء هذا التيار كى لا ننزلق إلى مواجهات مع الجماعات المتطرفة التى تنتعش -من وجهة نظرهم- فى ظل مجابهة وحصار “تيار الإسلام السياسى المعتدل”؛ وهكذا أستمرت لعبة صناعة النماذج بين الضديين فكان نموذج إردوغان الذى تم الترويج له على أنه صاحب إنجار سياسى وإقتصادى وتنموى فى مقابل نموذج أبو بكر البغدادى ومن قبله أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى؛ ونموذج جماعة الأخوان المسلمين فى مقابل القاعدة وداعش والجهاد وكأن الامر حتمى وضرورى للخروج من دوامة العنف…
إردوغان بالتنسيق مع جماعته من الإخوان المسلمين ومكتبهم للإرشاد بالقاهرة وذراعه فى التنظيم الدولى رتب المشهد بأن يتحول ما أطلق عليه البعض “الربيع العربى” إلى فرصة لإعتلاء منصات الحكم والسيطرة على المنطقة فى رؤية ومخطط للسيطرة تستمر لعقود تستعيد الخلافة العثمانية بريقها وتعيد للأمة الإسلامية عهد الخلافة الذى بنى حسن البنا مشروعه السياسى والدعوى على أساسه عام 1928م…
إردوغان تنظيميا وفكريا ولوجيستيا يسيطر على كل الجماعات الإسلامية فى المنطقة حتى حركات “المقاومة” وفى مقدمتها حماس؛ فهو يدعم تلك الحركات فى الصومال وفى سوريا وفى ليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا والسودان والتنظيم الأم فى مصر فضلا عن أيواءه للهاربين منهم وتوجيه أبواق إعلامية تروج لهم تنطلق من تركيا ومن عدد من العواصم العالمية بالتنسيق مع التنظيم الدولى وكانت العلاقة المكشوفة والفاضحة أمام العالم مع التنظيمات الإرهابية فى شمال سوريا والعراق من حيث التسليح والتدريب والدعم اللوجيستى ثم ضمان تنقلهم عبر الحدود التركية وتسفيرهم إلى أماكن عمليات جديدة فى سيناء وعلى الحدود الغربية المصرية وفى الداخل الليبى خير دليل…

مهجرون سوريون من راس العين

مهجرون سوريون من راس العين

مشروع إردوغان الإيديولوجى يرتبط بمطامع إقتصادية لزوم الهيمنة بعد أن وجد دولته جغرافيا مستبعدة من كل اتفاقيات تقسيم ثروات الغاز والنفط فى شرق المتوسط ولم يستوعب أن كل ما يجرى من اتفاقيات قانونية هى فى واقع الأمر طبيعية فراح يحاول فرض أمر واقع ضاغط على مصر واليونان وقبرص كى يتقاسم معهم حقول الغاز والثروات ويضمن لحلفاءه من الإسلاميين الدعم والحماية فى ليبيا وتونس وأمتدادهم فى جنوب ليبيا الذى يرتبط بمحور الإرهاب فى مالى والنيجر ونيجيريا وتشاد…
فى المقابل نجحت مصر والرئيس السيسى فى كشف تحركات إردوغان أمام العالم وكشف كل عمليات الدعم والتمويل للمرتزقة والمليشيات وتبقى لها أن تستكمل جهودها لتفكيك شبكة المصالح مع الدول التى تتحالف أو تنسق مع إردوغان بصورة برجماتية وخدمة لمصالحها؛ ولكن كى تكتمل الجهود ويندحر هذا التيار الفاشى يجب أن تكتمل صورة مصر من خلال منح المصداقية اللازمة لصورة مصر الخارجية كدولة تتقدم على طريق التنمية وتحتاج إلى إستثمارات خارجية…
فكما تحدثنا عن صناعة نماذج التيار الإسلام السياسى والجماعات الإرهابية والترويج لها تحتاج مصر لان تصنع وتروج نموذجها السياسى الداخلى وتدعم بكل صدق تيار سياسى مدنى يقود الحياة السياسية ويقوى الجبهة الداخلية ويخاطب العالم؛ صحيح أن البعض يرى أن العالم لا يحترم إلا القوى الذى يمتلك القوة والقرار ويفرض السيادة ويحمى الحدود والثوابت والمؤسسات ولكن الأمر لا يخلو من نقاط ضعف وأوراق يحاول الآخر أن يخترق دفاعتك من خلالها وفى مقدمتها السياسة الداخلية وحرية الرأى والتعبير والدور الإيجابى للصحافة والإعلام وعودة القوة الناعمة للدولة المصرية ثقافة وفنا وتنويرا وإيمان وسطى معتدل يقوده ازهر وكنيسة مازلا رغم كل التراكمات لهما مكانة ودور مطلوب جرى تراجعهما فى ظل الترويج لصالح النموذج الغربى “للإسلام السياسى المعتدل” ومؤخرا وفى ظل غياب معارضة وطنية داخلية قوية يجرى الترويج للمقاول الهارب محمد على وأمثاله من مرتزقة السياسة على أنهم “المعارضة المصرية فى الخارج” وللاسف تروج بعض الأبواق الإعلامية المصرية لهذا المصطلح كما روجت من قبل لمصطلح “المعارضة المسلحة” فى سوريا…
إن مصر التى تقدم نموذجها التنموى الإقتصادى وتحرص على معدلات وأرقام إيجابية؛ وتقدم نموذج لجيش متطور حديث تسليحا وتدريبا وتحمى سيادتها وحدودها وأمنها؛ مطالبة بأن تبذل جهودا جادة لصياغة مشروع سياسى وفكرى مضاد لمشروع الخلافة الإردوغانية الذى يتسلل فى فراغات تم تركها لفترات داخل عقل ووجدان المواطن المصرى والعربى المحيط حتى أصبح يمثل خطر قائم ومتحد لكل الإنجازات ومشروعات التنمية والإستقرار والأمن؛ ولابد أن تكون هناك قناعة تامة بأهمية المشروع السياسى الوطنى وأن لا يترك حتى يفرض من الخارج فى تجربة ليست بعيدة عندما فرض على مصر إدخال 80 من جماعة الإخوان مجلس الشعب فى عملية سياسية تم هندستها فى ثوب ديموقراطى وهللت لها النخبة المزيفة وأعتبرتها بداية للنضج السياسى…
إن مصر مطالبة بأن تستعيد قوتها الناعمة الراقية على كل المستويات لانها صمام الأمان وكانت هى القوة التى تسللت إلى كل عقل ووجدان عربى وحملت معها عناصر وأواصر حمت الأمن القومى المصرى على إمتداده فى الوطن العربى وأفريقيا ودول العالم الثالث وحركاتها السياسية والتحررية حين كان التأثير الإيجابى لتلك القوة بديلا عن القوة المسلحة والجيوش والإحتلال وكانت تجد ترحيبا وطلبا بالمزيد ولن يتحقق هذا دون أن نستشعر واقعنا المأساوى فى التعامل مع تلك القوة الناعمة ونرى نتيجة تراجعنا والمساحات التى تركت فارغة عن عمد أو عن جهل فاحتلها الغير واصبحنا نعانى وندفع الثمن دماء طاهرة بديلا عن إبداع غاب أو غيب عمدا وجهلا…

وللحديث بقية…
جــلال نصــار
21 يناير 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات