21 | الإدارة السياسية والإعلامية لملف سد النهضة

12:52 مساءً السبت 29 فبراير 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

galalبداية أنا لست خبيرا فنيا فى السدود والموارد المائية ولن أتطرق للجوانب الفنية فى ملف سد النهضة وسأركز تحليلى هذا على الجوانب السياسية والإعلامية مجالى الخبرة والدراسة والتراكم…
لقد أستطاعت إثيوبيا منذ بداية تحريكها لملف سد النهضة بعد سنوات من التوقف والتجميد أن تخطو خطوات واسعة جاءت كلها فى مساحات ونقاط ضعف أصابت الدولة المصرية وأحدثت ثغرات متنوعة فى جدار عال من الخطوط الحمراء التى كانت تمنع بناء هذا السد وغيره من السدود دون موافقة مصرية وسودانية…

واستطاعت اديس ابابا الترويج السياسى والإعلامى لجلسة الرئيس المعزول محمد مرسى مع بعض رموز المعارضة حينذاك وصدرت للعالم صورة دولة مصرية تمارس حالة من العداء والإستهداف على الهواء مباشرة مع دس بعض الروايات والدفوع فى الكواليس عن قهر وضغوط تعرضت له من قبل نظام الرئيس الراحل حسنى مبارك ورئيس جهاز المخابرات العامة الراحل عمر سليمان؛ فنالت تعاطف كبير من الدول الأفريقية والدول التى تريد أن تقحم نفسها فى الملف وتسيطر على القرار والإرادة المصرية…
ونجحت إثيوبيا سياسيا وإعلاميا فى الترويج لفكرة التنمية التى تقف خلف رغبتها فى تشييد سد النهضة و4 سدود أخرى تستهدف تشييدها للمساهمة فى خطة التنمية التى تحتاج إلى طاقة كهربائية تستخدمها فى تشغيل المشروعات الإستثمارية والبنى التحتية وتستطيع أيضا تصدير جزء كبير منها يضخ العائد منها فى مشروعات التنمية دون أدنى إشارة إلى الحقوق المصرية والسودانية وفقا للإتفاقيات القانونية الموقعة والموثقة والمعترف بها…

سد النهضة على خرائط جوجل

سد النهضة على خرائط جوجل

بالتوازى نجحت أديس أبابا سياسيا وإعلاميا فى الترويج لتجربتها الديموقراطية وتنافس الأحزاب وتداول السلطة ولقوة المعارضة وقدرتها على دفع الملفات التى تمس المواطن الأثيوبى إلى مائدة التفاوض والتوازنات الداخلية رغم ما تشهده الساحة السياسية من أضطرابات عرقية وصدامات بين النظام والعرقيات فى بعض الأقاليم؛ مع الترويج الناجح لفكرة دعم حقوق المرأة وتوليها رئاسة البلاد والتدخل فى بعض الملفات السياسية والصراعات الإقليمية فى دول الجوار وحصل أبى أحمد رئيس الوزراء الأثيوبى بسبب ذلك على جائزة نوبل للسلام؛ كما سمحت بمساحة كبيرة لوسائل الإعلام والصحف والمواقع الإثيوبية تتناول فيها ملف سد النهضة تهاجم وتحلل وتستعرض فى تنوع لا يلتزم بالخط السياسى للدولة الأثيوبية ولا يحسب عليها…
فى المقابل حرصت الدولة المصرية على إضفاء حالة من التكتم الشديد على كل مراحل التفاوض فى الملف وتفاصيله وابتلعت الطعم الإثيوبى الذى روج لفكرة أن الإعلام المصرى هو سبب أزمات كبيرة بين البلدين وأن التناول الإعلامى والصحفى المصرى يضر بالقضية فحصلت فى المقابل على تعهد رسمى وضمان بأن لا يتطرق الإعلام والصحافة المصرية إلى ما يضر بالعلاقات والملف فى رسالة للعالم بأن هذا التعهد يعكس سيطرة الدولة الرسمية على وسائل الإعلام والصحافة وهو ما يفقدها المصداقية وتحولت إلى ترسانة من الأسلحة الفاسدة وتم تحييدها تماما فخسرت مصر أول اسلحتها فى المعركة…
وأتذكر عندما كنت أتولى المسئولية فى أحد المطبوعات المصرية القومية أن مسئول إعلامى مصرى كان يلح فى التهدئة أو عدم نشر بعض المقالات والتحليلات لخبراء مصريين عن مراوغات الجانب الأثيوبى وأن الأمر يستفزهم وكنت أتجاهل تلك الرؤية لأن عينى كانت على الإعلام والصحف والمواقع الأثيوبية التى ترك لها حرية الحركة والتناول والمعالجة وأن عدم النشر أو دحض الرواية الأثيوبية يتركها وحيدة على الساحة ويضيع الحق المصرى…
وعلى المستوى السياسى لم يكن كافيا الترويج المصرى لتجربة التنمية الإقتصادية وبرنامج الإصلاح الذى تشيد به كل المنظمات الدولية إلى جانب المشروعات الكبرى فى مقابل الترويج الأثيوبى لتجربتها السياسية وواجهتها الديموقراطية ولعبة توزيع الأدوار بين الحكومة والمعارضة والسلطة القوية للبرلمان وتوازنات الحياة السياسية وضغوط الرأى العام الأثيوبى الذى يعيش حلم السد والتنمية ويخرج مظاهرات ومسيرات فى واشنطن وغيرها من العواصم الدولية رفضا لأى ضغوط على حكومته للتوقيع على أى إتفاق يعطل حلم السد…
إن الإستخدام السياسى للإعلام فى إدارة الملفات والصراعات والعلاقات الدولية أصبح علم وفن ولم يعد ترفا أو أمرا هامشيا؛ وإن قوة الجبهة الداخلية سياسيا وتنوعها وقوة المعارضة والرأى العام والمؤسسات التشريعية والحزبية يضيف إلى قوة الدولة ومن يمثلها فى أى تفاوض ولعل تاريخنا الطويل الممتد من التفاوض مع إسرائيل أكبر وأهم دليل على لعبة توزيع الأدوار بين الحكومة والمعارضة وتوازنات تشكيل الحكومات وضغوط قوى المعارضة والقوى المتطرفة التى جعلت من دولة الإحتلال العنصرى “واحة للديموقراطية” فى الشرق الأوسط كما يروج لها الإعلام الغربى…
إن لعبة توزيع الأدوار بين القوى السياسية الداخلية ضرورة ويتكامل مع الأدوار الطبيعية والمهنية التى يقوم بها الإعلام والصحافة الحرة فى الكتابة والتصريح عن ما يعجز المفاوض أو المسئول أن يصرح به ويكشف ويعرى الأدوار والتدخلات والكواليس لفرض أمر واقع ودعم أديس أبابا والتغاضى عن الحقوق والثوابت… وزاد الأمر سوءا أن يكون الراعى الرسمى للمفاوضات فى مراحلها الختامية الولايات المتحدة الأمريكية بكل طموحها وضغوطها وطلباتها الملحة من القاهرة فتلاقت تلك المطالب مع المصلحة الأثيوبية والإسرائيلية والتركية وبعض ممن نطلق عليهم حلفاء واشقاء وأصدقاء…
……..
وللحديث بقية…
جــلال نصــار
29 فبراير 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات