المشهد الأدبي والثقافي في قنا (وصولا إلى قوص ونجع حمادي ودشنا ونقاده والوقف)

08:51 مساءً الأربعاء 16 ديسمبر 2020
أشرف البولاقي

أشرف البولاقي

شاعر وناقد مصري، يعمل مديرًا لقِسم الثقافة العامة بفرع ثقافة قنا

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
مدينة قوص

قوص

الحديث عن قوص محفوفٌ بمخاطرِ سوء الظن أو سوء الفهم، وذلك بسبب أنها تاريخ ثقافي وإبداعي كبير، والخطأوالنسيان في رصْد المشهد فيها، وارِدان؛ لأنني أكتب مِن الذاكرة، ولأن منعطفات ومنحنيات النشاط والحركة الثقافيةهناك كثيرة ومتعددة، وليس الغرض مِن هذه الكتابة الحصر، ولا تقديم حُكمِ قيمة، ولكن الغرض رصْد المشهد مِن أقربزاويةٍ ممكِنة ومتاحة.

ومثلما كانت قِفط في التاريخ، كانت قوص كذلك، حتى أنهم كَتبوا عنها قائلين، “وليس في الديار المصرية وقتئذٍ، بعدالقاهرة، أكثر منها عمرانًا”، يقصِدون قوص باعتبارها واحدةً من حواضر مصر الأدبية والثقافية، وهي المدينة التي نشأفيها شاعران كبيران، هُمَا البهاء زهير، في الدولة الأيوبية، وابن دقيق العيد، في الدولة المملوكية، فضلاً عن شاعرٍ آخرَ،مختلَفٍ عليه رغم شهرتِه وأثره، هل هو مِن قوص أم أنه ليس كذلك، وهو ابن عروس.

لكن التاريخ الثقافي والأدبي ليس تاريخًا ممتدًا على وتيرةٍ واحدة في العالم كله، وحتى وقتٍ قريب جدًا، أقل من ثلاثينعامًا، كانت قوص تتمتع ببهاءٍ وإشراق كبيرين على مستوى الفعل الثقافي، نشاطًا وفعاليات، ساعدَ على ذلك ظهورعدد من الكتّاب والأدباء والمثقفين الشباب الذين كانوا يبحثون عن ثغرة ضوء لإثبات تجاربهم وشخصياتهم الإبداعية،وكان يقودهم في ذلك شيخ شعراء الصعيد وقتها، الأستاذ محمد أمين الشيخ (1924-1995) والذي كان علَمًا من أعلامالقصيدة العربية، وبعد رحيله بدأت تتشكل حركة أدبية وثقافية مِن بعض تلاميذه، ومِن غيرهم، فظهرت على الساحةأسماء أثبتت وجودها وجدارتها، واستلمت الراية، وشاركت في فعاليات الثقافة الجماهيرية، وتم تأسيس “نادي أدبالبهاء زهير”، الذي تحوّل بعد ذلك إلى نادي أدب قصر ثقافة قوص، وكان لنادي أدب البهاء زهير هذا مطبوعات خاصةبه، يصدرها أعضاؤه على نفقتهم الخاصة، فضلاً عن الندوات والأمسيات التي كانت علامةً بارزة على المشهد، مِن أهمهذه الأسماء التي ظهرت خلال هذه الفترة، وكانت لها فضل التأسيس والدعم والحركة على الأرض أحمد محمد حسن”مراد”، صحيح أنه لم يكن وحدَه، لكنه كان يتحمل العبء الأكبر في الإعداد والتنظيم والدعوة، وما إلى ذلك، خاصةً وأنهيكتب الشِّعر والقصة وأدب الطفل.

وأول بوادر الضعف والتراجع في الفعل الثقافي بقوص، ظهرت – للأسف – مع بدء فكرة أندية الأدب وتصدِّرها للمشهدبميزانياتها وانتخاباتها وبرامجها، حيث خرج للساحة عددٌ كبير من الأدباء والمثقفين الشبّان، وفجأة تبيّن للراصد أن هذاالعدد ينتمي نِصفه إقامةً وسَكنًا للمدينة، بينما ينتمي نِصفه الآخر لقرَى قوص ونجوعِها، ورغم أن ذلك ملمح طبيعي فيكل محافظات مصر، إلا أنه في قوص اتخذ حساسيةً ما جعلت تنمو وتكبر في نفوس البعض؛ رغبةً منهم في إثباتالذات، وهو ما ترك بمرور الوقت أثرًا سيئًا، ليس فقط على طبيعة الحركة وحيويتها، بل على نفوس بعض الأصدقاء مِنالأدباء، الأمر الذي أثّر بشكل أو بآخر على العمل الثقافي، ضِمن أسباب أخرى بالطبع.

ورغم كل ذلك، ظلت الحركة الثقافية في قوص مشرِقةً ومضيئة فترة من الوقت، واستمر نادي الأدب في نشاطِه وفيتقديم عدد كبير من الكتّاب والمبدعين للساحة الثقافية، ويبلغ الآن عدد أعضاء نادي الأدب في قوص ثلاثين عضوًا عاملا(ليس بينهم أنثى واحدة!) هناك أديبة تكتب الشعر والقصة وأدب الأطفال، تحضر وتشارك، لكنها ليست عضوًا بناديالأدب(أسماء يعقوب)، وهناك قاصة وروائية، أصدرت عملا روائيًا، لكنها لا تشارك (أسماء جابر) وبالتأكيد هناكأخريات.

وربما كان رصد الغياب في قوص أقوى أثرًا ودليلا من رصد الحضور، فلا أظننا بحاجة إلى كتابة أسماء الثلاثينعضوًا بنادي الأدب، لكننا بحاجةٍ إلى استدعاء أسماء الغائبين أو المنقطِعين أو الذين توقفوا في منتصف الطريق،فهؤلاء يَدخلون في متن الغرض والغاية مِن كتابتنا هذه المتعلقة بالتراجع العام للمشهد في محافظة قنا، ويمكنالاستشهاد هنا بأسماءَ مِن قبيل (محمد محمود بخيت، رمضان حامد عبد اللطيف، سعد السعدابي، أسماء جابر،أحمد عبد الحكم أبو الحسن، سيد يونس، والجميلي أحمد شحاتة) وكل واحدٍ من هذه الأسماء شكّل لحظةَ إشراقِه طاقةًإبداعية كبرى، ومِنهم مَن أصدر أعمالا مطبوعة، ومِنهم مَن حصل على جوائزَ أدبيةٍ رفيعة، بل إن الأخير – الجميلي – كان ناشطًا ثقافيًا معروفًا، أقام في القاهرة سنين طويلة، وأسّس دارًا للنشر، ثم اختفى فجأة، كأنه لم يكن!

أمّا عن الغائبين رحيلاً إلى العالم الآخر، فنذكر منهم (محمد أمين الشيخ، سعيد عبد الهادي، محمد الأمين خربوش،أحمد ورداني، حجاج نوفل، الأسد العادلي) والأخير- العادلي – رحل عن عالمنا منذ شهور قليلة بسبب كورونا، قبْل أنتكتحل عيناه برؤية كتابِه الذي لم يصدر حتى الآن عن مشروع النشر الإقليمي 2019/2020 “خيوط الأحلام” – مجموعة قصصية.

والذين صدرت لهم أعمال ضمن مشروع النشر الإقليمي من أدباء قوص هُم السادة:

– محمد محمود بخيت – وردة المستحيل – ديوان شِعر فصحى

– أحمد عابدين – زجاجة صبر فارغة – مجموعة قصصية

– أحمد عبد الحكم – الغاوي ينقط بالدم – ديوان شِعر عامية

– أحمد محمد حسن “مراد” – قطرات بهجة لضياء قناديلي – ديوان شِعر فصحى

– حسين عبد الله – مراكب عطشانة للشط – ديوان شِعر عامية

– عبده الشنهوري – النهر يطهّر مجراه – ديوان شِعر فصحى

– محمد عبد المريد – رشوة للموت – ديوان شِعر فصحى

– عرفة محمد حسن – عصفور النأي – ديوان شِعر فصحى

– أحمد محمد حسن “مراد” – شجرة الأماني – مجموعة قصصية للطفل

– خالد العجيري – تيون هافل – رواية

– محمد عبد القادر توني – وكان الدواء في الحذاء – مجموعة قصصية

– الأسد العادلي – خيوط الأحلام – مجموعة قصصية

ومن الظواهر الطيبة في قوص أن قصر الثقافة هناك يديره ويقوده شابٌ مجتهِد وطَموح ومخلِص لعملِه، (أنور جمال)،يتمتع بنشاطٍ لا يتوفر لكثيرين من مديري المواقع، ما جعل المكانَ خلية نحلٍ. إذ لا يخلو يومٌ مِن عرضٍ فني، أو معرض،أو ورشة، أو بروفة، أو ندوة، للكبار والصغار، كما أنه ينفرد عن باقي مديري المواقع الثقافي بحرصه على استضافةصالون ثقافي “قوص بلدنا” بعيدًا عن نادي الأدب. وبعيدًا عن قوص المدينة، هناك في قرية حجازة، قرأنا أن هناكصالونًا ثقافيًا يقيمه ويشرف عليه القاص والروائي خالد العجيري.

وعلى كثرة المبتدئين والناشئة الذين يَظهرون في قوص، بين وقتٍ وآخر، يظل استمراهم أو تألقهم نسبيًا، مِن النادر أنيستمر أحدهم في طريقِه، وربما كان آخر الموهوبين المستمرين هناك، الشاعر والناقد محمد عبد المريد.

ليس في قوص – الآن – ظاهرة إبداعية يمكن رصدها، فالرواية هناك قليلة، والشِّعر بنوعيه يشبِه الشِّعر في أي مكان،والنقد يمارَس على استحياء، وثقافة السينما عادية، لكن هناك ما يمكن رصده والتقاطه فيما يخص “فن الواووالمربعات”، إذ إن عددًا كبيرًا من الأدباء هناك يمارسونه، فضلاً عن عشرات القوّالين في القرى والنجوع الذين يمارسونهبشكلٍ فِطري، دون أن يكونوا معروفين أو مشاركين في أي نشاط مؤسسي.

في تصوري المتواضع، أن قوص مؤهلةٌ لكل شيء إبداعي وثقافي متميز، بل إنها مؤهلة لتعود سيرتَها الأولى كمركزإشعاعي في جنوب مصر، ما الذي ينقصها؟ لا أدري! ربما كانت في حاجةٍ إلى رمزٍ تلتفّ حوله، ربما كان أدباؤهاومثقفوها بحاجةٍ إلى الصبر والضغط على أنفسهم بشدةٍ وعنف، مقدّرين ضرورةَ الإخلاص، وأهميةَ دفْع ضريبة للفنوالكتابة، لأن كثيرين هناك يصابون سريعًا بالخيبة والإحباط، يحتاجون أكثر – أتحدث عن الشباب – إلى الابتعاد عنالتقليدية، والانطلاق إلى التمرد، وإلى التواصل مع الآخر المختلف.

قناطر نجع حمادي

نجع حمادي 

قبل أن يَظهر محمود مغربي، وفتحي عبد السميع وجيلهما، كانت محافظة قنا، شِعرًا وإبداعًا، تتمثل في الوسطالثقافي في ثلاثة نفر، عبد الجواد خفاجي، في السرد والنقد، وعبد الستار سليم، و”عزت الطيري”، في الشعر،والأخيران مَلآ الساحةَ المصرية حضورًا ومشارَكة.

كان في قنا في ذلك الوقت أسماء كثيرة بالطبع، د. أبو الفضل بدران، د. قرشي دندراوي، سيد عبد العاطي، عطيةحسن، محمد أمين الشيخ، محمد نصر يس، كرم الأبنودي، وآخرون، لكنني أعني هنا الشهرةَ والحضور وكثرة المشاركة،وانصرافَ الذهن عند المتلقي الذي يسمع عن قنا .. وكان للشاعرين (الطيري – سليم) الفضلُ في تأسيس حركة إبداعيةوثقافية في مدينة نجع حمادي وقُرَاها، فقد كان لحضورهما ومشاركاتهما في أنشطة قصر الثقافة، ومشاركاتهما فيمحافظات مصر، ولشهرتِهما أيضًا، تأثيرٌ كبير على الناشئة والشباب اللذين لم يلبث أن بزغ منهما سريعًا – في تلكالمرحلة – شاعران انضَمّا، حضورًا ومشاركة وإنتاجًا، للشاعرين الكبيرين، وهُمَا (عبد الناصر علام – وأحمد جامع).

ثم دارت الأيام دورتَها ليظهر جيلٌ جديد، ولتشرِق أسماء كثيرة، وكان طبيعيًا هنا مع كثرة الأسماء، ومع رغبة الجميع فيالمشاركة والمنافسة، والحضور والتمثيل، أن تنشأ حركاتٌ أدبية أو جماعات ثقافية، تبحث عن مساحةٍ أكبر مِن تلكالممنوحة لهم، أو تلك المتاحة، خاصةً وأن شهرة الطيري، وسليم، ومِن بعدِهما علّام، وجامع، ضيّقت قليلا من فرصةالآخرين الذين راحوا يبحثون لأنفسهم عن مكان جديد تحت شمس الكتابة والإبداع،

فكان أن ظهرت أكبر وأهمّ جماعة ثقافية في جنوب مصر، وهي جماعة “آمون الأدبية” التي أسّسها في أول أمرهاالأستاذان عبد الهادي النجمي، وأحمد عبد الغني، بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكانت بدايتها جلساتٍثقافيةً بسيطة في أحد معامل التحاليل التي كان يعمل بها النجمي، ضَمت هذه الجلسات الأسبوعية عددًا من شبابالأدباء الذين انضم إليهم المثقف أيمن سالم، والذي اقترح عليهم إطلاق اسم “آمون” على جماعتهم تلك، وبدأوا فيالبحث عن مكانٍ آخر يكون نواةً لجماعتهم الأدبية، فاتجهوا إلى نادي الزراعيين، وحاولوا مع نادي الكَراّكات، ووجدوابغيتهم أخيرًا في جمعية الشبان المسلمين، بعد أن رحب بهم رئيس مجلس إدارتها وقتَها محمد عبد اللاه قنديل، وأقامتالجماعة بعد شهور مهرجانها الأول في شهر رمضان، وعرضت خلاله مسرحية “القمراية” لمؤلفها النجمي.

في هذه الفترة عاد مصطفى مروان من عملِه بدولة ليبيا، وقرر أحمد عبد الغني إعفاء نفسه من المشاركات الرسمية تاركًاالمسؤولية للنجمي، مقترحًا على الجماعة الأدبية أن تستعين بمروان في نشاطها، خاصةً وأنه أحيل إلى التقاعد، ويمتلكالوقت للجهد والعمل.

بعد عامٍ كامل، أقامت جماعة آمون الأدبية مهرجانها الثاني، وهو المهرجان الذي حضره الشاعر ماجد يوسف، والقاصوالروائي محمد مستجاب، وعددٌ مِن أدباء سوهاج وقنا، لكن المفاجأة في هذا المهرجان كانت في حضور السيد عبدالرحيم الغول – وهو مَن هو رحِمه الله – والذي طلب الكلمة، وكعادته أطال في كلمته وشرّق وغرّب، فحدث بعد المهرجانأن أعرب عددٌ مِن الحضور عن استيائهم من إتاحة الكلمة للغول في مهرجان أدبي ثقافي، بينما انفرد البعض بالدفاععن حق الغول في الكلام – ومنهم مصطفى مروان – الأمر الذي تَرتّب عليه خلاف وانشقاق بين الأطراف، قرر على إثرهمصطفى مروان الانسحاب من الجماعة، وعقد ندواته في منزله .. بينما استمر النجمي وبعض رفاقه في عقد ندوتهمبجمعية الشبان المسلمين واختاروا عبد الجواد خفاجي رئيسًا لهم، لكنه لم يلبث أن اتجه إلى ندوة مصطفى مروان.

وبدا وكأن هناك جماعتين لآمون في نجع حمادي، تلك التي يديرها ويرأسها مصطفى مروان في بيتِه، والأخرى التيضمت عبد الهادي النجمي وبعض رفاقه، والتي قاموا بإشهارها تحت اسم “جماعة آمون للثقافة والتراث”، ومقرهاجمعية الشبان المسلمين … ولم يدُم الأمر طويلا بالجمعية حتى تخلت عن دعمها ومساندتها للنجمي ورفاقه، واعتذرتعن فتح أبوابها، لتتفرق الجماعة بعد ذلك، خاصة بعد وفاة مصطفى مروان

خلال هذه الفترة المشار إليها ظهرت أسماء جديدة، كثير منها أصبحوا نجومًا الآن (حسن عبد الموجود، محمودالأزهري، علي الروبي، عوض الله الصعيدي، نشأت عمر)، وغيرهم مِمن أعجزُ عن عدّهم أو حصرِهم.

القاص والكاتب الصحفي حسن عبد الموجود

وعادت المؤسسة الثقافية “قصر ثقافة نجع حمادي” تحتل المشهد، وظهرت أسماء ووجوه جديدة للإشراف وقيادة ناديالأدب، لكن مِن المهم هنا أن نشير إلى أن الفترة التي نتحدث عنها شهدت حضورًا وتمثيلا للأنثى، شاعرةً وساردة، فكانهناك (منى الشيمي، عبير عبد الهادي، جلاء الطيري، هيام السيد) وغيرهن، وحدث بعد ذلك أن انتقلت منى الشيميإلى مدينة الغردقة، وتوقفت عبير عن الكتابة والمشاركة، وانتقلت جلاء إلى قوص، واختفت هيام! لتغيب الأنثى المبدعة عنالمشهد في نجع حمادي، لتتبقى ضمن أعضاء نادي الأدب العاملين – الآن – بقصر الثقافة، والبالغ عددهم 27 عضوًا،أنثى واحدة “ولاء جمال يوسف”، تبدو قليلة الحضور والمشاركة!

وبعيدًا عن المنافسة، كانت هناك حركة أدبية وثقافية أخرى تحاول جاهدةً أن تضيف للمشهد بندواتها وأمسياتهاومهرجاناتها، وكان مقرها مدينة الألومنيوم بنجع حمادي، وكان يقود تلك الحركةَ كل مِن (عمر فتحي إسماعيل، أحمدجاد مصطفى، محمد عبد الظاهر حمد) الأول والثاني كانا مِن العاملين بمصنع الألمونيوم، وينتمي أولهما إلى محافظةالغربية، والثاني إلى محافظة سوهاج، بينما الثالث مِن قنا، وكان أكثرهم حضورًا ونشاطًا وحركة، الراحل أحمد جادمصطفى.

في الحقيقة كانت نجع حمادي في منتصف تسعينيات القرن الماضي أكثرَ مدن المحافظة إضاءةً وإشراقًا، بسبب كثرةالأدباء وكتّاب القصة، وكتّاب المسرح، وبسبب التنافس بين الأدباء والمثقفين، وهو تنافسٌ كما أشَرنا كان له أثرٌ طيبوحميد على المشهد، لكننا رغم ذلك لا ننكِر أنه شهدَ تجاوزاتٍ عنيفة، بعضها سيء وغير لائق، وللأسف امتدت بعضتجلياته إلى ما لا يجوز، وما لا نظن أن الخوض فيه الآن مناسِب.

عبد الناصر علام

اختفت أسماء كثيرة عن المشهد في نجع حمادي، رحل عبد الناصر علام بعيدًا، وآثر محمود الحُبَكي العزلةَ، واكتفىعزت الطيري بمشاركات قليلة، وانتقل عبد الستار سليم إلى القاهرة، ولحقَ به محمود سليمان، وهناك اثنان أو ثلاثةيعملون خارج مصر، واختفى محمد عباس الروبي، وانتقل مِن نادي أدب نجع حمادي إلى نادي أدب أبو تشت “عليجامع”، وانتقل إلى عضوية النادي – بنجع حمادي – ثلاثةٌ كانوا أعضاءَ في نادي أدب دشنا (فتحي أبو المجد، محمدحفني عطا الله، أحمد عبد الغني)، وبقي عوض الله الصعيدي – رئيس النادي الحالي – وعدد مِن رفاقه يحاولونجاهدين تفعيل الحركة (عبد الهادي النجمي، طارق محروس، نشأت عمر، محمد شمروخ، سيد الدنقلاوي، عبد الرحمنمحمد أحمد، محمد عبد العليم) وغيرهم، لكنهم جميعًا في محنةٍ كبرى، تتعلق بأن مبنى قصر الثقافة تحت الترميم منذأكثر من عام، وقد حاولوا ممارسة نشاطهم بأحد مراكز الشباب القريبة، لكن المحاولة لم تستمر بسبب ما هو معروف عنطبيعة مراكز الشباب وموظفيها!

يمكن القول إن هناك حركة مسرحية مشهودة في نجع حمادي، ولأنني لست مهتمًا بالمسرح وثقافته سأجدني عاجزًا عنالإشارة إلى تفاصيلها، لكن هناك جماعة مسرحية، ربما كان اسمها “جماعة المصطبة” يشرف عليها عبد الهاديالنجمي، وهناك كتّاب مسرح غير النجمي، منهم نبيل مكرم، وهناك وِرش وعروض كثيرة، ربما كانت بحاجة إلى تفصيلٍوبيان عند مَن هُم أكثر معرفةً وإلمامًا مِني.

وقد صدر لأدباء نجع حمادي عدد من المطبوعات، ضمن مشروع النشر الإقليمي، وهُم السادة:

– عمر فتحي إسماعيل – تجديد الشعر العربي – دراسات عروضية

– عبد الرحمن محمد أحمد – زغرودة الولد الجدع – ديوان شِعر عامية

– مصطفى مروان – برنس الجهات الأربع – رواية

– عبد الهادي هاشم النجمي – القمراية – مسرحية

– نشأت صفوت عمر – لوحة غياب – ديوان شِعر عامية

– عبد الناصر علّام – سلسلة ضهري – ديوان شِعر عامية

– أحمد جامع – إذا رسمته يفر – ديوان شِعر فصحى

– علي جامع – كلام في السر – ديوان شِعر عامية

– أشرف الصاوي – الصعود إلى لوحها – ديوان شِعر فصحى

– عبد الهادي هاشم النجمي – أحلام الصعاليك – مسرحية (في المطبعة)

– نشأت صفوت عمر – نعناع مهيأ – ديوان شِعر عامية (في المطبعة)

وكشأن المدن الكبيرة، هناك مثقفون مهمومن بالفنون والآداب، وإنْ كانوا لا يمارسون الكتابة والإبداع، منهم، د. عباسجابر الشريف، وأيمن سالم، ومحمد جامع، والأخير يعمل موظفًا بقصر الثقافة، ويمكن القول إن الفترةَ الأخيرة شهدتظهور عددٍ كبير من الأدباء الشبّان، بعضهم انضم إلى نادي الأدب، لكنهم ما يزالون في بداية الطريق، ويمكن القولأيضًا إن وقتًا طويلا مَر على نجع حمادي دون أن تَظهر فيها موهبة كبيرة لافتة للأنظار.

دشنا

دشنا

على بُعد أمتارٍ قليلة مِن بيت ثقافة دشنا، يشرِق مقهى “خليفة” الذي لا يشكّل فقط ملتقىً لأدباء دشنا ومثقفيها، لكنهيشكل أيضًا ذاكرةً حيةً طويلة وممتدة لأفراحِهم البسيطة، وأحزانِهم الكبيرة المتجددة دائمًا وأبدًا! وحَسْبنا أن نشير هناإلى أن بيت الثقافة نفسَه، الذي هو شقةٌ فقيرة وضيّقة، لا يتسع لضيفٍ يجلس إليه أصحاب المدينة والمكان من الأدباء!

ويعتبَر “فتحي أبو المجد” واحدًا مِن نشطاء الحركة الثقافية في دشنا، له تاريخٌ طويل في الفعل الثقافي، منذ إنشائهوتأسيسِه “جماعة أمسية الأدبية”، التي لم تكتفِ بعقد وتنظيم الندوات والأمسيات والمهرجانات، بل أخذت على عاتقهاإصدارَ كتبٍ ومطبوعات. وربما كان أبو المجد أكثرَ أدباء دشنا إنتاجًا وإصدارًا لكتبه ودواوينه الشعرية … لكن بمرورالوقت انطفأ حماس فتحي أبو المجد، بل إنه لأسبابٍ كثيرة اضطر إلى نقل عضويتِه من نادي أدب دشنا إلى نادي أدبنجع حمادي، مصطحِبًا معه “أحمد عبد الغني، ومحمد حفني عطا الله”، ليصِل عدد أعضاء نادي الأدب العاملين الآنفي دشنا إلى سبعةَ عشرَ عضوًا، ليس بينهم أنثى واحدة، وإن كان هناك عدد من الإناث يمارسن الكتابة، ولبعضهنمطبوعات صدرت، لكنهن لا يحضرن ولا يشاركن (رغدة مصطفى، سحر محمود علي، نادية رشاد، هبة أنور، أمانيأنور) والأخيرتان شقيقتان، تكتبان الشعرَ، وتمارسان الفن التشكيلي، وهُمَا تقيمان في الإسكندرية الآن، لكنهماتترددان بين وقتٍ وآخر على بلدتهما بدشنا.

ويظل الثلاثي (حمدي محمد حسين، النميري متولي، حسين سعيد) أكثر أدباء دشنا حضورًا ومشاركة، وإن كانالأخيران أقل إنتاجًا وإبداعًا، وحتى بضع سنين خَلت كان معهم الشاعر “عربي كمال” الذي انتقل إلى القاهرة، لينضمإلى منتقِلٍ آخرَ وهو الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية “أحمد عطا الله”.

مِن أدباء دشنا الكبار “محمد إبراهيم عمر”، والرجل مِن رجالات التربية والتعليم، ومِن عشاق قصيدة الخليل، لكن سِنّهالآن لم تعد تسمح له بكثير حضورٍ أو مشاركة.

ويمكن القول دون غضاضة أن دشنا تعاني معاناة كبيرة على مستوى الفعليْن الثقافي والإبداعي، فبيت الثقافة هناككما أشرنا إليه، والمدينة نفسها روحها فيها شيء من عتمة، ربما، مِن قسوةٍ ربما، لا تساعد كثيرًا لأسباب اقتصاديةواجتماعية، على فتح مساحات لأنشطة ثقافية، وتظل المشكلة الكبرى في الأدباء والمثقفين أنفسِهم المصابين بداء الكسلوالتراخي، (ما عدا حمدي حسين، الذي أصدر أربعة دواوين شِعرية) وما يزال قابضًا على الجمر والأمل، يكتبويشارك، وينتقل ويسافر، بينما النميري متولي ليس له إلا كتابٌ واحد، وهو قليل المشاركة والانتقال، وحسين سعيدينتظر الآن ديوانَه الثاني (وزواجَه الأول)، وعربي كمال له ديوانان، وكتابٌ في السياسة، وطلعت عباس اختفى عنالمشهد بعد أن أصدر كتابًا واحدًا، وربما كان لـ مبارك أحمد محمود، كتاب، ومحمد إبراهيم عمر له أكثر من خمسةدواوين، تنتمي كلها إلى فضاء قصيدة الخليل، وهناك عدد من الأدباء يقيمون في قرى دشنا، وتحول المسافات وقِلةوسائل النقل دون حضورهم ومشاركاتهم، الأمر الذي يقلل كثيرًا من فرصِهم وتحققهم، وهُم يعملون جاهدين – كلٌّ حسبقدرته وظروفه – على التواصل البعيد، منهم (جمال عبد الشافعي، حلمي قاسم، محمد حسن عبادي، عاطف عطيت الله) وغيرهم، وهناك القاص محمد بهاء الدين حسن، الذي انتقل للعمل بمدينة الغردقة، وهو عضو نادي الأدب هناك.

هناك أيضًا نشاط وحركة مسرحية في دشنا، يشارك فيها النميري متولي، ومحمد سعد، وحمادة علاء الدين، وعلاءالدين عبد الرافع عبد العزيز، وحمدي حسين.

وعدم ظهور أي مبدعين جدد متميزين ومشرقين، أهم ملمح مأساوي في دشنا، وربما كان آخر هؤلاء ظهورًا وإشراقًا،صابر حسين خليل، قاص، وناشط يهتم بأدب الطفل ويبذل جهدًا كبيرًا وحقيقيًا.

وقبْلَه بسنوات ظهر القاص عاطف عطيت الله، وهناك روائية جديدة ظهرت في قرية أبو دياب (وردة شوقي) صدرت لهارواية من قبل، وتنتظر روايتَها الثانية … وفي دشنا أيضًا يطالِعنا وجه وجهد الصحفي محمود الدسوقي، وهو مثقفمهموم بقضايا مجتمعِه، كما يطالعنا وجه الفنان التشكيلي الجميل أنس عبد القادر، وهناك الناقد والمثقف الكسولأشرف سليمان.

شَهدت دشنا خلال العامين الأخيرين عدة مبادرات ثقافية مخلصة لنشر ثقافة القراءة، لعل أهمها مبادرة سوق أزبكيةدشنا، والتي تولاها صابر حسين خليل، وحمدي حسين، وقد أقامت معرضًا للكتاب في فبراير الماضي، شهد عدة ندواتٍأدبية وثقافية.

أمّا أدباء دشنا الذين صدرت لهم مطبوعات ضمن مشروع النشر الإقليمي، فهُم السادة:

– فتحي أبو المجد – الركض صوب المستحيل – ديوان شِعر فصحى

– عاطف عطيت الله – من خلال ثقب لا يسع حدقة واحدة – مجموعة قصصية

– حمدي حسين – سكاكين وكفوف – ديوان شِعر عامية

– حسين سعيد – مين علّمها عيونك تستخبى من غناي – ديوان شِعر عامية

– صابر حسين خليل – هذا سِرنا الصغير – مجموعة قصصية للأطفال.

ومن شعراء قنا الذين تعود أصولهم ونشأتهم إلى دشنا، الراحلان محمود خليفة، وسيد عبد العاطي، والشاعران فتحيعبد السميع، وعبيد عباس.

نقادة 

على بُعد ثلاثين كيلو مترًا جنوب قنا، أشرق تاريخ، وسَطعت حضارة منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، في مدينة نقادة التيتقع في المنتصف ما بين قنا والأقصر.

وكنت أتمنى لو كانت هذه المادة مخصصة للتاريخ والحضارة، لعلِّي كنت أسرفتُ في الحنين، ولعلِّي كنت أقف أمام أكبرمَسخرة من مساخر البلدان والعمران في حكوماتنا غير الرشيدة، تلك التي تبدو وكأنها تنتقم من كل بلدة أو مدينة كانلها حظ من تاريخ أو حضارة، فتهمِل شوارعها، وتتجاهل ميادينها، وتترك أهلها لعذاباتٍ ومواجعَ لا حصر لها! يمكنكمجميعًا أن تستدعوا قفط، ودندرة، وقوص، وأبوتشت، ونقادة وغيرها، وتتأملوا حالها وأحوالها لتتيقنوا مِن ذلك.

لنترك هذا جانبًا الآن، ولنتذكر أن أدباء نقادة ومثقفيها كانوا حتى بضع سنين أعضاء في نادي أدب مدينة قنا، وجاهَدواحتى أسّسوا ناديَهم المستقِل، ويمكنني القول – وأظنني متابعًا جيدًا – إن نادي أدب نقادة واحد مِن أكثر أندية الأدبفي قنا انتظامًا في ندوته الأسبوعية، وفي نشاطِه الدائم – قياسًا بغيره – ويبلغ عدد أعضائه العاملين ستة وعشرينعضوًا، ليس مِن بينهم أنثى واحدة، رغم أن السنواتِ البعيدةَ شهدت شاعرةً كانت تحضر وتشارك، لكنها اختفت الآن(فاطمة صديق)!

وأول ملمح مِن ملامح الحركة الإبداعية هناك أن سبعة مِن أعضائه كتّابُ سرد،  وكلهم رائقون، متميزون، متحققون، كلهمدون استثناء لهم كتب ومطبوعات، وبعضهم حاصل على جوائزَ مرموقةٍ ومحترمة، (أيمن حسين، فتحي حمد الله، الطيبأديب، محيي الدين الحمداني، جرجس ثروت رزيقي، عبد الصبور بدر، أحمد أبو دياب، وائل الأسمنتي) ومثلهم فيالعدد شعراء، منهم مَن يكتب الشعر والقصة، مثل (فتحي حمد الله) أصدر أكثر من مجموعة، و(حمدي مهدي عمارة) الذي أصدر عدة دواوين شعرية، وكتابًا أو كتابيْن في المأثورات الشعبية، ومنهم مَن يكتب الشعر والقصة، (وائلالأسمنتي- له روايتان ومجموعة شعرية) وباقي الأعضاء حاصِلون على درجاتٍ علمية كالماجستير والدكتوراه.

ومِن أدباء نقادة مَن اعتزل الحضور والمشاركةَ، (الطيب أديب عبد الراضي)، وهو قاص وكاتب أدب أطفال، وله أكثر منكتاب في مجالات مختلفة، ومنهم مِن هو غائبٌ أو منقطِع، كـ (دسوقي الخطاري) الذي كان رئيسًا لمجلس إدارة الناديمن قبل، وكان عضوًا فاعلًا، لكنه غائب الآن عن المشاركة في النادي، ومنهم أيضًا القاص (عبد الصبور بدر)، والذييعمل صحفيًا ويقيم في القاهرة، ومنهم (محمد الخطّاري) الذي بدأ حياته شاعرًا، ثم حصل على درجة الماجستير،وسافر خارج البلاد فترةً وعاد، لكنه غير مشاركٍ الآن، و(حمادة خليل حسن) الذي لم يعد يشارك إلا قليلا، و(عبدالناصر أحمد محمود) الذي يعمل الآن خارج البلاد، ولا ننسى (عبد العاطي عبد الرازق سمان) الذي رحل عن عالمنامنذ أسابيعَ قليلة.

ويمكن القول إن آخرَ إشراقاتٍ إبداعية في نقادة، تمثلت في اثنين من شبابها، أحدهما شاعر وباحث، وهو “عبد النبيعبد السلام عبّادي”، والآخر قاص، وهو “أحمد أبو دياب”، وكلاهما موهبة حقيقية …. وهناك أسماء جديدة ظهرت فينقادة في الفترة الأخيرة، ما تزال تبحث عن وجودِها وتَحققِها (أحمد فرج الخليفة،  إبراهيم السمان،  زين الأمين، جابرالعبد،، رحاب إبراهيم)

الدكتور مأمون فندي

وإذا كنا قد أشرنا إلى “عبد الصبور بدر” باعتباره قاصًا وصحفيًا من نقادة، فتجدر الإشارة إلى صحفي ومثقفوكاتب سياسي كبير، هو مِن نقادة أيضًا، لكنه يعمل في جامعات أمريكا وأوروبا ومراكزهما البحثية، اسمه الدكتورمأمون فندي …. كما يظل العم “مهنى موسى درياس” واحدًا مِن المخلصين لمحاولات الكتابة والحضور والمشاركة فينقادة، رغم أنه ليس عضوًا بنادي الأدب.

وأدباء نقادة الذين صدرت لهم مطبوعات ضمن مشروع النشر الإقليمي، هُم السادة:

– محيي الدين الحمداني – جنات عطشى للجحيم – مجموعة قصصية

– عبد النبي عبّادي – على بعد فاطمة أو أقل – ديوان شِعر فصحى

– محيي الدين الحمداني – ضباب فوق عين القمر- مجموعة قصصية

– وائل الأسمنتي – بين المتن والهامش – ديوان شِعر عامية.

ولا يختلف بيت ثقافة نقادة كثيرًا عن مأسأة معظم بيوت الثقافة الجماهيرية وقصورها، في مختلف مدن محافظة قنا،مِن حيث إنه شقة ضيقة صغيرة تصلح لأي شيء إلا للفعل الثقافي، ورغم ضيق المكان وبؤسِه إلا أن هناك حرصًا علىتنفيذ النشاط، وعلى حضور البعض، ويعمل ضِمن موظفي المكان اثنان مِن المبدعين مِمن أشرنا إليهم، القاص أيمنحسين، والقاص والروائي محيي الدين الحمداني.

والذي نحن مَعنيون به الآن، ضرورةُ ألا تَغرّنا أو تَخدعنا إشارتان ورَدَتا هنا، الأولى الإشادة بانتظام ندوة الناديالأسبوعية، والأخرى الإشارة إلى وجود اثنين من المبدعين يعملان موظفيْن في بيت الثقافة؛ فرغم هاتين الإشارتين فإنالوضع في نقادة يشبِه الوضع في مختلف مدن المحافظة، مِن حيث حاجته إلى طفرةٍ قوية، كما أن المناخ الثقافي العامفي نقادة فقير، فليس هناك أي نشاطٍ بعيدًا عن نشاط بيت الثقافة، كما أن إقبال الشارع وتفاعلَه ضعيف جدًا، والمواهبالفارقة – أو المختلفة – قليلة، باستثناء آخِر اثنين أشرنا إليهما (عبّادي وأبو دياب). والزميلان الموظفان طيبانومستأنَسان، يؤديان عملَهما ويمارسان الكتابةَ في حدود ظروفِهما وطبيعة المكان، أعني أنهما غير قادريْن علىالاشتباك مع المحيط اشتباكًا يفرِز حركةً غير تقليدية، وهو ليس اتهامًا لهما بقدر ما هو وصف للظروف المحيطة بهما،لكن يتبقى أن وجود اثنين مبدعيْن في مكانٍ واحدٍ ينبغي أن يكون دافعًا لأفكارٍ جديدة ورؤى مغايرة، وهو ما نتمنى أننشهده قريبًا.

مدينة الوقف بعيون (جوجل)

الوقْف 

تقع مدينة “الوقف” في الطريق الغربي، في منتصف المسافة بين قنا ونجع حمادي، وكانت قبل عام 1989 قريةً تابعةلمركز دشنا، لكنها وبسبب اتساع رقعتِها الزراعية، وسعْي عددٍ من رجالها المخلصين، تحولت إلى مدينة، لكن حظها منالمدنية ما يزال بحاجةٍ إلى جهودٍ عمرانية واقتصادية وثقافية، ومما يؤسَف له أنه بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا مِنتحويلها إلى مدينة، لم يتم إنشاء لا قصر ولا بيت ثقافة بها، وهو ما يشكّل علامة استفهامٍ كبرى، وعلامة تعجّبٍ أيضًا؟!

هناك فقط مكتبة للطفل والشباب أنشئت سنة 2008 وتم افتتاحها رسميًا سنة 2017 – متأخرًا جدًا – بسبب الأحداثالتي شهدتها مصر إبّان وبعد ثورة يناير، والمكتبة المشار إليها ليست في مدينة الوقف نفسِها، لكنها في قرية”المَراشدة” التي تبعد عن المدينة ثمانية كيلو مترات تقريبًا، ويعمل بها موظفان فقط!

أمَّا عن المشهد الأدبي والثقافي في الوقف فمعتِم وفقير جدًا، ولا أكاد أعرف فيه إلا ثلاثة يمارسون الكتابة، أمَّا الأولفالراحل “محمد عبد الظاهر حمد”، وكنا قد أشرنا إليه في معرض حديثنا عن نشاط مدينة الألمونيوم، أثناء الكتابة عنالمشهد في نجع حمادي، إذ كان الراحل واحدًا مِن فرسان الألمونيوم الثلاثة، وقد كان نشيطًا وذا حركة، يكتب الشعرَوالقصة، وأذكر أنه قضى عامًا عضوًا برلمانيًا في مجلس الشوري وقتهًا، قبل أن يرحل عن عالمنا سنة 2013 تاركًا ديوانًايتيمًا بعنوان “رماد الحنين”، وعددًا من الكتب المشتركة، والقصائد المنشورة.

أمّا الثاني، فهو الأديب والمثقف “خالد ربيعي” الذي عرَفته محافظة قنا عندما كان طالبًا بجامعة جنوب الوادي، ومع حبِّهللعربية وآدابها كان مشروعَ شاعر، ولعله أصدر في سِنّه تلك الصغيرة كتابًا أو كتابين ماستر، لكنه فيما بعد اختارالتدريس مهنة، واختار الكتابةَ العامة طريقًا، ثم ترك التدريس واختار الصحافةَ مهنةً يمارسها الآن في دولة الكويت،وهو واحدٌ مِن المهتمين بالشأن الأدبي والثقافي.

والأخير “عبد الحميد السنبسي”، ورغم أنه غير متواصلٍ ولا مشارك في فعاليات الحركة الثقافية، إلا أن له كتابيْن،أحدهما في أدب الرحلات بعنوان “دقات على باب الغربة”، والآخر رواية بعنوان “عودة الحشاشين”.

ورغم انتشار التعليم في مركز الوقف، ورغم وجود كثيرين من الحاصلين على درجات علمية عالية، إلا أننا نفتقر الآن – ربما بسبب تقصيرنا – إلى معرفة شاعرٍ كبير، أو مبدعٍ معروف منتمٍ إلى مركز الوقف، على تواصلٍ مع الحركة الثقافية،هناك بالتأكيد عدد ممن يحاولون الكتابة، ويشاركون في بعض الأنشطة الأدبية والثقافية التي تقيمها مكتبة الطفلوالشباب بالمراشدة، ومِن هؤلاء الذين يَكتبون الشعر(علي شُريّف، هاني محمد علي، هيثم كامل).

والخبر الجديد الذي تَناهَى إلى أسماعنا بأخرةٍ من الوقت أن مجلس محلي الوقف قد خَصص قطعة أرضٍ لبناء قصرثقافة، لكنه في انتظار قرار الترخيص.

مدينة قنا 

الكتابة عن المشهد الأدبي والثقافي في مدينة قنا، صعبة، وعسيرٌ الإلمام بها، لذا سوف أكتفي بتفاصيلَ صغيرة، أوبملامحَ عامة، يمكن إيجازها بالقول إنه المشهد الرئيس، الذي كان أكثر إضاءةً وإشراقًا، بسبب أنها المركز والعاصمة،وبسبب وجود قصر الثقافة الذي كان في فترة االتسعينيات قريبًا من ديوان عام المحافظة نفسها، ورغم صغر حجمِهوضيقِه، كانت صالة القصر تعج بالأدباء والمثقفين في مختلف فنون الكتابة والإبداع، لدرجة أن مقاعد المكان لم تك كافيةًلعدد الحضور!

كان كل شيء في المكان فقيرًا، أداءً وموظفين، لكن الثراء كله كان في الحضور، ووقتَها كان الكبار سِنًا مسيطرين علىالمشهد، وفي الحقيقة لم تكن سيطرة مزيفة أو مدّعاة، كانوا كبارًا وحقيقيين، كان هناك محمد نصر يس، وقرشيدندراوي، وكرم الأبنودي، وعبد الستار سليم، وعزت الطيري، وغيرهم، وكان أن بدأ شبابٌ في الحضور والتواصل،محمود مغربي، فتحي عبد السميع، امبارك إبراهيم، محمد حسن علي، عبد الرحيم طايع، محمد عبد المنعم عيسى،وعشرات غيرهم (ليس الغرض الحصر، لكن التمثيل) وانضم إليهم فيما بعد سعد القليعي، مصطفى جوهر، غنية عبدالرحمن وغيرهم أيضًا .. ولم تكن فكرة تعدد أندية الأدب قد ظهرت بعدُ، كان هناك نادي أدب واحد في كل محافظة، وكانمقره المركز والعاصمة .. في تلك الفترة أراد الشباب أن يثبتوا دورهم وحضورهم، فخاضوا أول انتخابات لهم ضد الكبارالذين ترشحوا واثقين تمامًا من الفوز، وحدثت المفاجأة الكبيرة المدوية، وفاز الشباب وخسر الكبار!

الأمر الذي فتح الطريق في محافظة قنا بأسرها لروحٍ جديدة، وأفكارٍ مغايرة، وبدأ أدباء المدن الأخرى يتوافدون علىقصر الثقافة، لكن الأهم أنهم بدأوا في الثورة والتمرد على الأوضاع في مدنِهم بعد أن رأوا نجاح شباب أدباء مدينة قنافي إدارة العمل الثقافي ..ومع تغيير قصر الثقافة، وانتقالِ العمل والإدارة إلى المبنى الجديد الحالي، كانت فكرة تعددأندية الأدب في المحافظات قد أصبحت واقعًا على الجميع، فاختص كل نادٍ بنشاطه وخططه وبرامجه.

مِن وجهة نظري الخاصة، إن أكبر دورٍ مهم ومؤثر في المشهد الثقافي والأدبي في مدينة قنا، كان دور الراحل محمدنصر يس، الذي كان ناشطًا ثقافيًا من الطراز الأول، رغم أنه لم يترك إنتاجًا إبداعيًا كثيرًا، إلا أن وجوده ترك أثرًا كبيرًافي كثيرين، والأثر الآخر كان لـ فتحي عبد السميع، ومحمود مغربي، وامبارك إبراهيم، الذين شكّلوا حركة فاعلة ونشيطةفي كل شيء – في تلك المرحلة – في الكتابة، وفي الطموح، وفي الأفكار، وفي الحركة على الأرض، ليس فقط فيمايخص أنشطة الثقافة الجماهيرية، ولكن أيضًا فيما يخص أي نشاطٍ ثقافي أدبي في أي مكان آخر.

وكان نادي أدب قصر ثقافة قنا مشعلاً من مشاعل الحركة الثقافية حضورًا وممارسَة، ولم يكن وحدَه، كانت هناك ندواتوأمسيات ومهرجانات يومية وأسبوعية في الشباب والرياضة، وجمعية الشبان المسلمين، يقيمها أدباء قصر الثقافةأنفسهم، وحتى وقتٍ قريب كان بعض هذه الفعاليات قائمًا، كالمنتدى الثقافي في النحّال، وبعض الصالونات الخاصة … لكن كل ذلك للأسف لم يُكتَب له الاستمرار!

شيئًا فشيئًا بدأ الضعف والتراجع، رحل عدد كبير من الأدباء والمثقفين، وزهدَ عدد أكبر منهم، وتوقّف كثيرون عن تعاطيالأدب، ولم يتبق إلا نادي الأدب بقصر ثقافة قنا، مكانًا يسأل عن روّاده والمترددين عليه فلا يجد جوابًا!

رحل محمود خليفة، وسيد عبد العاطي، ومحمد عبد المنعم عيسى، وأحمد قاسم أحمد، ومحمد نصر يس، وكرم الأبنودي،وأحمد الدقر، وعبد المحسن قناوي، وعبد الرحيم حمزة، ومحمد مغربي مكي، وفتحي سعد عبد الغني، ومحمود مغربي،وآخرون …

ويبلغ الآن أعضاء نادي الأدب سبعة وثلاثين عضوًا، بينهم ثماني إناث، لا تحرص واحدة منهن على الحضور! ولايحرص على الحضور والمشاركة من الباقين إلا عدد قليل جدًا لا يتجاوز عشرة نفر؛ إذ ينشغل عدد كبير من الأعضاءوغير الأعضاء العاملين في حقل التربية والتعليم بعملهم صباحًا ومساء ومنهم (عبيد عباس، حسن أبو بكر، خالد طايع،مصطفى جوهر، عادل حمّاد سليم) ويغيب فتحي عبد السميع لظروف عملِه وبعض متاعبَ صحية، واختفت أسماء لاأحد يعرف السبب وراء اختفائها مثل (أسامة القوصي، مختار سيدهم، محمد أحمد رفاعي، ياسر الحو، أنور عكاشة،هدى عبد المنعم، هناء عابدين)! وانتقل عدد آخر للعمل في القاهرة أو في محافظات أخرى، أو في الخارج (أشرفناجي، حمدي منصور، محمود عبد الرحيم، عبد الرحيم طايع، طارق مهنا، حسن مغازي، هدى السبع) وظل العددالقليل حريصًا على الحضور (امبارك إبراهيم، سعيد الصادق، محسن النوبي، محمد عبد الله صالح، عبد الحميد أحمدعلي، محمد صالح البحر، رفعت حفني) وهناك عدد من الشباب الذين يترددن الآن على المكان، لكنهم جميعًا ما يزالونفي طور المحاولة والتجريب. (أكرر أن الغرض التمثيل وليس الحصر).

أشرف البولاقي

ومن أدباء نادي أدب مدينة قنا الذين صدرت لهم أعمال في مشروع النشر الإقليمي:

الشاعر فتحي عبد السميع

– فتحي عبد السميع – تقطيبة المحارب – ديوان شِعر فصحى

– أشرف ناجي – فصول من كتاب امبارح – ديوان شِعر عامية

– مصطفى جوهر – القطرة الأولى من الصبح – ديوان شِعر عامية

– فتحي سعد – صخب العتمة – مجموعة قصصية

– عادل حمّاد سليم – شاهد ومشهود – ديوان شِعر فصحى

– عبيد عباس – الخروج عن النص – ديوان شِعر فصحى

– حسن خلف – مفتتح لشجر البدايات – ديوان شِعر فصحى

– عبد الحميد أحمد علي – لما القمر بيموت – ديوان شِعر عامية

– عبد الرحيم طايع – وجه كبير مخيف – ديوان شِعر فصحى

– خالد طايع – قراءة في نقوش على جدران الكرنك – دراسة نقدية

– أحمد محمد علي – صورة عائلية للبحر – ديوان شِعر فصحى

– عادل حمّاد سليم – صوب صهيل الشمس – ديوان شِعر عامية

– أشرف البولاقي – مبدعون وجوائز – كتاب تذكاري

– محمود عبد الرحيم – النص الأخير – ديوان شِعر عامية

والمشهد الآن في مدينة قنا مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة، بشرط أن نفهم أننا نقصد مشهدَ الفعل الثقافي، وليسالإبداعي؛ فالزهد والانصراف عن المشاركة سيد المشهد وملمحه الرئيس، إضافة إلى غياب الكادر الثقافي الموظف،فضلاً عن اختفاء كل الفعاليات الأخرى التي كانت تملأ جنبات المدينة قبل سنين، مع انطفاء دور الجامعة تمامًا،واختفاء المنتديات والصالونات، وهو ما سنعرض له لاحقًا.

ونظرًا لطول المشهد في مدينة ومركز قنا، وكثرةِ ما يستحق الإشارة، سنقف عنده وقفاتٍ متتالية.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات