أفكار جلال نصّار : العلاقات المصرية الأمريكية: خيارات بايدن ما بين رؤية المؤسسات وضغوط المستشارين

08:47 مساءً السبت 7 نوفمبر 2020
جلال نصار

جلال نصار

رئيس تحرير جريدة الأهرام ويكلي (سابقا)، مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
galalكثر اللغط والجدل حول مصير العلاقات المصرية الأمريكية حال فوز المرشح عن الحزب الديموقراطى جو بايدن وصلت بالبعض إلى تصور سيناريوهات تصادمية والبعض منها كان متحفظا ويدعو للتمهل فى الحكم على فترة حكم بايدن، فى حين يرى البعض الآخر أنه لا فرق بين بايدن وترمب أو بين الجمهوريين والديموقراطيين إلا فى بعض التكتيكات والسياسات..
والحقيقة أن الأمر أكثر تعقيدا من اختصاره فى فقرة أو جملة عبارات إنشائية تصب فى صالح هذا التيار أو ذاك، وأن هناك أمور واقعية وتاريخية وملابسات أحاطت بالعلاقة ومرت بها وهناك تجارب قريبة وبعيدة تؤكد أن هناك فروق واضحة تؤثر على طبيعة العلاقة وتطورها والصراع بين ما تراه المؤسسات وما يحاول أن يدفع به دائرة المقربين من الرئيس ومستشاريه فضلا عن شخصية الرئيس وقناعاته ومدى معرفته بملف العلاقات.
فعليا تخضع العلاقات المصرية الأمريكية لرؤية المؤسسات فى البلدين التى تكونت بناء على مجموعة من القناعات وطبيعة المصالح المتبادلة وإدراك أهمية الدور، إضافة إلى تعدد الرؤى المؤسسية التى تحكم تلك العلاقة ما بين وزارة الخارجية والبنتاجون وأجهزة المخابرات، ولكن يظل الدور الأكبر للقيادة المركزية الأمريكية ووزير الدفاع الأمريكى وتأتى فى المرتبة الثانية أجهزة المخابرات فى البلدين ثم العلاقات السياسية والتجارية فى المرتبة الثالثة؛ حيث يعتبر التواصل الدائم والمباشر بين البنتاجون والقيادة المركزية الأمريكية مع الإدارة المصرية هو ترمومتر قياس قدرة العلاقة على تجاوز أى عقبات وإختلافات فى وجهات النظر والسياسات؛ وقد تشكلت تلك العلاقة والدور نظرا لطبيعة منطقة الشرق الأوسط وما شهدته وتشهده من صراعات وحروب مستمرة حتى الآن والدور القيادى لمصر على مدار العقود الماضية فى مقابل الأهتمام الأمريكى ونظرتها للمنطقة ورعايتها لبعض الحلفاء الذين دخلوا فى صدام عسكرى مع مصر، إضافة إلى وجود البترول ومصادر الطاقة وتأمين الملاحة والحركة فى المضايق والممرات المائية وتأمين الدعم اللوجيستى للقوات الأمريكية المنتشرة فى المنطقة برا وبحرا إضافة لاهمية المنطقة فى معادلة الصراع مع الدول الكبرى الفاعلة وفى مقدمتها الإتحاد السوفيتى ووريثته روسيا الإتحادية ثم الصين وعدد من القوى الغربية. أضف إلى هذا التنسيق الأمنى بين أجهزة المخابرات والمعلومات فى ملف مكافحة الإرهاب والدور الذى تلعبه مصر فى المواجهة المباشرة.
10-biden-candidatepage-videoSixteenByNineJumbo1600إذا الأمر يخضع بالنسبة للأمريكيين لرؤية إستراتيجية عسكرية أمنية ولا يمكن تجاوز القيادات المسئولة عن تلك العلاقات فى الضغط أو فرض سياسات إلا بعد الرجوع لها والتأكد من عدم الإضرار بجوهر العلاقة، وهذا الأمر ثابت ولا يخضع للتغيير مع تناوب الرؤساء والأحزاب على الحكم فى البيت الأبيض والكونجرس وهذا ما دعم وجهة نظر البعض أن تغير الرئيس غير مؤثر وأن هناك مؤسسات تدير الملف.
ولكن ما حدث من إدارة اوباما تحديدا جعل البعض يؤكد على أن هذا الأمر يخضع لمجموعة من المتغيرات وفقا لشخصية الرئيس وقناعاته؛ ولكن الواقع يشير إلى أنه كان هناك تيار ضاغط من قبل دائرة قريبة من أذن اوباما وقريبة من قناعاته فى دوائر الإدارة معظمهم من الشباب الذى تشبه أفكاره كثيرا أفكار الشباب حول العالم عن مفهوم الثورة والديموقراطية وتمكين الشباب وحتمية التغيير، وأنه لا مانع من بعض الفوضى التى تدعم أى تغيير، وكانوا على تواصل دائم من خلال العالم الإفتراضى والسوشيال ميديا مع مجموعات شبابية وحركات حول العالم تتبادل معهم الأفكار والتوجهات وتقدم لهم الدعم وتسعى جاهدة لإحاطة اوباما ووزيرة خارجيته وبعض مراكز صنع القرار بحتمية التغيير والتخلى عن كل الأنظمة فى منطقة الشرق الأوسط التى كانت تصفها “بالديكتاتورية”، وترى أنها تقمع الحريات والقوى السياسية والجماعات، وكانت ترى أن تيار الإسلام السياسى وجماعة الأخوان المسلمين وكوادره الشابة قادرة على إحداث هذا التغيير، وهذا يفسر لنا عدد كبير من المشاهد والمواقف والقرارات والضغوط والصدامات التى تم إحتواءها على مستوى القنوات المؤسسية لاحقا ولكنها كانت مؤثرة فى بداية الصدام الى خضع لاحقا لقواعد المنطق التى تحكم العلاقة.
ولكن هناك من يرى أيضا أن ما حدث يعكس رؤية مؤسسات وليس فقط بسبب رؤية هؤلاء الشباب والنشطاء داخل إدارة اوباما وحول هيلارى كلينتون وداخل السفارات الأمريكية فى المنطقة واروقة وسائل الإعلام الامريكية وداخل مراكز الأبحاث الداعمة للقرار؛ وإحقاقا للحق هذا أيضا أمر واقعى ويعكس جانب من رؤية المؤسسات للمنطقة وقد ذكرت فى أكثر من مقال برنامج إعداد كوادر تيار الإسلام السياسى لتصدر المشهد فى المنطقة الذى تبنته بعض المؤسسات الأمنية فى الولايات المتحدة وقامت بتنفيذه عدد من مراكز الأبحاث القريبة من دوائر الحكم مثل مركز راند RAND،حيث كنت فى زيارة للمركز عام1994 وشهدت عن قرب الإعداد والتجهيز لهذا البرنامج وأنه كان خاضعا لرؤية أن الدول التى تشهد أغلبية مسلمة يجب أن تحكم من قبل هذا التيار البراجماتى الذى أثبتت مواقفه وكوادره أنه لا يتناقض مع المصالح الغربية ويستطيع خدمة تلك المصالح ودعمها فى المنطقة وهو ما يتطابق مع الرؤية الأمنية والسياسية للحليف البريطانى صاحب النفوذ والخبرات المميزة فى المنطقة والراعى الرسمى لهذا التيار. وأغرب ما سمعته حينذاك من أحد خبراء المركز هو ما قاله صراحة وبين السطور أن عليهم دعم التيار اللليبرالى واليسارى المدنى لانه سيكون بمثابة الحاضنة والداعم لصعود كوادر تيار الإسلام السياسى إتساقا مع قناعاتهم السياسية التى تدعو إلى حرية الرأى والتعبير لاى إتجاه سياسى وتدافع عنه وتسانده. إضافة لما ذكره إيميل نخلة مسئول تيار الإسلام السياسى داخل السى أى أيه لسنوات طويلة فى أكثر من محاضرة ومناسبة موجودة على اليوتيوب أن المؤسسات الأمريكية خاصة الأمنية تؤيد صعود هذا التيار فى الدول ذات الإغلبية المسلمة.
وتخضع رؤية الخبير فى مركز راند عن حماية التيار الليبرالى واليسارى المدنى والقوى المدنية لهذا التيار لرؤية شاملة وآليات تدفع فى سبيل وضع بنود وأجندة مرجعية للعلاقة بين البلدين تقيس من خلالها مدى تمتع تلك القوى بمساحات حركة وعدم تضييق وضمان وصول الدعم المادى ومظلة الحماية السياسية لها إذا لا يمكنه أن يسعى لصعود تيار الإسلام السياسى للحكم دون وجود مناخ وبيئة داعمة وحاضنة وهذا ما يدركه عدد قليل من النخبة المصرية التى ترفض أى تدخل أمريكى فى الشأن المصرى من أى باب لانه من وجهة نظرها لا يحمل خيرا مطلقا لمصر شعبا وجيشا وارضا ويخدم رؤية أمريكية بحتة.
واقع الحال أن تلك التوجهات داخل الأروقة الامريكية تأرجحت بين من يريد الدفع بهذا التيار إلى صدارة الحكم وتأمين بقاءه لسنوات طويلة وبين رؤية متحفظة ترى الاكتفاء بوجوده على الساحة ممثلا فى البرلمان والمجتمع المدنى وكل مؤسسات المجتمع المصرى السياسية والمدنية، وتمت ممارسة الضغوط التى جعلت حسنى مبارك ذات يوم يوافق على دخول نسبة منهم إلى مجلس الشعب تم هندستها خدمة لهذا الغرض، ثم كانت موجة ما أطلق عليه الربيع العربى التى سمحت بالضغط كاملا للدفع بالتيار لصدارة المشهد، وصولا إلى مشهد 30 يونيو 2013 الذى توج كفاح شعبى أعقب الإعلان غير الدستورى الذى أصدره الرئيس الإخوانى محمد مرسى فى نوفمبر 2012 حين دخل الشعب طرفا فى معادلة العلاقات، حيث شكل الرفض الشعبى الكبير لحكم دولة المرشد والجماعة ومندوبهم واقعا جديدا مدعوما ومحميا من المؤسسة العسكرية التى إنحازت للشعب ومنح قائدها تفويضا للتعامل مع عملية تطهير المشهد المصرى من ذلك التيار وجماعات العنف المسلح الإرهابية التى تسانده، وهو الأمر الذى جعل إدارة اوباما حينذاك تتراجع خطوات للخلف مع بعض البرود فى العلاقات التجارية والسياسية الذى لم يمنع تواصل القنوات المؤسسية التى كما ذكرنا تتمثل فى البنتاجون والقيادة المركزية الأمريكية والسى أى أيه، وربما يتذكر البعض منا التواصل المباشر والدائم الذى كان بين وزير الدفاع الأمريكى والفريق أول عبد الفتاح السيسى حينذاك. ثم كانت فترة حكم ترمب التى شهدت فترة دفء لعلها بسبب عدم وجود احد فى دائرة الحكم القريبة منه يضغط أو يشيرعليه بأى مما كان يشيروا عليه داخل إدارة اوباما فضلا عن أن الرجل لا يهتم بتفاصيل الشأن الداخلى للدول إلا فى ما يخص المواطنين الذين يحملون الجنسية الأمريكية.
إذن الأمر مع بايدن سيكون مختلف عن ترمب وسيخضع لطبيعة دائرة المحيطين به وبنائبة الرئيس ووزير خارجيته ومراكز الأبحاث الداعمة لقرار الحزب الديموقراطى، وستكون شخصية بايدن وقناعاته حاسمة فى التوازن بين رؤية المؤسسات التى تدفع فى إتجاه إستقرار العلاقات مع مصر مع الأخذ فى الاعتبار كل ما طرا على تغييير فى الواقع المصرى وتنوع علاقاتها الخارجية وتنوع مصادر تسليحها ومساحات الحركة المتعددة كى لا تبتعد القاهرة عن واشنطن بما يضر بالمصلحة الأمريكية، وبين رؤية مستشارين يدفعون بإتجاه ممارسة الضغوط الدائمة والدفع بكوادر وتيارات وكيانات تخدم المصلحة الأمريكية ولكن بطريقة أخرى.
الأمر المؤكد فى هذا الإطار أن الصلابة والإرادة المصرية فى الداخل وفى الإقليم ستكون حاسمة فى تحديد خيارات بايدن أو غيره؛ وأن ما تم من بناء للقدرات الذاتية المصرية يحتاج إلى بعض الرتوش فى الحياة السياسية والإعلام والحريات العامة يقلل من مساحات الضغط والحركة والتدخل فى الشأن المصرى وفقا لرؤى وأجندت تبدو بديهية ولكن جوهرها ونواياها غالبا لا تصب فى المصلحة المصرية، وهو ما يستدعى دراسة ومراجعة لكل بنود العلاقة والظروف المحيطة بحيث تكون المبادرة دائما من القاهرة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات