هل نظر فريد أبو سعده إلى قصة أبو المعاطي …وأطال النظر ؟!

06:42 مساءً الأربعاء 7 نوفمبر 2012
محمد أبو السعود الخياري

محمد أبو السعود الخياري

ناقد أدبي من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

من آن لآخر يلتفت الواقع الثقافي والأدبي بكامله نحو حدث مهم يفتح باب الجدل ، ويملأ ساحة النقاش الحاد بالهجوم والدفاع المتبادلين .

     ويستعيد الذهن على الفور – وفي كل مرة – حوادث مشابهة صارت علامات لهذا الفعل الثقافي الصاخب ، والذي وصفه بعض النقاد بصراحة متجردة بالسرقات ، في حين جنح البعض الآخر إلى الاحتماء باللباقة والاستئناس بالمنطقة الوسطى فأسموه الاقتباس أو توارد الخواطر ، وحديثا أسماه النقاد التناص .

 تاريخ بعمر الأدب

  ولفكرة السرقة أو الاقتباس تاريخ طويل بطول تاريخنا الأدبي منذ عصره الجاهلي ، وما تحدث عنه النقاد من تأثر الشعراء الجاهليين بشعر امرئ القيس إلا بداية لهذه الظاهرة التاريخية ، ومنه ما لاحظه النقاد من تشابه قول طرفة بن العبد :

  وقوفاً بها صحبي علي مطيهم                      يقولون لا تهلك أسى وتجلد

وقول امرئ القيس :

وقوفاً بها صحبي علي مطيهم                      يقولون لا تهلك أسى وتجمل

فرأوا أن طرفة قد أخذ قول الآخر جميعه ، ولم يغير سوى القافية .

  وفي عصر أدبي تال نالت الشبهة أبا تمام ، فقال عنه دعبل بن علي الخزاعي : ( إن ثلث شعره سرقة وثلثه غث وثلثه صالح ) . ونسمع أبا تمام يدافع عن نفسه بقوله :

 منزهة عن السرق المورى                       مكرمة عن المعنى المعاد .

المتنبي متهم بارز

وكان نصيب الشاعر البارز أبي الطيب المتنبي من قضية السرقات كبير كمقامه الشعري ، بل إن المصنفات التي كتبت عن السرقات في شعر المتنبي قد انتشرت في مختلف العصور الأدبية حتى الآن .

ومن المصنفات المهمة التي كتبت حول شعر المتنبي وتشابهه مع مضامين معاصريه من الشعراء ، كتاب محمد بن أحمد العميدي  المسمى ( الإبانة عن سرقات المتنبي لفظاً ومعنىً)؛ وفيه يقرر العميدي : ( ولقد تأملت أشعاره كلها فوجدت الأبيات التي تفتخر بها أصحابه وتعتبر بها آدابه من أشعار المتقدمين منسوخة معانيه من معانيهم المخترعة مسلوخة ) .

  وقد صدق ( الثعالبي ) حين قال عن المتنبي : ( ظهر المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس ) ، وكان شغله الناس أيضا بمعانيه المتشابهة مع معاصريه من الشعراء ، لاسيما أبو تمام .

   ومن الأمثلة التي ساقها النقاد لأبيات المتنبي التي نظر فيها لأشعار أبي تمام :

   قال أبو تمام : ولو لم يكن في كفه غير نفسه           لجاد بها فليتق الله سائله

  وقال المتنبي : يأيها المجدي عليه روحه              إذ ليس يأتيه لها استجداء

وقال أبو تمام أيضا : لو حار مرتاد المنية لم يجد     إلا الفراق على النفوس دليلا

 ليقول المتنبي : لولا مفارقة الأحباب ما وجدت        لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

  وكانت الحركة النقدية حول المتنبي وارتباط هذه القضية باسمه واسعة أنتجت كثيرا من الكتب منها : – أسرارالبلاغة ( للجرجاني ) – العمدة في صناعة الشعر ونقده ( لابن رشيق ) – كتاب الصناعتين ( لأبي هلال العسكري ) – وغيرها .

    وتخطت فكرة السرقات الأدبية حواجز الزمان والمكان واللغة ؛ ليقول البعض بالتشابه حد الاقتباس بين رسالة الغفران لأبي العلاء المعري وبين الكوميديا الإلهية للكاتب الإيطالي دانتي الجيري .

الحمار بين مصر وأسبانيا

وفي السبعينيات من القرن الماضي برز اسم كبير هو الكاتب توفيق الحكيم ، حيث اتهم الحكيم بسرقة كتاب للشاعر الإسباني ( خوان رامون خمينيث ) الحاصل على جائزة نوبل في الآداب 1956 هوكتاب ( حماري وأنا ) ، وبقدر ما كانت قامة الحكيم كبيرة بقدر ما كانت الحملة واسعة ، وهو الأمر الذي وجدت السياسة طريقها إليه ، حين قام الرئيس جمال عبد الناصر بإهداء الحكيم قلادة النيل وسط الصخب الثقافي حول القضية ، وكأن الرئيس – الذي اعتبر الحكيم أبا روحيا للثورة – قد أراد إنهاء الجدل والحفاظ على قيمة الحكيم … وهو الحل السياسي الذي استعان بقوة السلطة في حسم قضية أدبية لم يستطع النقد حسمها لصالح الحكيم .

شرف صنع الله في زنزانة فضل

ونذهب إلى التسعينيات من القرن الماضي ، وتحديدا إلى العام 1997؛ وفيه قضية بارزة ، لكنها ليست في الشعر ، بل هي في الرواية ، وبطلاها : الروائي فتحي فضل وروايته ( الزنزانة ) الصادرة عام 1993 ، والروائي صنع الله إبراهيم وروايته ( شرف ) الصادرة عام 1997 عن دار الهلال . وقد انشغل الوسط الثقافي بقضية أثارها فتحي فضل نفسه ، اتهم فيها صنع الله إبراهيم بسرقة روايته ، وكان الجديد في القضية هو أن صاحب الدعوى هو الروائي نفسه ، وليس أحد النقاد ، ما أعطاها بعدا قانونيا ، فضلا عن بعدها النقدي والثقافي .

ثلاثون عاما بين قصة أبو المعاطي وقصيدة أبو سعده

قضية اليوم هي قضية عبر نوعية ، حدثت بين قصيدة من الشعر الحديث تنتمي لفترة التسعينيات ، وبين قصة قصيرة تنتمي لفترة الستينيات .

 فالناظر لقصيدة ( قابلت غجرا سعداء ) للشاعر المصري محمد فريد أبو سعده ، ضمن ديوانه ( جليس لمحتضر ) أواخر تسعينيات القرن الماضي ، ومعها ينظر لقصة ( ذراعان ) للقاص والروائي المصري أبو المعاطي أبو النجا ، ضمن مجموعته القصصية ( الناس والحب ) الصادرة 1966 في طبعتها الأولى … الناظر فيهما لا يسعه – ودون جهد نقدي – إلا الجزم بتشابههما الحاد ، أو القول بأن قصة أبي المعاطي قد تحولت على قلم أبي سعده إلى قصيد ة ؛ ولكن بعد نحو ثلاثين عاما .

    وقصة أبو المعاطي أبو النجا تصور موقفا للراوي يجلس داخل دار السينما ، وجاورته بالصدفة فتاة لا يعرفها ، وبدا تلامس ذراعيهما هو ترمومتر العلاقة التي بدأت باردة حد النفور ، ثم تطور تدريجيا وبوحي من أحداث الفيلم الرومانسي الذي تعرضه الشاشة أمامهما ؛ حتى تصادق الذراعان ،و إن جهل صاحبا الذراعين بعضهما … وفجأة انتهى الأمر بانتهاء الفيلم ،وذوبان الفتاة في الزحام وسط البشر ( الذين أتوا مع الضوء ) ، وفقد الراوي صديقته اللحظية في موقف وجودي نستحضر معه مقولة ( جان بول سارتر ) ( الجحيم هو الآخر ) .

يقول أبو المعاطي في قصته : ( المقاعد حولي لا تزال خالية ولن يمر وقت طويل حتى تمتلئ ، وأحرم من تلك الجلسة التي أمد فيها قدمي وذراعي بحثا عن نسمة عابرة … المقاعد تمتلئ ، وبجواري تجلس فتاة كانت تتقدم الأسرة الصغيرة التي التي احتلت المقاعد الأربعة عن يميني . كان من الضروري أن أعتدل في جلستي ، خاصة أنني أرتدي قميصا بنصف كم ، وجارتي تلبس فستانا بلا أكمام ، والمقاعد من النوع الذي يفصل بين كل مقعدين فيه مسند واحد ، لا يتسع إلا لذراع واحدة أو ذراعين صديقين ) .

                                انظر القصة ضمن مجموعة الناس والحب – ط1 دار الآداب 1966

وتطالعنا قصيدة فريد أبو سعده ، ليحتل الراوي محل راوي قصة ( ذراعان ) ، فيجاور بالسينما فتاة ويتبادلان التلامس على إيقاع الفيلم الموازي ، وينتهي الحلم بانتهاء الفيلم ، وجاءت القصيدة كما القصة بضمير المتكلم أو الراوي الشخصية .

يقول أبو سعده في قصيدته :

” قابلت غجرا سعداء “

المرأة تستحم في برميل
والرجل يقلم أظافره بمطواه
لم تحتمل المرأة
التي جلستْ بجواري
أن يلمس كوعي صدرها عرضا
حدجتني في الظلام الشفيف
و
توالت الأحداث

لكنها
عندما مزّق المتوحش سوتيان البنت
ودفن لحيته الكثة
بين ثدييها
وضعت يدها عليّ!
فمددت يدي إليها
كانت مبتلة ودافئة
نظرت لها فأشاحت
وقبل أن ينتهي الفيلم
اختفت
بين الذين يخرجون في الظلام !! 

  هذا رأيي نضعه أمام الأديبين ، كما نضعه على مائدة النقاد ، وليدرج الأديبان في القائمة نفسها التي حفلت بكبار السماء من الشعراء والمبدعين ؛ كالمتنبي وتوفيق الحكيم وصنع الله إبراهيم ومعهم محمد فريد أبو سعده .

One Response to هل نظر فريد أبو سعده إلى قصة أبو المعاطي …وأطال النظر ؟!

  1. فريد أبوسعدة رد

    28 ديسمبر, 2012 at 3:44 م

    يشرفنى ان أتأثر بكاتبنا الجميل ، ولو فى الحلم ،عوضا عن اعتذارى لعدم قراءة أى من اعماله البديعة سوى الحب فى المنفى !

اترك رداً على فريد أبوسعدة إلغاء الرد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات