خصصت مجلة (الأهرام العربي) الأسبوعية، والصادرة عن مؤسسة الأهرام الصحفية في مصر، عددا حمل عنوان (البصمة الصينية) تصدرت غلافها صورة الرئيس الصيني شي جين بينغ، في إطار إضاءة أعمق بأقلام خبراء وصحافيين متمرسين ومحللين سياسيين، وأدباء مرموقين للمشهد المحيط بانتشار جائحة كورونا، أو كوفيد 19، وكيفية التعامل معه، منذ اكتشافه في ووهان الصينية،والرؤى المستقبلية التي يتوقعها العالم لما بعد انقضاء الوباء.
المجلة؛ التي يرأس مجلس إدارتها الكاتب عبد المحسن سلامة، ويرأس تحريرها الكاتب جمال الكشكي، أولت مهمة الإشراف على هذا العدد لاكتشاف حضور الصين المتعدد للصحافي والشاعر والكاتب مصطفى عبادة، وهو الذي قدم تجربة رحلته إلى الصين في أكثر من إصدار أهمها (30 يومًا في المستقبل، رحلة إلى ينشوان – نينغشيا ـ الصين)، والذي يقول في مقدمته: إن حبي للصين هو محبة للعدل والحرية والمساواة، محبة للتواضع والعمل في صمت، محبة لتقديس الأرض والمحافظة عليها، محبة للإصرار على النجاة برغم الكوارث، محبة للحكمة القديمة حينما تكون دافعا للمستقبل، ومحبة لعدم التبعية والاستقلال الوطني بتضحيات الناس، وإخلاص القيادات”.وكأن مصطفى عبادة كان يقرأ المستقبل، فها هي الصين تقدم درسا في اجتياز الكارثة، رغم التضحيات، بالإصرار على النجاة.
كان لا بد أن يتصدر المدعوين من خارج طاقم التحرير الكاتب الدكتور أحمد السعيد، مؤسس بيت الحكمة، الذي أصبح هو نفسه بصمة للنجاح المصري في الشرق الأقصى، والذي تحدث تحت عنوان (كورونا ومبادرة الحزام والطريق) عنالغمة كشفت ضعف منظومة العولمة كما وضع الغرب تعريفها، وأثبتت ضرورة تقوية وتدعيم دور الدولة، حيث قوّى ما حدث في العالم بسبب (كوفيد – 19) مفهوم الدولة والقومية، وعزز دور الحكومات التي فرضت إجراءات استثنائية للسيطرة وحماية مواطنيها، يقول د. أحمد السعيد:
“أعتقد أن الأثر الأسرع لوباء كورونا في العالم هو التعجيل بانتقال مراكز القوة والتأثير عالميا من الغرب إلى الشرق، بعد نجاح الصين كليا في كبح الفيروس ونجاح كوريا واليابان وسنغافورة في الحد من انتشاره بصورة كبيرة، في حين تتخبط كل من أوربا وأمريكا، وهو ما أدى إلى اهتزاز صورة النموذج الغربي وتلطيخ سمعته، وأصبح أمر استمرار سطوته واعتباره معيارا للتحضر أو التقدم أمرا هزليا. ومن هنا أهمية أن نتجه شرقا وبالأخص إلى إحدى أهم دول الشرق الصاعدة بثبات وقوة وبمشاريع وطرق ونماذج مغايرة تماما لمثيلتها الغربية، بل حتى لجيرانها في الشرق – مثل كوريا واليابان – وهي الصين. وإذا أردنا التعرف عن قرب على خطط الصين للعالم في المستقبل القريب فليس هناك أوضح ولا أنسب من أهم مبادرة تعمل الصين على تنفيذها منذ سبع سنوات، والتي أعتقد أن هذه المبادرة في حد ذاتها ستكون أكثر الرابحين من الأثر العالمي لوباء كورونا، لذا يجب الحديث بوضوح واستفاضة عن هذه المبادرة وماهيتها، وخصوصا عن الدور المصري المرتقب في هذه المبادرة….”
يضيف السعيد: “وفي التحولات والانتقالات المهمة، التي تمر بها كل من مصر والصين، أو التي يمر بها الشرق الأوسط والنظام العالمي الراهن، تزداد أهمية بعض الدول في مناطقها ونطاقها الإقليمي. فمصر بالنسبة للصين أكبر من مجرد “دولة” تنضم للحزام والطريق، ومصر على الجانب الشعبي الصيني أيضا صاحبة أثر وحضور قوي داخل الشخصية الصينية العادية، وبخلاف مبادرة الحزام والطريق التي تمثل فيها مركزا محوريا، كونها الدولة الوحيدة التي يمر بها الطريقان البري والبحري لطريق الحرير القديم، ووجود قناة السويس كمعبر ملاحي مهم جدا لحركة التجارة الصينية في العالم، والموارد البشرية الضخمة المؤهلة للانخراط في مشاريع دولية عملاقة، فمن الضروري هنا التركيز على المصالح الصينية لدى مصر خارج المصالح الثنائية المباشرة بين البلدين، والتي ترتبط بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في نجاح مبادرة “الحزام والطريق”، وبالاتجاهات العامة للتحولات الرئيسة والمتوقعة في الشرق الأوسط. فمصر لديها الكثير الذي يمكن أن تقدمه للصين، والصين تملك الكثير الذي يمكن أن تساند به مصر، لذلك فرؤية كلا البلدين للأخرى تتعمق أكثر من الصورة التقليدية للظاهر الدبلوماسي الذي يبدو نمطيا أو سطحيا، وهو ما يكشف عنه على سبيل المثال لا الحصر مشاركة مصر كضيف شرف في قمة العشرين حين عقدت في مدينة هانزو الصين، وكذلك في اجتماع مجموعة البريكس بالصين.”
ثم كتب أشرف أبو اليزيد، رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين، سيول، تحت عنوان (طريق الحرير … هل ينقذ العالم في مواجهة فيروس كورونا؟) عن عالم ما بعد الحزام والطريق، فقوافل طريق الحرير، التي انطلقت من سنام إبل القوافل في غابر الأزمنة، أحيتها على نحو جديد قوافل جديدة، ليست وحدها الناقلات السفن والقطارات والطائرات، بل استحوذت على القوافل عبر التجارة الإلكترونية، مما حقق مفهوم السوق العالمية، خاصة بعد مبادرة الرئيس الصيني التي بات العالم يعرفها باسم الحزام والطريق؛ أو (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير في القرن الحادي والعشرين). وقد جعلت لقاءات الرئيس الصيني بزعماء أكثر من 60 دولة مشاركة في المبادرة من حلم الازدهار الاقتصادي حقيقة، لمس الحاضر العربي واقعها في أكثر من بلد، فيقول: تحت عنوان (من الشعارات إلى التطبيق) إن الدرس الأهم، الذي يجب أن تعيه الدول بعد انقضاء هذه المرحلة العسيرة، يمكن أن يتلخص في الانتقال من الشعارات المنادية بالتعاون الدولي إلى مراحل تطبيق هذا التعاون من أجل رخاء البشرية وسلامها:
ثم أطلق الكاتب مفهوما أسماه (العولمة الثالثة)، يفسره قوله “لقد كان العالم كله يتحدث عن عولمة الاقتصاد، ودورها الهادم للصناعات الصغيرة والاقتصادات المتناهية الصغر، ثم ها هو العالم نفسه يشهد عولمة المرض، وإذا كنا سنعالج عولمة الاقتصاد بالاستثمار في مجال الصناعات الصغيرة، فإن معالجة عولمة المرض لن تأتي إلا بالعولمة الثالثة؛ وهي عولمة العلاج… لقد كشفت إحصاءات عن أرقام عجيبة، بين ضحايا كورونا، فهم الأكثر عددا بين الأمريكيين السود والفقراء، وهم الأقل عددا – نسبة لعدد سكان الدولة – بين الهنود، وهي تعني أن أبحاثا مشتركة يجب أن تجرى للوصول إلى طرق علاج أكثر كفاءة، تربط البيئة بالجين الإنساني، وهو طريق أبحاث أطول من طرق الحرير مجتمعة!”
الشاعر والكاتب والصحافي والمحرر بالأهرام العربي، عزمي عبد الوهاب، اختار البعد الثقافي للحديث عن الصين، وبالتحديد عن أديبين فازا بها، فكتب تحت عنوان (جائزة نوبل تحيي أدب البحث عن الجذور في الصين): “إن العودة إلى الجذور الثقافية شكلت ملامح يقين بالأسطورة مندمجة مع تقاليد باقية في الموروث، وكانت الحداثة هي الكلمة المفتاح في فهم اتجاهات الإبداع، منذ أوائل القرن العشرين، وكانت الصين قد قدمت إلى جائزة نوبل في الآداب كاتبين أحدهما كان جزءا من الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وهو “جاو زينج جيان” الذي فاز بالجائزة لاعتبارات خاصة بخروجه منشقا من الصين، أما الثاني فهو لا يزال يقطن الصين لم يغادرها، وبالتالي يحق للصين أن تعلن للعالم إنها فازت بالجائزة حين منحت للروائي “مو يان”.
وتحت عنوان (رجل لا يكف عن المرح!) كتب عزمي عبد الوهاب أنه لو كان صحيحا كون براعة الروائي الصيني “مو يان” في المزج بين الواقعية السحرية والحكايات الغرائبية المعهودة في التراث الصيني القديم هي المسوغ لحصوله على جائزة نوبل في الأدب عام 2012 إذن لاستحقها معه عدد من أهم كتاب القصة في جيل ما يعرف بـ “أدب البحث عن الجذور” وهؤلاء كثيرون كما يؤكد د. محسن فرجاني في تقديمه لترجمة مجموعة “رجل لا يكف عن المرح”، فأحد مجالات هذا الجيل أنه راح يتخذ موضوعاته من الحياة البدائية، وتأثرت عبثية هذا الجيل من الكتاب بفلسفة الحياة عند برجسون وتحليلات فرويد، وأبرز من يمثلون هذا التيار اثنان، هونفن ومو يان، علما بأن الأساس في إبداعهما يقوم على فكرة الانتصار لطاقة الحياة البدائية وكشف الجوهر العبثي للإنسان…
العدد ضم وجبة كاملة تجمع بين الثقافة بتعريفها الأدبي، والاجتماع ببعده الحضاري، والسياسة بعمقها الدولي، والحياة اليومية بمجالها الأنثروبولوجي … كما نرى في بعض صفحات الملف المرفقة لعناوين العدد وكُتّابه:
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.