19 | خدعوك فقالوا …

09:20 صباحًا الجمعة 14 فبراير 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

galalخدعوك فقالوا أن الدولة التى تخوض حربا شرسة ضد الإرهاب يجب أن تتراجع كل أولواياتها وتتأخر كل قراراتها وتتعثر خطواتها؛ ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما، وقد ثبت بالتجربة أن الدول التى تواجه تحدى الإرهاب وتقدم الشهداء وتخوض معركة وعى حقيقية تحتاج أكثر من الدول المستقرة إلى دعم شعوبها وبناء رأى عام مساند داخليا وخارجيا للقضاء على مسببات الحالة والمناخ الذى أحتضن وساهم فى إنتشار الفكر والبيئة الحاضنة المساندة للإرهاب وتتقلص مدة العمليات العسكرية وتقل فاتورة تكلفة الحرب وتتوقف حالة الإستنزاف.
إن تأجيل قرارات الإصلاح وبناء منظومة متكاملة للوعى والإدراك والتنوير هو سبب مباشر لإطالة أمد المعركة مع الإرهاب لان القاعدة الذهبية التى يتم تجاهلها عن عمد أنه لا يقضى على الظلام إلا النور؛ والنور فى حالتنا هو الوعى والحرية والإنطلاق نحو آفاق تتجاوز كل معارك الجهل والتدنى وتدوير النفايات الفكرية وتقضى على كل الظواهر التى نعانى ونشكو منها ليل نهار متجاهلين عن عمد الآسباب الحقيقية التى تبقى الحال كما هو عليه…
يا سادة إن كل المساحات التى تحرك فيها الحوينى وجبريل ويعقوب وغنيم وامثالهم ومن قبلهم الاخوان والسلفيين والجهاديين ومن بعدهم الدعاة الجدد كانت نتيجه لإنسحابات متتالية من مؤسسة الازهر وعلماءه وتعدد مناير الفتوى والتفسير والتاويل والاستخدام السياسى للدين من قبل الجماعات الدينية والسلطة على حد سواء إضافة لغياب المشروع التنويرى الشامل الذى يعد الخطاب الدينى المستنير احدى روافده… المناخ هو ما يتيح لكل الظواهر التى لا نرضى عنها ان تتصدر المشهد بداية بشيوخ الفتنة وصولا لشاكوش لان غياب العقلية والتفكير النقدى الذى يفرز ويرفض او يقبل تلك الظواهر غير موجود لذا هو معرض دائما للوقوع فى كل مرة وامام كل ظاهرة فريسة؛ ولكن تقول لمين لا حياة لمن تنادى ومصيبتنا الاكبر عدم الادراك لتلك الثغرات والمساحات غير الماهولة فى العقل والوجدان المصرى…
لقد أستغل البعض ما مرت به مصر من فوضى بعد ثورة 25 يناير 2011 ثم الصدام مع الأخوان والتابعين لها بعد ثورة 30 يونيو 2013 لخدمة مصالح لشخصيات وشلل ابعد ما تكون عن مصلحة الدولة المصرية ووضع تصورات لمسيرة صنفت كل محاولات الإصلاح الحقيقية أو تلك التى تهدف إلى إحياء القوة الناعمة المصرية من ثقافة وإعلام وصحافة وفن وموسيقى وسينما ومؤسسات على أنها أدوات تحمى الفوضى وتدعمها ولا حل أمام صانع القرار إلا بتقويض كل تلك القوى والإطاحة بكل رموزها وشيطنة العاملين بها وحصار المبدعين والموهوبين وإتباع سياسة تضع من يتصنعون الولاء والإنتماء فى الصدارة بالتوازى مع تخليق مؤسسات موازية والإستحواذ على أكبر عدد ممكن من المؤسسات الخاصة المملوكة لافراد أو شركات على أن تتصدر تلك الكيانات المشهد دون رؤية أو مشروع بديل فكانت النتيجة أن ترك العقل والوجدان المصرى على قارعة الطريق لمن شاء أن يعبث به ويوجهه فتحول الأمر برمته إلى جريمة لا يجب أن يفلت من أرتكبها دون حساب…
تلك الخديعة الكبرى التى عبثت بأولويات الدولة فى معركتها ضد الإرهاب ساهمت فيها تلك النخبة المصطنعة البديلة بالهجوم على كل من يحاول أن يدق جرس الإنذار ويحذر ويصرخ وحيدا فى البرية ويهاجمون كل من يحاول أن يعيد الصواب والرشد إلى القرار والسياسة ويتاجرون بدماء الشهداء وبأنه لا صوت يعلو على صوت التضحيات واصوات البنادق والمدافع والرشاشات متجاهلين أن المعركة ميدانها الأكبر والأصلى هو العقل والوجدان وأدواتها مرتزقة وشباب خضع لغسيل عقل وعملاء قبضوا الثمن دولارات وإقامات فى تركيا وإنجلترا وماليزيا…
إذا ليس صحيح أن تأجيل الإصلاح السياسى والفكرى والإعلامى والثقافى سيساهم فى القضاء على الإرهاب والإسراع بتحقيق التنمية لان تسريع عملية القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب وتطيل أمد المعركة معه تتطلب الإسراع بالإصلاح؛ وأن كل مشروعات التنمية والإنجازات الإقتصادية والمشروعات الكبرى على أرض مصر لن يحميها ويحافظ عليها إلا مشروع سياسى وفكرى ناضج واجيال جديدة تتسلم الراية وهى تمتلك رؤية يساندها شعب لديه الحد الأدنى من الوعى الذى يمنع تجربة صعود الأخوان المسلمين إلى سدة السلطة مجددا…
أدرك أن مضمون المقال ربما يكون سباحة ضد التيار بعد أن فضلت الأغلبية الصمت ولكن المتابع لما أكتبه على صفحتى وفى مقالاتى يدرك أننى أحرص على دق الجرس كلما حانت الفرصة للتنبيه إلى أهمية معركة الوعى والتنوير وضروة أن تتغير الأولويات والمفاهيم الحاكمة لصناعة السياسة والقرار ولأننى مازلت أعتقد وارى أن هناك بصيصا من الأمل لدى بعض الدوائر القريبة من صنع القرار التى يمكنها أن تؤثر وتصلح وتنبه قبل أن ننزلق جميعا إلى مستنقع الفوضى والجهل الذى سيغرق فيه الجميع دون إستثناء بما فيهم هؤلاء المتنطعون الذين يهاجمون أى دعوات للإصلاح بححج يحفظونا ولا يدركون ماهية المصلحة العليا للدولة المصرية…

وللحديث بقية…
جــلال نصــار
13 فبراير 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات