الفنانة التشكيلية اللبنانية فيروز أبو انطون ولوحتها بألوانها العاصفة حتى ذروة الهدوء

08:52 صباحًا الأربعاء 25 نوفمبر 2020
اسماعيل فقيه

اسماعيل فقيه

شاعر وكاتب وصحافي من لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

| بيروت – من اسماعيل فقيه |
اللون واللوحة والخطوط والأشكال الهندسية وغير الهندسية والمتنوعة بدلالاتها استعملتها وفق ما تمليه نظراتها وبصرها الحاد.
ترسم الفنانة التشكيلية فيروز ابو انطون الحياة بألوانها الخاصة، ورغم انها ألوان مقطوفة من ارجاء المكان والانسان والطبيعة، الا انها تحمل في بذور تشكّلها خصوصية مفتوحة على دلالات واحتمالات لا يمكن الا قراءتها على نحو مغاير.


تقول فيروز «لوحتي مساحة لونية تلعب في ثناياها الكثير من الاسئلة، هذه الاسئلة تسعى الى الاجوبة بقدر ما تسعى الى بناء الجواب من جديد، جواب يفتح باب المخيلة على مداه ويأخذ العين الى القلب والروح، ثم يجعلها لا تستريح عند المعنى الثابت».
الصور التي تجسّدها فيروز في لوحاتها هي «نشاط مكثّف» كما تقول، ذلك ان «اللوحة يجب الا تخرج الى السكينة بمجرد انتهاء تشكّلها، يجب ان تستمر في التحول باتجاهات متنوعة، لتظل على مسافة ممتدة لتصل الى ابعد حدود المعنى، الى ابعد حدود التفسير، وهذا شرط بالنسبة الي، شرط ابداعي يلاحقني في كل لوحة وفي كل لون وفي كل عمل».


«الرسم كالغناء رغم ان اللوحة صامتة لا تبوح بالكلام»، تقول فيروز، «لكن الغناء قائم في اللوحة، والألوان تغني بصمت وتبوح بأسرار مبتكرها وتجعله في المساحة الواسعة، حيث تبرز الايقاعات المرئية كما لو انها ايقاعات تخاطب السمع (…) انه ايقاع البصر في لوحتي، اللوحة تخاطب العين، تجعلها تصغي كي تمتليء باللون ومن ثم بالشكل والمعنى المتتالي والمتدرج افقياً وعموديا، وحين تمتلئ العين بهذا الكم الهائل من اشارات اللون، يتسرب هذا المخزون الشعوري الى نواح كثيرة في الذات، فتتألق اللحظة التي تحتوي كل هذه الاحتمالات الشعورية، ولا يتوقف الامر عند هذا الحد، انما تتحول الصورة في اتجاهات مختلفة حيث لكل اشارة دلالة، ولكل دلالة مسربها المؤدي الى وظيفة تفسيرية خاصة، وهكذا تستمر اللحظات بتدفقها نحو الآفاق الصعبة والممتعة في آن واحد».
تعترف فيروز بانها ترسم بدافع شعوري اكثر من اي شيء آخر، «اللوحة لا تولد بهذه السهولة، ولا يمكن اختراعها بقرار ارادي، اللوحة هي نتيجة شعور مفاجئ وفوري، ورغم ان هذا الشعور يولد بعد اختمار الافكار والمشاهد المرئية والغامضة في ايامي الا ان اللوحة لا يمكن الولوج الى تشكيلها الا حين تطلبني وتدعوني الى مائدتها، الى سلطتها العليا، سلطة العاطفة والرغبة والقوة والفرح والعذاب المكثف. كل هذا يساهم في ايصال اللوحة الى مساحتها، التي هي مساحتي الاصلية، حيث تتحرك خطواتي وحيث تستقر ظنوني».


للون في لوحة فيروز تناغمات كثيرة، ومدى يمتد الى ما لا نهاية، حتى لو انتهت اللوحة وخرجت الى البصر، فاللون هو فعل مستمر خارج حضوره وداخل استمراره، بمعنى ان الاشارات التي يبشر بها اللون في اللوحة هي عكس ما يضمره، والعكس بالعكس. كأن تكون الصورة بارزة على هيئة واضحة، لكنها في عمق تطورها ودلالاتها تنحو في اتجاهات عديدة، وقد تلتقطها العين وقد يلتقطها الظن، وهنا تكمن القدرة اللونية على بناء اللون المفتوح على تفاسير الشكل والمعنى».
وتضيف فيروز حول ما قصدته بالفكرة القائلة بالمعنى، او التي تبثّ دلالات كثيرة، «لا يحمل هذا الشكل تناقضاً بقدر ما تتحرك الصورة بتناقضاتها لتشكّل التفسير الكبير، لتبني اللحظة المشتهاة داخل الاطار الكبير او الصغير».
لا ترسم فيروز ابو انطون الا اذا كان الهدوء سيداً، وحين نسألها عن القصد من ذلك تقول «الهدوء بالمعنى الخاص، المعنى الذي يحقق الطمأنينة ويجعلها تنسحب الى ابعد حدود النفس بما تحتاج اليه كي تبدع. النفس لا يمكنها الانطلاق في اتجاهات الوقت الناجح الا اذا كانت جالسة على قارعة الطمأنينة والهدوء الذي يصنع البهجة. البهجة فرح ضروري للعمل الابداعي. حتى لو كان الفنان يسعى الى انتاج صورة الحزن، لا يمكنه الارتكاز على انطلاقة ناجحة ان لم يكن الفرح قد قاربه وتظلل في مساحاته. الفن في شكل عام لغة تنتج ذاتها، وحين تكون في هذا الواقع المهم، لا بد لصاحبها ان يتفاعل مع الغرائز التي تؤجج النفس بما يجعلها تقف على مساحة مُدهشة، جاذبة، نارية وسريعة الحضور والغياب».
تعترف ابو انطون بانها قلقة جداً قبل اللوحة وبعدها، «اجد نفسي في المتاهة الجميلة، في الطيران العذاب الذي يحرك الجسد جيداً فتخرج منه كل الاهات وكل الهمسات وكل اللمسات ثم تتشكل وتتوزع وتتناغم في ما بينها، الامر الذي يرسم المشهد المرئي الواسع، مشهد لا يمكن التكهن بمداه».
لوحات فيروز ابو انطون هي الصور التي لا تبدو لنا مباشرة لكنها حاضرة في المخيلة وبقوة، وقدرة الفنانة على تجسيد هذا الخيال هي قدرة مميزة ترفع من شأن الخيال الذي تتحرك داخله هذه الفنانة، وتقدم الى العين مرآة مليئة ليس بالصور فحسب، انما بكل اسباب اللحظة المفتوحة على قلق العاطفة.
انها لوحات تحترم العين والروح والقلب، وهذا الاحترام كفيل بقاء اللوحة واستمرارها مهما غابت وابتعدت

One Response to الفنانة التشكيلية اللبنانية فيروز أبو انطون ولوحتها بألوانها العاصفة حتى ذروة الهدوء

  1. الاعلامي محمد درويش رد

    28 نوفمبر, 2020 at 3:13 م

    مقال رائع تناول فنانة رائعة ..انها فنانة بكل ما للكلمة من معنى ..الف شكر لها وللشاعر الكاتب اسماعيل فقيه .

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات