محمود خيرالله يكتب رسالة إلى الدكتورة إيناس عبدالدايم: ليس هكذا يُمكن إصلاح «الشنكل»

09:55 صباحًا الإثنين 16 مارس 2020
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

84DCDAEC-6DB1-4AFB-A625-296ADD8CF58A

مقال كتبه الشاعر محمود خير الله |منشور هذا الأسبوع في مجلة الإذاعة والتلفزيون

……………………………………………………….

لا أعرف لماذا حينما قرأت أسماء أعضاء “لجنة الشعر”، التى نشرت قبل أيام، ضمن التشكيل الجديد لأعضاء لجان المجلس الأعلى للثقافة، انفجرتُ ضاحكاً وأنا أتذكر المشهد التاريخى الرهيب، فى الفيلم القديم “أرض النفاق”، والمعروف إعلامياً باسم “لجنة إصلاح الشنكل”، بطولة القديرين فؤاد المهندس وحسن مصطفى، حيث كان “عويجة أفندي” الموظف الملتوى مصمماً على لى عنق الحقيقة، بمطاردة لجنة فرعية انبثقت عن “لجنة أصلية”، مكبداً شركته خسائر بمئات الجنيهات، من أجل اصلاح “شنكل” فى شباك، قد لا يتكلف إصلاحه سوى عدة مليمات.

السبب فى أننى تذكرت هذا المشهد، والذى كُتب وصور بخيال عقد الستينتيات من القرن الماضي، هو أننى لا أعرف بالضبط نوع العطب أو المرض أو “النوستالجيا الخرقاء” التى تصيب مؤسساتنا الثقافية المصرية حيال “فن الشعر” بالتحديد، هذا العطب الذى يجعل وزارة الثقافة المصرية ترتكب عشرات الأخطاء وترتد عشرات القرون إلى الوراء وتكفر بالعصر وعلومه وفنونه، كلما اتخذت قراراً متعلقاً بفن العربية الأول، الذى كان يوماً ما “ديوان العرب”، وسبباً لفخرهم وافتخارهم، فإذا به يتحول على أيدى مسئولينا الكرام إلى فن القرون الوسطى بامتياز.

ورغم أن العالم كله يؤمن بأن الشعر، مثل كل الفنون الأخرى، يجب أن تتجاور فيه الأجيال والمدارس والتيارات والاتجاهات لكى يتنفس بحرية، فإن العقل الذى يدير الثقافة يعتقد أن الفنون والآداب جميعاً مثل الرواية” و”القصة القصيرة” و”المسرح” و”السينما” من حقها كلها أن تتحرر، وأن تُمثَّل أجيالها وتتواجد تياراتها ومدارسها بين ربوع المؤسسة الثقافية، إلا الشعر، وحده فقط الذى يجب ـ فى حكم وزارة الثقافة ـ أن يبقى قديماً وبالياً وأسيراً، لا تمثله سوى ذائقة واحدة، كأنها سجَّانه، ولا يحضر من شعرائه ومبدعيه سوى نمط واحد من الشعراء مهما تعددت أعماره، وهو أمر لن نمل من التحذير من خطورته على بلد يجب أن يقاوم الإرهاب بالتنوع الثقافي، لا أن تكره وزارة الثقافة الناس على نوع واحد من الشعر، لا يحقق أحلامهم ولا يشبع احتياجهم الفطرى إلى الشعر.

فبعد عقود من استبعاد قصيدة النثر من جوائز الدولة، لأنها “الشعر الرجيم”، واستبعاد قصيدة شعر العامية باعتبارها “شعر الغلابة”، وبعد زمن لم يعرف سوى تكريم شعراء التفعيلة، الأحياء منهم والأموات، فوجئ الوسط الثقافى المصرى الأسبوع الماضي، بإعلان وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم القرار الوزارى الذى طال انتظاره ـ بإعادة تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة لدورة جديدة لمدة عامين، متضمناً موقفاً مؤسفاً ضد الشعر ولجنته وكتابه، لم يراع فى تشكيلها سوى وجود تيار واحد فقط، لا يؤمن سوى بقصيدة التفعيلة، مفضلاً استبعاد قصيدة النثر وقصيدة العامية من المشهد، كما أنه لم يراع ـ حتى من باب سد الذرائع ـ أن تكون أوراق أعضاء اللجنة مُنضبطة أو مكتملة أو حتى مقنعة للرأى العام.

وعلى الرغم من أنك سوف تجد أمير رمسيس المخرج الشاب مقرراً للجنة السينما فى التشكيل الجديد، الذى يضم فى عضويته المخرج القدير داوود عبدالسيد والفنانة ليلى علوي، وستجد فى لجنة المسرح حاتم حافظ مقرراً واللجنة تضم فى عضويتها “سميحة أيوب ونورا أمين”، ورغم أنك ستجد فى لجنة “السرد القصصى والروائي” الصديق والزميل الكاتب طارق إمام، إلى جوار قامات روائية أخرى، من أجيال أكبر، فإنك ستجد فى لجنة الشعر أمراً عجيباً لا علاقة له بتجاور الأنماط الإبداعية، لأن نمطاً واحداً هو الذى تصرفه الوزارة من الشعر.

الوزارة لم تتبع الأساليب والإجراءات الضرورية فى هذا الشأن، خصوصاً ونحن نعيش فى هذا العصر “المميكن”، فكيف يصح لعامل فى “المسرح القومي” مثلاً ـ مع كامل احترامنا لكل العمال الشرفاء ـ أن يكون عضواً فى “لجنة المسرح” بالمجلس الأعلى للثقافة إلى جانب سيدة المسرح العربى “سميحة أيوب” مثلاً، هذا الأمر رأيناه يتجلى بكل عبثيته فى تشكيل لجنة الشعر للأسف، حيث تبين أن بينهم “مدرس لغة عربية” ـ لن أذكر اسمه هنا لأن الفضيحة الشخصية ليست هدفى وعلى الرغم من كل التبجيل والاحترام لمدرسينا الأفاضل، كيف ينضم لعضوية “لجنة الشعر” شخص لا يكتب الشعر أصلاً، وكل مزاياه أنه حاصل على شهادة الليسانس من كلية “دار العلوم” عام 1994، وعلى اعتبار أنه يستعد “إن شاء الله .. إن شاء الله” لمناقشة الماجستير قريباً.

والحق أننا نقترح على الناقد الدكتور محمد أبوالفضل بدران مقرر “لجنة الشعر” استضافة مدرس اللغة العربية “ابتدائي” فى إحدى مدارس القاهرة الجديدة، على المقهى لا أن تتم استضافته ضمن أعضاء لجنته الموقرة، حتى لو كان هذا المدرس إرثاً ورثه الدكتور بدران عن التشكيل السابق للجنة 2017، والذى كان يقودها على حد علمى الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب، ونحن لسنا ضد أن يجد المدرس الصدر الحنون فى شخص الدكتور بدران ـ الذى لا يتسع لأغلب الشعراء ـ بينما اتسع لثلاثة أعضاء تليدين فى اللجنة، حيث امتدت إقامات بعضهم لعقود، بينهم الشاعرة شرين العدوى وأحمد عنتر مصطفى وفؤاد طمان.

وعلى عكس اللجان الأخرى فى المجلس التى تنتقى الأسماء اللامعة من كل جيل، اختارت “لجنة الشعر” الأسماء المطفأة أو المجهولة أو المطمورة من بعض الأجيال، حيث ضمت فى تشكيلها من الشباب من يمكن أن نطلق عليهم “قراء الشعر” أكثر من كونهم شعراء، ومن هؤلاء الشباب من أصدر ديواناً يتيماً، وصار لا يملك من حطام الشعر غيره، ومنهم على عمران الذى يعمل مشرفاً على النشاط الثقافى فى متحف “رامتان”، وفتاة يانعة تسمى إيرين يوسف ميلاد، تكتب شعر العامية، وكلها اختيارات تشير إلى الرغبة فى ضم عناصر “مطيعة”، لا يمكنها أن تطرح موضوعاً، ولا تستطيع تقديم اقتراح، لأنهم يتعاملون مع الشعر ـ يا ولداه ـ باعتبارهم مجرد “قراء” لا حول لهم ولا قوة.

ولأن البعض يتهمنا بالانحياز إلى قصيدة النثر، لن أقدم لمقرر لجنة الشعر اقتراحاً بقائمة مطولة لأسماء “شعراء قصيدة نثر” الذين لم يكن من المعقول تجاهلهم فى لجنة الشعر، من شعراء السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وسأقترح قائمة مختصرة لشعراء العامية فى مصر، حيث أفرزت قصيدة العامية أجيالاً من القادرين على تنشيط لجنة الشعر بأفكارهم وقصائدهم وجماهيريتهم، والقائمة طويلة من جيل السبعينيات ممثلاً فى الشاعر ماجد يوسف إلى جيل الثمانينيات ممثلاً فى الشعراء بهاء جاهين وأمين حداد ومسعود شومان ويسرى حسان وعمرو حسنى ومحمود الحلواني، ومن الجيل التالى عبدالرحيم يوسف وعمر مكرم وعبدالرحيم طايع وطارق هاشم.. وغيرهم الكثيرون.

وفى حين بدا أن أكثر أعضاء اللجنة الجدد شهرة هو شاعر التفعيلة سامح محجوب الإعلامى فى “قناة النيل الثقافية”، إلا أن اللجنة التى يسيطر عليها هاجس الذائقة الواحدة، ستجعل التواجد الأكاديمى فى اللجنة (الدكتور أسامة البحيرى مدرس النقد فى كلية الآداب جامعة طنطا، والدكتور عادل ضرغام أستاذ النقد بكلية دار العلوم جامعة الفيوم) محدود التأثير، وربما يكون شاعرا التفعيلة حسين القباحى وحسن عامر، الحاصل على جائزة “أمير الشعراء” من أبوظبي، واللذان يعملان فى بيت الشعر بالأقصر ـ الذى أنشئ ضمن مبادرة الشيخ سلطان القاسمى حاكم الشارقة ـ هما أكثر تأثيراً على أعضاء اللجنة، التى يجمعها أيضاً “الهوى الخليجي”، خصوصاً إذا عرفنا أنها تضم الشاعر عماد غزالى “مدير مؤسسة البابطين الكويتية” فى القاهرة.

نحن طبعاً لا نلوم أعضاء اللجنة لأن ذائقةً تقليدية أو حتى “خليجية” واحدة تشد أزرهم، ولا نلومهم لأنهم يميلون كل الميل إلى هذا اللون أو ذاك من الشعر، فهذا حق لكل فرد، لكننا نلوم ضيق الأفق المتعلق بالشعر، والذى يحاول تشكيل لجنة تمثل فن الشعر فى مصر، من دون أن يراعى التنوع الهائل فى “المنتج الشعري”، ومن دون أن يراعى القوة النسبية لكل نوع داخل هذا المنتج، ومع احترامنا للدكتور بدران وفهمه وذائقته، ومع احترامنا لوزيرة الثقافة واختياراتها المدهشة، حيث إننا لا نريد أن نصدمهما فى معرفتهما القديمة بالشعر، إلا أن دراسة “حالة الشعر عام 2018” فى مصر، التى قام بها الناقد المرموق الدكتور أحمد مجاهد، أكدت أن قصيدة التفعيلة ـ التى يؤمن بها وحدها أعضاء لجنة الشعر ـ لم يعد لها جمهور، وأن قصيدة التفعيلة تأتى بعد قصيدة النثر بأشواط طويلة من حيث الوجود على مستوى الدواوين الصادرة فى هذا العام 2018، ونقلت الدراسة عن مدير عام النشر فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، جودة رفاعى قوله: “75% تقريباً من الشعر الفصيح المنشور بالهيئة عام 2018 ينتمى إلى قصيدة النثر”.

فبالله عليكم عن أى لجنة وعن أى “شنكل” تتحدثون..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات