لصوص الكورونا

05:45 مساءً السبت 2 مايو 2020
صلاح سليمان

صلاح سليمان

صحافي وكاتب ورحالة من مصر، يقيم في ألمانيا

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
صلاح سليمان

صلاح سليمان

حتى في أحلك لحظات محنة الفيروس المهدد لحياة الناس، لم يتورع اللصوص والمحتالين، عن ابتكار العديد من الحيل والخدع  للنصب والاحتيال تحت اسم الكورونا.

حيل كلها جديدة، ومبتكرة تناسب الحدث، ولم نسمع عنها من قبل، أما المفارقة الغريبة أنه في ظل هذه الأزمة العالمية، لم يقف الاحتيال على أفراد العصابات وحدهم، بل تورطت فيه دول وحكومات، ربما عن قصد أو غير قصد، فنحن غير قادرين على تفسير أو تصنيف ردة فعل بعد الدول، عندما صادرت لنفسها شحنات من كمامات الوجه، وملابس الحماية،  وأجهزة التنفس الصناعي، التي كانت في طريقها  إلى دول أخرى.

في ألمانيا  تعرضت مواد التطهير، والقفازات الطبية،  في اكثر من مستشفي للسرقة. وفي الصيدليات وبعض المتاجر ارتفعت أثمان الكمامات، ومواد التطهير إلى أرقام خيالية، وظهر تجار جدد يصنعون الكمامات ويعرضونها للبيع في الإنترنت.

المحتالون هم المحتالون لا يفرق معهم حرب أو وباء، ولا داء أو دواء، كل ما يهمهم هو المال، وكيفية نصب شباك الاحتيال، وتسديد السهام على الضحايا . الغريب أن بعض رجال الأعمال المصريين الذين تضررت أعمالهم من انتشار الوباء سلكوا مسالك المحتالين، وأعربوا عن رغبتهم في عودة العمال وتسيير الأعمال، حتي وأن فقد البعض أرواحهم . 

 من أهم وسائل النصب التي استغلها لصوص الكورونا شبكة الإنترنت، لقد اغرقوا البريد الإلكتروني لدى ملايين الناس برسائل إلكترونية منتحلين فيها أسماء شركات كبرى، ومواقع معروفة، للنصب على كبار السن،  والخائفين من الفيروس، وأصحاب النوايا الطيبة.. عرضوا مبيعات وهمية لمواد مطهرة وأقنعة طبية، وانتحلوا اسم منظمة الصحة العالمية وأرسلوا باسمها رسائل بريد إلكتروني لأفراد وشركات كبرى طالبوها بدفع التبرعات.  

أكثر من 12 مليون يورو فقدها مواطنون أمريكيون نتيجة عمليات النصب باسم الكورونا، وهناك أكثر من 18 ألف بلاغ  بعمليات نصب واحتيال تحقق فيها لجنة التجارة الفيدرالية في الولايات المتحدة .

لكن كيف يقع الناس ضحايا عمليات النصب باسم  الكورونا؟  إن اكثر الخدع الشائعة هي إرسال فيروس داخل ملف في رسالة إلكترونية تحمل اسم هيئة محترمة، وعند فتح الملف يهاجم الفيروس كومبيوتر الضحية،  ويستطيع  المحتال السيطرة عليه، وسرقة محتوياته وكلمات السر وتفاصيل البطاقات البنكية .

قرصنة الكورونا تتم عادة بإرسال رسائل تحمل اسم شركات كبيرة معروفة، يعمل موظفيها من داخل منازلهم بسبب الحجر المنزلي،  تطلب منهم المشاركة في استقصاء رأي حول كيفية تأثير فيروس الكورونا على الإجازة،وعلى الإجازات المرضية، ثم يطلبون منهم ملء  البيانات في الملف المرفق، وعند فتحه ينشط فيروس جديد اسمهTrickbot ، يقوم علي الفور بتشفير كل البيانات على الكمبيوتر،  وبعدها يتلقى الضحية رسالة من المحتال تطالبه بدفع المال من أجل إلغاء التشفير .

يعرف المحتالون حقيقة  أن العديد من الموظفين يعملون حاليًا من المنزل، لذلك يقومون باستغلال هذه الظاهرة افضل استغلال، فهم يرسلون رسائل تحمل اسم الشركة التي يعملون بها موقعة باسم احد المديرين، يطلب فيها فتح الملف المرفق الذي يحتوي على فيروس بالطبع يتيح للمحتال الحصول على المعلومات المهمة والسرية في الشركة .

بالتأكيد الإنترنت هو أسهل الطرق للنصب باسم الكورونا، حتي أن شركة جوجل خرج منها تصريح يقول أن الشركة تحذف أسبوعيا  منذ بداية الجائحة حوالي 18 مليون بريد إلكتروني، وذلك عبر روابط التصيد التي تتعرف علي الإيميلات غير المرغوب فيها وتحذفها، ووصل إجمالي ما استطاعت التعرف عليه وحذفه  من إيميلات النصب باسم الكورنا حوالي 240 مليون أيميل حتي الآن.
انتقدا باحثون عاملون في شركات الأمن الإلكتروني منظمة الصحة العالمية،  لأنها تتجاهل فرض حماية علىموقعها الإلكتروني،  وهذا ما أتاح للمحتالين أن يرسلوا رسائل تحت اسم البريد الإلكتروني للمنظمة، أيضا حذر الباحثون الموظفين الذين يعملون من داخل بيوتهم ، بعدم فتح ملفات البريد الإلكتروني،  وتقديم شكويللشرطة في حالة الشك دائما.


بما أن أغلب رسائل الاحتيال هذه مصدرها هو الصين، وكوريا الشمالية، وروسيا، فإن ثمة اعتقاد باستمرار هذه الهجمات السيبرانية المستهدفة في الأسابيع والأشهر المقبلة دون توقف.

تاريخ عمليات الاحتيال بالبريد الإلكتروني ليست جديدة بل بدأت في سنة 1988 في نيجيريا، وساحل العاج، وبلدان أفريقية أخرى، وكان المحتالون وقتها يستغلون الأوضاع السياسية، والنظم الديكتاتورية، والفساد،والانقلابات العسكرية في تلك البلدان، ويقومون بإرسال رسائل إلكترونية إلى أشخاص يعيشون في أوربا، يطلبون منهم مساعدتهم في نقل أرصدة من تلك الدول إلى الخارج، مقابل أن يحصل المساهم على نسبة من استخدام حسابه البنكي كمحطة لنقل تلك الأرصدة إليها، والتي غالبا ما تتراوح بين 10 مليون إلى 30 مليون دولار، وهو رقم يغري الكثيرين، خاصة بعض كبار السن  الذين يسهل الاحتيال عليهم، وهذا وفق ما جاء في تقرير لمعهد “اولتراسكان” الهولندي الذي أكد فيه علي أن الاحتيال بهذه الطريقة وصلت خسائره إلى  6.7 مليار يورو في عام عام 2010.

هذه الخدعة يعرفها الكثيرون حول العالم ، وقد وصل لنا وللكثيرين رسائل قريبة من هذا المضمون، بعض الذين يقعون في شرك هذه العملية  يجدون أنفسهم مطالبين بدفع نفقات محامين، ورسوم بنكية، مقررة وغيرها من أموال حتي تتم الصفقة  كاملة، وطبعا بعد دفع هذه الأموال لن يحصلوا علي شئ .

 في العام الماضي فقدت سيدة في مدينة سالزبورج في النمسا 350 ألف يورو نتيجة وقوعها ضحية لعملية نصب منظمة من قبل نيجيريين استخدموا نفس الطريقة، وفي مدينة انيجيرلوه في شمال الراين ويستفاليا في ألمانيا دفع عجوز مبلغ 145 ألف يورو نتيجة وعده بالحصول علي مبلغ 30 مليون دولار.

في النهاية لايمكن وقف الاحتيال لاعبر الزمان ولا المكان ، وكما أن هناك  إنسان يعمل الخير، هناك أشرار لا يتوقفون عن فعل الشر، فقط  كل المطلوب في الوقت الحالي هو اليقظة،  ليس فقط من فيروس الكورونا عبر الانتقال من البشر للبشر، بل أيضا من فيروسات اللصوص عبر شبكة الإنترنت.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات