مأساة المعرفة … وضبط المصطلح

11:06 مساءً الإثنين 15 يونيو 2020
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تحتاج المصطلحات دائما إلى الضبط؛ كأن يستخدم أحدهم مصطلحا غير علمي من عينة (تحرير الخيال الشعري )…

وبغض النظر عن الخطأ المنطقي الذي يولد السؤال ذا الدلالة القطعية (ومتى كان الخيال مقيدا؟! ) .. ، و الشعر هو ابن الخيال بكل تأكيد أتت به القريحة أو أتي به شيطان أم ملك.

ومنذ فجر الضمير كان الخيال هو الحادي للإبداع بكافة روافده؛ كالشعر والموسيقى والنحت والرسم إلخ …
وكل هذه الأشياء لا تولد إلا من رحم الخيال، فالخيال لا يمكن أن يكون إلا حرا وإن سكن صاحبه غيابات الجب أو غياهب السجون !

 

هوميروس

هوميروس

وهل هناك سجن أكثر قسوة من سجن العظيم “هوميروس”؛ كفيف البصر الذي عرفنا من “إلياذته” العظيمة قصص خلق الآلهة  وميلادها، و الملاحم الإغريقية الكبرى؟

وهل هناك خيال أروع من قصة ميلاد الفلسفة التي رواها لنا ذلك العظيم الكفيف (إذا ضاجعت آثينا آلهة الحكمة عقل زيوس رب أرباب الأوليمب.. فولدت الفلسفة)

..
لاحظ كيف يسمو “هوميروس” بالفلسفة فينزهها عن أن تولد نتيجة معاشرة عادية تستطيعها حتي الحيوانات و الحشرات الخ .. يجعل آلهة الحكم ( تضاجع عقل ) كبير الآلهة .. على الرغم من أن فضائح آلهة الأوليمب كانت مدوية في بعض الأحيان .. لكن مع الفلسفة يصبح للأمر قداسة وأي قداسة؛ قداسة لا يمكن إلا أن تكون وليدة حرية مطلقة .. كانت و مازالت و ستظل موجودة منذ عصور ما قبل الملاحم الكبرى كالإلياذة و الأوديسا، و الرامايانه و المهابهاراتا، ومسخ الكائنات لأوفيد أو شاهنامة الفردوسي .. و ليس انتهاء بسيرة بني هلال بروايتيها الأساسيتين .. أو حتى ملحمة (حسن ونعيمة لمصطفى مرسي)

ولا أتصور كيف يمكن لأحدهم أن يستخدم تعبيرا مجانبا للصواب بشكل فادح وفاضح مثل تعبير (تحرير الخيال الشعري).. و كأنه لم يطالع “إبن دريد” قائلا :

لا تحسبي دمعي تحدر إنما… نفسي جرت في دمعي المتحدر

أو قوله :

نفسي تحسن لي التستر فاعلمي … لو كنت اطمع فيك لم أتستر

وربما لم يطالع أيضا تحليق خيال المبدعين إلى عنان السماء في كافة مجالات الإبداع كأن يعرف السر في ظاهرة التكرار لدى فناني ” الأرابسك ” ونحاتي المقرنصات ، على سبيل المثال ، أو ينصت للموسيقى الكنسية بمدارسها و روافدها المتعددة ويدرك الفرق بين القداس “الجريجوري ” والقداس ” الباسيلي ” و أصولهما التاريخية .. وأثر ذلك في الموسيقي اليومية .. ، و ماذا يعني ما يطلق عليه ( الغناء القرآني ) الذي يعتمد على المقامات و ليدة الخيال الحر المبدع الثري المحلق في المطلق ..

 أحمد زكي أبو شادي والشابي، ومدرسة أبوللو

أحمد زكي أبو شادي والشابي، ومدرسة أبوللو

ولتصويب آخر :

ربما لا يعرف كثيرون كنتيجة مباشرة للتسطيح و ثقافة مواقع التواصل الاجتماعي أو بالأحرى تضليلها ، ونفايات ويكيبيديا المعرفية .. أن الشاعر التونسي الأشهر ” أبو القاسم الشابي “انطلق من المشرق و ليس من المغرب .. إذ أن أول من تبنى موهبته ونشر له وعرف به هو ( مدرسة أبوللو) الشعرية في مصر حيث كان “الشابي ” يراسل عميد تلك المدرسة الشعرية ” د/ أحمد زكي أبو شادي ” ليصبح ” الشابي ” من شعراء ” أبوللو ” .. هذا ( معلوم من الأدب بالضرورة ) لأي دارس للأدب العربي في أبسط المراحل بيد أن تفشي الجهل وعدم الإدراك و فقر المعرفة و الخيال معا تقود المدعين إلى حتفهم عبر مأساة المعرفة والمصطلحات غير المنضبطة

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات