أفكار جلال نصار |25 | أولويات استراتيجية … “كش ملك”

06:37 مساءً الثلاثاء 23 يونيو 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

استطاعت  “بعض” وسائل الإعلام المدعومة من تركيا وقطر وغيرهم والسوشيال ميديا التابعة لهم إلى جر النقاش حول موقف مصر الإستراتيجى من التحديات التى تواجه أمنها القومى على كافة الإتجاهات إلى جدل عقيم يدفعها إلى صدام وصراع فى إتجاه ما وحتمية ألا تنجرمصر إلى صراع فى المناطق التى تتمدد فيها وتتواجد فيها قوات تركية بشكل مباشر أو قوات وميليشيات إرهابية تابعة لها ووقع فى نفس الفخ قطاع من النخبة السياسية والثقافية بحجة الأولويات وبداعى الخوف من التورط فى نزاع لا طائل منه غير الخسائر فى الأرواح والمعدات ونزيف من الخسائر الإقتصادية.

galalبداية يجب تفكيك الصورة والموقف الإستراتيجى كى نعى حجم التحديات المفروضة على مصر والإقليم منذ إندلاع ما عرف ب “ثورات الربيع العربى” التى كان من أهم نتائجها المباشرة وجود خلل كبير فى القوة بين الأقطاب الرئيسية فى النظام العربى وفى مقدمتهم مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن وتونس وبين جيرانهم فى الإقليم الذين كانوا جزء لا يتجزأ من إدارة المشهد وتوجيه الأحداث وتحديدا إسرائيل وتركيا وإيران وتأثير وتوابع ما حدث على تحجيم دور وإرادة وقرار بقية الدول والممالك خشية ذات المصير بعد إنهيار جبهات كبرى شرقا وغربا وأطيح بمعظم الجيوش والمؤسسات.
إلا أن بقاء الجيش المصرى صامدا وقدرته للحفاظ على كيانه وسلاحه وتدريبه وتطويره أخل بالمعادلة الإستراتيجية التى كان يراد لها أن تحل مكان النظام العربى والإقليمى الذى كان موجودا قبل تلك الثورات بغض النظرعن الجدل العقيم حول تلك الثورات وأسبابها ومبررات فشلها هذا ليس موضوعنا لاننا نتعامل مع نتائج على الأرض لا علاقة لها بأحلام إنهارت على أيدى قوى تيار الإسلام السياسى ومن ساندها من الليبراليين واليساريين على حدا سواء.
A77E60FD-86EE-4B56-91B9-CBFE7CD6D85C
تحول الإقليم إلى رقعة شطرنج تتساقط عليه القطع واحدة تلو الأخرى إنتظار للوصول حيث تقف مصر وجيشها منذ مئات الآلاف من السنوات ليقول لها من يتحداها وفقا لقاموس الشطرنج “كش ملك”؛ لذا كانت المقدمات التى سبقت الموقف الحالى ضرورية من وجهة نظر الخصوم فى اللعبة بعد إنهيار حلم صعود تيار الإسلام السياسى وتوليه مقاليد الحكم فى معظم دول الإقليم بعد حقبة الإنظمة التى ثار عليها شعوبها…

وتم التحرك فيها على مسارين متوازيين، الأول؛ داخلى من خلال إستمرار جماعة الإخوان ومن يتعاطف معها ويناصرها قولا وفعلا بتصعيد موجة العنف ودعم الإرهاب وإفشال كل مناحى الحياة بداية بحرق وتعطيل أعمدة الكهرباء ومحطات المياه والشرب وصولا للتفجيرات والعمليات الإرهابية التى تستهدف الجيش والشرطة والمواطن، والثانى؛ إقليمى بالتمدد والإلتفاف لرعاة المشروع بالدعم العسكرى واللوجيستى للمليشيات المسلحة فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وسيناء وغزة وتونس والسودان لفرض واقع جديد بعد أن أعلنت تلك الجماعات ولاءها للرئيس التركى رجب طيب أردوغان وإن كان البعض منها بايع ما عرف بابو بكر البغدادى أو أيمن الظواهرى مع التحرك لإنشاء قواعد عسكرية دائمة على أمتداد البحر الأحمر وعند مدخل مضيق باب المندب وفى جزيرة سواكن السودانية “وقت حكم البشير” وعلى الساحل الغربى الليبى، مع دعم واضح لكل المشروعات الإقليمية التى تهدد وتشل الحياة فى مصر وتظهر نظامها السياسى على أنه فشل فى إدارة أمور الحياة فوق أرض المحروسة ونموذج ذلك تقديم الدعم السياسى والأمنى لأثيوبيا فى مشروع سد النهضة مساندة لمواقفها المتشددة فى كل مراحل التفاوض فضلا عن تشكيل عقيدة لدى المفاوض وصانع القرار الأثيوبى تتأثر بالعقلية التركية فى مسألة بيع المياه للدول كمورد خاص بها.
دهشتى من جدل السوشيال ميديا وأولويات النخبة أنها تنظر للأمر على أنه “ترف إختيار” للدولة المصرية ما بين أن تواجه التطرف والتمدد التركى فى ليبيا أو أن تركز فى مواجهة أثيوبيا فى تعنتها بخصوص ملف سد النهضة أو تترك لخصومها الإقليميين حرية الحركة فى البحر الأحمر أو تترك الإلتفاف والتحدى التركى الطامع فى مواردنا من الغاز والبترول فى المنطقة الإقتصادية المصرية فى شرق المتوسط وتتغافل تلك النخبة عن قصد أو عن قلة معلومات أو عن جهل بأن من ينافسك ويفرض عليك أحيانا قواعد اللعبة يفكر ويتحرك وفقا لرؤية إستراتيجية تفرض عليك تلك المواجهات الحتمية والمترابطة فى آن واحد.
التشدد والغطرسة والإستفزاز الأثيوبى لا ينفصل عن تكثيف التواجد العسكرى التركى فى ليبيا التى أرادت أن تستغل إنشغال مصر بملف نهر النيل وحياة المواطن فى أن تستولى على منطقة الهلال النفطى المجاورة لمدينة سرت وكذلك قاعدة الجفرة الجوية وما بعد من قواعد جوية فى الشرق لتكون نقطة إنطلاق قريبة تسمح بتحليق طيرانها فوق أراضينا أو على القرب منها على الحدود فضلا عن ترسيخ وجود نظام سياسى موال من الفصائل الإسلامية المتشددة لتتحول ليبيا بكاملها إلى إمارة “إسلامية” تستهدف دعم ذلك التيار فى الداخل المصرى وفى سيناء تحت راية الخليفة العثمانى.
ولتحدثنى النخبة فى هذا المقام عن شكل حياة يتدفق فيها النيل بغزارة تحت وطأة حكم نظام سياسى وجيش ومؤسسات تابعة لأردوغان وأمثاله.
أننى لا أهاجم أشخاصا بقدر ما أهاجم أفكارا تنقصها الرؤية والمتابعة وتصدق دعاية الجزيرة وقنوات الشرق ومكملين والوطن التى تتحدث عن عدم جاهزية الجيش المصرى لاى مواجهة وأنه سيخسر فى أى مواجهة عسكرية حقيقية ويتناسون أن هذا الجيش يتدرب منذ بداية التسعينيات على المناورة الإستراتيجية “بدر” التى تفرض على الجيش وكل اسلحته سيناريو التحرك فى توقيت متزامن على كل الجبهات فى حرب أسلحة مشتركة ونقل قوات ومعدات ورماية وهو ما ساهم فى إكتمال الرؤية الإستراتيجية للحاجة إلى نوعيات من السلاح البحرى والجوى والبرى والصاروخى الذى يخدم تلك الرؤية بتقنية عالية تصل إلى الجيل الرابع والخامس من تلك الأسلحة والذخائرة ونظم إدارة النيران؛ وما يتطلبه هذا من برامج تدريب وتأهيل العنصر البشرى المقاتل وإضافة بعض الفرق والوحدات الخاصة والنوعية التى تلتزم بواجبات ومهام محددة حتى وصلنا إلى تلك الدرجة من الإحترافية التى تمكن الجيش من حماية حدوده ومصالحة وموارده على كافة الإتجاهات دون أن تؤثر على كفاءة أى إتجاه بل أن هناك فائض وفوائض من القوة والقدرة والإمكانيات يتم توجيهها إلى المساهمة فى المشروعات التنموية التى كانت مصر بحاجة لها بعد توقف الحياة وتراجع الإقتصاد على أرضها لسنوات.
أتمنى قبل الجميع أن لا تحدث أى مواجهة عسكرية فى المنطقة وأن تحل مشكلة سد النهضة للابد وفق أتفاقيات وقواعد دولية وأن تنسحب تركيا والمرتزقة من الغرب الليبى وأن تتخلى كل الدول الطامعة فى الثروات الليبية عن تدخلاتها وأن يتخلى أردوغان عن إستفزازته فى مياه شرق المتوسط ودعمه للاخوان فى مصر ومحيطها؛ إلى أخره من الملفات المفتوحة التى تفرض الحرص واليقظة والإستعداد؛ إلا أننى مع أن تفرض مصر خطوطها الحمراء وتعلنها وتحذر من توجدها؛ وأن تستمر سياسة الدعم والتحديث للجيش لأن “الردع” هو ما يمنع المواجهة التى يخشاها الجميع ويحذر من عواقبها؛ والمناورة بالقوات المعدات وإظهار مدى قدرتها ومداها هو ما يمنح المصداقية لخطوطنا الحمراء لانك ترسمها وفقا لقدرة ومدى ومرمى نيرانك.

تلك السطور ليست كما يقال على صفحات الفسوشيال ميديا من باب “الهبد” ولكنها محصلة خبرات مهنية وأكاديمية لدراسة الإستراتيجية والأمن القومى فى مصر والخارج؛ ودراسة العلاقات الدولية والإعلام الدولى فى مصر والخارج والعمل أكثر من 15 سنة مراسلا حربيا ميدانيا فى مصر وقمت بتغطية عدد من الصراعات فى الصومال والبوسنة وجنوب لبنان والعراق والشيشان وأدرك ما معنى الحرب والثمن الذى يدفع فيها؛ وأنها خطوة أخيرة لا مفر منها للدفاع عن الحق فى الحياة من أجل قطرة ماء أو من أجل العيش بكرامة فى دولة لا يحكمها أردوغان ومرسى وأمثالهم
……..

جــلال نصــار

23 يونيو 2020م

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات