حقوق الجماد في بلاد العجائب – آثارنا التاريخية

01:35 مساءً الإثنين 24 أغسطس 2020
د. حسن حميدة

د. حسن حميدة

الدكتور حسن حميدة كاتب لأدب الأطفال واستشاري تغذية في المحافل العلمية الألمانية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
حقوق الجماد في بلاد العجائب - آثارنا التاريخية - بقلم د. حسن حميدة - ألمانيا  Inanimate Rights in Wonderland - Our Historical Monuments - By Dr. Hassan Humida – Germany

حقوق الجماد في بلاد العجائب – آثارنا التاريخية – بقلم د. حسن حميدة – ألمانيا
Inanimate Rights in Wonderland – Our Historical Monuments – By Dr. Hassan Humida – Germany

مدخل لهذا المقال: مقال آخر بعنوان “الباحثون عن الذهب يدمرون ماضي السودان الذي لا يقدر بثمن” – نشر بصحيفة الراكوبة بتاريخ اليوم “24.08.2020” – أولا: لهؤلاء المجرمين أن يعاقبوا أشد عقاب، وأن يحاسب المسؤول في الدولة عن هذا الإخفاق، عن التفريط في ماضي السودان، الذي يعمل على حمايته الغرباء من دون أهله. المسؤولين الذين كانوا نيام، ولا يدرون من ينقب عن الذهب في مناطق الآثار – ولهم أن يسلموا الأمر بكرامة وعزة نفس لمن هو قادر على حماية هذه الآثار. الآثار التي تحكي عن ثقافة، حضارة، وتاريخ.

 ومخرج آخر: إذا تمعنا الجمادات أي كان نوعها بعمق وتأني، لوجدنا فيها ضربا من ضروب الحياة. فهي إما تمثل صورة لكائن حي، أو تلعب دورا مهما في حياته. نجد على سبيل المثال، تماثيل تجسد صوريا هيكل أو هيئة إنسان أو حيوان أونبات، وكلها كائنات حية، حيت أم ماتت وإندثرت في التراب.

نجد مثلا تمعن الإنسان ذي الذوق الرفيع يختلف عن غيره من الناس، أمثال لصوص القبور والباحثين عن الذهب في المعابد والمدن الأثرية.

الفنان على سبيل المثال ينظر للأشياء الجامدة والساكنة من منظور آخر مختلف. يرى فيها ومن زوايا مختلفة  أشكال، أنواع، وألوان الجمال. ربما أجحف البعض منا في فهم شخصية الفنان التي تبدو لنا بسيطة في شكلها “بساطة الفنان في ملبسه وشكله وهيئته وطريقة حياته”، ولكنها أكثر تعقيدا في داخلها. نصفهم أحيانا بالمجانين، أو الناس الذين يقفون على حواف الجنون. هذا منا نكران لذات الفنان الذي يحمل عقلا كبيرا، لا يمكن أن يوصف تركيبه بسهولة، في إمكانية رؤيته أو تشكيله للأشياء. الفنان لا يرى في الأشياء الناظر لها قبح مهما بدت له، بل يحاول أن يعالج ما تحويه من صفات، ربما تغلب على أن تكون سالبة، إلى صفات موجبة تسر الناظرين. وهذا بوضع الرتوش واللمسات الفنية الساحرة عليها – لمسات الفنان.

3لنلتمس الجمال في الجماد، وحقوق الجماد علينا كمادة تعتبر جزء لا يتجزأ من الطبيعة. نجد على سبيل المثال التماثيل التي يعتبرها البعض أصناما، والأهرامات التي يعتبرها بعض آخر بدعة، والمدافن التي يعتبرها البعض ضلالا. كل هذه الأشياء مجتمعة هي جزء مهم من تاريخنا وحضارتنا. هي التي تحكي قصتنا وتراثنا وثقافتنا.

كيف لنا أن ننكرها أو نجعل منها اللا شيء، في وقت يسعي فيه العالم جاهد للتعرف عليها؟ كيف لنا أن نتركها لغيرنا، ونتخلى عن الحق فيها، لتعود لشعوب ليس لهم بها علاقة أو صلة. لنفرد هنا سطرا قصيرا يعني بحضارة النوبة أو الفراعنة السود. هذه الحضارة التي تسعي بعض من الدول لإحتوائها، لتكون ملكا لها مهما بعدت عنا. علينا أن نصحو من غفوتنا ونفكر لحال تاريخنا، قبل أن يحكيه لنا الآخرون، في زمن يأكل القوي فيه الضعيف، والباقي أشدة قسوة، وأكثر وطأة.

2يجب علينا ألا نبيع ثقافتنا وحضارتنا بثمن بخس، بتكسير وتحطيم ما نملك من تماثيل أو معابد بحثا عن الذهب. هذا الشيء الذي إن دل على شيء، أتت دلالته في الجهل المقنن. الجهل ببواطن الأمور. إذا تمعنا الدول العظيمة في التاريخ، نجد أنها دول تعني بحضاراتها وثقافاتها، دول توثق بدقة إلى بداية حضاراتها إلى يومنا هذا. دول تفسح مجالات شاسعة ومساحات واسعة لتعريف العالم بنفسها. نجدها تبني المتاحف لعرض ما تملك من مقتنيات، تؤهل المعابد لكي يأتيها الزوار والسياح، تؤسس المعاهد البحثية لدراسة وتطوير إرثها التاريخي في عصر حديث، وتفتح دور الأرشيف للتوثيق لحضارتها وثقافاتها، حتى لا تضيع، وتكون في عداد المنسيين. في الدول العظمى نجد أن تطور الطفل مرتبط إرتباط وثيق مع ثقافته وحضارته وتاريخه. فيها يتعلم الطفل من سن الروضة إلى المدرسة والتعليم العالي، جامعي أو مهني كان، الكثير عن من هو، كيف كان وكيف وأين هو الآن؟ هذا الصقل المدروس لشخصية الطفل، تنمي فيه روح الوطنية الصادقة، والإخلاص لوطنه ولمواطنه، والعمل من أجلهما بإخلاص.

Sudan, Nubia, Old Dongola, river nile

Sudan, Nubia, Old Dongola, river nile

فلنلتفت لحقوق الجماد فينا، ولندأب دأب أخذ الشيء الذي نملكه مأخذ الجد، ألا نتجاهله بتخلف، لكي يأتي الآخرون ذات يوم ويسوقونه لنا وبأغلى الأثمان. علينا أن نرجع ما أخذ وهرب أو دس إلى مكانه، لكي يعرض ويكون ملك للجميع.

علينا ألا ننبش التحف والتماثيل والاواني والأساور الأثرية من مواقعها، أو نصهرها في الأفران، ونحولها إلى سبائك نحاسية، فضية او ذهبية كانت لكي نبيعها. علينا أن نعلن بوجود مدافن بنينا عليها منازلنا، من دون أن نتخوف من العواقب. العواقب التي تكون نهايتها التعويض المجزي لما فقدناه من منازل ومآوي.

وأخيرا: علينا أن نلزم دول عمل مواطنيها على تدمير مقتنياتنا وآثارنا التاريخية بأيديهم، على سبيل المثال الإيطالي “جوسيب فرينيني” بتعويض ما دمروه من آثار وتماثيل وإهرامات. لهذه الدول أن تعي بأن الوقت ملائم حتى الآن لدفع التعويضات تجاه تدمير آثار هذه الحضارة العريقة، بل لمد يد العون من أجل تطويرها والنهوض بها، خصوصا وهي دول تعني كل الإهتمام لصون الآثار والحضارة المتعلقة بها. كونها من أولائل الدول الرائدة في هذا المجال.

E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات